الدعاء.. فضله وحقيقته وأدبه وثمرته

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ حق الداعي ومنزلته 2/ عدم تعليق الدعاء بالمشيئة 3/ قصر المسألة إلى الله دون سائر خلقه 4/ أوقات مستحبّة للدعاء

اقتباس

أكثروا من الدعاء، فليس شيء أكرم على الله -عز وجل- من الدعاء، ومن لم يدع الله -عز وجل- غضب عليه، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حيي كريم إذا رفع العبد إليه يديه يستحي أن يردهما صفرًا حتى يضع فيهما خيرًا". وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بإحدى ثلاث ..

 

 

 

 

 

أما بعد: 

فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم وأطيعوه، واشكروا له ولا تكفروه، وأثنوا عليه بما هو أهله وادعوه، فإنه سبحانه قد أمركم بإخلاص الدعاء، ووعدكم عليه بكريم العطاء وصرف البلاء، وأرشدكم إلى أن الدعاء من أعظم الأسباب التي ينال بها الخير ويتقى به المكروه في الدنيا والأخرى، فقال -جل ذكره- في تنزيله وذكره: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]. وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دخِرِينَ) [غافر:60]. وقال سبحانه: (هُوَ الْحَىُّ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ فَـادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ الْحَـمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ) [غافر:65].

عباد الله: اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء، وسلوا الله العفو والعافية واليقين في الآخرة والأولى، وسلوه -تبارك وتعالى- أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم، وأن يؤتيكم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة؛ فإن ذلك من جوامع الدعاء، واستجابته من جزيل العطاء وسابغ النعماء، ومن دعا ربه فاستجاب له ورأى ما يسره فليقل: "الحمد لله الذي بنعمته وعزته وجلاله تتم الصالحات". ومن أبطأ عنه مطلوبه ومراده أو رأى ما يكره فليقل: "الحمد لله على كل حال"؛ فإن ذلكم هو هدي نبيكم محمد –صلى الله عليه وسلم- في تلك الأحوال.

أيها المسلمون: أكثروا من الدعاء، فليس شيء أكرم على الله -عز وجل- من الدعاء، ومن لم يدع الله -عز وجل- غضب عليه، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حيي كريم إذا رفع العبد إليه يديه يستحي أن يردهما صفرًا حتى يضع فيهما خيرًا". وفي صحيح الحاكم وغيره بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بإحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".

أيها المسلمون: من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له، ومن سرّه أن يستجيب الله له حال الشدة والضيق فليكثر من الدعاء حال الرخاء، وليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، وليلح في الدعاء؛ ففي المتفق عليه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل"، قالوا: وما الاستعجال يا رسول الله؟! قال: "يقول: قد دعوتك يا رب، قد دعوتك يا رب فلا أراك تستجيب لي، فيتحسر عند ذلك فيدع الدعاء".

وفيهما عنه أيضًا قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارزقني إن شئت. ليعزم مسألته؛ فإنه يفعل ما يشاء لا مكره له"، وفي صحيح مسلم عنه أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم وليعظم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".

فينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء، وأن يكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة؛ فإنه يدعو كريمًا، وقد روي عن الإمام ابن عيينة -رحمه الله- قال: لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يعلم من نفسه -يعني التقصير- فإن الله قد أجاب شر خلقه وهو إبليس حين قال: (قَالَ أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الحجر: 36].

أيها المؤمنون: ليكن فزع أحدكم في الدقيق والجليل من حاجاته ورغباته إلى الله، ولا يلتفت في شيء منها بقلبه إلى أحد سواه؛ فإن الله تعالى قال: (وَسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ) [النساء:32]. وقال: (فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن:18].

وفي الترمذي بسند حسن عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل"، وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ثوبان –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا وأتكفل له الجنة؟!"، فقلت: أنا. فكان لا يسأل الناس شيئًا.

وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: كنا عند رسول الله تسعة -أو ثمانية أو سبعة- فقال: "ألا تبايعون رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟!"، وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟!"، فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟! قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا -وأسر كلمة خفيفة- ولا تسألوا الناس شيئًا، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إياه".

عباد الله: اجتهدوا في الدعاء، وأكثروا من الثناء، وعظموا الرجاء، وتحلوا بآداب الدعاء، فإن خزائن الله ملأى، ويديه سحاء الليل والنهار لا تغيضهما نفقة، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم ينقص مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، وفي الحديث القدسي الصحيح يقول الله تعالى: "يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي شيئًا". في التنزيل: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 55-56].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من خاصة أوليائه وأحبابه، الذين يحل عليهم رضوانه ويمنحهم جزيل ثوابه، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين والناصح المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، وعاملوه معاملة من يعتقد أنه يسمع ويرى، وادعوه واذكروه في سائر أحوالكم تفوزوا بخيري الدنيا والأخرى، ولا تعرضوا عن الدعاء فتحشروا مع من استكبر وأبى، بل ادعوا الله مخلصين له الدين راغبين راهبين، وبآداب الوحيين مستمسكين؛ فإن سؤال الله الحاجات دقيقها وجليلها كبيرها وصغيرها توحيد وعبادة، وإن عدم الاحتياج إلى الله والإعراض عنه كفر وإباء؛ يوصل صاحبه النار وبئس مهاده، وإن الالتفات بالحاجات إلى غير رب الأرض والسماوات شرك برب العالمين؛ يخرج صاحبه من الدين، ويحرمه إذا مات عليه مغفرة ورحمة أرحم الراحمين، ويحرم عليه الجنة ويجعله خالدًا في النار، وذلك هو الخسران المبين.

عباد الله: اعلموا أن دعاء المؤمن لا يرد، غير أنه قد تقتضي حكمة الله تأخير الإجابة، أو يعوض عنه بما هو أولى له مما دعا به عاجلاً وآجلاً، وذلك من رحمة الله بعباده. فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء، كما هو متعبد في التسليم والتفويض للقدر والقضاء، ومن جملة آداب الدعاء تحري الأحوال والأوقات الفاضلة كالسجود، وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وآخر الليل، ومنها أن يكون على طهارة إذا تيسر، ومنها استقبال القبلة، ورفع اليدين، وتقديم التوبة، والاعتراف بالذنب، والإخلاص، وسبقه بما تيسر من الصدقة، وترك أكل الحرام، وافتتاح الدعاء بالحمد والثناء، والصلاة على خير المرسلين وخاتم الأنبياء، وسؤال الله بأسمائه الحسنى، والدعاء بجوامع الدعاء.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِلْعَدْلِ وَلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَلْمُنْكَرِ وَلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
 

 

 

 

 

المرفقات

.. فضله وحقيقته وأدبه وثمرته

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات