أكبر الكبائر

محمد موسى العامري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ خطورة ارتكاب كبائر الذنوب 2/ بعض الكبائر 3/ استعراض لبعض أكبر الكبائر: السحر، الربا، الكِبْر

اقتباس

الأعجب من ذلك أنك تجد أطباء ومهندسين وتجاراً ومثقفين وأناساً لهم شهادات وشأن، إذا أغلقت دونهم الأبواب تركوا باب الله وذهبوا إلى باب مشعوذ! سبحان الله! لذلك -أيها الإخوة الأكارم- اعلموا أن من أكبر الكبائر وأن من الذنوب العظيمة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم بل ذكر الله -جل وعلا- أن فاعلها كافر يستحق قطع عنقه: السحر والشعوذة والكهانة والعرافة وغيرها ..

 

 

 

 

 

تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:102-103].

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] [الحشر:18]، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] [التحريم:6]، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] [محمد:7]، [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ] [الطلاق:2-3].

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا، وأن تلم شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفَّارةٌ لما بينهنّ، ما لم تُغْشَ الكبائر"، قاله -صلى الله عليه وسلم-.

ما بين كل صلاة وأخرى، وما بين الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، فعل هذه الطاعات يكفر الله -جل وعلا- به الذنوب ما لم تؤت الكبائر، التي قال الله -جل وعلا- عنها: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) [النساء:31].

وهذا فعل الصالحين والأتقياء، (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى:37].

المؤمن يبتعد عن كبائر الذنوب، (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم:32]. (إِلَّا اللَّمَمَ) قال بعضهم: إلا صغائر الذنوب؛ لذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"اجتنبوا السبع الموبقات"، اجتنبوا كل المعاصي والذنوب، أيها المؤمن، اجتنبها، وزد على ذلك أن انتبه من السبع الموبقات المهلكات المحبطات.

سبحان الله! يأتي بعض الناس بأعمال كجبال تهامة فيجعلها الله هباء منثوراً، فيقول الله لفاعلها: لن أقبل منك شيئاً؛ (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]، وأنت فعلت من الأفعال ما أحبطت به أعمالك الصالحة!.

"اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟"، أي: إنه توجد كبائر، ويوجد أكبر الكبائر، "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟". ثلاثا! قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وجلس وكان متكئاً فقال: "ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور". البهتان على حقوق الناس، والكذب عليهم.

عباد الله: تعالوا معنا نستعرض بعض الكبائر التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن كنا واقعين فيها فنحن على خطر عظيم، وإن كنا نقع في بعضها فيجب الابتعاد عنها.

أول الكبائر التي انتشرت بين الناس والتي قطعت العلاقات وأفسدت المحبة والأخوة ما بين المؤمنين، والتي انتشرت انتشار النار في الهشيم: الحسر.

السحرُ انتشر بشكل مخيف، إن أفلس تاجر من التجار قال ائتوني بساحر من السحَرة،كما لجأ فرعون -لجهله- إلى السحرة فقال: (ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) [يونس:79].

بل يستخدمه أحيانا بعض الزعماء كما فعل فرعون حيث ربى من السحرة مَن يحفظون له ملكه ويوطدون له عرشه كما يظن!.

سبحان الله! إن شكت امرأة في زوجها ذهبت إلى ساحر من السحرة حتى يتعمق حبه في قلبها أو حبها في قلبه، تفعل ذلك وقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102]، فِعْلُ السحر كفر وإشراك بالله وتعدّ عليه، إن الوقوع في السحر يوجب القتل، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حد الساحر ضربة بالسيف".

اسمع إلى الأكاذيب التي يصدقها الناس! بل الأعجب من ذلك أن ترى قنوات قد تخصصت في السحر، وأن ترى بعض ضعيفي الإيمان والعقول إذا بحث عن رزق أو زوجة أو ضائع أو مال أو عن شفاء أو علاج ذهب إلى مشعوذ أو ساحر، فدخل عليه واستقبله بأبخرة وصور يعلقها، ثم يقول له: أتيت من بلدك للعمل، أي تبحث عن عمل! ويصدق هذا المسكين فيقول: صحيح! يا غبي! ومَن لم يأت من بلده غير باحث عن العمل؟ ويقول له: لك أعداء، فيقول الجاهل: صحيح، لي أعداء، ومن ليس له أعداء؟ ويقول له: بينك وبين بعض أقاربك مشاكل، فيقول المسكين: نعم لدي مشاكل مع بعض الأقارب وسوء فهم، ويصدق هذا المسكين هذه الأكاذيب.

وما فعل الساحر ذلك إلا بعدما كفر بالله، إذ لا تخدمه الشياطين إلا بعدما يكفر بالله -جل وعلا-، يأتي إليه إبليس فيأمره أن يسب الله أو يهين القرآن، أو يشتم النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو يقع في النجاسات والقاذورات كأن يشرب البول أو يغتسل به لأن الشيطان لا يقترب من الطاهر والمكان الطاهر، إنما يقترب من نجس القلوب والأفعال والأبدان.

فيقول الشيطان لمن يتعلم السحر: لن أخدمك إلا إذا فعلت وفعلت؛ لذلك الساحر حده أن يقتل، جعل حد الزاني القتل والقاتل كذلك، والساحر الذي يفرق بين الناس ويفسد أفعال الناس حده أن يقتل؛ لأنه سعى بين الناس بالإفساد.

سبحان الله! كم رأينا من رجل في الشارع شبه عار أو متسخ أو مجنون، زال عقله وقد كان عاقلاً يصلي كان أبا فاضلاً وجاراً صالحاً، وولداً بارا بوالديه وأبا لأولاده وزوجا طيباً، وكان ذا تجارة وذا خلق ودين، وبفعل السحر زال عقله وفقد صوابه، وفرق بينه وبين زوجته وأولاده وعق والديه وآذى جيرانه وعبث بماله ونفسه.

بل لقد جاءتني امرأة قبل يومين ترفع إلي رسالة تقول: يا شيخ، أنا فعلت السحر لأختي منذ عشرين سنة! سألتها ما السبب؟ قالت: أغضبتني في حفلة من الحفلات فأقسمت لأوذينها، فذهبت إلى ساحر وأعطيته مالا فأختي الآن مختلة العقل! عشرين سنة! انظر كيف تقطع الأرحام، وكيف يعبث بالعقول!.

لا يجوز استخدام السحر لا في علاج ولا في زواج ولا في تجارة ولا في رزق ولافي أي أمر ولو كان صالحاً.

لو سافرت بمريضك العالم بأسره فقال لك الأطباء: ليس له علاج، فانتبه أن يأتيك أحد فيقول لك: يوجد واحد في القرية الفلانية عالجنا عنده فلانا وقد أدخلناه إليه مكبلا بالسلاسل فخرج من عنده وهو بخير! انتبه! قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". هذا الحديث لمحمد -عليه الصلاة والسلام- وليس لي.

"مَن أتى عرافا" ولو كان يقول بقلبه لن أصدق العراف ولا الساحر ولا المشعوذ ولا الكاهن، إنما أريد أن أضحك عليهم، وأنظر ماذا يفعلون، "من أتى عرافاً" لم يقل -عليه الصلاة والسلام- سواء كان مصدقاً، بل من أتاه، مجرد الحضور والإتيان إليه، قد تجد بعض الجهلة يتحلقون حول امرأة وحولها أصداف فهذا يرمي لها خمسين ريالاً ويقول: انظري لنا ماذا بفلان!، "فسأله عن شيء" شيء نكرة! أي شيء، "لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"، يعني يصلي شهرا وعشرة أيام في المسجد وفي الصف الأول ومع المسلمين ويخشع في صلاته ويستغفر ويذكر الله فيها وبعد الشهر والعشرة الأيام يقول الله له لن أقبل منك شيئاً! فعملك مردود عليك؛ بسبب أنك أتيت عرافا وأسندت أمرك إليه وسألته عن شيء لا يسأل عنه إلا الله.

مَن يعلم الغيب؟ ومن يعلم ما في الأرحام؟ ومن يعلم الرزق وماذا قدر الله لك من زوجة ومن ذرية، ومن مال؟ لا يعلم كل ذلك إلا الله (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف:188].

هذا محمد -عليه الصلاة والسلام- لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير، لكن لا يعلم الغيب إلا الله، فتأتي إلى رجل قد كفر بالله، فيقول: أعرف ما مستقبلك، هات يدك هذا الخط كذا، والخط الآخر يعني كذا، وائتِ بفنجان قهوة وأنا أقرؤه لك، أو يقول: ما برجك؟ برجك العقرب أم الحوت؟ إذا كان برجك العقرب فستجد مالاً وكذا وكذا، كلام خزعبلات، يضحكون به على أمة نبيها محمد -عليه الصلاة والسلام-.

الأعجب من ذلك أنك تجد أطباء ومهندسين وتجاراً ومثقفين وأناساً لهم شهادات وشأن، إذا أغلقت دونهم الأبواب تركوا باب الله وذهبوا إلى باب مشعوذ! سبحان الله! لذلك -أيها الإخوة الأكارم- اعلموا أن من أكبر الكبائر وأن من الذنوب العظيمة التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- بل ذكر الله -جل وعلا- أن فاعلها كافر يستحق قطع عنقه: السحر والشعوذة والكهانة والعرافة وغيرها.

فاتقوا الله وانتبهوا، ومن عرفتموه من أقاربكم أو أصدقائكم أو أبنائكم يذهب إلى ساحر فحذروه ووجهوه وخوفوه بالله -جل وعلا-.

كذلك من الكبائر التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها وذكر أنها من الموبقات ومن المهلكات، وأنها ضياع لأمة بأكملها وضياع لأموالها واقتصادها وخلقها ودينها ما يروج له أعداء الأمة؛ بل ما يتزعمه اليهود ويمولونه ويطبقه عملاء اليهود: أكل الربا.

أخي: لا تتلقى كلمة أكل الربا بسهولة، وتقول: هؤلاء الدعاة والخطباء أكثروا من الكلام عن أكل الربا وأكل الربا!.

أخي، اعلم أن الربا ذنب عظيم قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه".

الربا ضياع للأمة، وفساد لأخلاقها، وإهدار لطاقتها، ونهب لخيراتها؛ ولذلك لا يقع في الربا إلا مَن تخلَّقَ بأخلاق اليهود، ومنها دناءة الأخلاق، وفساد القلوب والضمائر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ) [البقرة:278-279].

أي: إن لم تتقوا وتتجنبوا وتتركوا الربا، إن لم تدعوا التعامل بالربا في بنوك قد أشرعت وفتحت أبوابها في كل شارع، وعلقت إعلاناتها في كل مكان، لتعلن عن التعامل في الربا والاستكتاب فيه، يقولون لنا نحن المسلمين عبر البنوك الربوية بخطط وتوجيهات من صندوق النقد الدولي وأرباب التجارة العالمية التي يملكها اليهود: لا تفتح مصنعا ولا بقالة ولا مزرعة ولا تشغل أبناء المسلمين! إن كان لديك مال هاته، فبدلا من أن تدخل في صراع وتأتي بعمال وأجور ومرتبات ثم بلدية وواجبات وضرائب وجمارك وقد تربح وقد تخسر وقد لا يأتي لك ربح أصلا، وقد تعتريك إشكاليات في هذه التجارة وينافسك الكبار فيها، وأين ستذهب من العولمة والتجارة العالمية؟ فبدلاً أن تضع أموالك في هذه المشاريع الخسرانة سلفا هات ما عندك من مال إلى هذا البنك، وسنعطيك في كل سنة عشرين في المائة، ثلاثين في المائة! بدون أي نقاش؛ بل ربح مضمون!.

ما هي تجارتكم؟ تجارتهم محاربة الله ورسوله! (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:279].

الأمة الإسلامية غارقة وراكعة وساجدة وأنفها في التراب شعوبا وحكاما ودولا، أتعرفون لماذا؟ أذلت الأمة بسبب الربا، تعطى للحكومات العربية والإسلامية قروضاً، يأتي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتأتي بعض الدول لتقرض بعض الدول الفقيرة التي ليس عندها بنية تحتية من طرقات ومستشفيات ومدارس ومطارات ولا أجور العمال ومرتبات الموظفين -وتحت أقدامها كنوز العالم من الذهب الأسود- فيقولون: هذا قرض بمائة مليون دولار! تسددونه بعد خمس سنوات بزيادة مليون عن كل سنة، فلا تسدد الديون؛ لان المال حرام، ودول قد زكم أنوف شعوبها فساد حكوماتها فتجد الأمة تعيش ذليلة.

واعلم -أخي- أنهم لا يريدون أن تسدد أموالهم أصلا، ولو علموا أننا قادرون على السداد لما أقرضونا أصلا، وإذا وجدوا من يسدد قالوا: لا نعطيك قرضا، هم يريدون الذي تغرقه الديون حتى يذلوه ويكسبوا مواقفه وأقواله ويذلوا شعبه ويخدروا شبابه ويضيعوا هويته ويخربوا أخلاقه ويدنسوا تعليمه، فتجدهم يستولون ويستحلون الدول لأنهم أذلوا حكامها بالربا، فيمررون أي قرار يريدون، ويقولون: إما أن تنفذ هذا الطلب وإلا هاتوا قروضنا التي بلغت مليارات بعد عشرين أو ثلاثين سنة، يقولون: تُنَفِّذ طلبنا وتمسك بالإرهابيين وتمنعهم وتضيق على التعليم الديني وتمنع لا إله إلا الله وتنشر القنوات الخليعة والأفلام الماجنة، وتسمح للتنصير أن يدخل إلى بلادك، إذا قال احدهم: لا، ورفع رأسه ونادته فطرته وتذكر انه عربي مسلم، قالوا: هات القروض التي أعطيناك! فأذلوا حكاما وشعوبا وسلبوا أموالاً.

حتى لو ملكت تلك الدولة أموالاً وثروات من بترول أو نفط أو زراعة أو غاز أو أي شيء، يقولون: بكَم ستبيعنا ذلك؟ يقول:بأي سعر أريده، يقولون: لا، نحن من يحدد السعر، سنشتريه منك بثمن محدد، فيحاول أن يتملص فيقولون: إما أن توافق على هذا السعر وإما أن تسدد الديون التي عليك! انظروا كيف يستعبدون الناس!.

لذلك؛ الله تعالى حرم الربا وجعله من كبائر الذنوب، (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة:275].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لعن الله". يا عباد الله، تخيلوا لو أنكم الآن أمام محمد -صلى الله عليه وسلم- فوقف أمامكم خطيبا واعظا مرشدا، موجهاً، فقال أمامكم وأنتم تسمعونه وترونه: "لعن الله آكل الربا"؛ ألا تقشعر الأبدان، وترتجف القلوب؟ "لعن الله آكل الربا" الذي وضع ماله في الربا، "وموكله" الذي قام بالعمل فيه بالربا، "وشاهديه وكاتبه" كلهم يدخلون في الإثم واللعنة، والذي لعنهم هو محمد -صلى الله عليه وسلم-.

لذلك انتبه! ولا تضع أموالك في بنوك ربوية، ولا تُعِنْهُم على الباطل والحرام وأن يستثمروا أموالك في الحرام فتأكل بها حراماً، وتعين بها على حرام، إن هذه الأموال تؤخذ ويعمل بها خارج العالم الإسلامي، يطور بها اقتصاد الآخر أوروبا وأمريكا، يأخذون أموال المسلمين –زعموا- فيتاجرون بها، وأحيانا يتاجرون في الحرام كالخمور والدعارة والزنا، فسبحان الله! عبثوا بأموالنا وغيروا هويتنا وخربوا عقولنا ودنسوا مساجدنا وانتهكوا حرماتنا وسلبوا أموالنا وهتكوا أعراضنا، والأمة كأنها لا تعلم ما يحصل لها! هذا من الذنوب والكبائر التي نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا حلالا، اللهم ارزقنا حلالا، وجنبنا الحرام في أقوالنا وأفعالنا يا رب العالمين، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى.

أما بعد: ومن الكبائر التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعلها قرينة للشرك والسحر والربا: الكبر والخيلاء والتعالي على الناس، الذي يفقد احترام الصغير للكبير، واحترام الفقير للغني، فلا ينظر الفقير للغني الذي يصعد تلك السيارة الفارهة وذلك القصر الجميل وتلك الأموال وذلك المتاع، لا ينظر إليه الفقير إلا بعين الحسد وتمني زوال النعمة.

وكان يستطيع صاحب تلك النعمة أن يحفظ ماله وعقاره وأهله وولده، فليس حراما أن يكون غنيا، فقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه أن يرزقه المال والغنى واستعاذ بالله من الفقر، لكن غنى مع التواضع، فكيف لو جمع على الإنسان وبال الدنيا والآخرة؟ فقْرٌ مع كبْر، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملِك كذاب، وعائل مستكبر"، يعني فقير، لا بيت ولا طعام ولا مال ولا وظيفة ولا شيء، ورغم ذلك متكبر! يرفع أنفه في السماء وينظر إلى مَن حوله وكأنهم ذر! وكأنهم لا يساوون شيئاً.

إن الله -سبحانه وتعالى- توعد صاحب الكبر بوعيد شديد، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار".

وبعض الناس لا يشعر أن به كِبْرَاً، يقول: الحمد لله لست متكبراً، وقد يكون واقعاً في كل أنواع الكبر، كيف لا يكون متكبرا من يدخل بيته وباب جاره إلى جواره فيدخل بيته وجاره على الباب فلا يسلم عليه ويبتسم له! وكأنه لم يره، كيف لا يكون متكبرا من مر على قوم فرآهم جلوساً وأعينهم تنظر إليه ولا يسلم عليهم ولا يبتسم في وجوههم؟! والله! ما تواضع الإنسان إلا رُفع في أعين الناس وعند رب الناس.

التواضع خلق النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) [الفتح:26]، ويقول الله تعالى:(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) [غافر:27]؛ بل يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) [النحل:23].

كفى بالكبر مصيبة! سواء كان من غِنى أو من أو من جمال فقد يتكبر الإنسان أحيانا بماله وأحيانا بجماله وأحيانا بحسبه وبنسبه وبوظيفته وبقربه من مسؤول معين، فيتكبر حتى على أمه وأبيه في البيت! تصلني بعض الرسائل أن بعضهم متكبر على أمه وأبيه، وبعضهم متكبر على زوجته.

جاءتني رسالة في محاضرة نسائية قبل أسبوع تقول: فضيلة الشيخ -حفظكم الله- إن زوجي لا يكلمني منذ عشر سنوات! فسألتها: أنت في بيت أهلك وهو في بيته؟ قالت:والله إني وإياه تحت سقف واحد! لا يكلمني ولا يبتسم في وجهي ولا يضحك معي.

سبحان الله! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بينما رجل يتبختر في برديه قد أعجبته نفسه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل في بطنها إلى يوم القيامة". "يتبختر في برديه" يعني يمشي بين الناس في السوق والمجلس والمسجد والوظيفة والعمل، رافعاً صدره وأنفه ينظر إلى الناس باستحقار واستهجان، سبحان الله! حتى إن جاءه فقير يسأله شيئا يقول: تستاهل أنت فقير! "إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل في بطنها إلى يوم القيامة"؛ لأن الجزاء من جنس العمل، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال".

فأي جبار ظالم يتجبر على الأمة ويسلب حقوقها وينتهك أعراضها في كل زمان منذ أن خلق الله البشرية إلى يوم القيامة يجمعه الله مع المتكبرين، يجمع الله الذين يقتلون الأنفس ويسلبون الأموال في مكان واحدٍ "أمثال الذر"، والجزاء من جنس العمل، لماذا قال بأنه يجعلهم كأمثال الذر بين الخلق والدواب والبشرية حتى عند الحيوانات والحمير والكلاب؟ لأنهم كانوا في الدنيا ينظرون إلى الناس كأنهم ذر، فكانوا يحتقرون الناس، فيجمعهم الله كأمثال الذر يطؤهم الناس، أي يمشي الناس على وجوههم ويهينونهم.

وأول ذنب عصي الله به كان الكبر، قال إبليس: (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [ص:76]، فالمتكبرون من مدرسة إبليس، فإن الله قال له: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص:75] اسجد لابن آدم سجود تحية وإكرام، فاعترض ورد على الله قائلاً: (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [ص:76]، فكان عاقبته أنه على ما هو عليه الآن!.

ويقول الله -جل وعلا-:(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:18]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اختصمت الجنة والنار إلى ربهما، فقالت الجنة: يا رب، ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار -يعني- أوثرت بالمتكبرين، فقال الله تعالى: للجنة أنت رحمتي، وقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها".

قال الله -سبحانه وتعالى-: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].

كان رجل بجوار النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل بيساره، فقال له: "كل بيمينك". قال: لا أستطيع، قال: "لا استطعتَ!". ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه. أي: أصيبت بالشلل وانتهت؛ لأنه تكبر على نفسه ومن حوله فرأى الخير والأفضليه قد اختزلت فيه فمارسها بجوارحه فأنتجت سلوكا قذرا وفعلا قبيحا، فهل يرضى المتكبر أن يشل بدنه ويوقف دمه ويموت وهو حي؟! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر".

عباد الله: التواضع يكون بالكلمة الطيبة، فمن مررت عليه بالشارع فسلم عليه، لأننا أمة السلام، وربنا السلام، ونحن ننشر السلام، سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".

فليس شرطاً أن تسلم على أصحابك، بل كل من رأيته في الشارع سلم عليه، والتواضع بالابتسامة الطيبة: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، التواضع أول ما يجب للوالدين والزوجة والأبناء، ليس كونك أبا يعني أنك لا تتواضع لأبنائك، إن كنت متكبرا على أبنائك فسيكونون أشد منك كبراً عليك حال كبرك، ولو كنت المدير في العمل فتواضع مع الموظفين.

لقد كان من هو خير منك محمد -صلى الله عليه وسلم- يأتيه الأعرابي من البادية لأنه سمع عن محمد رسول الله، يريد أن يتعرف على رسول الله، مَن هو هذا الذي سبق خلقه وفضله وتواضعه بين الناس، وجاب الصحاري والقفار حتى وصل -صلى الله عليه وسلم- جبال فرنسا وأدغال أفريقيا، لا بجسده بل بتواضعه وأخلاقه التي رسمها سفراؤه من الصحابة الذين تربوا بين يديه وتحت عينيه، والتقت أنفاسهم بأنفاسه فشربوا من فيض ينبوعه أدبا، وأكلوا من حلو ثماره كرما، ومن طيب بستانه علما، ومن ظلال أشجاره حلما!.

فيدخل المسجد فيجد مجموعة من الناس جلوساً ليس بينهم أحد على رأسه تاج مرصع ولا كرسي للملك مذهب مرفع ولا لباس فروه مميز ولا حرس، فيقول: أين محمد؟ فيقولون: هذا محمد رسول الله، فينظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا هو بينهم، له ثياب مرقعة لا يميزه عن أمته من فقراء ومساكين شيء إلا أنه محمد رسول الله، لا بمظهره وإنما بمخبره عند ربه، يعيش بين أصحابه ويأكل مما يأكلون ويجلس على ما يجلسون عليه ويبتسم لهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ويمازحهم، فلم يكن بينهم في برج عاجي وهم دونه، فهو (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الفتح:29] وهو معهم، لقد تربوا تربية على يد محمد -صلى الله عليه وسلم-.

فالتواضع -أولاً- لوالديك، لزوجتك ولأبنائك ولموظفيك في العمل، لجيرانك ولأهل قريتك وأهل حارتك، إننا أمة لا تعرف الكبر.

أسأل الله أن يهذب أخلاقنا وأن يصلح أمورنا، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وبصفاتك العلى أن تحسن أخلاقنا، وأن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تتجاوز عن خطئنا.

اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة أن تغفر لنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرَّجْته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها ويسرتها وأعنتنا على قضائها.

اللهم احفظ هذه الأمة من كل سوء، اللهم احفظها في العراق وفلسطين ولبنان والأفغان والصومال وفي كل مكان ترفع فيه لا إله إلا الله، اللهم مَن أراد بنا وبالمسلمين سواء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره.

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

الكبائر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات