نعمة المطر بين الشكر والبطر

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ لا غنى للناس عن فضل الله 2/ تطلع الناس إلى المطر 3/ سمات طريق الرخاء 4/ الفرق بين العطاء والاستدراج 5/ التقوى تحفظ النعم 6/ وجوب شكر الله على نعمه.

اقتباس

إِنَّ القَحطَ الَّذِي تُصَابُ بِهِ الدِّيَارُ، وَغَورَ المِيَاهِ في الآبَارِ، وَتَبَدُّلَ الصَّفَاءِ بِالكَدَرِ وَالغُبَارِ، إِنَّهُ لأَثَرٌ مِن آثَارِ البُعدِ عَنِ اللهِ، وَنَتِيجَةٌ حَتمِيَّةٌ مِن نَتَائِجِ الاعوِجَاجِ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ.. يَعِيشُ الإِنسَانُ في شَظَفٍ وَضِيقٍ وَيَأسٍ وَقُنُوطٍ، حَتى يَستَقِيمَ عَلَى الطَّرِيقَةِ المُثلَى، وَيَلزَمَ المَنهَجَ الرَّبَّانيَّ العَظِيمَ، فَتُفتَحَ لَهُ -إِذْ ذَاكَ- أَبوَابُ السَّمَاءِ، وَتَتَدَفَّقَ مِنهَا الأَرزَاقُ إِلى الأَرضِ، وَيَنشُرَ الوَليُّ رَحمَتَهُ.. فَإِذَا زَاغَ ذَلِكَ الإِنسَانُ عَنِ الطَّرِيقَةِ وَرَاغَ عَنِ المَنهَجِ، استُلِبَتِ الخَيرَاتُ مِنهُ استِلابًا، وَعَادَ في النَّكَدِ وَالشَّظَفِ وَفَسَادِ المَعَايِشِ ..

 

 

 

 

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ) [الأعراف: 96].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: في هَذِهِ الأَيَّامِ الرَّبِيعِيَّةِ الجَمِيلَةِ، تَتَقَلَّبُ الأَبصَارُ يَمِينًا وَشِمَالاً، وَتُرفَعُ الرُّؤُوسُ إِلى السَّمَاءِ، وَتَتَّجِهُ العُيُونُ إِلى الآفَاقِ، نَاظِرَةً إِلى البَرقِ، رَاجِيَةً الغَيثَ، مُتَوَقِّعَةً الخَيرَ، وَلَرُبَّمَا حَرِصَ بَعضُ النَّاسِ عَلَى مُتَابَعَةِ مَوَاقِعَ إِخَبَارِيَّةٍ تَصِفُ حَالَةَ الجَوِّ وَتَهتَمُّ بِهِ، عَلَّهَا تُبَشِّرُ بِفُرَصٍ لِنُزُولِ الغَيثِ هُنَا أَو هُنَاكَ، وَتَرَى النَّاسَ في مَجَالِسِهِم وَأَسوَاقِهِم يَتَسَاءَلُونَ، وَبِأَخبَارِ الغَيثِ يَتَبَاشَرُونَ، وَحُقَّ لِخَلقِ اللهِ أَن يَفرَحُوا بِفَضلِ خَالِقِهِم وَيَستَبشِرُوا بِعَطَائِهِ مِن سَمَائِهِ؛ لِمَا في ذَلِكَ العَطَاءِ المُبَارَكِ مِن حَيَاةِ أَرضِهِم وَنَمَاءِ زُرُوعِهِم، وَشِبَعِ أَنعَامِهِم وَأَنفُسِهِم، قَالَ - سُبحَانَهُ -: (اللهُ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبسُطُهُ في السَّمَاءِ كَيفَ يَشَاءُ وَيَجعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُونَ * وَإِن كَانُوا مِن قَبلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيهِم مِن قَبلِهِ لَمُبلِسِينَ * فَانظُرْ إِلى آثَارِ رَحمَةِ اللهِ كَيفَ يُحيِي الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحيِي المَوتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 48- 50] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (أَوَلم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعًا تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلا يُبصِرُونَ) [السجدة: 27].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ القَحطَ الَّذِي تُصَابُ بِهِ الدِّيَارُ، وَغَورَ المِيَاهِ في الآبَارِ، وَتَبَدُّلَ الصَّفَاءِ بِالكَدَرِ وَالغُبَارِ، إِنَّهُ لأَثَرٌ مِن آثَارِ البُعدِ عَنِ اللهِ، وَنَتِيجَةٌ حَتمِيَّةٌ مِن نَتَائِجِ الاعوِجَاجِ عَنِ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، وَإِنَّ اللهَ الَّذِي لا يُنَزِّلُ الغَيثَ إِلاَّ هُوَ، وَلا يَعلَمُ وَقتَ نُزُولِهِ غَيرُهُ، وَلا يَقدِرُ عَلَى المَجِيءِ بِالماءِ بَعدَ ذَهَابِهِ سِوَاهُ، هُوَ الَّذِي قَالَ - سُبحَانَهُ -: (وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا لِنَفتِنَهُم فِيهِ * وَمَن يُعرِضْ عَن ذِكرِ رَبِّهِ يَسلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) [الجن: 16- 17].

إِنَّهَا حَقِيقَةٌ أَزَلِيَّةٌ بَاقِيَةٌ، تَختَصِرُ عَلَى الإِنسَانِ طُرُقَ التَّفكِيرِ في أَسبَابِ نَزعِ الخَيرَاتِ، وَتُرِيحُهُ مِن عَنَاءِ البَحثِ في أُصُولِ قِلَّةِ البَرَكَاتِ، وَتُبَيِّنُ لَهُ سُبُلَ تَحصِيلِ مَا عِندَ اللهِ مِنَ الرِّزقِ وَالعَطَاءِ، فَالإِنسَانُ جُزءٌ مِن هَذَا الكَونِ، وَالكَونُ كُلُّهُ بما فِيهِ تَحتَ قَبضَةِ الخَالِقِ - سُبحَانَهُ - مَا شَاءَ مِن شَيءٍ كَانَ، وَمَا لم يَشَأْهُ لم يَكُنْ، وَهُوَ - تَعَالى - عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا يُعجِزُهُ شَيءٌ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعطَى وَلا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَلا يَنفَعُ أَحَدًا عَطَاءٌ دُونَ عَطَائِهِ.

إِنَّ هَذَا التَّصَوُّرَ بَل هَذِهِ العَقِيدَةَ، يَجِبُ أَن تَكُونَ هِيَ المُسَيِّرَةَ لِحَيَاةِ المُؤمِنِ، المُحَدِّدَةَ لِسُلُوكِهِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَفعَلَهُ، إِذَا هُوَ أَرَادَ أَن يُغدِقَ رَبُّهُ عَلَيهِ مِن فَضلِهِ وَيُوَسِّعَ لَهُ العَطَاءَ مِن عِندِهِ، فَلا طَرِيقَ لِلرَّخَاءِ إِلاَّ الاستِقَامَةُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الوَاحِدَةِ، إِنَّهَا طَرِيقَةُ الإِسلامِ وَمَنهَجُ الإِيمَانِ، الَّتي لا صِلَةَ بِاللهِ إِلاَّ لِمَن سَلَكَهَا، وَلا رَخَاءَ إِلاَّ لِمَنِ استَقَامَ عَلَيهَا، وَلا سَعَادَةَ وَلا هُدَى إِلاَّ لِمَنِ اتَّبَعَهَا، وَأَمَّا مَن أَعرَضَ عَنهَا أَو تَجَاهَلَهَا (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه: 124] وَمَا سَعيُهُ إِلاَّ في ضَلالٍ وَشَقَاءٍ.

وَهَكَذَا يَعِيشُ الإِنسَانُ في شَظَفٍ وَضِيقٍ وَيَأسٍ وَقُنُوطٍ، حَتى يَستَقِيمَ عَلَى الطَّرِيقَةِ المُثلَى وَيَلزَمَ المَنهَجَ الرَّبَّانيَّ العَظِيمَ، فَتُفتَحَ لَهُ إِذْ ذَاكَ أَبوَابُ السَّمَاءِ، وَتَتَدَفَّقَ مِنهَا الأَرزَاقُ إِلى الأَرضِ، وَيَنشُرَ الوَليُّ رَحمَتَهُ، فَإِذَا زَاغَ ذَلِكَ الإِنسَانُ عَنِ الطَّرِيقَةِ وَرَاغَ عَنِ المَنهَجِ، استُلِبَتِ الخَيرَاتُ مِنهُ استِلابًا، وَعَادَ في النَّكَدِ وَالشَّظَفِ وَفَسَادِ المَعَايِشِ، حَتى يَفِيءَ إِلى الطَّرِيقَةِ مَرَّةً أُخرَى، فَيَتَحَقَّقَ فِيهِ وَعدُ اللهِ.

وَإِذَا كَانَت هُنَالِكَ أُمَمٌ لا تَستَقِيمُ عَلَى طَرِيقَةِ اللهِ، وَلا تَسِيرُ عَلَى مَنهَج ِاللهِ، وَمَعَ هَذَا تَنَالُ الوَفرَ وَتُحَصِّلُ الغِنى، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لِمُسلِمٍ جَاءَهُ خَبرُ رَبِّهِ أَن يَتَجَاهَلَهُ وَيُصَدِّقَ مَا تَرَى عَينُهُ، ظَانًّا أَنَّهُ بَلَغَ بِعَقلِهِ الصَّغِيرِ المَحدُودِ مُنتَهَى الحَقِيقَةِ، لا وَاللهِ، بَل يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَعلَمَ أَنَّ تِلكَ الأُمَمَ الَّتي عَصَتِ اللهَ وَخَرَجَت عَنِ المَنهَجِ وَخَالَفَتِ الطَّرِيقَةَ، لا يَنفَعُهَا أَن تُغدَقَ عَلَيهَا الأَرزَاقُ في الظَّاهِرِ المُشَاهَدِ؛ إِذْ هِيَ في الحَقِيقَةِ تُبتَلَى بما تُعطَى وَهِيَ غَافِلَةٌ، وَتُفتَنُ بما يُفتَحُ عَلَيهَا وَهِيَ عَاصِيَةٌ، وَتُستَدرَجُ مِن حَيثُ لا تَعلَمُ وَيُملَى لها، وَكَمَا قَالَ - سُبحَانَهُ -: (فَذَرْهُم في غَمرَتِهِم حَتَّى حِينٍ * أَيَحسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُم في الخَيرَاتِ بَل لا يَشعُرُونَ) [المؤمنون: 54- 56].

وَمَن تَفَكَّرَ في حَالِ تِلكَ الأُمَمِ وَتَأَمَّلَ وَاقِعَهَا، وَجَدَ أَنَّهَا مَعَ مَا تَنعَمُ فِيهِ مِن مِيَاهٍ جَارِيَةٍ وَخُضرَةٍ نَضِرَةٍ، إِلاَّ أَنَّهَا تَتَقَلَّبُ في آفَاتٍ وَمَصَائِبَ وَشُرُورٍ، في مَنَاهِجِهَا وَتَنَاوُلِهَا لِلأُمُورِ وَفَهمِهَا لِلحَيَاةِ، وَفي أَخذِهَا مَعَ الآخَرِينَ وَعَطَائِهَا، فَلا قِيمَةَ لِلإِنسَانِ لَدَيهَا وَلا كَرَامَةَ لَهُ فِيهَا، وَلا دِينَ لَدَى أَفرَادِهَا يَردَعُ، وَلا أَخلاقَ في جَمَاعَتِهَا تَمنَعُ، وَلا أَمنَ في رُبُوعِهَا وَإِن عَظُمَت جُيُوشُهَا، وَلا استِقرَارَ وَإِن تَنَوَّعَت آلاتُهَا، وَلا طُمَأنِينَةَ وَإِن هِيَ تَقَلَّبَت في حَضَارَةٍ بَاهِرَةٍ، بَل هُوَ البَطَرُ والأَشَرُ وَقِلَّةُ الشُّكرِ، وَالكُفرُ وَالطُّغيَانُ وَالجَورُ، وَالتَّطَاوُلُ بِالقُوَّةِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالتَّهَجُّمُ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ.

وَدُونَكُم مَا تَعِيشُهُ هَذِهِ الدُّوَلُ المُسَمَّاةُ بِالعُظمَى - لا عَظَّمَهَا اللهُ - مِن خُيَلاءَ وَتِيهٍ وَتَكَبُّرٍ وَتَجَبُّرٍ، وَمَا تَتَرَدَّى فِيهِ مِن دَرَكَاتِ الظُّلمِ وَالإِثمِ وَالغِوَايَةِ وَالغُرُورِ، وَالاستِخفَافِ بِالمُستَضعَفِينَ وَنَسفِ القِيَمِ وَاختِلالِ المَوَازِينِ، وَجَعلِ العَالَمِ مَرتَعًا لِلإِفسَادِ وَالقَتلِ وَالتَّعذِيبِ وَالتَّشرِيدِ، وَإِيذَاءِ عِبَادِ اللهِ في أَرضِ اللهِ، فَأَينَ هُوَ الخِصبُ وَالرَّخَاءُ؟ وَمَا قِيمَةُ الغَدَقِ وَالغِنى؟!

وَأَيَّ شَيءٍ يُغني نَعِيمُ الدُّنيَا عَمَّن مَآلُهُ إِلى عَذَابِ الآخِرَةِ جَزَاءً عَلَى مَا أَسَاءَ وَظَلَمَ؟! وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ - سُبحَانَهُ -: (أَفَرَأَيتَ إِن مَتَّعنَاهُم سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغنَى عَنهُم مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205- 207] وَالقَائِلُ - جَلَّ وَعَلا -: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو كَانُوا مُسلِمِينَ * ذَرْهُم يَأكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوفَ يَعلَمُونَ) [الحجر: 2- 3].

وَمَن كَانَتِ النَّارُ مَآلَهُ، فَمَا أَغنى عَنهُ غِنَاهُ وَلا مَالُهُ، وَمَن فَازَ بِالجَنَّةِ وَالفِردَوسِ، فَلا عَلَيهِ مَا مَرَّ بِهِ مِن عَنَاءٍ وَبُؤسٍ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «يُؤتَى بِأَنعَمِ أَهلِ الدُّنيَا مِن أَهلِ النَّارِ فَيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً ثم يُقَالُ لَهُ: يَا بنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبَّ. وَيُؤتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا بنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بِكَ مِن شِدَّةٍ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بي بُؤسٌ قَطَّ وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ» رَوَاهُ مُسلِمٌ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلا تَنظُرُوا نَظَرَ المُبلِسِينَ إِلى الآفَاقِ، وَتَعَلَّقُوا بِاللهِ الخَلاَّقِ الرَّزَّاقِ، فَإِنَّ لَهُ في بَسطِ الرِّزقِ وَتَضيِيقِهِ حِكَمًا (وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ) [الشورى: 27- 28].

 

 

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا سَبِيلَ لِزِيَادَةِ الرِّزقِ وَتَنَزُّلِ البَرَكَةِ غَيرُ الشُّكرِ وَتَقوَى اللهِ وَالاستِقَامَةِ، وَلا مَحقَ لِلبَرَكَةِ وَلا فَسَادَ لِلمَعِيشَةِ إِلاَّ بِالكُفرِ وَالعِصيَانِ وَالطُّغيَانِ، وَاللهُ - تَعَالى - يَقُولُ وَهُوَ الصَّادِقُ في قَولِهِ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم) [إبراهيم: 7]، وَيَقُولُ - جَلَّ وَعَلا -: (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3] وَيَقُولُ - تَعَالى -: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ) [الأعراف: 96].

وَيَقُولُ -سُبحَانَهُ-: (وَلَو أَنَّ أَهلَ الكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَكَفَّرنَا عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلأَدخَلنَاهُم جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنهُم سَاءَ مَا يَعمَلُونَ) [المائدة: 65- 66]، وَيَقُولُ - جَلَّ وَعَلا -: (ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بما كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ) [الروم: 41] وَيَقُولُ - تَعَالى -: (وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

وَأَمَّا تَصرِيفُ المَطَرِ وَتَفَاوُتُ نَصِيبِ الأَرضِ مِنهُ مِن مَكَانٍ لآخَرَ، وَإِعطَاءُ اللهِ لأُنَاسٍ وَحِرمَانُ آخَرِينَ، فَإِنَّمَا هُوَ بِأَمرِهِ وَحِكمَتِهِ، وَكُلٌّ مُبتَلَى، وَوَاجِبُ المُؤمِنِ أَن يَكُونَ مِنَ القَلِيلِ الشَّاكِرِينَ المُتَذَكِّرِينَ، لا أَن يَغتَرَّ وَيَسلُكَ سَبِيلَ الكَافِرِينَ المُغتَرِّينَ، قَالَ - تَعَالى -: (وَهُوَ الَّذِي أَرسَلَ الرِّيَاحَ بُشرًى بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحيِيَ بِهِ بَلدَةً مَيتًا وَنُسقِيَهُ مِمَّا خَلَقنَا أَنعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) [الفرقان: 48- 50].
 

 

 

 

 

المرفقات

المطر بين الشكر والبطر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات