أنتم من علّم الدنيا السلام

الخضر سالم بن حليس اليافعي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ فضائل أهل اليمن 2/ حوادث القتل والإرهاب 3/ مصائب سفك الدماء المعصومة 4/ حرمة دماء المسلمين

اقتباس

لقد فُجِع كلُّ ذي دينٍ ومروءَة، وكلّ ذي عقلٍ وإنسانيّة، بالعمل الإجراميّ، والفِعل الإرهابي، والتصرّف الهمجي، وهي بكلّ المقاييس أمرٌ محرَّم، وفعلٌ مجرَّم، وتصرّف مرذولٌ مقبوح، وعملٌ إجرامي مفضوح، وسابقةٌ خطيرة، ونازلةُ شرٍّ مستطيرة. إنَّ هذه الأعمال، التي تستهدِف الآمنين المعصومين، وتزهق أرواح المسلمين الوادعين، مخالفة لشريعة ربّ العالمين، إنه لأمر مؤلمٌ حقًّا، ومؤسِفٌ صِدقًا ..

 

 

 

 

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان.

في صبيحة يوم من أيام المدينة النبوية وهي تزهو بخير من أنجبت الدنيا يسير في شوارعها ويصلي في مساجدها وينور الظلام المنتشر في أزقتها.. خرج عليه الصلاة والسلام يصلي الغداة ثم أقبل على الناس كعادته بوجهه المتهلل المشرق الوضاء فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار! أيّكم ينتدب إلى اليمن؟ فقام عمر بن الخطاب فقال: أنا يا رسول الله! فسكت عنه ثم قال: «يا معشر المهاجرين والأنصار» ! أيّكم ينتدب إلى اليمن؟ فقام معاذ بن جبل فقال: أنا يا رسول الله! فقال: «يا معاذ أنت لها! يا بلال ائتني بعمامتي» ! فأتاه بعمامته فعمم بها رأسه، ثم خرج صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار يشيعون معاذًا وهو راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إلى جانب راحلته.

ثم قال: «يا معاذ! أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة وترك الخيانة،...يا معاذ! لا تفسد أرضا، ولا تشتم مسلمًا، ولا تصدق كاذبا ولا تكذب صادقا، وإنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله،...» فانطلق معاذ بن جبل وعند وصوله قام ببناء المسجد، واجتمع ببني الأسود الذين كان لهم رياسة الجند في أول جمعة من رجب فوعظهم وصلى بهم فكانت أول جمعة تقام في اليمن.

إننا نتذكر في هذا الشهر يوم أظل علينا هذا الإسلام فكنا به ولم نكن بدونه شيئًا. نتذكر كيف لبى أهل اليمن لدعوة الإسلام وهبوا جميعا من أجل الإسلام نقية قلوبهم لينة طباعهم،حكيمة عقولهم، يلقنون العالم درسا في السلام، وينشرون ثقافة الأمان، ويعرفون الشعوب حقيقة الرقى،إنه شعب يحمل السلاح ولكنه يعرف متى يستخدمه.وبوجه من يشهره.وإلى أي جهة يسدده.

نعم إنه مشهد رائع يسجله التأريخ وتشهد به ربوع المدينة النبوية،وينقله لنا ابن عباس رضي الله عنه قال.. بينما النبي عليه الصلاة والسلام بالمدينة إذ قال: «الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله وجاء الفتح وجاء أهل اليمن قوم نقية قلوبهم لينة طاعتهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية» صحيح ابن حبان وقال الألباني في صحيح موارد الظمآن صحيح لغيره.

بل وتشهد به جبال مكة ووديانها وينقله لنا جبير بن مطعم قال: «بينا نحن مع رسول الله عليه الصلاة والسلام بطريق مكة إذ قال: يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خيار من في الأرض» رواه أحمد وإسناده حسن , السلسلة الصحيحة ( 3437 ).

لقد حذر الله الأمة قاطبة إن هي ارتدت عن الإسلام ورجعت عن تعاليمه وانقلبت عن قيمه بأن يأتي بقوم بديلا عنهم، يطبقونه ويعملون به، صفاتهم (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) [المائدة: 54].

من هم هؤلاء الذين يحملون هذه الصفات ويرفعون هذه الرايات ويرددون هذه الشعارات إنهم أهل اليمن.. وعياض الأشعري شاهد على ما أقول قال: "ما إن نزلت هذه الآية: أومأ رسول الله إلى أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري بشيء كان معه فقال: «هم قوم هذا». السلسلة الصحيحة ( 3368 ).

وأرسل عمر بن عبد العزيز إلى محمد بن كعب القرظي يوما وهو أمير المدينة يسأله عن (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة: 54] من هم؟! فقال محمد: هم أهل اليمن ! قال عمر: يا ليتني منهم !

أهل اليمن هم من علم الدنيا السلام، هم من لقن العالم المحبة، هم من نشر ثقافة الرفق، ورفع لواء اللين، وأعلن لافتة الحب (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة: 54].

لغة القوة دخيلة عليهم. أحاديث العنف ليست من سماتهم.

ثقافة الدم لا يؤمنون بها... ألم يسلموا برسالة وجذبهم إلى الإسلام كلمة. فلم ترق قطرة دم واحدة وقد دخلوا في دين الله أفواجا.

بل إن النبي عليه الصلاة والسلام عرف معاذا من يخاطب ومع من يتكلم، فقال له: «إنك تأتي قوم أهل كتاب...» نعم هكذا كانوا أهل كتاب.. أهل ثقافة وعلم.. يؤمنون بالحوار.. ويخاطبون العالم من خلاله، ويمدون أيديهم له.

ولا تستغرب فهم أول من جاء بالمصافحة، شهد بذلك أنس ابن مالك وهو يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقدم عليكم غدا أقوام هم ارق قلوبا للإسلام منكم. قال أنس: فقدم الأشعريون من أهل اليمن فيهم أبو موسى الأشعري فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه. فما أن قدموا تصافحوا فكانوا هم أول من جاء بالمصافحة. رواه أحمد في المسند وهو في السلسلة الصحيحة.

يقال هذا يا أهل اليمن لتعرفوا من أنتم. وأي رداء ألبستهم وبأي لغة تتحدثون. عندما كانت البشرية، تعيش حياة غير مستقرة، يسودها الخلاف، وينعدم فيها الائتلاف، ويعمها الاستخفاف، يكتنفها الإسفاف، كنتم أنتم في حينها تعلمون العالم مد الأيادي وترفعون راية التفاهم والتآخي.

ثم أقبلتم على دين التراحم، وشريعة التلاحم، فازددتم رحمة ورفقا، فكنتم ممن قال الله فيهم (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].

هذا المنهج التي أخذتموه، وطالما رفعتموه، منهج رسمه محمد عليه الصلاة والسلام في كل أحواله في حله وترحاله وفي سلمه وحربه. أرسل جيشًا لقتال الكفار قال لهم: «انْطَلِقُوا باسْمِ الله، وَبالله وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله، وَلا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً وَلا صَغيرًا، وَلا امْرَأةً، وَلا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُم، وَأصْلِحُوا وَأحْسِنُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُحْسِنِينَ» [أخرجه أبو داود].

نهى عن تخويف الآمن، وترويع المستأمن، وحذر أسباب القتل والتهديد فقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ، وإِنْ كانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمهِ» [أخرجه مسلم].

وبعد يا أهل اليمن: فإنه يسوؤنا والله ما يحصل اليوم من أحداث دامية، ومشاجرات حامية، نتائجها بين قتيل وجريح، في تعدٍّ صريح، وخروج عن تعاليم الشريعة، عصابات ومجموعات إجرامية دخيلة على أهل اليمن، تخويف وهمجية، وترويع ووحشية، أعمال مشينة، وأفعال مهينة، قتل وخنق، وللتعاليم خرق، عمل إجرامي فظيع، وفعل إرهابي وضيع.

يا أهل اليمن: لقد فُجِع كلُّ ذي دينٍ ومروءَة، وكلّ ذي عقلٍ وإنسانيّة، بالعمل الإجراميّ، والفِعل الإرهابي، والتصرّف الهمجي، وهي بكلّ المقاييس أمرٌ محرَّم، وفعلٌ مجرَّم، وتصرّف مرذولٌ مقبوح، وعملٌ إجرامي مفضوح، وسابقةٌ خطيرة، ونازلةُ شرٍّ مستطيرة.

إنَّ هذه الأعمال، التي تستهدِف الآمنين المعصومين، وتزهق أرواح المسلمين الوادعين، مخالفة لشريعة ربّ العالمين، إنه لأمر مؤلمٌ حقًّا، ومؤسِفٌ صِدقًا، يُعجز البيان، ويُرجف الجنان، ويهز البَنان، فيا لفظاعة القتل، ويا له من هول، دماء تراق، وأجساد للموت تساق، جرائم سطّروها بمدادٍ قاتمة، وعقول هائمة، فأهلكوا أنفسًا مسلمة بريئة، وأزهقوا أرواحًا مطمئنة محترمة.

فأين يذهب أولئك الأشرار، من شهادة أن لا إله إلا الله، إذا جاءت تحاجُّهم يوم القيامة؟! كما في الصحيح من حديث أسامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أقتلتَه بعد أن قال: لا إله إلا الله؟»، وغضِب عليه الصلاة والسلام واحمرّ وجهُه وهو يقول لأسامة: «أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟!» قال: يا رسول الله، إنما قالها تقيَّةً أي: خوفًا من القتل، قال: «أشققتَ عن قلبه؟ كيف تصنعُ يا أسامة بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجُّك يوم القيامة؟» قال رضي الله عنه: فوددتُ أني لم أكن أسلمتُ إلا يومئذ.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله.......

كيف يفعل أولئك القتلة بدم من قتلوهم يوم القيامة، يوم: «يجيء المقتول متعلقًا بالقاتل، يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني»؟ [ أخرجه أحمد ].

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

لقد ورط نفسه والله ‏‏قَالَ عليه الصلاة والسلام:‏ «إِنَّ مِنْ‏ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ» [ رواهُ البخاري ].

ألا فاعلموا يا أهل اليمن أن أمر الدماء عظيم في الإسلام، مهيب عند رب الأنام، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ، اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ» رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي والأصبهاني.

وصلوا وسلموا.......
 

 

 

 

المرفقات

من علّم الدنيا السلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات