مآسي مسلمي أركان بورما المتجددة 1433هـ

صلاح عبد الشكور

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ تنوع جراحات الأمة الإسلامية وغفلة بعض المسلمين عنها. 2/ نتف من تاريخ مسلمي أركان بورما 3/ قصة معاناة المسلمين بعد احتلال دولتهم. 4/ مظاهر الاضطهاد الديني والعرقي ضد مسلمي بورما. 5/ تجدد المذابح والمجازر في حق المسلمين في هذه الأيام. 6/ حِكم وأسرار وقوع النكبات والجراحات ببعض أجزاء الأمة. 7/ واجبنا تجاه قضية مسلمي أركان.

اقتباس

مآسي أمتنا كثيرة، وجراحاتها مؤلمة غائرة، ومعاناة المسلمين في تجدد مستمر، وإن مما يأسف له الخاطر ويألم له القلب أن يتكالب الأعداء على المسلمين ويتواطئوا على قتلهم وتشريدهم واضطهادهم وظلمهم؛ وفي المسلمين من لا يعرف شيئًا عن هذه المآسي والأحداث الدامية، أو لا يهتم بأمورهم وقضاياهم، ولعل العجب يزول إذا عرفنا أن أعداء الإسلام والمسلمين نجحوا في تقطيع أوصالنا وتفريق كلمتنا وتشتيت اهتماماتنا حتى أصبح البعض لا يفكر إلا في نفسه ولا يهتمّ إلا بأمر عيشه ورفاهيته، تاركًا...

 

 

 

 

الحمد لله جعل قوة هذه الأمة في إيمانها, وعِزّها في إسلامها, والتمكين لها في صدق عبادتها, أحمدُه سبحانه وأشكره, وأتوب إليه وأستغفره, وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله, دعا إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه, كانوا في هذه الأمة قدوتها ومصابيحها, والتابعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّمَ تسليمًا.

أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله؛ فإنَّ تقواه أفضَل عدّة عند البلاء، وأمضى مكيدَةٍ عند اللّقاء، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًَا) [الطلاق: 4].

أيّها المسلمون: الدّهرُ ذو غِيَر، والعَبد ذو ضَجَر، وما هو إلا قَضاءٌ وقدَر، فطوبى لمن أصابَته سرّاء فشَكر، وطوبى لمن أصابَته ضَرّاء فصبر، وطوبى لمن أصَابته بلوَى فاعتَبر، (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].

ربنا سبحانه يفعَلَ ما يشاء، ويسلّط مَن يشاء على من يَشاء إذا شاءَ، بما رَأَى من الحكمة، وسبَق من الكَلِمة، إمّا عقوبةً ونِقمة وعذابًا، وإمّا تمحيصًا وابتلاء واختبارًا، قال -جل في علاه-: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) [النساء:90].

أيها الإخوة المسلمون: مآسي أمتنا كثيرة، وجراحاتها مؤلمة غائرة، ومعاناة المسلمين في تجدد مستمر، وما ذاك إلا مصداق ما ذكره نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم قال: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الآكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة بنا نحن يومئذ؟ ! قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله ! وما الوهن؟ ! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت» أخرجه أبو داوود وصححه الألباني.

وإن مما يأسف له الخاطر ويألم له القلب أن يتكالب الأعداء على المسلمين ويتواطئوا على قتلهم وتشريدهم واضطهادهم وظلمهم؛ وفي المسلمين من لا يعرف شيئًا عن هذه المآسي والأحداث الدامية، أو لا يهتم بأمورهم وقضاياهم، ولعل العجب يزول إذا عرفنا أن أعداء الإسلام والمسلمين نجحوا في تقطيع أوصالنا وتفريق كلمتنا وتشتيت اهتماماتنا حتى أصبح البعض لا يفكر إلا في نفسه ولا يهتمّ إلا بأمر عيشه ورفاهيته، تاركًا كل هذه المآسي والأحزان خلف ظهره.

ولعلنا أيها الإخوة الكرام نسلط الضوء في هذه الخطبة على جرح من جراح أمتنا القديمة المتجددة، ونستعرض سلسلة من المآسي التي عانى منها شعب مسلم بأكمله منذ أكثر من ستين عامًا ولا يزالون يعانون حتى هذه اللحظة، إنه شعب أركان بورما المسلم وقضية إقليم أركان أحد ممالك المسلمين التي احتلها البوذيون وضموها إلى بورما وأصبحت تسمى مؤخرًا دولة (ميانمار) فأين يقع هذا الإقليم ومتى دخله الإسلام؟ وما قصة المسلمين مع البوذيين؟ وكيف احتلت بورما أرضهم وشردت هذا الشعب المسلم؟ وكيف تجددت حملات الإبادة والقتل والتطهير العرقي من جديد؟ وما واجبنا تجاه هذه القضية المقلقة من قضايا المسلمين؟

تقع مملكة أركان التي احتلتها بورما البوذية وصيرتها إقليمًا من أقاليمها في جنوب شرق آسيا، تحدها من الشمال الصين ومن الجنوب خليج البنغال وتايلند ومن الشرق لاوس ومن الغرب بنغلاديش وصل الإسلام إلى أركان في القرن الثاني الهجري عام (172) هـ، عن طريق التجار العرب الذين وصلوا ميناء أكياب عاصمة ( أركان ) في عهد الخليفة الراشد هارون الرشيد "رحمه الله".

وأُقيمت في (أركان) سلطنات إسلامية كثيرة، وفي عام (1430م) قامت مملكة إسلامية على يد السلطان سليمان شاه، واستمرت إلى عام (1784م)، أي قرابة ثلاثة قرون ونصف، تتابع على حكمها ثمانيةٌ وأربعون ملكًا مسلمًا على التوالي، وآخرهم الملك سليم شاه, وكانوا يكتبون على العملات كلمة التوحيد وأسماء الخلفاء الأربعة باللغة العربية. وفي عام (1784م) احتل الملك البوذي مملكة أراكان وضمها إلى بورما خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، وعندها بدأت معاناة المسلمين هناك، وضاعت فصولها وسط جراحات الأمّة المتتالية، وحتى يعرف المسلمون شدة وطأة المعاناة التي يعيشها مسلمو أركان أوجزها في النقاط التالية:

أولاً: تحاول الحكومة البوذية طمس الهوية والآثار الإسلامية بتدمير المساجد والمدارس التاريخية وبناء معابد للبوذيين في مكانها، وقتل العلماء والدعاة.

ثانيًا: التطهير العرقي والإبادة الجماعية للمسلمين بكل أنواع الاضطهاد من: قتلٍ وتشريدٍ وانتهاكٍ للأعراض، ومصادرة الممتلكات؛ من منازلَ ومزارعَ ومواشٍ وأموالٍ وغيرها، حيث أبيد في بعض تلك المجازر أكثر من 100 ألف مسلم.

ثالثًا: إلغاء حق المواطنة للمسلمين؛ حيث تم استبدال إثباتاتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره التعذيب والموت في المعتقلات،

رابعًا: حرمان المسلمين من العمل في الوظائف الحكومية ومواصلة التعليم العالي.

خامسًا: العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات، أو بناء الثكنات العسكرية، أو شق الطرق، وغير ذلك من الأعمال الحكومية (سخرة وبلا مقابل حتى نفقتهم في الأكل والشرب والمواصلات).

سادسًا: منعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج، وعدم السماح للمسلمين باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق.

سابعًا: عقوبات اقتصادية: مثل الضرائب الباهظة في كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للحكومة العسكرية أو من يمثلهم بسعر زهيد، لإبقائهم فقراء، أو لإجبارهم على ترك الديار.

ثامنًا: تقليل أعداد المسلمين بأساليب شتى كتحديد النسل وتشديد شروط الزواج والإنجاب وغيرها.

وبعد هذه السلسلة من المعاناة واستمرار حملات التقتيل والتهجير القسري لم يكن أمام المسلمين إلاّ الفرار بأغلى ما يملكون؛ وهو دينهم وعقيدتهم، فبدأ المسلمون ينزحون إلى الخارج مهاجرين إلى الله، يطرقون أبواب الدول الإسلامية المجاورة، كبنغلاديش وباكستان، وتايلند، والهند، وماليزيا، وبعض دول الخليج، وكلما زاد بطش البوذيين بالمسلمين خرج ثلة منهم وهاجروا إلى بلدان شتى، وأما من بقي داخل ميانمار بقي وسط معاناة لا تنتهي..

أيها الإخوة الكرام: خلال الأسبوعيين الماضيين تجدد بطش البوذيين بالمسلمين حيث تعرض عشرة من دعاة المسلمين الأركانيين إلى مذبحة شنيعة قضوا نحبهم فيها بعد أن هوجموا من قبل جماعة بوذية فتكوا بهم جميعًا ومثلّوا بجثثهم، وقد نقلت وسائل الإعلام صورًا فظيعة لضحايا هذه المجزرة التي لم تجد من ينتصر لها من قبل الحكومة الميانمارية التي غضت الطرف عنها وكأنها على اتفاق مع المجرمين القتلة، ولم تقف الأمور عند هذه المجزرة فحسب بل تعدتها إلى حرق منازل ومزارع عدد كبير من المسلمين وقتل العشرات بالنيران كل ذلك بمعاونة رجال الشرطة مع الطغمة البوذية الحاقدة على المسلمين.

وتم فرض حظر التجول على القرى التي تقطنها الأقلية المسلمة، وبعدها قامت الجماعات البوذية بتغطية من الحكومة الميانمارية بحملة تطهير عرقي وديني راح ضحيتها ألفي مسلم وحرقوا قرابة ألفين وستمائة منزل من منازل المسلمين، وبلغ عدد النازحين أكثر من تسعين ألف نازح يعيشون في العراء بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء بعد أن رفضت دول الجوار استقبالهم، فمات من مات منهم؛ ومن عاش فإنه يعاني السقم والضياع والشتات..

أيها المسلمون: وحتى هذه اللحظة فإن الأقلية المسلمة لا تزال تواجه أعتى أنظمة الظلم والطغيان والتمييز الديني والعرقي في تلك المنطقة وسط تغييب متعمد من قبل السلطات البوذية لهذه الجرائم والانتهاكات البشعة، ومنع وسائل الإعلام من تغطية هذه الأحداث، فغدت دماء المسلمين أرخص شيء لديهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون على لله من أن يراق دم امرئ مسلم» وفي رواية «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» رواه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني. بالرغم من غلاء دم المسلم فإن المجازر باتت تقام للمسلمين في كل مكان وأصبح الدم المسلم رخيصا لا يقام لإراقته وزن..

دماء المسلمين بكل أرض *** تُراق رخيصة وتضيع هدرا
وبالعصبية العمياء تعدو *** ذئاب ما رعت لله قدرا
كأن لملة الكفار طرّا على*** الإسلام حيث أضاء ثأرا
وجرّأهم علينا أن رأونا *** سكوتا والشعوب تموت قهرا
وما حسبوا لأمتنا حسابا *** وهل سمعوا سوى التنديد زجرا
وصحيات الأرامل واليتامى *** تفتّتّ أكْبُدا وتُذيب صخرا
وليس لهم مغيثًا أو معينًا *** كأن الناس كل الناس سكرى

أيها المسلمون: اعلموا وتيقنوا أنّ كل ما يقضيه الله ويقدّره فيه خيرٌ ومصلحة وحكمة، ولو كان ظاهره شرًا، يقول الله تعالى: (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [غافر: 20]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حديث الاستفتاح: «والخير كله بيديك، والشر ليس إليك»، فالله -تعالى وتقدّس- منزّه في ذاته عن نسبة الشر إليه بأي وجه من الوجوه، لا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في أسمائه، ويدخل في هذا الأصل العظيم الذي دلّ عليه الكتاب والسنّة ما يحُلّ بمسلمي بورما من أحداث مأساوية، فلا يشكّ المؤمن أن وراء ذلك خيرا عظيمًا وحِكمًا بالغةً، (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 216].

فمن حِكم وأسرار هذه الأحداث المؤلمة أن التمكين لا يكون إلا بعد الابتلاء والتمحيص: فقد جرت سنة الله تعالى في الكون أنه يجعل الابتلاء والتمحيص سابقًا للتمكين والعزة والرفعة، فأفضل الخلق مُحِّصوا وزُلزلوا، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214]. فأبشروا –يا أهل أركان المسلمة- بنصر وعز ورفعة وكرامة.

ومن الحِكم والأسرار أيضًا فتح باب الشهادة: قال الله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 140] فغاية ما يتمناه المؤمن أن يموت شهيدًا في سبيل الله، ولقد فتح الله بهذه المحنة أبواب الشهادة للشعب الأركاني البورمي، فمن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد، ناهيك عن ملحقات الشهادة من الموت تحت الهدم وبفعل الحرق والتعذيب. فلقد أراد الله بكم خيرًا يا أهل أركان، فمن عاش منكم عاش بعزة، ومن قضى مات بشهادة بفضل الله وتوفيقه.

وأيضًا من حِكم وأسرار هذه الأحداث: تكفير السيئات فقد علمنا رسولنا -صلوات ربي وسلامه عليه- أن المصائب والمحن والآلام تكفر الذنوب وتمحو الخطايا وترفع الدرجات، حتى الشوكة يشاكها المسلم. ولا شك أن ما أصاب المسلمين في تلك الديار من قتل وتعذيب وتشريد فيه كفارة عظيمة للسيئات ورفعة عالية للدرجات.

ومن الحِكم البالغة في هذه الأحداث: تحقيق مفهوم الجسد الواحد: فلقد أتاحت هذه المآسي الفرصة للشعوب عامة لتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

فها هي النداءات تتعالى والصيحات تتوالى من كل أرجاء المعمورة عبر وسائل الإعلام وعبر المسيرات والاحتجاجات الغاضبة التي تندد بجرائم البوذيين وتطالب بحقوق المسلمين فاللهم لك الحمد ملء السموات وملء الأرض.

ومن الحِكم والمعاني المستوحاة من هذه القضية: تذكير المسلمين عمومًا وأهل المصائب خصوصًا بالتضرع واللجوء إلى الله جل وعلا، وربنا سبحانه يحب أن نلجأ إليه في كل الأحوال وخاصة في الضراء والبلوى، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل: 62]. فضجيجنا بالدعاء والإلحاح على الله فيه عبادة عظيمة وقربة جليلة. وأجمل ما فيها أننا نتعلم اللجوء إلى الله عز وجل وحده حين تنقطع السبل والأسباب، ولا يبقى للمضطر إلا الله، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 17].

ومن الأسرار والمعاني المقتبسة من هذه الأحداث أيضًا: أن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم: فمن الثوابت أن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ولا شك أن التمحيص والابتلاء الذي وقع لمسلمي بورما وما تبعه من لأواء وألمٍ وعنتٍ ومشقةٍ له أجره وفضله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج: 8].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن مشاركتنا لإخواننا المسلمين في أركان بورما مطلوبة ومهمة وهو أداءٌ لواجب النصرة، إنها مشاركة مبعثها الاهتمام بأمور المسلمين، ومناصرتهم كما أمرنا الله بقوله (وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ) [الأنفال: 72] وفيها مشاطرة لأحزانهم وتسلية لمصابهم؛ لأننا أمة واحدة، والشعور بالأخوة الإيمانية المبنية على لحمة الدين والإسلام، المتجاوزة حدود اللون والجنس والوطن.

إننا نطالب كل مسلم بالمشاركة الوجدانية ومدّ يد العون والتأييد لهم، إنك مطالب أخي المؤمن، أن تشعر بالجسد الواحد، أن تستشعر قهر الظلم كما لو وقع عليك، أن تحس بألم المعاناة والظلم، أن تحس بجوعهم وهم جوعى، وبفقرهم وهم حفاة عراة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، فيا ليت شعري هل رأيت المرأة العجوز وهي تسعى لاهثةً هربًا من رصاص البوذيين حتى تصل إلى الحدود، وإذا بها بدلاً من أن تلتقط أنفاسها تلفظ آخر أنفاسها، وهل رأيت آلاف البيوت والمزارع وهي تحرق دون أن يتحرك أحد لحمايتها، وهل شاهدت قتل الرجال والشباب عنوة دون أي سبب، وهل شاهدت أخي المسلم عشرات القوارب المتهالكة وبها عشرات الأسر من نساء وأطفال يمكثون أيامًا في البحر ثم لا تستقبلهم دول الجوار فيموتون على الشواطئ جوعًا وقهرًا، إنها فواجع مؤلمة وحكايات مرعبة.. فهل حركت قلوبنا؟!

تمزقهم نيوب الجوع حتى *** يكاد الشيخ يعثر بالعيال
يشدّون البطون على خواء *** ويقتسمون أرغفة الخيال
وناموا في العراء بلا غطاء *** وساروا في العراء بلا نعال
كأن البيد تلفظهم فتجري *** بهم بيد إلى بيد خوالي
وليت جراحهم في الجسم لكن *** جراح النفس أفتك بالرجال

تُرى هل تتذكر المرأة المسلمة وهي تعيش في كنف زوج وتهنأ بالسعادة والراحة، هل تذكرتْ كم من امرأة بورمية مسلمة توالت عليها المحن وفقدت عشيرتها بعد أن كانت تحت كنف زوج عطوف بل غدت بيد وغدٍ كافرٍ رهينة وقد هتك بالرغم عنها سترها.

نريد الشعور بالجسد الواحد الذي أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم، إن دمعةً من عينيك، وزفرةً من صدرك لهي دليل صدق على انتسابك لهذا الدين، وحبك لإخوانك المسلمين؛ بل هي عبادة تؤجر عليها، ثم إكمالا لذلك يتحول هذا الهمّ وهذه المشاعر إلى بذل المستطاع في نصرتهم والوقوف معهم والتعريف بقضيتهم ومساندتهم بكل ما أمكن يقول عليه الصلاة والسلام «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»، رواه مسلم.

وقال أيضًا: «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه َدْينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرا ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام» رواه الطبراني وصححه الألباني.

فهلا مددنا أيدينا إخوتي بالدعم المادي والمعنوي لإخواننا المسلمين في أركان بورما عبر الجمعيات والمؤسسات الخيرية الرسمية،، وعليكم بالدعاء والابتهال إلى الله برفع البلاء وكشف المصاب عنهم، وعلى الجميع تقع مسئولية هؤلاء المسلمين وخاصة دور الإعلام الإسلامي في هذه القضية حيث إنها لم تلقَ الاهتمام المطلوب حتى هذه الساعة، وكل يوم يمر هنالك أرواح تزهق وبيوت تُحرق وآلام تتسع وجراحات تتفاقم فالبدار البدار يا أهل الإسلام..

هذي أركان نار البغي تحرقها *** أما لها نجدةٌ من غيث عدنان
عاد التتار ولكن لا أرى قُطزًا *** هل أقفر العُرْب من راعٍ لأوطاني
يا ليت معتصمًا بالله تبلــغه *** هذي النداءات من أمٍ وفتيان
ما بال قومي قد سدّوا مسامعهم *** وأغمضوا العين عن إنجاد إخوان
ما بالهم فقدوا ميــراث نخوتهم *** فاستعذبوا العيش في ذل وطغيان

اللهم أنت المستعان وبك المستغاث وعليكم التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم يا كاشف الخطوب ويا مفرج الكروب ويا من يجب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء نسألك لإخواننا في بورما النصر والإعانة، اللهم كن لهم ناصرا يوم قلَّ الناصر، ربنا من يسمع بكاء الأطفال إلا أنت ومن يجيب نداء النساء إلا أنت، اللهم اجعل لهم مما هم فيه مخرجًا وفرجًا، اللهم نفّس كربهم، ويسر أمرهم، وفرج همهم واخذل أعداءهم إنك سميع مجيب اللهم اجعل بذل المسلمين درعًا ووقاء لهم من عذاب جهنم واجعله نصرة لإخواننا المسلمين ورفعة لهم وكشفا لكربتهم بفضلك يا أرحم الراحمين، اللهم وعليك بالبوذيين ومن ناصرهم فإنهم لا يعجزونك، أرنا فيهم عجائب قدرتهم، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية...

صلوا وسلموا رحمكم الله ....

 

 

 

 

المرفقات

مسلمي أركان بورما المتجددة 1433هـ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات