دروس من جلاء بني قينقاع

سليمان بن حمد العودة

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: السيرة النبوية
عناصر الخطبة
1/ أذى اليهود في المدينة للمؤمنين 2/ اختلاف أهل السير في سبب إجلاء بني قينقاع 3/ دروس من حادثة بني قينقاع

اقتباس

وليس يخفى أن حياته صلى الله عليه وسلم كلها جهاد ونصيحة وصبر ومصابرة حتى أظهر الله الدين ونصر المسلمين ولئن طارده قومه في مكة وآذوه وأصحابه حتى فروا بدينهم مهاجرين إلى المدينة.. فلم تكن الحياة بالمدينة صفواً من المكدرات، أو نوعاً من حياة الدعة والكسل والبعد عن المنغصات ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الله صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:35].

أيها المسلمون: لابد بين الفينة والأخرى من إطلالة على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تنير الطريق للسالكين وتكشف حقائق الأعداء والأصدقاء للناس أجمعين فسيرة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهديه فصل عند التنازع والاختلاف.

(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: من الآية59].

وبسنته تعبد المسلمون الذين يرجون الله واليوم الآخر.

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21].

وليس يخفى أن حياته صلى الله عليه وسلم كلها جهاد ونصيحة وصبر ومصابرة حتى أظهر الله الدين ونصر المسلمين ولئن طارده قومه في مكة وآذوه وأصحابه حتى فروا بدينهم مهاجرين إلى المدينة.. فلم تكن الحياة بالمدينة صفواً من المكدرات، أو نوعاً من حياة الدعة والكسل والبعد عن المنغصات.

لقد ابتدأت بالمدينة مرحلة الجهاد في سبيل الله إعلاء لكلمة الله – وتكاثرت الخصوم، بين يهود حاسدين شامتين ومنافقين متربصين مرجفين، وفي أطراف المدينة أعراب مشركون يتطلعون إلى ثمار المدينة وخيراتها بشراهة ومن وراء هؤلاء وأولئك الخصوم الأولون كفار قريش يؤلبون ويحضرون ويدعمون بأموالهم، ويدفعون بأبنائهم لخوض المعارك حتى لا تقوم للدين قائمة ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

ودعونا -معاشر المسلمين- نقف على خصم من هذه الخصوم في المدينة.. كان له أثره في إنشاء ورعاية خصوم آخرين إنهم اليهود، ومن اليهود سأقصر الحديث على (يهود بني قينقاع) وفي أحداثهم ومواقفهم عبرة لمن تأمل.

أيها المؤمنون: وليس يخفى أن اليهود بشكل عام كان لهم وجود مؤثر في المدينة، وإن لم يكونوا أكثرية فيها، فبأيديهم المال، ولديهم قدرة خبيثة على إذكاء الحروب بين الأوس والخزرج، وهم أهل علم وكتاب، ومن حولهم جهلة لا يدرون ما الكتاب ولا الإيمان.

ولذا استطاعوا أن يدخلوا في دينهم بعض أهل المدينة فكان في المدينة يهود أصلاء، ومتهودون متأثرون بهم (كيهود بني عوف مثلاً) بل بلغت فتنة اليهود بالمدينة أن المرأة من نساء الأنصار تكون مقلاة – أي لا يعيش لها ولد – فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا فأنزل الله (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) [البقرة: من الآية256].

ولأهمية وجود اليهود في المدينة عاهدهم الرسول صلى الله عليه وسلم حين عاهد أهل المدينة – وتضمنت بنود المعاهدة ما يكفل حقوقهم ويمنع شرورهم، ويهيء الفرصة للنبي صلى الله عليه وسلم لكي يسلم من أذاهم ويتفرغ وصحبه لجهاد غيرهم ونشر الدين الحق في المدينة وخارجها، حتى إذا انتشر الدين وكثر الداخلون فيه قل أثرهم وأمكن القضاء عليهم، أو جلاؤهم.

عباد الله: لقد كان اليهود شوكة في حلوق المؤمنين قبل المعاهدة وبعدها، وفي أول مقدمه المدينة، وبعد أن استقر فيها ، أخرج أبو داود وغيره بسند صححه ابن حجر قال كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه "كان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزلت الآية: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارا) [البقرة: من الآية109].

ثم كتبت وثيقة المعاهدة مع اليهود، وتضمنت فيما تضمن "أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، والنصح والبر دون الأثم..

بل تضمنت بنود الوثيقة أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين (بنون 24، 27) الخ بنود الوثيقة فهل التزم اليهود بالمعاهدة، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المعاهد؟

لقد كان يهود بني قينقاع أو يهود نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ونقضهم للعهد جاء بطريقة خسيسة لئيمة، وأياً ما كان أحد السببين أقوى سنداً من الآخر، ففي كليهما تتكشف أخلاق اليهود وحقدهم على المسلمين.

أما السبب الأضعف سنداً – وإن كان مشهوراً، فيشير إلى أن امرأة مسلمة قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشف سوأتها فضحكوا بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.

أما السبب الآخر -في جلاء بني قينقاع- فقد رواه ابن اسحاق بسند حسنه ابن حجر، وهو يكشف عن غرور اليهود وعجبهم بأنفسهم واحتقار غيرهم وإن لم يكن لذلك أثر ورصيد على صعيد الواقع، ويكشف كذلك عن حسد اليهود لأي نعمة تنزل بالمسلمين، فقد ذكرت كتب السير -في هذا السبب- أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين انتصر على المشركين في معركة بدر، رأى أن يجمع بني قينقاع وينصحهم ويذكرهم العهد ويخوفهم الغدر ولعله سمع شيئاً من ذلك عنهم، فاجتمع بهم في سوقهم وقال: "يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتهم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم"، قالوا: يا محمد: إنك ترى أنا قومك؛ لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس، ونزل فيهم قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا) [آل عمران: من الآية13] كما نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه.

وليس يخفى ما في هذه الكلمات من تهديد، وإظهار الروح العدائية للمسلمين، ونكوص عن قبول الحق، واستهجان بقوة المسلمين رغم انتصارهم فإذا أضيف إلى ذلك ما ورد في السبب الأول -إن صح- يتبين لنا نقض اليهود للعهود، وتحينهم الفرصة للغدر بمن يعاهدون ولو كان المعاهد نبياً مرسلاً.. ولو كان العهد بالنصر قريباً فإذا كان هذا واقعهم مع من يعرفون نبوته كما يعرفون أبناءهم، وتلك حالهم مع المسلمين في وقت عزهم واجتماع كلمتهم فكيف يكون حالهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حال ضعف المسلمين وفرقتهم؟

إن الذين يعتقدون التزاماً صادقاً من اليهود بالعهود والمواثيق، أو ينشدون صلحاً آمناً وسلاماً دائماً من وراء معاهدات السلام معهم، إنما يجرون وراء السراب الخادع ويحرثون في البحر الهائج.. كيف لا وقد حكم ربنا وربهم عليهم بنقض العهود، وليس ذلك حكماً لفئة منهم بل أكثرهم لا يؤمنون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:100].

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين كتب العزة والغلبة لأوليائه الصادقين وجعل الذل والصغار للكافرين والمنافقين وما ربك بظلام للعبيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يمتحن الناس في إيمانهم ويبلو صبرهم، وحق عليه نصر المؤمنين، ويجعل العاقبة للمتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جاهد في الله حق جهاده، وفي سيرته وسنته عبر للناظرين..

اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر أنبياء الله والمرسلين ومن تبعهم إلى يوم الدين.

إخوة الإسلام: إذا كان الدرس الأول في حادثة بني قينقاع يكشف عن طبيعة نفسياتاليهود، وتلبسهم بالغدر والخيانة وانطواء نفوسهم على الحسد والبغضاء والاحتقار للآخرين.

فالدرس الثاني يكشف عن حلفائهم وإخوانهم من المنافقين الذين نشأوا على أيديهم، واستمر ودهم فيهم، وإن أظهروا للمسلمين المودة وحسبوا عليهم.

أخرج ابن إسحاق -بسند صحيح- أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحاربوا فيما بين بدر وأحد، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه فقام عبدالله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد: أحسن في موالي، فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلني، وغضب حتى رؤي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلال، فقال له: ويحك ارسلني، فقال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، أي والله، إني لا مرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هم لك".

إنه الدفاع المستميت عن اليهود يصنعه المنافقون، ولو غضب لذلك رسول الله، والحرص الشديد على سلامتهم ولو كان في بقائهم شر وبلاء مستطير، والمنافقون لا يثقون بقوتهم الخاصة، ولا يثقون إلا باليهود تحسباً لوقوع الدوائر..

ولئن عفى رسول الهدى عليه الصلاة والسلام عن ابن أبي، وتكرم بترك قتلهم استجابة لمطلب هذا المنافق اللئيم.. فقد تولى الله كشف الحقائق، واقتضت حكمته أن يكشف عن العلاقة بين اليهود والمنافقين في كل زمان ومكان، ونزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة: من الآية 51-52].

أجل لقد تتابعت آيات القرآن الكريم تكشف ما بين اليهود والمنافقين من ود وتعاون، وإخاء نص الله عليه بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) [الحشر: من الآية11].

ويأبى الله إلا أن تتكشف حقيقة النفاق، وينفضح المنافقون إثر علاقاتهم المريبة مع اليهود على مر العصور واختلاف الزمان والمكان.

وإذا حكم الله بالأخوة بين المنافقين واليهود فلا مزيد على هذا الوصف والبيان.

أيها المسلمون: أما الدرس الثالث من حادثة يهود بني قينقاع فهو درس في الإيمان، اختص الله به أهل الإيمان الذين يوالون في الله ويعادون في الله، ويحبون لله ويبغضون لله وتلك أوثق عرى الإيمان.. ويمثل هذا الموقف الإيماني عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، وتأملوا الفرق بين موقفه مع اليهود الناكثين، وبين موقف عبدالله بن أبي رأس المنافقين.

فقد أخرج ابن إسحاق في السيرة -بسند صحيح- قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدالله بن أبي، وقام دونهم، فمشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج لهم من حلفهم مثل الذي لهم من حلف عبدالله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم فقال: يا رسول الله: أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وأتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ويقال فيه نزل قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة: من الآية 55-56].

وهكذا يتضح الفرق بين المنافقين والمؤمنين في الولاء أو البراء من الكافرين.. والمسافة لا شك هائلة بين منافق يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الدفاع عن اليهود والصد عن قتلهم..

وبين مؤمن يتولى أمر جلائهم، فقد كان ذلك لعبادة بن الصامت رضي الله عنه منقبة، ولابن أبي فضيحة وخزياً إلى يوم الدين. ألا ما أحوج الأمة إلى رجال كعبادة بن الصامت يقدمون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين على كل ولاء، ولا تقعد بهم مصالحهم الشخصية دون مصلحة الأمة وعقيدتها. تلك تربية محمد صلى الله عليه وسلم وأولئك أفراخ اليهود وربائبهم. وفرق بين الثرى والثريا. وهكذا تظل سيرة محمد صلى الله عليه وسلم بأحداثها ودروسها معلماً هادياً ودرساً بليغاً، وعته الأجيال المسلمة فيما مضى، وينبغي أن تعيه في زماننا.. وهنا يرد السؤال المهم: إلى متى سيظل المسلمون غافلين عن هدي السيرة النبوية؟ وإلى متى سيبقون يتمرغون في أوحال الذل والهزيمة، ويتجرعون كؤوس الفرقة والشتات يرجون اليهود تارة، ويتسيدون النصارى تارة ويقود ركابهم المنافقون تارة.. ويستثمر اليهود والنصارى هذه الأوضاع المأساوية، فيستحلون المقدسات، ويزيدون في بناء المستوطنات ويستذل المسلمون، وتستباح المحرمات، ويستحوذ على المقدرات. الجواب باختصار كامن في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) [الرعد: من الآية11].

 

 

 

 

 

 

المرفقات

من جلاء بني قينقاع

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات