النصيحة

عبدالمحسن بن محمد القاسم

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية النصيحة 2/ النصيحة دأب الأنبياء وعبادة الصالحين 3/ النصيحة من حقوق المسلم على أخيه المسلم 4/ من ثمار النصيحة 5/ حب السلف الصالح للنصيحة 5/ وجوب النصيحة 7/ واجبات الناصح 8/ واجبنا نحو الناصح 9/ أسباب تعظ النفس

اقتباس

النصيحة تصلح المجتمع، وتجلب له الألفة، وتبعد عنه الغيبة، وهي من الأعمال الدالة على صفاء السريرة، قال الفضيل رحمه الله: " أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة "، وأنصح الناس لك مَن خاف الله فيك ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أيها المسلمون: بصَّر الله عباده بالحق ويسَّر لهم سلوكه وأمر من يعينهم عليه من صحبةٍ صالحةٍ وناصح، والصدود عنهم من أسباب البعد عن الله.. قال ابن القيم -رحمه الله-: " ومن تأمل فساد العالم عموماً وخصوصاً وجده ناشئًا من الغفلة وإتباع الهوى ".. والمسلم إن رأى في أخيه قصورًا أو خللًا وجب عليه إصلاحه.. يفعل ذلك عقيدةً في قلبه ويظهر ذلك على جوارحه؛ إذ النصيحة أصل الدين.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " الدين النصيحة ".. رواه مسلم.

قال النووي -رحمه الله-: " مدار الدين على حديث الدين النصيحة ".. والنصيحة من معتقد أهل السنة والجماعة.. قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: " ويدينون –أي أهل السنة والجماعة- بالنصيحة للأمة ".

وهي دأب الأنبياء والمرسلين.. قال نوح -عليه السلام- لقومه: ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ ) [الأعراف: 62]، وقال هود -عليه السلام-: ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ) [الأعراف: 68]، وقال صالح -عليه السلام-: ( يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ ) [الأعراف: 79]، وقال شعيب -عليه السلام-: ( يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ) [الأعراف: 93]، وبعث الله موسى لتذكير الناس.. قال -عز وجل-: ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [القصص: 46].

ومن أخص صفات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه مذكر.. قال الله -تعالى-: ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ) [الغاشية: 21]..

قال علي -رضي الله عنه-: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطبنا فيذكرنا بأيام الله " رواه أحمد.

وهي من عبادات الصالحين.. قال -تعالى-: ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) [لقمان: 13].. وامتثلها الصحابة -رضي الله عنهم- في حياتهم، فكان عمر -رضي الله عنه- يقول لأبي موسى–

رضي الله عنه-: " ذكرنا ربنا؛ فيقرأ عنده القرآن ".. وكان أبو موسى -رضي الله عنه- يقول: " أتخولكم بالموعظة كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها " متفق عليه.

واشترط النبي -صلى الله عليه وسلم- على من أسلم من الصحابة فعل هذه العبادة، قال جرير -رضي الله عنه-: " بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام؛ فاشترط علي النصح لكل مسلم " متفق عليه.

وهي من حقوق المسلم على أخيه المسلم.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه" رواه مسلم.

قال ابن رجب -رحمه الله-: " قد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات، ولا يرفع عنه النصح لله ".

ومن خصال الإيمان الواجبة حب الخير للمسلمين، والخوف عليهم من السيئات والعقوبات..قال -عليه الصلاة والسلام-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ".متفق عليه، قال الذهبي -رحمه الله-: " من لم ينصح لله وللأمة وللعامة، كان ناقص الدين ".

النصيحة تصلح المجتمع، وتجلب له الألفة، وتبعد عنه الغيبة، وهي من الأعمال الدالة على صفاء السريرة، قال الفضيل -رحمه الله-: " أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة "، وأنصح الناس لك مَن خاف الله فيك.

وكان السلف يحبون من يبصرهم بعيوبهم، قال مسعر بن كدام -رحمه الله–: " رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي في سر بيني وبينه "، ولا غنى لنا عن التذكير فإن كان المنصوح ذا خير عم خيره، أشار عمر -رضي الله عنه- إلى أبي بكر -رضي الله عنه- بجمع القرآن فجمعه فانتفعت الأمة برأيه، وقال رجل في مجلس فيه الإمام البخاري: " لو جمعتم كتاباً مختصراً لسنن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الصحيح، فكان غرة في جبين الزمان "، وجمع الإمام مسلم صحيحه بطلب من غيره، فسار نفعه في الآفاق.

والغافل أيضا يحتاج إلى نصح الناصح، دُعِيَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى الإسلام فكان فاروق هذه الأمة، وأبو بكر -رضي الله عنه- دعا عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وأبا عبيدة والزبير إلى الدين، فكانوا من العشرة المبشرين بالجنة.

والنصيحة واجبة على كل عبد فينصح لنفسه بطاعته لربه والبعد عن معاصيه، ولكتاب ربه بتعلمه وتعليمه، وفهمه والعمل به، ولرسوله بامتثال أوامره وعدم الابتداع في الشريعة، ولأئمة المسلمين بإعانتهم على الحق، وتذكيرهم به، والدعاء لهم، والنصح لعامة المسلمين بجلب الخير لهم، ودرء الشر عنهم.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "رواه مسلم.

والله أمر بنصح كل أحد -وإن علا وطغى- قال الله -تعالى- لموسى وهارون:( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) [طه :43]، وأمر الله رسوله -عليه الصلاة والسلام- أن يعظ المنافقين، فقال: ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ) [النساء: 63]، ونصح النبي -صلى الله عليه وسلم- الصغار فقال لابن عباس وهو صغير: " يا غلام احفظ الله يحفظك ". رواه الترمذي، وقال للجارية الصغيرة: " أين الله؟ قالت: في السماء "رواه مسلم.

ومن نصح وجب عليه أن يبلغ غاية النصح للمنصوح، وأن يعدل في قوله ولفظه، والحياء لا يمنع من النصيحة، وتكون بأحسن الألفاظ وأحكمها، قال -جل شانه-:( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) [النحل: 125]، وتكون بالقول اللين، قال -عز وجل-:( فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) [طه: 44]، وتكون في حال سر بينك وبين من تنصحه، قال ابن رجب -رحمه الله-: " كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد نصحوه سراً "، وإن رد قول الناصح فلا يحزن؛ فقد أدى عبادة فليرجُ قبولها.

وليس أحد من الناس لا ترجى هدايته، قال -سبحانه-: ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ) [عبس: 3 – 4]، ومن قام بالنصيحة وتجرد لله، وبذل المجهود فيها بالصدق مع الله، فحقه الإكرام، والدعاء والثناء، قال الحسن -رحمه الله-: " ما زال لله نصحاء ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله، ويعملون لله في الأرض بالنصيحة..أولئك خلفاء الله في الأرض ".

ومن أعرض عن نصيحة قُدِّمت له ندم.. قوم صالح -عليه السلام- نصحهم نبيهم فردوا نصحهم فعاقبهم الله، وقال لهم نبيهم: ( وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) [الأعراف: 79]، وسعادة المجتمع بحب النصيحة والعمل بها، ومحبة الناصحين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [المائدة: 2].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أيها المسلمون: من فضل الله على عباده أن وضع لهم مع نصح الناصحين دلائل وأسباباً تعظ النفس وتحيي القلب، فالقرآن والسنة موعظة، قال -عز وجل-:( وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ) [البقرة: 231]، والتفكر في خلق الله يعظم الخالق، قال -عز وجل-:( وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [البقرة: 221]، ونعم الله واستشعارها تجلب الحياء من الله وتباعد عن المعاصي، قال الله لموسى -عليه السلام-:( أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ ) [إبراهيم: 5]، وزيارة الرجال للمقابر من الموعظات قال -عليه الصلاة والسلام-: " زوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت" رواه مسلم.

والابتلاءات نذير عودة إلى الله، قال -جل شأنه-:( أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) [التوبة: 126]، فواجب على المسلم أن يصغى لنصيحة الناصح وتذكير المذكر، وأن يقابل ذلك بالقبول والعمل.. إما قيام بواجب، أو كف عن محرم.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: 56].. اللهم صلّ وسلّم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم إنا نسألك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهم ألهمنا الصواب، ووفقنا للحق وجنبنا الفتن، ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [البقرة: 201].. ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [ الأعراف: 23].

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت.. أنت الغني ونحن الفقراء.. أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا.

اللهم أغثنا، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

اللهم وفق إمامنا لهداك واجعل عمله في رضاك، ووفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك،وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء والمنكر والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل: 90]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات