وجوب شكر الله على نزول الغيث

صالح بن عبد الله الهذلول

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ الغيث بعد القنوط أثر لرحمة الله 2/ استدامة النعمة بشكر الله عليها 3/ ألوان من كفران نعمة الغيث وانقلابها لعذاب 4/ من الأحكام الفقهية المتعلقة بالمطر 5/ مضارُّ تأخُّرِ المطرِ المادِّيَّة والدينية

اقتباس

وقد غاب عنهم الغيث وانقطع المطر، ووقفوا عاجزين وأدركهم اليأس والقنوط، فإذا بالغيث ينزل، وتعم رحمةُ الله عبادة، فتحيا الأرض، ويخضرُّ اليابس، وينبت البذر، ويترعرع النبات، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، ويدب النشاط، وتنفرج الأسارير، فالكل يفرح، الصغير والكبير على السواء، وينبض الأمل، ويفيض الرجاء. وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات ..

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعابدين، وحجة على المعاندين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها الناس، فقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال له: يا أمير المؤمنين، قحط المطر، وقلّ الغيث، وقنط الناس؟ فقال الفاروق -رضي الله عنه-: مطرتم إن شاء الله. ثم قرأ: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا).

يا عجباً من بلاغة القرآن، وفصاحته، ودقة تعبيره! (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء:88].

(يُنزل العيث) [وقد غاب عنهم الغيث وانقطع المطر، ووقفوا عاجزين وأدركهم اليأس والقنوط، فإذا بالغيث ينزل، وتعم رحمةُ الله عبادة، فتحيا الأرض، ويخضرُّ اليابس، وينبت البذر، ويترعرع النبات، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، ويدب النشاط، وتنفرج الأسارير، فالكل يفرح، الصغير والكبير على السواء، وينبض الأمل، ويفيض الرجاء.

وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات تتفتح فيها أبواب الرحمة، فتتفتح أبواب السماء بالماء (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)، الولي: ينصر أولياءه، الحميد: محمود على كل لسان.

وجاء لفظ (الْغَيْث) في الآية دون غيره ليلقي ظل الغوث والنجدة، وتلبية المضطر في الضيق والكربة، كما جاء التعبير بـ (يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) موحياً بالنداوة والخضرة، والرجاء والفرج ترقباً للربيع الذي يعقب المطر.

وما من مشهد يريح الحس والأعصاب، ويندِّي القلب والمشاعر، كمشهد الغيث بعد الجفاف، كما أنه ما من مشهد ينفض هموم القلب، وتعب النفس، كمشهد الأرض تتفتح بالنبت بعد الغيث، وتنتشر بالخضرة بعد الموت].

أيها المسلمون: اتقوا الله ربكم واشكروه، فما بكم من نعمة فمن الله، لقد كنتم في الأيام الماضية في ضيق وشدة من تأخر نزول المطر، ثم فرج الله شدتكم، ورحم ضعفكم، فأنزل الغيث بفضله ورحمته، وخزائنُ الله ملآى، لا تغيضها النفقة، متى شكر العباد نعمته، وقدروها، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ): وعْدٌ مُطَمْئِنٌ؛ لأنه صادر عن الله -سبحانه-، إذ هو القوي والقادر -جل شأنه- ووعده حق، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثَاً) [النساء:87]، فلا بد أن يتحقق إذاً على كل حال.

من يشكر الله على نعمته؛ يراقبه في التصرف بها بلا بطر، ولا استعلاء على الخلق، ولا أذية لهم.

(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، كفُر نعمِ الله يأتي على أشكال متعددة: قد يكون عدم الشكر من كفر النعم، وإنكار أن الله واهبُها من كفر النعم.

الإسراف في المآكل والمشارب حين تخرج العوائل إلى البر تمتعاً بالنظر إلى المطر، ويضيعون الصلاة، ويستمعون الأغاني والمزامير من كفران النعم، وربما شرب بعضهم المسكرات وتعاطى آخرون المخدرات، واختلط الرجال بالنساء، كل هذه من ألوان كفران النعمة الموجبة للعذاب الوارد في الآية.

والعذاب قد يكون في محق النعمة عيناً بذهابها، أو سلب البركة منها، وقلبها عذاباً، فكم تسمعون -قديماً وحديثاً- عن أمطار تكون عاقبتها فياضاناتٍ وغرقاً، وحتى إذا انتهت الأمطار غارت المياه الجوفية بدلاً من أن يرتفع منسوبها، وقد حدث هذا في أوائل التسعينات في إحدى مناطق المملكة كما حدثني بذلك بعض أهلها.

إن العذاب المتُوعدُ به كافر النعمة قد يكون بسحق آثار النعمة في الشعور، فظاهرها نعمة وحقيقة تأثيرها النفسي نقمة، كل ذلك لأن الكفر بنعمة الله لا يذهب ولا يمضي بلا جزاء إن الكفر بنعمة الله لا يذهب ولا يمضي بلا جزاء.

أيها المسلمون: من الأحكام المتعلقة بالمطر، الجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء، وكذا الظهر والعصر، تقديماً أو تأخيراً، أو بينهما لأن الوقتين صارا وقتاً واحداً.

وقد ورد في الشرع ما يرخص في ذلك، والله -جل شأنه- يحب أن تؤتى رخصه؛ ولأن فيه اقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي قال: "صَلُّوا كما رأيتموني أصلي"، ولأن المشقة تجلب التيسير.

وقواعد الاسلام إنما جاءت بذلك، والنصوص الشرعية في هذا كثيرة في الكتاب والسنة: روى مسلم وغيره من حديث أبي الزبير، عن شعبة بين جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أنه قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، من غير خوف ولا سفر. قال مالك في الموطأ: أظن ذلك كان في مطر.

ونقل عن ابن عمر وجمع من الصحابة أنهم كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، وكذلك روى عن عمر بن عبد العزيز أنه جمع بينهما، وأقر ذلك سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير.

كما لم ينقل أن أحداً من الصحابة أو التابعين أنكر ذلك، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جوازُ ذلك.

عباد الله: إن خطورة تأخر المطر، وانحباسه، يعود بمضار كثيرة، منها أضرار مادية دنيوية، ومنها مصائب في الدين، وكلا النوعين من الأضرار لا شك أنه ناجم عن كسب الناس أنفسهم.

أما المضار الدنيوية المادية فمعلومة؛ أما الدينية، فإن عدداً من الناس -وخاصة الشباب- يرون صلاة الاستسقاء تقام وتؤدى، بل ربما أداها المسلمون أكثر من خمس مرات في سنة واحدة، كما جرى في العام الماضي، يرون ذلك والقحط لا يزال مستمراً، ولم ينزل مطر؛ بل أحياناً يأتي عقب الصلاة عجاج، فماذا يقول مثل أولئك الجهال في ظل طغيان المادة؟ ربما تطرق إلى أذهان البعض منهم أنه لا فائدة من أداء صلاة الاستسقاء، ولا منفعة، فلماذا نظل مصرِّين عليها؟ أو يقولون: لا يستجيب الله لنا البتة، فيصابون باليأس من رحمة الله، عياذاً بالله من ذلك!.

وهذا أمرٌ عجيب وخطير، [إذ كيف يقنطون من رحمة الله، وقد وسعت كل شيء، والأسباب لحصولها قد توفرت؟ فإن حاجة العباد وضرورتهم من أسباب رحمته، وكذا الدعاء بحصول الغيث من أسباب رحمته، والرجاء من الله من أسباب رحمته، وقد جرت عادته -سبحانه- في خلقه أن الفرج مع الكرب، وأن اليسر مع العسر، وأن الشدة لا تدوم، فإذا انضم إلى ذلك قوة التجاءٍ وطمع في فضل الله، وتضرّع إليه ودعاء، فتح الله عليهم من خزائن رحمته ما لا يخطر على البال].

وقد منّ الله تعالى هذه الأيامَ علينا بنزول المطر في كثير من أرجاء هذه البلاد، وهذه نعمة تستوجب شكر المعبود -سبحانه-، وكثرةَ حمده والثناء عليه، والحذر من كفرها، أو البطر، فإن الله -تعالى- وعد الشاكرين بالمزيد، وتوعد من كفر بالعذاب، فقال سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

فإذا قام البعض في المجتمع بجحود النعمة أو كفرِها، وسكت الآخرون عنهم، فلم ينكروا عليهم، عمت العقوبةُ الجميع، قال الله -جل شأنه- في هذا: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].

اللهم زدنا من فضلك، وأسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين واجعل ما أنزلته علينا من خير قوةً لنا ومتاعاً إلى حين.

اللهم عمَّ بنفعه أوطان المسلمين، اللهم أقم علم الجهاد وانصر المجاهدين في سبيلك، اللهم عليك باليهود والنصارى وسائر الكفرة، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، وأْتِهم من حيث لم يحتسبوا.

اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم من أراد الاسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه ...

 

 

 

 

المرفقات

شكر الله على نزول الغيث

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات