خطبة عيد الأضحى 1432هـ

عادل بن عبد العزيز المحلاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/ عظمة الإسلام 2/ الأمر بالإحسان في الأمور كلها 3/ المحافظة على الصلاة 4/ الزكاة وأثرها في خيرية للمجتمع 5/ حثّ الشريعة على حرمة الدماء 6/ بغي الحوثيين على الحدود الجنوبية 7/ اعتقادات الحوثيين الباطلة 8/ تحريم الظلم بين العباد 9/ المساواة بين الناس وإزالة أسباب العنصرية 10/ حفظ حقوق المرأة

اقتباس

كم فيه من توجيهات وأوامر وإرشادات لصلاح الفرد والمجتمع!! تأمل في أمره في إفراد الله بالعبادة كيف قرره بأحسن خطاب، وأجل بيان؛ لأنه المستحق سبحانه لها؛ لما له من صفات الكمال والجلال سبحانه، وبطلان عبادة ما سواه ممن لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فيقول سبحانه: (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: إن دينكم عظيم، وشرع الله لكم قويم، قد جمع لكم من الأحكام أعلاها، ومن التوجيهات أجلاها، ومن الآداب أرفعها وأسماها، حتى قال الأول: "ما من أمر يدعو له العقل الصحيح إلا ودعا له هذا الدين، وما من نهي ينهى عنه العقل الصحيح إلا ونهى عنه هذا الدين".

كم فيه من توجيهات وأوامر وإرشادات لصلاح الفرد والمجتمع!! تأمل في أمره في إفراد الله بالعبادة كيف قرره بأحسن خطاب، وأجل بيان؛ لأنه المستحق سبحانه لها؛ لما له من صفات الكمال والجلال سبحانه، وبطلان عبادة ما سواه ممن لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فيقول سبحانه: (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) [سبأ: 22].

ولقد جعل سبحانه عبادة غيره أضل أنواع الضلال، فقال سبحانه: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف: 5].

والعبد الحق هو المستجيب لأمر ربه، الذي أفرده بحقه لأنه الخالق المنعم المتفضل عليه، والمحسن عليه بجميع أنواع الإحسان، تأمل في كل نعم رُزقتها من دينٍ ودنيا مَن المتفضل بها تجد جوابها في قوله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) [النحل: 53].

كم في إرشاداته من تقوية وتوطيد لعلاقات أهل المجتمع الواحد!! تأمل في حثّه على تقوية العلاقة بين الآباء والأبناء من أمر أولئك بالاهتمام وهؤلاء بالبر والإحسان.

يقول تعالى آمرًا الآباء بالإحسان في آيات فيها من دلائل رحمة الله بعباده ما فيه في قوله تعالى: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [النساء: 11]، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6].

وبالمقابل انظر في إحسان الله للآباء بأمر أبنائهم بالبر في مواطن كثيرة من كتابه المجيد، وجعل الأمر بالبر يلي الأمر بعبادته رحمة للآباء وإرشاد للأبناء للعناية بهذا الأمر الجليل، وجعله من أهم القضايا في حياتهم فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].

كم في هذا الدين العظيم من توجيه لتقوية وتوطيد للعلاقة بين الزوجين بأمر كل واحد منهما بالإحسان!! يقول سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).

كم فيه من الأمر بالإحسان للجار والقريب، والمسافر والمحتاج، والصغير والكبير!! قال تعالى في آية الحقوق العشرة كما سماها بعض أهل العلم، حيث يقول سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) [النساء: 36].

بل تعدى الأمر بالإحسان من الإنسان إلى الأمر بالإحسان للحيوان؛ ما فيه دلالة على كمال هذا الدين العظيم، وأنه من لدن حكيم خبير.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: لقد نزلت على نبيكم في مثل هذا اليوم آية إكمال الدين وإتمام النعمة، وهي قول الله تعالى: (لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3].

فكانت نعمة لا تُحد، وعطاء من الكريم لا يُعد، نالته هذه الأمة الكريمة على الله تعالى.

فاللهم ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه.

تأملوا -يا أهل الإسلام- في فرض الصلاة وكيف جعلها الله على أحسن هيئة وأجمل حال، تجعل العبد في صلة دائمة مع ربه -عز وجل- على الدوام في هيئات عظيمة ما بين قيام وركوع وسجود، وتلاوة وأذكار ودعوات وتسبيحات، ألا ما أجلها من عبادة، وما أحسنها من طاعة، فكيف هو حالك معها -أيها المؤمن- وقد بلغك عن نبيك قوله: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".

هنيئًا لكل محافظ عليها، مداوم لها، مؤديها في وقتها، معظمًا لشأنها، كم هي علاقته بربه قوية، وصلته بمولاه دائمة، قد فاز بحظ كريم من ربه، وعطاءٍ جليل من مولاه.

لقد وعد الله عباده بالجنة، وجعل من أعظم صفات أهلها أنهم على صلاتهم دائمون، وعليها محافظون، فكانوا هم الوارثين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.

وأما المقصِّر فيها فقد فاته خير كثير، وحرم نفسه وظلمها من حياة كريمة في دنياه، وثواب مدّخر له في أخراه، فيا مقصّرًا في صلاته، ظالمًا لنفسه بإضاعة فرضه، أصلح حالك مع الصلاة، فهي الطاعة العالية، والعبادة المنجية، الموصلة إلى الرحمات، وأحسن فيما بقي من عمرك، فإنما الأعمال بالخواتيم.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: كم في شريعة الزكاة من كمال وخير للمجتمع، كم فيها من تخلص لشح النفس عند الأغنياء، وفوز ظاهر على الشيطان، فقد وعد العدو صاحب المال بالفقر، ووعده الكريم سبحانه بالغني، فاتبع المزكي أمر مولاه ورد كيد الشيطان وأخزاه، قال سبحانه: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم) [البقرة: 268].

ولو تأملت حال المزكي المتصدق تجده من أوسع الناس صدرًا، وأحسنهم بالاً، قد نُشر له المدح بين الورى، وطاب ذكره عند الملأ، وكم تسد الزكاة من حوائج، وتعين على النوائب، وكم في المجتمع من محاويج قد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ينتظرون عطف الأغنياء وأرباب الأموال، واعلم -يا صاحب المال- أن ما قدمت مخلوف من عند أصدق مَنْ وفّى، القائل في محكم التنزيل: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39].

فأزل عن نفسك الشح فيوشك أن توسَّد التراب، ويقتسم الأبناء الأموال وتبقى الحسرة، وتنال ألم التبعة، وصدق الكريم سبحانه: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: لقد خطب نبيكم -عليه الصلاة والسلام- في مثل هذا اليوم خطبة شافية كافية، كان من معالمها الرئيسة تعظيم حرمة الدماء.

ولقد تميَّزت الشريعة الغراء بوضع السياج المنيع المتكامل لحفظ الأنفس، وجعلها من أهم القضايا بعد قضية توحيد الخالق، فجاء في التنزيل: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68-69].

ورتّب على من تساهل في هذا الأمر أشنع أنواع العقوبات فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء: 93].

ولقد نهت الشريعة الغرّاء عن حمل السلاح على الأئمة أو الخروج على السلطان؛ ففي حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حمل علينا السلاح فليس منا". رواه البخاري.

ونهت عن رفعه على عامة الناس أو في الأماكن العامة؛ حفاظًا على الأرواح، ونشرًا للأمن في الأوطان حتى يعيش الناس حياة طيبة، ملؤها الخير والعطاء، والعمارة للأرض كما أراد الله تعالى لها، جاء في البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري، لعل الشيطان ينزغ في يده، فيقع في حفرة من النار".

إن ظهور الفئة الباغية في الأزمنة المتأخرة الخارجة على ولاة أمرها وبلادها، الذين فعلهم ليس من الدين في شيء، بل هو ضلال مبين، وهو نتيجة حتمية للجهل، والبعد عن العلماء، ما جرّ الويلات على العباد والبلاد، وأشمت الأعداء في هذه الأمة، فلزام على شباب الأمة ورجالها الالتفات حول العلماء لينهلوا من علمهم، ويستنيروا بهديهم، ولا يقعوا فيما وقع فيه الغلاة ممن ضلوا السبيل، وتنكبوا طريق الاستقامة.

تأمّل كيف قرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وهو أعظم مقام، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: "ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟!". قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: "ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟!". قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: "ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟!". قالوا: ألا يومنا هذا، قال: "فإن الله -تبارك وتعالى- قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟! ثلاثًا، كل ذلك يجيبونه: ألا، نعم، قال: "ويحكم، أو ويلكم، لا ترجعن بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض".

ومما ابتليت به بلاد الحرمين في الآونة الأخيرة، قيام شرذمة طاغية للتعدي على أهل هذه البلاد، من الحوثيين الأرجاس أتباع الأئمة المضلين في المناطق الجنوبية من بلادنا، من تسلُّلٍ، واعتداء، وإزهاق للأنفس، وهي جريمةٌ لا تغتفر، وإفساد في الأرض، والله لا يحب المفسدين.

ولقد ظهرت نوايا القوم في هذا الهجوم السافر، ولا يُستغرب منهم وهم أتباع أصحاب المعتقد الرافضي، الذين يختلفون عن أهل السنة والجماعة في أصول الدِّين وأركانه، وليس الخلاف معهم في الفروع والسنن؛ فلهم في القرآن معتقدٌ فاسد، ولهم في السنة النبوية كذلك، كما لهم مواقفُ ومعتقداتٌ باطلة في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشتمون ويسبُّون، ويلعنون ويكفِّرون؛ بل وصلوا بتهمهم وأذيتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم تسلم أمهاتُ المؤمنين من أذيتهم وتهمهم الفاجرة.

وللقوم اعتقاداتٌ في أئمتهم تبلغ تفضيلهم على الأنبياء والملائكة المقرَّبين، إنهم قوم قد غطّاهم الضلال من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، ولهم أهدافهم المعروفة من وراء هذا الهجوم السافر على هذه البلاد، وهو نشر مذهب الضلال هنا وهناك، ولكنهم سيعودون خائبين، وعلى أعاقبهم مخزيين، ولقد ضرب جنودنا البواسل أروع الأمثلة في التصدي لهم دفاعًا عن دينهم الكريم، وبلادهم العزيزة، فجاهدوهم أعظم جهاد، وردوا كيدهم وشرهم، ونسأل الله أن يطهر تلك الجهات من رجسهم وعفنهم الذي قد آذى كل مؤمن ومؤمنة.

وإن الواجب اليوم قوة التلاحم بين الراعي والرعية، والشد من عضد المجاهدين من أبناء هذه البلاد، والدعاء لهم بظهر الغيب، وفي كل موطنٍ يستجاب فيه الدعاء.

وفي مثل هذه الأحداث تتميز الصفوف وتظهر مكنونات النفوس، ويعلم الجميع شر الرافضة الضُّلال، ومن معهم من فئات الضلالة المحاربين لبلادهم وأمتهم أتباع كل ناعق، ويُعرف عندها الصادق من الكاذب، والعالم من الجاهل، والعدو من الصديق.

ألا وإن هذه البلاد ستبقى بإذن الله شامخة بعقيدتها وإيمانها ودينها الذي يُملي عليها طاعة ولاة أمره، والدفاع عن حياض المسلمين، ورد كل معتد غشوم استجابة لأمر الله القائل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

 

الخطبة الثانية:

عباد الله: ومن المعالم الرئيسة في خطبة نبيكم في مثل هذا اليوم تحريم الظلم بين العباد، والظلم ظلمات يوم القيامة، يذوق الظالم في ذلك اليوم آلام من ظلمه وتعدّى على حقوقه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وما ربك بظلام للعبيد.

وكم في المجتمع من ظلم بين فئاته، فالأب الظالم لبناته وعضلهن من الزواج لأجل رواتبهن أو رغبته في خدمتهن، أليس بظالم وسيذوق آلام ظلمه في يوم وفاء الحقوق؟!

والزوج الظالم لزوجته ومنعه حقوقها أو ربما الزوجة تظلم نفسها وزوجها بمنعه حقه، أو صده عن بر والديه، أو صلة رحمه، أو إنفاقه فضل ماله فيما لا يحل، أليست ظالمة لنفسها؟!

والمسؤول في دائرته وسلطانه حين يُحابي قرابته على سبيل مصلحة الناس فيه ظلم لنفسه ولأمته.

ورب العمل مع العمال، والعمال مع أرباب العمل، حين يقصر كل واحد منهم في الواجب لغيره يُعد ظالمًا لغيره.

والصور في هذا الباب كثيرة، فالواجب على العباد البعد عن جميع الظلم بجميع أنواعه وصوره، فهو وإن كان في الظاهر ظالمًا لغيره فهو في الحقيقة ظالم لنفسه معرضها للعذاب، فاتقوا الله -عباد الله- وابتعدوا عن الظلم فهو ظلمات.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: مما قررته خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحج تقرير مبدأ المساواة بين الناس، وإزالة العنصرية، والتفاخر بالأحساب والأنساب، فالناس أبوهم واحد وأمهم واحد: "وكلكم لآدم، وآدم من تراب". والتقوى هي الفيصل عند الله تعالى، فأكرم الخلق عند الله أتقاهم.

فقد رفعت بلالاً وهو الوضيع النسب، ولم تنفع الأنساب الشريف أبا لهب، وفي آيات الذكر الحكيم: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ:37].

ولما غلى بعض أفراد الأمة في هذا الباب انشغلوا عن معالي الأمور، وصار همهم الأعظم الارتفاع على الغير، وأججت العداوات بينهم، وصار همهم هم أهل الجاهلية، وخالفوا ما قررته الشريعة من تقوية أواصر الإخوة والمحبة بين أفرادها، تأمّل كيف يوجه النبي الكريم أمته إلى ما فيه خيرهم.

عن العدَّاء بن خالد قال: قعدت تحت منبره يوم حجة الوداع، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: "إن الله يقول: (ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَـاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَـاكُمْ) [الحجرات:13]، فليس لعربي على أعجمي فضل، ولا لأعجمي على عربي فضل، ولا لأسود على أحمر فضل، ولا لأحمر على أسود فضل؛ إلا بالتقوى. يا معشر قريش: لا تجيؤوا بالدنيا تحملونها على رقابكم، وتجيء الناس بالآخرة، فإني لا أغني عنكم من الله شيئًا. أيها الناس: إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل تقي كريم على الله، وفاجرٌ شقي هيّن على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب". رواه الترمذي واللفظ له، وأبو داود وغيرهما.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: ومن القضايا العظيمة في خطبة النبي -عليه السلام- قضية حفظ حقوق المرأة التي يدّعيها أدعياء الغرب وأذنابهم، ممن ينادون بحرية المرأة وتحريرها، وهم في الحقيقة يريدون تحرير الوصول إليها، خصوصًا هذه البلاد التي قد عُرفت نساؤها بالحجاب والستر والعفاف، ولكنهم بدؤوا يحققون بعض مآربهم، وأصبح كثير من النساء يتساهلن في الحجاب، وإبداء شيء من وجوههن؛ ما هو نذير شؤم على البلاد والعباد، فلذا نخاطبك -أيتها المرأة المؤمنة المطيعة لله ورسوله- إياك إياك والتساهل في الحجاب، لا تكوني معول هدم لأمتك، نريدك المؤمنة التقية المتبعة لشرع ربك ظاهرًا وباطنًا لتحققي العبودية الحقة.

تأملي -يا رعاك الله- كيف يوصي بك محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويحفظ لك حقوقه، في أعظم مشهد تشهده الأمة، جاء في خطبته -عليه الصلاة والسلام-: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فُرُشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرِّح، ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".

والواجب عليكم -معاشر الأزواج- الاستجابة لأمر بنيكم في حفظ حقوق المرأة، وتقديرها وإجلالها والعناية بها، والعناية أيضًا بفلذات الأكباد من الأبناء والبنات خصوصًا في هذه الأزمنة التي تكالب عليهم أعداء الملة لصرفهم عن دينهم.
 

 

 

 

المرفقات

عيد الأضحى 1432هـ3

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات