إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله

عبد العزيز بن محمد القنام

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تطاول حمزة كشغري على الله تعالى ونبيه الكريم 2/ نماذج مما قال كشغري 3/ حكم الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته 4/ تحرك الغيورين ذبًّا عن عرض رسول الله 5/ مكانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ديننا 6/ احتجاجات شعبية موسعة على الإساءة 7/ الله يتعهد بنصرة نبيه على مدى الزمان

اقتباس

ولا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته وبشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر، وهو ردة عن دين الله، ولقد جاء في كتاب الله الكريم كفر من استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ قال الله -عز وجل-: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) ...

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، الحمد لله خيرٍ ثوابًا، وخيرٍ أملًا، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، لا يزال ربنا برًّا رحيمًا، عفوًا كريمًا، بعباده خبيرًا بصيرًا، من يهده الله فلن تجد له مضلًا أبدًا، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا واحدًا، فردًا صمدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أحسن الناس خلقًا وخلقًا، وعبادة وورعًا، وزهدًا وتقوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير ألٍ وأفضل صحبًا، وسلم تسليمًا مديدًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلفٌ، فالتقوى طريق لجنة المأوى، وسبيل لملك لا يبلى، ونجاة من نار تلظى، فتدرعوا بها ليلاً ونهارًا، ولازموها سراءً وضراءً؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أيها المسلمون: لا يخفى عليكم ما تجرأ به الكاتب الصحفي في جريدة البلاد السعودية المدعو "حمزة كشغري" في شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" بتطاوله على الذات الإلهية، وسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشتمه والنيل منه، كل ذلك وغيره بات السمة الأساسية لكل كاتب أو أديب يسعى للشهرة بأقل تكلفة وأسرع وقت، وأصبحت كثير من الأعمال الأدبية في زماننا هذا زاخرة بما خبث من إساءات متعددة في حق الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وكتابه ودينه وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.

أيها المسلمون: لقد تطاول هذا الكاتب على الله تعالى وشكك في وجوده سبحانه وفي وجوب عبادته -جل وعلا-، ومما تبع ذلك من سوء الأدب مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وتصريح بكراهية ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومما قاله هذا المذكور: "أن قدرة الإله على البقاء ستكون محدودة لولا وجود الحمقى"، "إن كل الآلهة الضخمة التي نعبدها، كل المخاوف العظيمة التي نرهبها، كل الرغبات التي ننتظرها بشغف، ليست إلا من خلق عقولنا"، "هناك تجارب علمية استطاعت فعلاً إطالة العمر، وسيتحقق الخلود لو نجحوا في نقل العقل البشري للإله"، وقوله: "ولو افترضنا وجود الله فإنه سيجعلكم في عينه على الدوام ما دمتم جيدين".

ومما قال في مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-: "في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول: إنني أحببت أشياء فيك وكرهت أشياء ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى"في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدث معك كصديق فحسب، ليس أكثر".

ومن استخفافه بالقرآن قوله: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر حبي، وما أوتيتم من القلب إلا قليلاً".

ولا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته وبشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر، وهو ردة عن دين الله، ولقد جاء في كتاب الله الكريم كفر من استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ قال الله -عز وجل-: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65، 66]، فهذه الآية الكريمة نص ظاهر وبرهان قاطع على كفر من استهزأ بالله العظيم أو رسوله الكريم أو كتابه المبين، وقد أجمع علماء الإسلام في جميع الأعصار والأمصار على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من الدين، وأجمعوا على أن من استهزأ بشيء من ذلك وهو مسلم أنه يكون بذلك كافرًا مرتدًا عن الإسلام.

والله سبحانه له صفة الكمال المطلق، ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- هو أكمل الخلق وسيدهم وخاتم المرسلين وخليل رب العالمين، ولقد صان الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- وحماه مما قاله المبطلون ورماه به المفترون، فقد كان أعف الناس وأنصحهم لله ولعباده وأرفعهم قدرًا وأشرفهم نفسًا وأشدهم صبرًا وأقومهم بحق الله وتبليغ رسالته، وأخشاهم لله وأتقاهم له، وأزهدهم في كل ما يلوث مقامه العظيم، أو يعوقه عن مهمته في الجهاد والنصح والتبليغ، فمن استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من دينه فقد تنقصه واحتقره، واحتقار شيء من ذلك وتنقصه كفر ظاهر وعداء لرب العالمين وكفر برسوله الأمين.

أيها المسلمون: أرأيتم هذا النبي الأعظم -فداه نفسي صلى الله عليه وسلم- الذي شرفه الله بسيادة البشرية، وجعله الله منّة علينا، وسماه سراجًا منيرا، وأشرقت شمس رسالته على الدنيا، وكان شفيقًا بنا يبكي ويدعو الله لنا ويخبئ دعوته لنا معشر أمته، ويدع التشريعات خوفًا من المشقة علينا، وينهى عن السؤال حتى لا يحرُم علينا شيء لم يحرم من قبل؛ هذا النبي الأعظم يُتعرض له اليوم بالانتقاص والسب، وأين؟! في الحجاز الذي منها مبعث دعوته -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- حيث يقول الشانئ في صفحته على شبكة التواصل بـ"تويتر" مخاطبًا رسول الله بالعبارات التالية:

"في يوم مولدك، أحببت فيك أشياء، وكرهت فيك أشياء، ولن أصلي عليك، ولم أحب هالات القداسة فيك، وسأصافحك مصافحة الند للند، وأتحدث معك كصديق فحسب، النسق الذي حاربه محمد تسلل لأتباعه".

ويقول عن القرآن: "إن في القرآن مقاطع ركيكة لغويًّا". ويقول عن الله -جل جلاله-: "كل الآلهة العظيمة الني نعبدها ليست إلا من خلق عقولنا".

ونحو هذه العبارات التي فيها سباب صريح وتنقص واستهانة واستخفاف بمقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسائر شرائع الإسلام، فضلاً عن الله -جل جلاله-.

ثم انظر كيف اختار هذا الشانئ لرسول الله -فداه أهلي صلى الله عليه وسلم- توقيتًا لشتائمه في غاية الخبث، وهو يوم مولده، ويوم مولده -صلى الله عليه وسلم- لا يختص بعبادات شرعية، لكن له دلالته الرمزية بين كثير من المسلمين في شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" المخصص لمولده -صلى الله عليه وسلم- لينتقص منه ويستهين به! فأي إمعان في انتقاص الرسول أكثر من هذا؟! ثم انظر كيف كان مكان هذا السب في الحجاز، التي كان منها مبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!

ثم انظر كيف جعل هذا السب ليس في صالون أدبي خاص مغلق، بل جعله منشورًا على الملأ يناظر الناس عليه، وكلما ردوا عليه ازداد إمعانًا في الانتقاص!

ولما انتفض المسلمون في جزيرة الإسلام، واخضلت دموع الأشياخ في دروسهم، وهب الشباب المسلم المبارك ذبًّا عن عرض رسول الله، وغصت جهة البرقيات من رسائل الناس المستنكرة الشاجبة، وبلغ الأمر ولي الأمر، وتحرك عدد من الغيورين لدى المحاكم الشرعية وجهات الاختصاص؛ لما وقع ذلك كله؛ أصدر الشانئ بيانًا يظهر فيه التوبة والاعتذار عما بدر منه، وأسأل الله أن تكون توبته توبةً صادقة، وأن يتقبلها منه، والله -جل وعلا- هو حسيبنا وحسيبه، وهو سبحانه يعلم ما في نفوسنا ونفسه، وأمر هذه التوبة لملك الملوك سبحانه يحكم فيها وهو أعدل العادلين. ثم إنه قبل ساعات أعلنت بعض المواقع الإلكترونية أن هناك أمرًا ملكيًا بإيقاف الجاني السابّ لرسول الله، والتحقيق معه.

ثم بعدها بساعات أعلنت ذات المواقع الإلكترونية عن أنباء بهروب سابّ النبي إلى دولة شرق آسيوية. فالله أعلم بحقائق الأمور.

أيها لمسلمون: إن رسولكم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- شامة في جبين التاريخ، فما أشرقت الشمس ولا غربت على أطهر منه نفسًا، ولا أزكى منه سيرةً، ولا أسخي منه يدًا، ولا أبر منه صلة، ولا أصدق منه حديثًا، ولا أشرف منه نسبًا، ولا أعلى منه مقامًا، جمع الله له بين المحامد كلها فكان محمدًا، ورفع الله ذكره وأعلى قدره فكان سيدًا، هو سيد ولد آدم ولا فخر، سيبعثه الله يوم القيامة مقامًا محمودًا تتقاصر دونه الأطماع، وتتطامن دونه الأماني، إنه الشفاعة العظمى يوم الموقف يوم أن يتخلى عنها أولو العزم من الرسل ويقول هو: "أنا لها، أنا لها". جمع المحامد كلها، وحاز من المكارم أجلها، محمود عند الله؛ لأنه رسوله المعصوم، ونبيه الخاتم، وعبده الصالح، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، وخليله من أهل الأرض، ومحمود عند الناس؛ لأنه قريب من القلوب، حبيب إلى النفوس، رحمة مهداة، ونعمة مسداة، مبارك أينما كان، محفوف بالعناية أينما وجد، محاط بالتقدير أينما حل وارتحل.

كان العرب يعيشون جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، كانوا أسارى شبهات وأرباب شهوات، يعبدون الأصنام ويستقسمون بالأزلام، ظلوا على هذه الحال إلى أن بزغ نور الإسلام وسطع فجر الإيمان وتألق نجم النبوة، ولد الهادي العظيم، فكان مولده فتحًا، ومبعثه فجرًا، بدّد به الله جميع الظلمات، وهدى به من الضلالة، وعلّم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، وكثر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، فـصلى الله عليه وسلم ما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، فلن تضيره هذه السخرية مهما عظمت أو تكاثرت، كما أخبرنا بذلك ربُّنا في القرآن العظيم، ونحن نعتقد أن الله سبحانه سيحمي سمعة رسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- ويخلد ذكره الحسن ويصرف عنه أذى الناس وشتمهم بكل طريق.

أيها المسلمون: وإن من الوفاء أن ندعو لكل من قام بالرد والاستنكار على هذا المنكر العظيم، لاسيما هذه الدولة المباركة، وتم إنكار المنكر ولله الحمد والفضل، من قبل حكومتنا الرشيدة، التي تستمد أحكامها من الكتاب والسنة، حيث أصدر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله تعالى- أمره الكريم للجهات المختصة بالقبض فورًا على الكاتب بجريدة "البلاد" حمزة كشغري وتقديمه للعدالة لمحاكمته؛ لتجاوزاته ضد الذات الإلهية ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسخريته من المسلَّمات الدينية، محل سخط كافة شرائح المجتمع السعودي، والمسلمين عمومًا. فجزى الله خادم الحرمين الشريفين عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

ولقيت هذه الإساءة استنكار هيئة كبار العلماء؛ حيث عقدوا اجتماعًا وأصدروا بيانًا عن قضية الكاتب الصحفي حمزة كشغري وتطاوله، مؤكدة أن الاستهزاء بالله ورسوله وآياته وشرعه وأحكامه من أعظم أنواع الكفر، وهو ردة عن دين الله، فلقد أثلج صدور المؤمنين، وأرغم أنوف الكافرين، لهذه الحادثة الأليمة الآثمة، والواقعة الحزينة الغاشمة، فأجزل الله مثوبتهم، ورفع قدرهم، وأعلى شأنهم.

إن ما حدث من جموع المسلمين -جزاهم الله خيرًا عن نبيهم- ما هو إلا تعبير عما تكنه صدورهم من محبته، وإيضاح لما تنطوي عليه قلوبهم من تعزيره وتوقيره، وذلك من صريح الإيمان ودلالات كماله، ولولا أن المسلم يقدم ما يحبه رسوله على ما تحبه نفسه وتشتهيه، لما آمن به تمام الإيمان؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".

ولما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: يا رسول الله: لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، قال له -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر".

وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: متى الساعة؟! قال: "ويلك، وما أعددت لها؟"!، قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال: "أنت مع من أحببت"، فهبوا أيها الأخيار، لنصرة سيد الأبرار، يقول سبحانه: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وسوء، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

الحمد لله الذي تواضع كلّ شيء لعظمته، واستسلم كل شيء لقدرته، وذلّ كل شيء لعزته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هدانا بنبيّه، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه عدد ما صلى عليه المصلون، وعدد ما غفل عن الصلاة الغافلون، وعدد ما عاداه وآذاه وشانأه المبغضون، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أمة الإسلام: فإن الله كفى نبيّه عدوان المعتدين، وشنآن المبغضين، فقال سبحانه: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [الزمر:36]، ومن رام التطاول عليه فإنما جنى على نفسه، فلن يعود تطاوله إلا عليه خزيًا ونكالاً وعذابًا، (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة:61].

وأعلن الله للأمة كلّها تولّيه -جل جلاله- نُصرة نبيه فيما لو تخلّت الأمة جمعاء عن نصرته، فقال سبحانه: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) [التوبة:40]، فالله -عز وجل- قد أغنى نبيَّه عن نصرة الخلق، وهو سبحانه كافيه وهاديه ومؤيّده وناصره، ومع ذلك فالابتلاء متوجّه للأمة بأسرها للقيام بواجب النصرة المُنوط بها، (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) [الفتح:9]، وواجب النصيحة لرسول الله: "الدين النصيحة... لله ولكتابه ولرسوله..."، ولإقامة شاهد الحب الصادق لرسول الله، فلقد أخذ علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- الميثاق في إيمانية محبته، والذود عن حياضه وسنته، في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- حيث قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُؤمِنُ أَحَدَكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". أخرجه مسلم.

فأظهروا حسن سيرته العطرة، وطيب نفسه الطاهرة، بينوا الخطر الداهم الذي دهم الأمة، وأصابها في نبيها -صلى الله عليه وسلم-، لما تعرض للسب والشتم، والوقيعة في عرضه ونفسه، فمن سب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا توبة له، وهو كافر زنديق، مهدور الدم، لا حرمة لنفسه، ولا عصمة لروحه، ولا قيمة له، فمن آذى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجبت معاداته لأنه كفر، ومن أهانه واستهزأ به فدمه هدر، وله العذاب في القبر، ويوم العرض والحشر، قال ربكم في القرآن ذي الذكر: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب: 57].

أيها المسلمون: لقد جاء اليوم الذي تبينون فيه حبكم لرسولكم الأنقى، وقدوتكم الأسمى، ومثلكم الأعلى، ليميز الله الخبيث من الطيب، هذا هو الوقت الذي امتحن الله فيه حسن قصدكم، وطهارة قلوبكم، وصدق قولكم، وإظهار باطنكم، بنصرة نبيكم.

ثم اعلموا -يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم- أن أعظم نُصرة لنبيكم أن تأتمروا بأمره، وتنتهوا بنهيه، قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7].

هذا؛ وصلوا وسلموا على خير الورى ذكرًا، وأفضل البشرية طهرًا، وأعظم الخلق شرفًا ونسبًا، أكثروا من الصلاة والسلام عليه، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صلّ على نبينا محمد ما ذكره الذاكرون، وصل عليه ما غفل عن ذكره الغافلون.

اللهم أحينا على محبته، وأمتنا على ملته، وثبتنا على سنته، وأكرمنا بشفاعته، وأوردنا حوضه، وأنِلنا شرف صحبته في عليين، مع الذين أنعمتَ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء الصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والخلق الأكمل، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم فإنا نشهدك أن أعراضنا وأموالنا ودماءنا فداءٌ لعرض نبيك، اللهم فخذ منها ما أحببت، وادرأ بها عن نبيّك ما شئت يا ذا الجلال والإكرام.

اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك، وحبَّ رسولك محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وحبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك.

اللهم اجعل حبَّك وحبَّ رسولك -صلى الله عليه وسلم- أحبَّ إلينا من أنفسنا ووالدينا، ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم ارزقنا اتباعه، وأكرمنا بشفاعته، وأَوْرِدْنا حوضه، وارزقنا مُرافَقته في الجنة.

اللهم انصر دينك وكتابك ونبيّك. اللهم انصر كل من نصر الدين، واخذل كل من خذله وكاد له يا رب العالمين، اللهم انصر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم ارفع كرباتهم، اللهم وبدل ذل المسلمين عِزًّا وتمكينًا ونصرة وتأييدًا، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ثبت قلوبهم على الولاء لك ولرسولك محمد -صلى الله عليه وسلم- ولجميع المؤمنين. اللهم ثبت قلوبنا على محبتك ومحبة رسولك.
 

 

 

 

المرفقات

(إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات