البطالة

محمد بن مبروك البركاتي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ تعريف البطالة 2/ انتشار البطالة في العالم العربي 3/ مفاسد البطالة وآثارها 4/ أسباب البطالة 5/ الحث على الجد والنشاط والعمل 6/ علاج الإسلام لظاهرة البطالة

اقتباس

ومما لا شك فيه أن البطالة هي المسؤولة عن ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف في أي مجتمع؛ ولذلك فإنها مشكلة تؤرق العالم أجمع، فقد أشارت دراسة إلى وجود درجة مقبولة من الارتباط بين هذين المتغيّرين، فكلما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة. ومن أهم ما ورد في تلك الدراسة أن جريمة السرقة تعد من أبرز الجرائم المرتبطة بالبطالة ..

 

 

 

 

 

عباد الله: إننا في هذا اليوم سنتحدث عن مشكلة اجتماعية خطيرة على الفرد والمجتمع، إنها مشكلة البطالة.

تعرَّف البطالة بأنها الحالة التي يكون فيها الشخص قادرًا على العمل وراغبًا فيه ولكن لا يجد العمل والأجر المناسبين، أو لا يريد الانخراط فيه.

وأكاد أجزم أنه لا يوجد بيت في هذه المدينة إلا وفيه شاب أو شابان أو أكثر نائم عند أهله لم يجد عملاً أو لا يريد عملاً، وهذه المشكلة على مستوى عالمي وعربي، فلقد تفشت البطالة في الوطن العربي حتى بلغ عدد العاطلين عن العمل في الوطن العربي ستة عشر مليون شخص، ويتوقع أن تصل إلى ثمانين مليون شخص بحلول عام 2020م.

وحسب أول تقويم إحصائي رسمي لحجم البطالة في السعودية تشير آخر إحصاءات وزارة التخطيط أن إجمالي حجم البطالة حتى عام 2005م وصل واحدًا وثمانين بالمائة للسعوديين من النساء والرجال.

عباد الله: ومما لا شك فيه أن البطالة هي المسؤولة عن ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف في أي مجتمع؛ ولذلك فإنها مشكلة تؤرق العالم أجمع، فقد أشارت دراسة إلى وجود درجة مقبولة من الارتباط بين هذين المتغيّرين، فكلما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة.

ومن أهم ما ورد في تلك الدراسة أن جريمة السرقة تعد من أبرز الجرائم المرتبطة بالبطالة، حيث تبلغ نسبة العاطلين المحكومين بسبب السرقة 27.1 بالمائة من باقي السجناء المحكومين لنفس السبب، وهذه النسبة في ازدياد كل سنة. وأكدت هذه الدراسة أيضًا أنه كلما ازدادت نسبة البطالة ازدادت الجرائم التي تندرج تحت الاعتداء على النفس: القتل الاغتصاب السطو والإيذاء الجسدي. ولا يمكن القول أو الحكم هنا بأن البطالة هي السبب المباشر للجريمة، وإلا صار كل عاطل وكل فقير مجرمًا، وهذا أمر مرفوض ولا يحتاج إلى أي تدليل عليه، وإنما نقول: إن البطالة تحتوي على بذور الجريمة إذا صاحبتها عوامل معينة بظروف معينة.

أما المخدرات فإن مرتعها هم الشباب العاطلون، وحدّث ولا حرج عما يحدث منهم في استخدام وترويج هذا البلاء وما يتبعه من مفاسد ومشاكل وجرائم.

عباد الله: آثار البطالة على الأسرة تتمثل في فقد رب الأسرة، والشعور بعدم القدرة على تحمل المسؤولية والتوتر والقلق، أما آثارها على المجتمع فتتمثل في تعطّل طاقات قادرة على الإنتاج، وتفقد العاطلَ الدخل؛ ما ينتج عنه اجتماعيًا الشرور والجرائم نتيجة الفراغ والقلق، فتجده ينقم على غيره. وصحيًّا تفقده الحركة، ونفسيًّا يعيش في فراغ قاتل.

وترجع أسباب البطالة إلى:

الزيادة السكانية؛ حيث إن تزايد عدد السكان سنويًّا يسبب ضغطًا على موارد الدولة، ومن ثمّ فمن الصعب تحقق فرص عمل لهذه الأعداد المتزايدة.

ندرة الموارد الاقتصادية؛ فقد أدّت ندرة الموارد الاقتصادية إلى عدم وجود فرص وظيفية للعاطلين، خاصة مع التحويلات الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد العالمي وانعكاساته على الاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي يشكل عبئًا إضافيًا على الدولة في تمويل عمليات التنمية.

عجز سوق العمل عن استيعاب الخريجين؛ فهناك أعداد هائلة من الخريجين الحاصلين على مؤهلات بأنواعها المختلفة، ومع ذلك يعجز سوق العمل عن استيعابهم.

غياب شبه كامل لمؤسسات فاعلة متخصصة لاستقطاب وتوجيه وتأهيل ومتابعة الكفاءات الوطنية التي لها رغبة للعمل بالقطاع الخاص.

يا أيها الشباب، يا من يسمع كلامي أو يسمع به: إنه لا مكان في هذه الأيام لمن لم يهتمّ بنفسه، لا مكان لمن لم يعدّ نفسه، لا مكان لمن لم يكن جادًّا، لا مكان للمستهترين، إن سوق العمل تجاوزك. يا من يريد الراحة والكسل والدعة: لا مكان لك فإنك ستكون من العاطلين الباطلين، فابحث لنفسك عن حرفة وتعلّمها، وطوّر نفسك فيها وارفع من شأنك؛ فإن قيمة كل امرئ ما يحسن، والحَقْ لا يفتك الركب.

عباد الله: إن البطالة مشكلة اقتصادية واجتماعية وإنسانية ذات خطر، فإذا لم تجد العلاج الناجح تفاقم خطرها على الفرد وعلى الأسرة وعلى المجتمع، يقول الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: "من تعطّل وتبطل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى". وورد في بعض الآثار: "إن الله يحب المؤمن المحترف ويكره البطال".

ولقد عالج الإسلام ظاهرة البطالة بوضع مجموعة من القواعد والتنظيمات لمعالجة ظاهرة البطالة، ومن أجل الحثّ على العمل والبعد عن المسألة، وفي هذا ردّ على الذين يتهمون الشريعة الإسلامية بأنها تحبّذ جانب الفقر على الغنى.

وبإيجاز فقد عالج الإسلام ظاهرة البطالة من جانبين:

أحدهما: جانب وقائي، أي: قبل وقوع ظاهرة البطالة وانتشار آثارها وأضرارها، بالحث على العمل وذم المسألة، فلقد قدّس الإسلام العمل وكرّم العاملين والمنتجين واعتبره شرفًا، فبالعمل يؤدي الإنسان رسالته الإعمارية في هذه الأرض، وبالعمل يتطابق مع دعوة القرآن إلى الإعمار والإصلاح فيها، قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61].

وانطلاقًا من هذه الدعوة راح الإسلام يحث على العمل ويحارب الكسل والاتكالية، ويدعو إلى الجد وبذل الجهد من أجل تحصيل الرزق والانتفاع بطيبات الحياة وإعمار الأرض وإصلاحها، والاستمتاع بطيّبات الحياة وإسعاد الإنسان، وربط كلّ ذلك برباط الإيمان بالله سبحانه؛ قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10]، وقال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15]، وقال تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 105]، وقال تعالى: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران: 195]، وقال تعالى: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 129].

وقد حث نبينا -صلى الله عليه وسلم- على العمل وطلب الرزق الحلال، فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجل فيسأله أعطاه أو معنه". أخرجه البخاري في صحيحه، وعن خالد بن معدان عن المقدام -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده". أخرجه البخاري في صحيحه.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن داود النبي -عليه السلام- كان لا يأكل إلا من عمل يده". أخرجه البخاري في صحيحه.

وعن عبد الله بن عباس عن أبيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفورًا له". أخرجه الطبراني في الأوسط، وعن عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم". أخرجه الترمذي في سننه، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير الكسب كسب العامل إذا نصح". أخرجه أحمد في مسنده.

وقد شجع الإسلام على جميع الأعمال التي تدرّ على الإنسان بالرزق، سواء زراعة أو صناعة أو عملاً مهنيًّا أو تجارة، قال المصطفى وهو يحبّذ ويشجّع على التجارة: "تسعة أعشار الرزق في التجارة"، وروى الإمام أحمد في المسند أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أطيب الكسب عملُ الرجل بيده وكل بيعٍ مبرور".

والثاني: جانب علاجي، أي: بعد وقوع بعض أفراد المجتمع في أتون البطالة ومستنقع التعطل، ومواجهة ذلك بالحث على التخلص من البطالة، ومن خلال أوامر صريحة وإجراءات ملزمة تجعل من السهل التصدي لمعالجة ظاهرة البطالة في المجتمع.

ورد في مجمع الزوائد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلين أتيا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسألاه، فقال: "اذهبا إلى هذه الشعوب فاحتطبا فبيعاه"، فذهبا فاحتطبا، ثم جاءا فباعا، فأصابا طعامًا، ثم ذهبا فاحتطبا أيضًا، فجاءا فلم يزالا حتى ابتاعا ثوبين ثم ابتاعا حمارين، فقالا: قد بارك الله لنا في أمر رسول الله. وفي الحديث دلالة على أهمية تشغيل العاطلين وإرشادهم إلى العمل.

وورد في الصحاح قول رسولنا -عليه الصلاة والسلام- في شأن الزكاة: "لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب". وفي الحديث دلالة على أن الزكاة لا تعطى للقوي القادر على العمل؛ ولذا نهى الشرع المطهر عن المسألة والتسوّل، وذم استجداء صدقات الناس وأعطياتهم، ودفع المسلمين على أن يصونوا أنفسهم عن ذلك، ويسموا عن المذلة، ويحفظوا كرامتهم بالعمل وكسب الرزق.

أَبَعدَ هذا -أيها الشباب- يرضى أحدكم أن يبقى عاطلاً دون عمل؟! كثير من الشباب لا يريد إلا عملاً مكتبيًّا، وكم هي الأعمال المكتبية التي ممكن أن تستوعب الشباب؟!

شبابَنا: لا تأنفوا من أي عمل شريف، فقد سمعتم ما قال نبيكم في ذلك، وكيف حثّكم على العمل، فكم هي المحلات التجارية التي تريدكم والأعمال المهنيّة الشريفة التي يحتاجها البلد من نجارة وحدادة وكهرباء للمنازل والسيارات وغيرها من الأعمال والتي قد تتعلمونها وتحسنونها.

ولقد فتحت الدولة -حفظها الله- المجال لتعلم هذه المهن الشريفة، وذلك بفتح المعاهد والكليات المهنية والتقنية لتعلّم هذه المهن، ونجد الكثير من خريجيها يعزفون عن العمل بما تعلموه فيها، فما العيب في ذلك؟! وهناك من الجمعيات الخيرية من تساهم في وضع بعض الحلول كتدريب بعض الشباب على المهن وكمساعدة الأسر المنتجة، فلنهتبل هذه الفرص قبل فواتها.

 

 

الخطبة الثانية:

لم ترد.

 

 

 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات