مكة المكرمة (1)

أسامة بن سعيد عمر منسي المالكي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الحج
عناصر الخطبة
1/ الآيات الدالة على فضل مكة 2/ فضائل مكة الواردة في الحديث النبوي 3/ سنة رسول الله في الطواف والصلاة في المسجد الحرام 4/ من فضائل مكة

اقتباس

إن الله فضّل مكة بأمور كثيرة؛ فمنها أنها مهبط الوحي ومركز نزول القرآن وابتداء ظهور الإسلام، ومنها أن القادم إليها يجب عليه التجرد من ثيابه ودخولها بإحرام بنية العمرة أو الحج، ومنها أنه ليس فيها إلا دين واحد وهو الإسلام، فليس فيها دينان، ومنها أنه يمنع شرعًا دخول الكافر ودفنه فيها، ومنها أنه يحرم حمل السلاح فيها إلا لضرورة، ومنها أنه يحرم صيدها على جميع الناس ..

 

 

 

 

أما بعد:

فيا عباد الله: أوصيكم بخير الوصايا، اتقوا الله حق التقوى.

واعلموا -أيها المؤمنون- أنكم في بلد الله الحرام وفي أم القرى، البلد الذي حرمه الله منذ خلق السموات والأرض، البلد الذي ذكر الله فضله في كتابه في مواضع عديدة، فقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـاذَا الْبَلَدَ امِنًا وَجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ) [إبراهيم:35]، وقال تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:29]، وقال تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئًا وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَلْقَائِمِينَ وَلرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج:26]، وقال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة:125]، وقال -جل جلاله-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَـاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127]، وقال سبحانه: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِى حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَىء وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [النمل:91]، وقال: (إِنَّ الصَّفَا وَلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة:158]، وقال تعالى: (أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًا ءامِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقًا مّن لَّدُنَّا وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [القصص:57]، وقال تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لّلنَّاسِ) [المائدة:97]، وقال تعالى: (فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـاذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ) [قريش:3، 4]، وقال تعالى: (رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلوةَ فَجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَرْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَرتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم:37]، وقال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة:144]، وقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى) [الإسراء:1]، وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ) [النحل:112].

فهذه الآيات -يا عباد الله- أنزلها الله تعالى كلها في مكة خاصة، ولم ينزلها لبلد سواها.

ثم إن ما ورد في فضائلها في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفضائل أهلها ومن جاورها أحاديث كثيرة، فمما ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج من مكة وقف على الحَزْوَرَة -الرابية الصغيرة- فقال: "والله، إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت". رواه الترمذي (3925) وحسنه.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مبينًا حرمتها: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلا مَنْ عَرَّفَهَا". رواه البخاري (1587).

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عن فضل الصلاة فيها: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ". رواه أحمد (14847).

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عن فضل الطواف بالبيت: "مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ"، رواه ابن ماجه (2956)، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا يُحْصِيهِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ، وَكُفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَةٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ دَرَجَةٌ، وَكَانَ عَدْلَ عِتْقِ رَقَبَةٍ". رواه أحمد (27837).

فإذا دخل المسلم المسجد الحرام فليقصد الحجر الأسود، وهو في الركن الذي يلي باب البيت من جانب المشرق، ويسمى الركن الأسود، ويقال له وللركن اليماني: الركنان اليمانيان، ويستحب أن يستقبل الحجر الأسود بوجهه ويدنو منه، بشرط أن لا يؤذي أحدًا بالمزاحمة، فيستلمه ثم يقبله من غير صوت يظهر في القبلة، ويسجد عليه، ويكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثًا، ثم يقول: "اللهم إيمانًا بك، ووفاءً بعهدك، وتصديقًا بكتابك وسنة نبيك"، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ثم ينوي الطواف لله تعالى، ثم يمشي هكذا تلقاء وجهه طائفًا حول البيت أجمع؛ فيمر على الملتزَم وهو ما بين الحجر الأسود والباب، سمي بذلك لأن الناس يلتزمونه عند الدعاء، ثم يمر إلى الركن الثاني بعد الأسود ويسمى الركن العراقي، ثم يمر وراء الحِجْر، وهو في صوب الشام والمغرب، فيمشي حوله حتى ينتهي إلى الركن الثالث، ويقال لهذا الركن والذي قبله: الركنان الشاميان، ثم يدور حول الكعبة حتى ينتهي إلى الركن الرابع المسمى بالركن اليماني، فإذا وصل إليه ولم يكن عليه ازدحام شديد فليمسح الركن من دون تقبيل، فإن لم يستطع فليقل: الله أكبر، على جهته بدون رفع يده، هذه هي سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، ثم يمر منه إلى الحجر الأسود فيصل إلى الموضع الذي بدأ منه، فيكمل له حينئذ شوط واحد، ثم يطوف كذلك حتى يكمل سبعة أشواط، وكل مرة طوفة، والسبع طواف كامل، ثم يصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم، عملاً بقول الله تعالى: (وَتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة:125]، فإن لم يتيسر له ذلك فليصلها في أي مكان من المسجد الحرام، وذلك في أي ساعة من ليل أو نهار، على رأي كثير من جماهير العلماء.

أيها المؤمنون: وعن فضل الحجر الأسود قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ". رواه الترمذي (877) وقال: حسن صحيح، وفي رواية: "أنَّ مَسْحَ الركن اليماني والحجر الأسود كَفَّارَةٌ لِلْخَطَايَا". رواه الترمذي (959) وحسنه.

ومن سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- الدعاء عند الملتزم، وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، وأن يضع الداعي وجهه على جدار البيت تذللاً لله تعالى وانكسارًا، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ وَاضِعًا وَجْهَهُ عَلَى الْبَيْتِ. رواه أحمد (15122).

وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلا تَتَعَوَّذُ؟! قَالَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَأَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَفْعَلُهُ. رواه أبو داود (1899).

عباد الله: ومن لم يستطع أن يصلي داخل الكعبة فليصل في الحِجْر فإنه من الكعبة، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ يَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ لِي: "صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَكِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ". رواه أحمد (24095). ومن دخل الحِجْر فليدع تحت ميزاب الكعبة، فإنه من مواطن إجابة الدعاء، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار، قيل لابن عباس: ما مصلى الأخيار؟! قال: تحت الميزاب، قيل: وما شراب الأبرار؟! قال: ماء زمزم".

ومن تيسر له دخول الكعبة فليقتدِ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما دخلها؛ فليصل ما شاء من النوافل في قبالة بابها، أي بأن يجعل ظهره إلى الباب، ووجهه إلى جدار الركن اليماني، ويقف مقدار ما يسعه لسجوده، وبهذا يكون قد وقف في مقام رسول الله الذي صلى فيه؛ وهذا التحديد بالتقريب قد ورد في حديث متفق عليه.

وليستغفر في أركانها ويحمد الله ويدعوه بخيرات الدنيا والآخرة، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْبَيْتَ، فَأَمَرَ بلالاً فَأَجَافَ الْبَابَ -ردَّه-، وَالْبَيْتُ إِذْ ذَاكَ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، فَمَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ بَابَ الْكَعْبَةِ جَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ وَاسْتَغْفَرَهُ، ثُمَّ قَامَ حَتَّى أَتَى مَا اسْتَقْبَلَ مِنْ دُبُرِ الْكَعْبَةِ، فَوَضَعَ وَجْهَهُ وَخَدَّهُ عَلَيْهِ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ وَاسْتَغْفَرَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْكَعْبَةِ، فَاسْتَقْبَلَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالْمَسْأَلَةِ وَالاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ وَجْهِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ، هَذِهِ الْقِبْلَةُ". رواه النسائي (2914). وفي روايات أخرى ذكرها الطحاوي في شرح معاني الآثار أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى في البيت.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـالَمِينَ * فِيهِ ءايَـاتٌ بَيّـنَـاتٌ مَّقَامُ إِبْرهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا) [آل عمران:96، 97].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: إن الله فضّل مكة بأمور كثيرة، فمنها أنها مهبط الوحي ومركز نزول القرآن وابتداء ظهور الإسلام، ومنها أن القادم إليها يجب عليه التجرد من ثيابه ودخولها بإحرام بنية العمرة أو الحج، ومنها أنه ليس فيها إلا دين واحد وهو الإسلام، فليس فيها دينان، ومنها أنه يمنع شرعًا دخول الكافر ودفنه فيها، ومنها أنه يحرم حمل السلاح فيها إلا لضرورة، ومنها أنه يحرم صيدها على جميع الناس، سواء في ذلك أهل مكة وأهل الحرم وغيرهم، وسواء المحرم منهم والحلال.

ومنها أن دماء الهدايا والجبرانات مختص بمكة وبالحرم، ولا يجوز في غير ذلك من البقاع، ومنها أنه يحرم قطع شجره ويضمن ما يقطع منه، ومنها أنه يحرم إخراج شيء من ترابه أو حجارته إلى الحل وإلى البلدان الأخرى، ومنها مضاعفة الحسنات فيها وأنواع البر الواحدة بمائة ألف، وبالأخص الصلوات في المسجد الحرام، ومنها أنه يبعث من مقبرتها سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفًا، وجوههم كالقمر ليلة البدر كما في الحديث، ومنها أن الدجال سيطأ جميع البلدان حين خروجه إلا مكة والمدينة وبيت المقدس، ومنها أنه ما من نبي من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إذا كذبه قومه إلا وخرج إلى مكة يعبد الله تعالى حتى يأتيه اليقين، وروى الأزرقي عن مجاهد أنه قال: "حج خمسة وسبعون نبيًا كلهم قد طاف بالبيت، وصلى في مسجد منى".

ومنها أن أهل مكة يتجهون في صلاتهم إلى الكعبة من جميع الجهات الأربعة، بخلاف بلدان العالم، فكل بلدة تتجه إلى الكعبة من جهة واحدة، وما أبهج منظر المسجد الحرام حين الصلاة، فإن الجميع يصلون حول الكعبة من جميع الجهات على اتساعه، ولا يوجد منظر يأخذ بمجامع القلوب ويشرح الصدور ويذهب الهم والغم ويجلب السرور كالصلاة في المسجد الحرام والجلوس حول الكعبة المشرفة.

إلى غير ذلك من فضائل مكة التي لا توجد على وجه الأرض بلدة تدانيها، وكفى أنها بلد الله تعالى وبلد رسوله ومولده، وبلد أصحابه المهاجرين الكرام، ومأوى الأنبياء والمرسلين والأتقياء والصالحين، وقبلة جميع المؤمنين، وفيها الموسم السنوي للحج، يفد إليها المسلمون من كل فج عميق، ليقيموا خامس أركان الإسلام الحج الذي لا يمكن أداؤه إلا فيها لاحتوائها على جميع المشاعر.

فاتقوا الله ربكم، واقدروا قدر ما أنتم فيه من نعمة جوار بيت الله الحرام، واشكروا الله على هذه النعمة شكرًا جزيلاً بالقول والعمل، واسألوه أن يرزقنا جميعًا حفظ حرمة الحرم وتعظيم شعائر الله التي جعلها في هذا البلد الأمين.

ألا وصلوا على البشير النذير.

اللهم صلِّ وسلم على نبيك ورسولك سيدنا محمد الذي تشرفت مكة بظهوره فيها، وعلى آله وأصحابه الذين فازوا بتلبية دعوته واجتلاء نور طلعته، وتشرفوا بخدمته، فنالوا رضاك وعفوك وفضلك، صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم الدين، وارض اللهم عنا معهم، وألحقنا بهم، واحفظنا وذرياتنا من الفتن وتوفنا مسلمين، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين...

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

المكرمة (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات