تحريم الوصية على الورثة

صالح بن عبد الله الهذلول

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/ لا وصية لوارث 2/ الحكمة من تشريع عدم الإيصاء لوارث 3/ الأوقاف الجائرة وآثارها 4/ الأمانة ورفعها 5/ بعض المشاريع التي توضع فيها أموال الوقف 6/ وقف المشاع وجوازه

اقتباس

إن أعظم مقاصد الوقف أن يكون معيناً على البر والتقوى، فيعلم من هذا أن الأوقاف التي يقصد بها حرمان بعض الورثة منافيةً لمقصود الوقف كل المنافاة، ومنافيةً لما انعقد عليه الإجماع من أنه لا وصية لوارث، ولكونها معصية لله تعالى، ولما فيها من الظلم والجور, وضررُ الظلم والجور ليس على فاعله فحسب بل على جميع الناس، ولما فيها ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي جعل الأمانة في قلوب الرجال بعد أن أبى عن حملها السماوات والأرض والجبال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: اتقوا الله تعالى، وقدروا نعمه عليكم، وتعلموا من دينه ما يقربكم إليه، وينجيكم من عذابه.

في حياة الإنسان يستطيع الحر المكلف الرشيد أن يتصرف في ماله بيعاً وشراءً وإجارة ورهناً ووقفاً وهبةً وفق شريعة الله، أما إذا مات الإنسان فإن الله تعالى تولى قسمة أمواله بنفسه، والله حكيم عليم.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث"؛ فلا يجوز لأحد أن يوصي لبعض ورثته دون بعض, فلا يوصي مثلا لأحد أبنائه، أو احدى بناته، أو زوجته، أو إحدى زوجاته، لا بشيء من أعيان المال، ولا بشيء من منافعه وغلاته، فلو أراد أحد أن يوصي لبعض الورثة بنقود أو عقار كان جائراً في الوصية، ولم يجز تنفيذها إلا بإجازة بقية الورَثة.

وكذلك لا يجوز أن يوصي لبعض ورثته بأجرة شيء من عقاره أو غلته، سواء أوصى له بذلك دائماً أو مدة معينة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا وصية لوارث".

وقد أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وأن الوصية للوارث حرام، وفي الحديث: "إنَّ الرجل ليعمل -أو المرأة- بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار".

وذلك لأنه تعدٍّ لحدود الله، واقتطاعَ من حق بعض الورثة لورثة آخرين، فمثلاً لو قال في وصيته: أوصيت بثلثي مالي أو بعقاري وقفاً على أولادي، وله ورثة غير الأولاد، ففعله باطل محرم، لأنه تعدى حدود الله، وقد تولى الله تعالى قسمة المال بعد موت صاحبه.

أيها المؤمنون: إن أعظم مقاصد الوقف أن يكون معيناً على البر والتقوى، فيعلم من هذا أن الأوقاف التي يقصد بها حرمان بعض الورثة منافيةً لمقصود الوقف كل المنافاة، ومنافيةً لما انعقد عليه الإجماع من أنه لا وصية لوارث، ولكونها معصية لله تعالى، ولما فيها من الظلم والجور, وضررُ الظلم والجور ليس على فاعله فحسب بل على جميع الناس، ولما فيها أيضاً من إلقاء العداوة وزرع الشحناء والتباغض والكراهية بين الموقوف عليهم وبين الورثة, فكم حصل بين الذرية من الخصومة والتقاطع والمرافعات إلى المحاكم بسبب هذه الأوقاف الجائرة.

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن متاع الدنيا قليل وأنكم عما قريب قادمون على ربكم، وكل من مات فقد قامت قيامته، وأولى منازل القيامة القبر، فاستعدوا لسؤال الملكين، وتخففوا من المظالم والمآثم، يُفسح لكم في قبوركم، ويُمد لكم فيها .

زنوا أعمالكم قبل أن توزن، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتهيؤا للعرض الأكبر على الله، يوم لا تخفى منكم خافية.

اللهم وفقنا لبلوغ مرضاتك، وهيئنا لطاعتك، وأكرمنا بدخول جناتك، واصرف عنا أسباب سخطك وغضبك.

اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا، وثبتنا على الحق حتى نلقاك وانت راضٍ عنا يا كريم .

أقول قولي هذا وأستغفر الله...

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدلله الذي يقضي بالحق، ويحكم بالعدل، وهو أحكم الحاكمين، حكم بالعدل وأمر به، وحرم على نفسه الظلم، وحرمه على عباده، وهو أرحم الراحمين.

وأشهد أن أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه،

أما بعد: حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رفع الأمانة، فقال: "ينام الرجل نومةً فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء -يعني أنه لا يبقى من الأمانة إلا الشيء اليسير جداً- فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! ومافي قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان" رواه البخاري ومسلم.

أيها المؤمنون: إن الأمانة تكون في معاملة العبد مع ربه، كما تكون في معاملة الخلق، فالأمانة في العبادة أن تقوم بأوامر الله مخلصاً له، متَّبعاً لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن تترك ما نهى الله تعالى عنه امتثالاً لأمر الله ورسوله.

إن الأمانة تكون في البيع والشراء، والصناعة والاجارة، وولاية النكاح، والودائع التي تودع إياها، والأقوال التي تكون سراً بينك وبين صاحبك، وتكون في عملك الوظيفي، فلا تتأخر في إنجاز مصالح الناس، ولا تفشي شيئاً من خصوصيات وأسرار العمل التي لا يسمح لك بها.

إن الأمانة تكون أيضاً فيما توليت شرعاً أو عرفاً، فالوكيل أمين، وولي اليتيم أمين، والراعي أمين، والعامل، والفني، والجزار.

فالأمانة في الدين كله، وفي الأعمال كلها، فمن أداها على الوجه المطلوب فهو من المفلحين، ومن خانها أو تهاون فيها فهو من الخاسرين .

أيها المسلمون: إن مما يتعين التنبيه إليه في شأن الأوقاف أن حاجات الناس العامة تتنوع بحسب المكان والزمان، ومن ذلك -إضافة إلى ما ذكر سابقاً- في الخطبة السابقة: الوقف على المكتبات العامة كانشائها، وايقاف الكتب النافعة عليها، وبناء المدارس، وتسهيل وتيسير وتسجيل الطلاب المحتاجين فيها.

ومما توقف عليه الأموال إنشاء المراكز الطبية، وخاصة ما تدعو الحاجة إليه أكثر من غيره ويكلف المرض وأهلهم مبالغ باهظةً، كأمراض الكلى والأورام الخبيثة والأمراض النفسية، والضغط والسكر، وغيرها.

ومما توقف عليه الأموال مشاريع فتح الطرق، ورصفها، وتزفيتها، والخدمات اللازمة فيها؛ والأوقاف على الدعاة والمعلمين والوعاظ، كتوفير رواتب لهم، أو سياراتٍ ووسائل أخرى يحتاجونها في عملهم. ودعمِ مسيرتهم، فــ "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".

والمشاركة في الإعلام الإسلامي، كدعم المجلات والصحف الاسلامية والمواقع والقنوات التي تنشر الفضيلة وتتصدى للأفكار الضالة؛ وإقامة مراكز للمهتدين الجدد، والعنايةُ بهم، وما يكفل تلبية حاجتهم المستجدة؛ الوقف على جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، وجمعيات البر الخيرية.

الوقف على تفريج الكرب، فكم من مسلم لا ينام الليل من الهموم والغموم! "ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة" متفق عليه .

واعلم -أيها المسلم- أن وقف المشاع جائز، واتفق العلماء على ذلك، فلا يلزم أن تنفرد لوحدك بوقف، بل لا مانع شرعاً أن تساهم بوقف أو عدة أوقاف، فإنك لا تدري أيها أقرب لك نفعاً، وأدَرُّ لك أجراً.

هذا وصلوا...

 

 

 

 

 

المرفقات

الوصية على الورثة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات