خطر الفساد على البلاد

عبد الرحمن بن أحمد علوش مدخلي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ تحذير الإسلام من الفساد 2/ انتشار الفساد 3/ من صور الفساد 4/ أسباب الفساد 5/ سبل الوقاية من الفساد 6/ كيف نحارب الفساد؟ 7/ جهود الدولة في محاربة الفساد

اقتباس

وقد كونت هذه الدولة المباركة هيئة خاصة لمحاربة الفساد، فإن رأينا مفسداً، حتى لو كان من أكبر المسؤولين، فينبغي أن نبلغ عنه بعد أن نتثبت ونتأكد أنه مفسد في وظيفته، أو أنه مفسد في مؤسسته، أو أنه مفسد في مسؤوليته، أن نبلغ عنه فنكون ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" ..

 

 

 

 

 

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً.

أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أرسل إلينا خير خلقه وخاتم رسله محمداً -صلى الله عليه وسلم- هادياً ومبشراً ونذيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.

أما بعد: أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أيها المؤمنون: يقول المولى -عز وجل- في كتابه الكريم : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]؛هذه الآية العظيمة، وغيرها مما يقارب خمسين آية في كتاب الله تعالى كلها تحذر من الفساد بجميع صوره وأشكاله وأنواعه، تمثل هذه الآيات بالإضافة إلى الأحاديث النبوية الصحيحة التي وردت في الصحاح والسنن والمسانيد التي تحذر الأمة من الفساد في الأرض ومن الإفساد، وأن يكون المؤمن صالحاً مصلحاً بعيداً عن جميع صور الفساد؛ حتى لا ينزل به العذاب، وحتى لا تنزل بالأمة الكارثة والمصائب والنكبات والابتلاءات بصور مختلفة بسبب تصرفات بعض الأشخاص.

الفساد -بجميع صوره- الاقتصادي والاجتماعي والإداري والسياسي، كلّ ذلك حذر منه الإسلام، وحذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- صراحةً، وحث الأمة على محاربته بجميع صوره، يقول المولى -عز وجل-: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الشعراء:183].

الفساد؛ الذي هو استغلال الوظائف العامة للمصالح الخاصة، الفساد الذي هو ضياع الحقوق والمصالح، مصالح العباد بسبب مخالفة ما أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، الفساد الذي هو عدم القيام بالأمانة واستشراء الخيانة بين أفراد المجتمع، الفساد الذي هو الغش بجميع صوره وأشكاله، هذه الصور -أيها الإخوة الكرام- التي رسم المولى -عز وجل- لنا في الكتاب الكريم خبر أقوام أفسدوا في الأرض فنزل بهم البلاء، وإذ يحذرنا المولى -عز وجل- من أن نسلك مسلكهم، أو أن نسير على الطرق التي ساروا عليها، فإنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه حسب أو نسب، فسنن الله لا تحابي أحداً.

ينبغي أن نعلم هذه المسألة، أن سنن الله لا تحابي أحدا، وأن الأمة إذا حادت عن الطريق المستقيم نزل بها البلاء، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، ويقول المولى -عز وجل- : (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف:56]، ويقول سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:204-205]، ويقول سبحانه: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77]، ويقول تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

وفي المقابل؛ حذرنا الله من خبر أقوام أفسدوا في الأرض بتطفيف الميزان والمكيال وبالفساد، فذكر المولى قصة قوم شعيب في أكثر من موضع في كتابه الكريم، وحذرنا الله من قصة قارون الذي فسد وتعالى وتجبر ومنع الزكاة والصدقات، وبيَّن لنا المولى -عز وجل- خبر أقوام حادوا عن الطريق المستقيم حتى لا نسلك مسلكهم.

أيها الإخوة الكرام: إنه من الواضح الذي لا يختلف فيه اثنان، ولا تنتطح فيه عنزان، أن الفساد عم وطم في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، فأصبحنا نشاهد الفساد الاقتصادي والفساد الإداري والفساد السياسي والفساد الاجتماعي والفساد الأخلاقي والفساد الديني والفساد العلمي بجميع الصور، نسأل الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

ومن صور الفساد -من باب التمثيل لا الحصر- الذي ابتليت به الأمة في الأموال: السرقة، والاختلاس، والرشوة، والتربح بالوظيفة، والخيانة للمسؤوليات؛ وفي العمل: الإهمال، والتقصير، وعدم الإتقان، والمحسوبية، وبخس العامل حقه، وعدم أداء الأجير أجرته، والإسراف والتبذير والبذخ الذي تجاوز حدود الزمان والمكان؛ وفي جانب التداول والتجارة: الغش، والتدليس، والمماطلة، واحتكار السلع؛ وغير ذلك من صور كثيرة من الفساد التي لا تخفى على أصحاب العقول، ولا تخفى عليكم، فأصبحت واضحةً للعيان، نسأل الله العفو والعافية.

لقد أصبح الإنسان لا يجد السلعة الصحيحة، ولا يجد البضاعة الأصلية بسبب الفساد، وبسبب قلة الأمانة، وبسبب عدم الخوف من الله سبحانه وتعالى، وبسبب عدم مراقبته، وأصبح الرجل الكفء لا يجد له مجالاً في الوظائف، فتقدم وتذهب الوظائف للأقارب للمحسوبيات، للمجاملات، لمن يدفعون أكثر بسبب الفساد، والعياذ بالله تعالى.

أصبح الإنسان يجري هنا وهناك لا تنجز معاملته إلا بعد أشهر، وكان يمكن أن تنجز هذه المعاملة في ساعات، بل في دقائق؛ بسبب قلة الأمانة، بسبب أنه لم يدفع، بسبب أنه لم يقدم الرشوة -والعياذ بالله تعالى-، فساد عظيم، نسأل الله ألا يؤاخذنا.

أيها الإخوة: يحذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الفساد في حديث رواه ابن ماجة في سننه وحسّنه الشيخ الألباني -رحمه الله-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم؛ وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله -عز وجل- ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".

لعلنا أيها -الإخوة الكرام- نلتفت هنا وهناك فنرى آثار هذا الحديث واضحة للعيان؛ لأن الفساد عم وطم، ولأن ما حذرنا منه النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وقع والعياذ بالله تعالى، فنسأل الله العفو والعافية.

البلاء والهلاك وعدم السعادة والراحة والطمأنينة والنكبات والابتلاءات والمصائب وانهيار القيم والمبادئ كل ذلك بسبب هذه المسألة التي نسأل الله أن يعافينا منها، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه:124-126].

أيها الإخوة الكرام: إن من أسباب الفساد الذي عم في مجتمعات المسلمين ضعف الوازع الديني، وعدم مراقبة المولى -عز وجل-، وعدم استشعار أن الله يرى العبد، وأننا لم نصل إلى مرتبة الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين، أن يعبد المسلم ربه كأنه يراه.

والأمر الثاني هو ضعف الدور التربوي للأسرة، فكثير من الأسر تركت الحبل على الغارب للأبناء والبنات فلم يتربوا على المراقبة لله تعالى، ولم يقوموا بدورهم ومسؤوليتهم.

والأمر الثالث هو عدم ترشيد وسائل الإعلام، فكثير من القنوات ووسائل الإعلام في بلاد المسلمين لم تقم بدورها في التوجيه والتربية؛ بل تهدم القيم والمبادئ وتنشر الرذيلة والعري والتبرج، فإلى الله المشتكى!.

الأسباب الاقتصادية: البطالة، عدم الامانة وعدم الإخلاص، عدم أداء الأجير أجرته مما يؤدي به إلى الاختلاس والتزوير وغير ذلك من الصور المحرمة، انتشار الظلم والكذب والخيانة بين الناس، والتهالك على الأموال والحرص على الدنيا؛ ولهذا -أيها الأخوة- عندما نتأمل في نصوص الآيات السابقة وفي الأحاديث الكثيرة التي بينها لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- نجد أن الإسلام جعل لنا السبل التي تقينا من الفساد، فلو سرنا فيها لابتعدنا عن جميع صور الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والإعلامي وغير ذلك.

أولاً: الإيمان بالله، يقول سبحانه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96]؛ لو أن الناس آمنوا واتقوا وأقبلوا على الله -سبحانه وتعالى- لفتحت عليهم البركات والخيرات والنعم بما لا يجدون له وصفاً، والأمر الثاني ضعف العبادات، والإسلام أمرنا بالعبادات، بالصلاة والصيام والحج والزكاة، (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت:45].

فالمؤمن الذي يؤدي الصلاة لن يختلس، الذي يؤدي الصلاة لن يهمل في وظيفته، لن يأخذ الرشوة، لن يغش أحداً؛ لأنه لا يريد أن يفسد صلاته: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)؛ فمَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليعلم أن صلاته ناقصة.

التمسك بالأخلاق الفاضلة من الأمانة، من الصدق، من الوفاء، من الإخلاص، من جميع صور الأمانات، حتى يصل إلى المرتبة العليا في الجنة، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله، وحسن الخلق، وإن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".

المحرمات ينبغي أن نجتنبها جميعاً أيها الإخوة الكرام: الربا بجميع صوره، عدم البيع والشراء بالمحرمات، التجارة بالمحرمات، الاحتكار، أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، التراحم، التعاطف، أن يحس المؤمن بالآم إخوانه المسلمين، ألا يظلمهم: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، بحسب أمريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه".

حسن اختيار العاملين ينبغي، علينا أن نختار الأكفاء إذا أردنا أن نوظف في دائرة أو في مؤسسة كبرت أو صغرت، أن نختار الأكفاء الذين يكونون أمناء لا يحابون ولا يجاملون ولا يغشون ولا يزورون ولا يأكلون أموال الناس بالباطل، مَن وَلّى على المسلمين رجلاً وهو يعلم أن في المسلمين أكفأ منه فقد خان الله ورسوله، ينبغي أن نختار الأكفاء، حتى تكون مؤسساتنا وحتى تكون دوائرنا مبنية على الأمانة والصدق والإخلاص ومراقبة المولى -عز وجل-.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر المولى العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، ورضي عن أصحابه وأتباعه وإخوانه إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المؤمنون؛ لقد حارب الإسلام الفساد بجميع صوره حتى يبتعد المسلمون عن هذه الخصل الدنيئة التي لا تليق بالمسلمين؛ فلذلك جعل عقاب المفسدين قاسياً: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33]، هذه العقوبة الشديدة للمفسدين في الأرض بجميع صور الفساد.

والأمر الثاني أن التحذير منه جاء عاماً في الآيات السابقة، التحذير من كل صور الفساد، لم يخصص نوعاً من أنواع الفساد؛ حتى يبتعد المسلمون عن جميع الصور.
والأمر الثالث هو أن الله جعل العاقبة الحسنى لمن ابتعد عن الفساد وكان أميناً مخلصاً في هذه الحياة الدنيا، يقول الله سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83]، فالذين ابتعدوا عن الفساد بجميع صوره هم الذين لهم الدرجات العلى في الجنة، نسأل الله ألا يحرمنا ذلك.

ينبغي -أيها الأخوة- أن نتعاون جميعاً على محاربة الفساد، وأن نجعله قضية اجتماعية، فإن البلاء إذا نزل يعم الصالح والطالح، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان قوم في أعلاها وقوم في أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء مروا على الذين في أعلاها، فقال الذين في أسفلها لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً بدل أن نؤذي مَن فوقنا"، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "فلو أنهم تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً".

فعندما نسكت عن المفسدين ولا نبلغ عنهم ولا ننهاهم، ولا نرفع أمرهم ونتركهم ونسكت عنهم ونجاملهم؛ فإن البلاء سينزل بنا جميعاً، ينبغي ألا نجامل أحداً إذا رأينا مفسداً يستغل الوظيفة أو المؤسسة يحتال، يرتشي، أو يجامل، أو يسرق، أو يفعل أي صورة من صور الفساد أن نبلغ عنه معذرة إلى الله -سبحانه- حتى لا ينزل بنا العذاب.

وقد كونت هذه الدولة المباركة هيئة خاصة لمحاربة الفساد، فإن رأينا مفسداً، حتى لو كان من أكبر المسؤولين، فينبغي أن نبلغ عنه بعد أن نتثبت ونتأكد أنه مفسد في وظيفته، أو أنه مفسد في مؤسسته، أو أنه مفسد في مسؤوليته، أن نبلغ عنه فنكون ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

فينبغي علينا أن نحارب الفساد سراً وجهراً بجميع الصور وبجميع الوسائل، وأن لا نجامل، وأن نعد هذه كارثة ومصيبة؛ إذا نزل البلاء فإنه يعم الصالح والطالح.

ألا وصلوا وسلموا...
 

 

 

 

 

المرفقات

الفساد على البلاد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
06-08-2021

جزاكم الله خيرا 

عضو نشط
زائر
09-12-2021

جزاكم الله خيرا

عضو نشط
زائر
12-06-2023

يا الله؛ ما شاء الله.

نريد كل جمعة ليس خطبة جمعة عن الفساد وعاقبة المفسدين فقط، لكن تنويه مستمر وإيقاظ للعزائِم والهمم والضمائر.