خطبة عيد الفطر لعام 1431هـ

وليد بن سالم الشعبان

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/ حكمة مشروعية العيد 2/ معاني ومقاصد العيد 3/ تذكرة بأداء الفرائض وترك الكبائر 4/ حكم صلاة الجمعة المجتمعة بالعيد 5/ نصيحة للنساء 6/ من أحكام وآداب العيد 7/ دعوة للتوبة والاستعداد للآخرة

اقتباس

فعيد الفطر يعقُب الصيامَ والقيام، فشهر رمضانَ زمنٌ فاضل تضاعَف فيه الأعمال الصّالحة، وشرع الله فيه الاجتهادَ في الطاعة، وبذلَ الوُسع في القرُبات، وإقبالَ القلب على الله تعالى، وطلبَ الآخرة الباقية؛ اغتنامًا للوقتِ الفاضِل المبارَك، واستفادةً وكسبًا لساعاتِ العُمر القليلة، وابتغاءَ الزّلفى بأنواع الحسناتِ التي يرضى بها الربّ عن العبد، حتى إذا استنفد الإنسان المسلم جهدَه، وبذل وسعَه في الطاعات ..

 

 

 

 

 

إن الحمدَ للهِ، أمّا بعد: فاتّقوا الله -أيّها المسلمون- بالمسارعةِ إلى مرضاتِه، والبعدِ عن محرّماتِه، فالتّقوى هي الوسيلةُ إلى الرّبّ الكريم، وهي بابُ جنّات النّعيم، جعلها الله هي الزّادَ ليومِ المعاد.

واعلموا -عبادَ الله- أنَّ لكلِّ أمّةٍ مِن الأمَم عيدًا يعود عليهم في يومٍ معلوم، يتضمَّن عقيدتَها وأخلاقَها، فعيدا الفطر وعيد الأضحى قد شرعهما الله تعالى لأمّة الإسلام، قال الله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا) [الحج:34]، روى ابن جرير في تفسيره، عن ابن عبّاس قال: منسكًا أي: عيدًا. فيكون معنى الآية أنّ الله جعل لكلّ أمّة عيدًا شرعيًّا أو عيدًا قدريًّا.

عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: قدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما قال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنّا نلعب فيهما في الجاهليّة. فقال: "قد أبدلكم الله خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر" رواه أبو داود والنسائيّ صحيح.

فعيد الفطر يعقُب الصيامَ والقيام، فشهر رمضانَ زمنٌ فاضل تضاعَف فيه الأعمال الصّالحة، وشرع الله فيه الاجتهادَ في الطاعة، وبذلَ الوُسع في القرُبات، وإقبالَ القلب على الله تعالى، وطلبَ الآخرة الباقية؛ اغتنامًا للوقتِ الفاضِل المبارَك، واستفادةً وكسبًا لساعاتِ العُمر القليلة، وابتغاءَ الزّلفى بأنواع الحسناتِ التي يرضى بها الربّ عن العبد، حتى إذا استنفد الإنسان المسلم جهدَه، وبذل وسعَه في الطاعات، واندفعت طاقتُه صاعدةً في سُلَّم الخيرات، فلمّا ارتقى المسلمُ هذه الدرجاتِ المنيفةَ، وتصرّمت ساعات الصّيام الشريفةُ، وكادت تهبّ رياح الملَلَ والسآمة، شرع الله الفطرَ ليتمتّع المسلم بعد الصيام بما أباح الله من الطيِّبات، والحلال الطيّب النافع، من غير سرَف ولا تبذير، وليوسّعَ على نفسه ممّا خوّله الله من آلائه بلا خُيَلاء ولا مفاخَرة، وفي الحديث: "إنّ اللهَ يحبّ إذا أنعم على عبدٍ أن يرى أثرَ نعمتِه على عبده".

فينتقل المسلم بتوجيهٍ ربانيّ من حالٍ إلى حالٍ، وليعلم بأنّ الربّ جلّ شأنه هو الذي يأمر بالطّاعة وينهى عن المعصيَة، وأنّ الله هو الذي يحلّ الحلال ويحرّم الحرام ويشرع الدينَ ويقضي الأمور، وهو أعلم بما يُصلِح عبادَه، قال الله تعالى: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السّرَّ فِى السَّمَ -وتِ وَلأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:6]، وقال تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].

بالأمس فرَض الله عليك الصومَ، واليومَ أوجب الله عليك الفطر، عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيامِ يومين: يوم الفطر ويوم النّحر. رواه البخاري ومسلم .

لتستسلمَ وتنقاد -أيّها المسلم- لشرع الله، استسلامَ العبدِ الخاضع لمولاه، الذي يرجو رحمةَ الله ويخاف عذابَه. قال عليّ -رضي الله عنه-: روِّحوا القلوبَ ساعة، فإنّها إذا أُكرِهت عمِيت. وكان أبو الدّرداء يقول: إنّي لأستجمّ نفسي بشيءٍ من المباح لأتقوّى بذلك فيما بعدُ على الحقّ. وعن أبي ذرّ -رضي الله عنه- قال: على العاقل أن يكون له ثلاثُ ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسِب فيها نفسَه، وساعة يخلو فيها بمطعمِه ومشربِه. رواه ابن حبّان. وكان ابن عبّاس -رضي الله عنهما- يذاكر أصحابَه بالتّفسير والفرائض، فإن آنَس منهم السآمَةَ أفاض في أشعار العرب وأيّامها. وكان -صلى الله عليه وسلم- يمزح ولا يقول إلا حقًّا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيّها المسلمون: العيدُ يتضمّن معانيَ ساميةً جليلة، ومقاصدَ عظيمة فضيلة.

أُولى معانِي العيدِ في الإسلام توحيدُ الله تعالى بإفراده سبحانه بالعبادةِ في الدّعاء والخوف والرّجاء والاستعاذة والاستعانة والتوكّل والرغبة والرهبة والذّبح والنذرِ وغير ذلك من أنواعِ العبادة، وهذا التوحيدُ هو أصل الدّين الذي ينبني عليه كلُّ فرعٍ من الشريعة، وهو تحقيق معنى "لا إله إلا الله" المدلولِ عليه بقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5]، الذي نقرؤه في صلاةِ العيد وفي غيرِها من الصّلوات، والتوحيدُ هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنّاتِ النعيم، وإذا ضيَّعه الإنسان لا ينفعه عمَل.

والمتأمِّل في تاريخ البشريّة يجِد أن الانحرافَ والضلالَ والبدع وقع في التّوحيد، فتمسَّك -أيّها المسلم- بهذا الأصلِ العظيم، فهو حقّ الله عليك، وعهدُ الله الذي أخذه على بني آدم في عالَم الأرواح.

وثاني معاني العيدِ تحقيق معنى شهادة أنّ محمّدًا رسول الله عليه الصلاة والسلام التي ننطق بها في التشهّد في صلاةِ العيد وغيْرها من الصلوات، (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) [النور:54]، قولا وعملا واعتقاداُ ومنهجا وسلوكاً.

ومِن حكم العيدِ وعظيم فوائدِه التكافلُ الاجتماعيّ بين المسلمين، ومِن مظاهر هذا التّكافل الإسلاميّ زكاةُ الفطر التي فرضَها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على المسلم صَغيرًا كان أو كبيرًا، كما في حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- قال: كنّا نخرج زكاةَ الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تَمر أو صاعًا من أقِط أو صاعًا من زبيب. متّفق عليه.

ويجزئ هذا المقدارُ من كلّ حبٍّ يقتاتُه أهل كلّ بلد كالأرز والذّرة ونحو ذلك، والتي استحبّ كثير من أهلِ العلم إخراجَ هذه الزكاة يومَ العيد قبل الصلاة، وإن كان جائزًا إخراجُها قبل العيد بيوم أو يومين.

وهي طهرةٌ للصّائم من اللّغو والرّفث، وطعمة للمساكين، وفيها تواصل الأخوة بين المسلمين، كما روى البخاري ومسلم من حديث النّعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمِهم وتعاطفهم مثَل الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسّهر والحمّى".

وأمّةُ الإسلام لا تزال بخيرٍ ما حرصت على التكافلِ الاجتماعيّ فرحم قويّها ضعيفَها، وكبيرُها صغيرَها، ووقّر صغيرها كبيرَها؛ عن أبي الدّرداء -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ابغوني في الضّعفاء، فإنّما تنصَرون وترزَقون بضعفائِكم" رواه أبو داود بإسنادٍ جيّد. ولا يوفَّق لوصيّته -عليه الصلاة والسلام- إلاّ من سبقت له من الله السعادةُ، ووجبت له الرّحمة.

ومِن حكمِ العيد وعظيمِ نفعِه التواصلُ بين المسلمين، والتزاور وتقاربُ القلوب، وارتفاع الوحشة، وانطفاء نارِ الأحقادِ والضغائن والحسَد, فلا شيءَ يؤلِّف بين المسلمين سِوى الحقّ؛ لأنّه واحد، ولا يفرّق بين القلوبِ إلا الأهواء؛ لكثرتِها.

والمحبّةُ بين المسلمين غايةٌ عظمى من غاياتِ الإسلام، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم" رواه مسلم.

فجاهِد نفسَك -أيّها المسلم- أن تكونَ سليمَ الصّدر للمسلمين كلِّهم، فسلامةُ الصدر نعيمُ الدنيا، وراحة البدَن، ورضوان الله في الأخرى؛ عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله، أيّ الناس أفضل؟ قال: "كلّ مخمومِ القلب صدوق اللسان"، قالوا: فما مخمومُ القلب؟ قال: "هو التّقيّ النقيّ، لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسَد" رواه ابن ماجه بإسناد صحيح .

ومِن حِكَم العيدِ ومنافعِه العظيمةِ شهودُ جمع المسلمين لصلاةِ العيد، ومشاركتُهم في بركة الدّعاء والخير المتنزّل على جمعِهم المبارك؛ ولأجل ما ينزِل الله من الخيراتِ والبركات على جمع صلاة العيدِ حثَّ الشرعُ على حضورِ النّساء لصلاةِ العيد غيرَ متبرِّجاتٍ وغير متعطّرات، عن أمّ عطية -رضي الله عنها- قالت: أمرَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ نُخرجهنَّ في الفطر والأضحى، العواتقَ والحيَّضَ وذواتِ الخدور، فأمّا الحيَّض فيعتزلنَ الصلاة ويشهدنَ الخيرَ ودعوة المسلمين. رواه البخاريّ ومسلم وغيرهما.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيّها المسلمون: إنّ من غايات العيد أيضًا ومنافعه إعلانَ تعاليم شرائع الإسلام، ونشرَها في المجامع ومشاهدِ المسلمين، وتبليغها على رؤوس الأشهاد، ليأخذها ويتلقّاها الجيل عن الجيل، والآخرُ عن الأوّل، علمًا وعملاً، ودعوة وصبرا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عبادَ الله، الصلاةَ الصلاةَ! فإنّها عِماد الإسلام، وناهيةٌ عن الفحشاء والآثام، وهي العهد بين العبد وربِّه، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيَع، وأوّل ما يُسأل عنه العبد، فإن قُبِلت قبِل غيرها من الأعمال، وإن رُدَّت ردَّت سائِر العمل.

وعليكم ببرِّ الوالدين وصِلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام، فذلك عملٌ يعجِّل الله ثوابَه في الدنيا، مع ما يدَّخر الله لصاحبه في الآخرة من حُسن الثّواب، كما أنَّ العقوقَ والقطيعة ومنعَ الخير ممّا يعجّل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يؤجَّل لصاحبه في الآخرةِ من أليمِ العقاب.

وارعَوا -معشرَ المسلمين- حقوقَ الجار، ففي الحديث: "لا يؤمِن من لا يأمَن جاره بوائقَه"، أي: شرَّه. ومُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر، فإنّهما حارسان للمجتمع، وسياجان للإسلام، وأمان من العقوباتِ التي تعمُّ الأنام.

وإيّاكم وأنواعَ الشرك التي تبطِل التّوحيد! التي يقع فيها من لا علمَ له، كدعاء الأنبياء والصالحين والطواف على قبورهم، وطلب الغوث منهم، أو طلب كشفِ الكربات والشدائد منهم، أو دعائهم دون الله بجلب النفع أو دفع الضرّ، أو الذبح أو النذر لغير الله، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18]، وقال عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء:48].

وإيّاكم وقتلَ النّفس المحرّمة! والزّنا! فقد قرن الله ذلك في كتابه بالشّرك بالله فقال: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان:68-69]، ومعنى أَثَامًا: بئرٌ في قعر جهنّم، وفي الحديثِ عن النبي: "لا يزال المرء في فسحةٍ من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا" أخرجه البخاري.

وعن الهيثم بن مالك الطائيّ، عن النبيّ قال: "ما مِن ذنبٍ بعد الشّرك أعظم عند الله من نطفةٍ وضعها رجل في رحمٍ لا يحلُّ له" رواه ابن أبي الدنيا.

وعملُ قوم لوط أعظم من الزّنا، فقد لعن عليه الرسول. والسِّحاق نوعٌ من الزنا، وخبثٌ من الخبائث المحرّمة. وإيّاكم والربا! فإنّه محق للكسب، وغضبٌ للرب، عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الرّبا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثلُ إتيان الرّجل أمَّه" رواه الطبراني في الأوسط.

وإيّاكم والتعرضَ لأموالِ المسلمين والمستضعفين! فإنّ اختلاطَه بالحلال دمارٌ ونار. وإيّاكم والرشوةَ! وشهادةَ الزور! فإنّها مضيِّعةٌ للحقوق، مؤيِّدة للباطل، ومن كان مع الباطل أحلَّه دارَ البوار، وجلَّله الإثمَ والعار، فقد لعن رسول الله الراشيَ والمرتشيَ، وقرن الله شهادةَ الزور بالشّرك بالله.

وإيّاكم والخمر وأنواعَ المسكرات والدّخان والمخدِّرات! فإنّها تُفسِد القلب، وتغتال العقل، وتدمّر البدن الذي هو أمانة عندك، وتمسَخ الخُلُق الفاضل، وتُغضِب الربَّ، وتفتِك بالمجتمع، ويختلّ بسببها التدبير؛ عن جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ حرام، وإنّ على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينة الخبال"، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: "عرَقُ أهلِ النار" أو "عُصَارةُ أهلِ النار" رواه مسلم والنسائي.

وإياكم والغيبةَ والنميمةَ! فإنّ المطعون في عرضِه يأخذ من حسناتِ المغتاب بقدرِ مظلمتِه؛ عن حذيفةَ مرفوعًا: "لا يدخل الجنة قتَّات" يعني: نمّام. متفق عليه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيّد المرسلين، وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله... الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر عدَد ما خلق في السّماء، الله أكبر عددَ ما خلق في الأرض، الله أكبر عدَد ما أحصاه كتابه، الله أكبر مِلءَ ما أحصاه كتابه.

أمّا بعد: فاتّقوا الله أيّها المسلمون، واجعلوا التقوى عدّتكم لدنياكم وآخرتِكم، فقد فاز المتّقون، وخسر الفاسقون.

واعلموا أن عيدكم في هذه السنة يوم جمعة، فمن صلى صلاة العيد سقط عنه حضور الجمعة وصلاها ظهراً، وإن صلى جمعة مع المسلمين فهو أفضل, ومن لم يصل عيداً وجب عليه حضور الجمعة.

واعلموا -عبادَ الله- أنّكم في عيدكم هذا إمّا محسنٌ فيما مضى فليحمَدِ الله على ما منّ عليه من الطاعات، وليستقِم على الصّراط المستقيم حتّى يأتيَه الموت وهو على ذلك، وليخشَ على خاتمتِه، وإمّا مسيء فيما مضى فبابُ التوبةِ مفتوح، فليُصلح عمله فيما بقي من أجله، فإنّ أحدَنا لا يدري متى يأتيه رسولُ ربّه.

يا نساءَ المسلمين، اتّقين اللهَ تعالى في واجباتكنّ التي طوَّقت أعناقكنّ، أحسِنَّ إلى أولادكنّ بالتربية الإسلاميّة النافعة، واجتهدنَ في إعداد الأولاد إعدادًا سليمًا ناجحًا، فإنّ المرأة أشدُّ تأثيرًا على أولادها من الأب، وليكن هو مُعينًا لها على التّربية.

وأحسِنَّ إلى الأزواج بالعشرة الطيّبة، وبحفظ الزوج في عرضه ومالِه وبيته، ورعاية حقوق أقاربِه وجيرانه وضيفه، ففي الحديث، عن النبيّ قال: "إِذا صَلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحجَّت بيت ربها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجَها، قيل لها: ادخلي الجنة من أيّ أبواب الجنّة شئتِ" رواه أحمد، وحسَّنه الألباني.

وعليكِ -أيّتها المرأة المسلمة- أن تشكري نعمةَ الله عليك، حيث حفظ لك الإسلام حقوقَك كاملة، ولا تنخدِعي بالدّعايات الوافدة، فإنّ مكانتك في هذه البلاد أحسنُ مكانةٍ في هذا العصر.

وتأمّلي -أيتها المؤمنة- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "شهدتُ الصلاةَ يومَ الفطر مع رسول الله، فنزل نبيّ الله حتى أتى النساء مع بلال، فتلا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة:12].

ثم قال: "أنتُنَّ على ذلك؟"، فقالت امرأة: نعم يا رسول الله. رواه البخاريّ. ولأحمد من حديث أميمة بنت رقيقة: "ولا تنوحي ولا تبرّجي تبرّجَ الجاهلية الأولى"، ولأحمد أيضا من حديث سلمى بنت قيس: "ولا تغششن أزواجكن". ومعنى (بهتان يفترينه): لا يلحِقن بأزواجهنّ غيرَ أولادهم، وهذا التشريع لكُنّ للعمل بالآية أبَدًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عبادَ الله، يُسنّ الغسل للعيد بعدَ الفجر، وإذا اغتسل قبلَ الفجر كأهلِ الحرمَين لمشقّة الرجوعِ إلى البيت فقد أجزأه، وأن يمسَّ من الطّيب، ويتهيّأ في سمتِه على ما أمر الشرع، ويخرجَ إلى العيد ماشيًا إن تيسّر وعُدِمت المشقّة، ويرجع إلى بيته من طريقٍ أخرى استحبابًا، ويُسنّ التكبيرُ حتى يخرج الإمام للصّلاة، ويبتدئ من أوّل ليلة عيد الفطر، وصفته: الله أكبر يكرّره، أو يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، ونحوه.

ومعنى التكبير تعظيم الله وتقديسه وتنزيهُه عن مشابهةِ خلقه، وتعظيم أمره فلا يضيَّع، وتعظيم نهيِه فلا ينتهَك، ومن حِكم التكبير إعلانُ انتصار نوازعِ الخير وصفاتِ الفضل في النّفس البشريّة على نوازع الشرّ وصفاتِه، ومغالبةُ الهوى وقمعه وأسره، واستصغار ما يحول بين المسلم وبين التقرّب إلى الله ويصدّ عن سبيلِ الله من هوًى أو شهوات أو أهل أو مال أو شيطان أو إنسان؛ فإنّ المسلم في جهادٍ مع نفسه لربّه، وفي جهادٍ مع شيطانه، وفي جهادٍ مع المعوِّقات التي تحول بينه وبين مرضاة ربّ العالمين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عبادَ الله، إن عدوّكم إبليس وجنودَه كانوا مأسورين في رمضانَ، ويريد اللعين أن يأخذَ بثأره فيجعلَ الأعمال هباءً منثورًا، فادحروه بعزّة الله خائبًا مثبورًا، بالدّوام على التّقوى ليكون سعيُكم مشكورًا،(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) [النحل:92].

أيّها المسلمون: اشكُروا الله واحمدوه على نعمه الظّاهرة والباطنة، اشكُروه على نعمة الإسلام، واحمدوه على نعمةِ الأمن والإيمان وتيسُّر الأرزاق، وتوفّر المنافع والمرافق، والتمتّع بالطيّبات التي لا تحصَى، واشكروا الله على اجتماعِ الكلمة في بلادكم هذه، واشكروه على إطفاء الفتَن عنكم التي تُستحلُّ فيها الحرمات، وتختلف فيها القلوب. وشُكر الله على ذلك بطاعة الله، واجتناب معصيته، وملازمة التوبة.

أيّها المسلمون، اعلموا أنّه ليس السعيد من تزيّن وتجمَّل للعيد فلَبِس الجديدَ، ولا من خدمته الدنيا وأتَته على ما يريد، لكنّ السعيد من فاز بتقوى الله تعالى، وكتب له النجاةَ من نارٍ حرُّها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقّوم والضريع، وشرابهم الحميم والصّديد، وفاز بجنّات الخلدِ التي لا ينقص نعيمُها ولا يبيد.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عبادَ الله: تذكَّروا ما أنتم قادِمون عليه من المَوت وسكراتِه، والقبرِ وظلُماته، والحشر وكرباته، وصحائفِ الأعمال والميزان والصِراط ورَوعاته، واذكروا من صلّى معكم في هذا المكان فيما مضى من الزمان، من الأخلاّء والأقرباء والخلاّن، كيف اخترمهم هادِم اللذات، فأصبحوا في تلك القبور مرتهَنين بالأعمال، فأحدهم إمّا في روضة من رياض الجنان، وإمّا في حفرة من حفَر النّيران، فتيقَّنوا أنّكم واردون على ما عليه ورّدوا، وشاربون كأسَ المنيّة الذي شرِبوا، (فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].

أينَ الأممُ الخالية؟ وأين القرون الماضيَة؟ أين منهم ذوو الملكِ والسّلطان؟ وأين منهم ذوو الأكاليل والتّيجان؟ وأين تلك العساكر والدّساكر؟ أين الذين جمَعوا الأموال، وغرَسوا الأشجار، وأجرَوا الأنهار، وشيَّدوا الأمصار؟ أين منهم الغنيّ والفقير، والصغير والكبير؟ أتى عليهم الموتُ فنقلهم من القصورِ إلى القبور، ومن أنسِ الأهل والأصحابِ، إلى اللّحد والتّراب، فلا تركنوا إلى هذه الدّنيا التي لا يؤمَن شرّها، ولا تفي بعهدها، ولا يدوم سرورها، ولا تُحصى آفاتها، ما مثلُها إلاّ كمائدة أحدكم، تُعجب صاحبَها ثم تصير إلى فناء وإلى ما تعلمون، دارٌ يبلى جديدها، ويهرم شبابُها، وتتقلّب أحوالها، فاتّخذوها مزرعةً للآخرة، فنِعم العمل فيها!.

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

عيد الفطر 1431هـ5

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات