ساويرس حلقة في الصراع بين الحق والباطل

جابر السيد الحناوي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الإعلان الإسلامي العام لتحرير الإنسان 2/ تعرض الدعوة للمكائد والمؤامرات 3/ إساءة ساويرس للإسلام والمسلمين 4/ فساد ساويرس في ظل النظام السابق 5/ ساويرس يزرع الفتنة بين المسلمين والنصارى 6/ مقاطعة شركات ساويرس ومحاكمته 7/ بيان بعض البدع المتعلقة بشهر شعبان 8/ المسارعة إلى إزالة الشحناء والبغضاء من القلوب

اقتباس

وكان آخر حلقات محاربة هذا الدين وعلى أرض مصر ما قام به نجيب ساويرس، فقد زاده صمتنا غرورًا، وزادته فوضى ما بعد الثورة تبجحًا إلى مضاعفة العبث، فرجل الأعمال الصليبي الأكثر ثراءً في مصر، وصاحب أول وأهم شركات المحمول إلى جانب كازينوهات القمار وعلب الليل، فقد صوابه بفعل رياح التحول التي ركبها كل من هب ودب بعد سقوط النظام ..

 

 

 

 

إخوة الإسلام: يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه العزيز: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32، 33].

قضت حكمة الله -عز وجل- أن تكون طبيعة العلاقة الحتمية بين منهج الله ومناهج الجاهلية هي عدم إمكان التعايش إلا في ظل أوضاع خاصة وشروط خاصة؛ قاعدتها أن لا تقوم في وجه الإعلان العام الذي يتضمنه الإسلام لتحرير الإنسان بعبادة الله وحده، والخروج من عبادة البشر للبشر، أية عقبات مادية من قوة الدولة، ومن نظام الحكم، ومن أوضاع المجتمع على ظهر الأرض؛ ذلك أن منهج الله يريد أن يسيطر، ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده -كما هو الإعلان العام للإسلام- ومناهج الجاهلية تريد -دفاعًا عن وجودها- أن تسحق الحركة المنطلقة بمنهج الله في الأرض، وأن تقضي عليها.

وقد بينت الآيات السابقة لتلك الآيتين من سورة التوبة أنه لا حجة للكافرين على ما قالوه، ولا برهان لما أصَّلوه، وإنما هو مجرد قول قالوه وافتراء افتروه، ولهذا أخبر أنهم (يُرِيدُونَ) بهذا (أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ).

ونور الله: هو دينه الذي أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب، وسماه الله نورًا؛ لأنه يستنار به في ظلمات الجهل والأديان الباطلة، فإنه علم بالحق، وعمل بالحق، وما عداه فإنه بضده، فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوهم من المشركين، يريدون أن يطفئوا نور الله بمجرد أقوالهم، التي ليس عليها دليل أصلاً.

(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) لأنه النور الباهر، الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على إطفائه أن يطفئوه، والذي أنزله جميع نواصي العباد بيده، وقد تكفَّل بحفظه من كل من يريده بسوء، ولهذا قال تعالى: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله، فإن سعيهم لا يضر الحق شيئًا.

ثم بيّن تعالى هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه فقال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى) الذي هو العلم النافع، (وَدِينِ الْحَقِّ) الذي هو العمل الصالح، فكان ما بعث اللّه به محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مشتملاً على بيان الحق من الباطل في أسماء اللّه وأوصافه وأفعاله، وفي أحكامه وأخباره، والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب، والأرواح والأبدان من إخلاص الدين لله وحده، ومحبة الله وعبادته، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، والأعمال الصالحة والآداب النافعة، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة.

فأرسله الله بالهدى ودين الحق (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، أي: ليعليه على سائر الأديان بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، وإن كره المشركون ذلك، وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم، فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه، فوعد اللّه لا بد أن ينجزه، وما ضمنه لا بد أن يقوم به.

إخوة الإسلام: وقد تعرضت الدعوة الإسلامية منذ عهد النبوة الأول –وما زالت- للمؤامرات والمكائد، إلا أن المسلمين الأوائل كانوا يضربون علي أيدي المتآمرين، ولا يخافون في ذلك لومة لائم، فاحترمهم العدو قبل الصديق، أما في الآونة الأخيرة فقد تغيرت الأحوال، وتبدلت القيم والتصرفات نتيجة لتهاون المسلمين في التمسك بأحكام دينهم الحنيف، فتطاول عليهم أهل الكفر والنفاق بأعمال وإهانات غير مسبوقة في التاريخ من رسوم كاريكاتيرية مسيئة، وأفلام للإسلام مهينة، ورضي المسلمون بالدنية، فكان أن زاد الأعداء في تبجحاتهم وإساءاتهم، وكان آخر حلقات محاربة هذا الدين وعلى أرض مصر ما قام به نجيب ساويرس، فقد زاده صمتنا غرورًا، وزادته فوضى ما بعد الثورة تبجحًا إلى مضاعفة العبث، فرجل الأعمال الصليبي الأكثر ثراءً في مصر، وصاحب أول وأهم شركات المحمول إلى جانب كازينوهات القمار وعلب الليل، فقد صوابه بفعل رياح التحول التي ركبها كل من هب ودب بعد سقوط النظام.

ساويرس الذي قطع الاتصال عن المصريين لإنقاذ النظام في بداية الثورة، ثم عاد ليجعل نفسه زعيمًا لها ببضع مئات من الجنيهات أنفقها على إقامة إذاعة للثوار في ميدان التحرير، نسي نفسه أو كاد.

ففي غمرة عمليات غسل السمعة وتحويل القبلة الذي يجريه رجال أعمال وسياسيون، فقد الرجل اتزانه، وظن نفسه ناجيًا من الملاحقة والحساب، فراح يفتي في كل شيء من اقتصاد الوطن إلى اللحية والنقاب لدى المسلمين.

لذا لم يكن من المستغرب أن يبلغ به الغرور مداه فيتهكم على هذا المظهر الديني بكاريكاتير ساخر على صفحته بموقع "تويتر" أثار غضب المصريين جميعًا، والمسلمين عامة.

وخيرًا فعل طفل مبارك المعجزة، الذي بلغ درجة لم يبلغها من الغنى والأرباح في عهد الرئيس المخلوع، حتى صارت ثروته وأربعة من عائلته تعادل نصف ميزانية مصر وناتجها المحلي الإجمالي، حصل عليها من جيوب المسلمين الذين أهانهم وازدراهم على موقع "تويتر" حين جعل من الرسوم الكاريكاتيرية مادة للسخرية من اللحية والنقاب، وحين ساوى بين المسلمين وبين ميكي وميني!

ثروات نجيب ساويرس التي حققها بالاحتكار والرشاوى والتواطؤ مع النظام البائد، لم تنجح في إخفاء عنصريته ومعاداته للإسلام والتحاقه بقائمة المنحطين الذين سخروا من نبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة في الدنمارك أو في فرنسا! لقد أساء ساويرس لنصارى مصر قبل مسلميها بفعلته المشينة وازدرائه للإسلام بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة المعادية للإسلام على الطريقة الدنماركية!

إخوة الإسلام: فقط كنا نتمنى أن يكف شروره عن الإسلام ويكف عن زرع فتيل الفتنة، كفريضة ولاء لهذا الوطن، الذي تربى على ترابه، ونهل من خيراته، وفي النهاية طعن غالبية أفراده في عقيدتهم! (لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 8].

وفي محاولة منه لاسترضاء المسلمين حاول نفاقهم وأقام شادرًا لتوزيع الفتة واللحم في مولد السيدة زينب، حيث قاطعه غالبية رواد المولد متشككين حتى في نوع اللحم، باعتبار أن من يسخر من الرموز الإسلامية لا يتورع عن إطعام المسلمين لحم الخنزير!

ساويرس الصليبي الذي أوقعه الله في شر أعماله، وفي محاولة منه أخرى لامتصاص غضب المسلمين قرر إطلاق قناة جديدة باسم "أون تي في رمضان" تعرض مسلسلات درامية، وبرامج ومنوعات دينية إسلامية لتذكير المسلمين بأن المسلمين والمسيحيين نسيج واحد، هكذا يدعي.

خيرًا فعل هذا الصليبي المتعصب، ليبدأ حسابه على ما اقترفت يداه بحق هذا الوطن ودم أبنائه التي نهب أموالهم وحولها إلى أرصدة في بنوك العالم المختلفة.

فرغم اعتذاره عن نشر الصور المسيئة للإسلام إلا أن الدعوات على مواقع الإنترنت تعالت تطالب بمقاطعة منتجات شركاته، وتعرضت المواقع الإعلامية والصحفية والإخبارية التي نشرت تداعيات الأزمة إلى موجات عاتية من ملايين التعليقات الغاضبة والساخطة والساخرة!

أرجو أن يكون ذلك بداية صحوة المصريين ونهاية كل من يستهزئ ويسخر من دين الإسلام، ساويرس الذي يزعم أنه علماني ولا يفرّق بين مسلم ومسيحي وفي النهاية يسخر من المسلمين، هذا يجب محاكمته لازدرائه الإسلام وتطاوله على الله ومحاولة إشعال الفتنة الطائفية في مصر بعد إغلاق ملف فتنة إمبابة!

إخوة الإسلام: لا يكفي أن يقاطع المسلمون شركات ساويرس، بل يجب محاكمته بتهمة الترويج للسخرية بالدين الإسلامي وازدراء الأديان؛ ما يهدد السلام الاجتماعي ويثير الفتن في المجتمع.

يقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الاستهزاء والسخرية بالأديان عمل مرفوض ومجرم في القانون المصري، بما في ذلك الاستهزاء والسخرية برموز الدين الإسلامي، وقال: إن ساويرس لا يقبل أن يستهزئ أحد بالملابس الكهنوتية للمسيحيين، ولا يقبل أن يلبس راهبة علي صفحته في "تويتر" ملابس رجل دين يهودي، وإلا كان يحاكم بتهمة معاداة السامية.

وحذّر د. كريمة أن مثل هذه الأفعال تفتح باب الفتن الاجتماعية والطائفية في المجتمع المصري.

وفي ذات السياق أفتى الدكتور عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر بأن مقاطعة شبكة موبينيل التي يملكها نجيب ساويرس واجب شرعي؛ لأن الله -تبارك وتعالى- كرّم الإنسان حيًّا وميتًا، ونهى عن اللمز والتنابز.

وذكر موقع البشاير الإلكتروني على لسان الأطرش أن ما قام به ساويرس من عرضه لتلك الرسوم المسيئة هو إهانة لا يقبلها المولى -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) [الحجرات: 11]، وأكد رئيس لجنة الفتوى أن ما قام به ساويرس من تصوير المسلم في صورة بذيئة محتقرة مما يستوجب عقابه على ذلك أشد العقاب، والمقاطعة أحد أساليب العقاب ولا يكتفى بها، وإنما ينبغي محاكمته على فعلته هذه؛ لأنه لا فرق بين رسومه والرسوم الدنماركية التي أساءت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال الأطرش ماذا يفيد الاعتذار بعد الإهانة؟! فالاعتذار ليس ردعًا وإنما لابد من العقوبة مع الاعتذار.

 

 

الخطبة الثانية:

إخوة الإسلام: وبعد ساعات تظلنا ليلة النصف من شعبان، تلك الليلة التي يعتقد العامة وأشباهُهم أنها ليلةٌ ذات عبادات مخصوصة، وقبل أن نسترسل في بيان بعض البدع المتعلقة بليلة النصف من شعبان، وعدم مشروعيتها، نذكِّر أولاً بأن شهر شعبان هو شهر فاضل، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما عرفنا في الأسبوع الماضي يكثر فيه من الصيام أكثر من أي شهر في العام، خلاف رمضان طبعًا، بل إنه في بعض السنوات كان يصوم شعبان كله، فقد أخرج الإمام أحمد -رضي الله عنه- في مسنده عن أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -صلي الله عليه وسلم- "أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا يُعْلَمُ إِلا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَان".

وحري بنا أن نتتبع هدى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في العبادة في هذا الشهر، وفي غيره، عملاً بقوله -سبحانه وتعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَـرَ اللَّهَ كَثِيرًا).

ومما يؤسف له ما أحدث في هذه الليلة من البدع المنكرة، وسنشير إليها سريعًا لضيق الوقت، ولأنه سبق أن تناولناها بالتفصيل:

أول هذه البدع: ما يسمونه صلاة الرغائب في ليلة النصف من شعبان.

أما عن البدعة الثانية: فهي تخصيص ليلة النصف بالقيام ونهارها بالصيام.

أما البدعة الثالثة: فهي دعاء النصف من شعبان الذي ينسبونه زورًا وبهتانًا إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.

والذي صـح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وحفظت روايته عن أصحابه، وتلقاه أهل العلم بالقبول في فضل شهر شعبان ينحصر في أمرين اثنين:

أولاً: استحباب كثرة الصيام في شهر شعبان:

الصيام في جميع أيامه، دون تفضيل يوم معين، ولا تخصيص ليلة معينة بعبادة من العبادات. والإكثار من الصيام فيه وراءه حكم كثيرة كما بينَّا في الخطبة الماضية لا داعي لتكرارها.

ثانيًا: الفضيلة الثانية لهذا الشهــر بعد استحباب كثرة الصيام فيه تتعلق بليلة النصف من شعبان، وهى الفضيلة الوحيدة الثابتة لتلك الليلة، وهي التي تهمنا اليوم، وهى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يَطَّلِعُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلا لاثْنَيْنِ: مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ"، وفى رواية ابن ماجه: "إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ".

والشَّحْناء: الـحقد. والشَّحْناء: العداوة، وقد شَحِنَ علـيه شَحَنًا وشاحَنَه، وعَدُوٌّ مُشاحِنٌ. وشاحَنَهُ مُشاحَنَةً: من الشَّحْناء، وقـيل: الـمُشاحَنَةُ ما دون القتال من السَّبِّ.

وفي النهاية قال الطيبي: لعل المراد ذم البغضة التي تقع بين المسلمين من قبل النفس الأمارة بالسوء لا للدين، فلا يأمن أحدهم أذى صاحبه من يده ولسانه.

وقال الأَوزاعي: أَراد بالـمُشاحِن ههنا صاحب البِدْعَة والـمُفارِقِ للـجماعة.

فمعنى الحديث أن الله ينظر إلى عباده في تلك الليلة فيغفر لهم جميعًا ما عدا المشركين والمشاحنين والذين يقتلون الناس بغير الحق.

علينا إذًا أن ننقي أعمالنا وعباداتنا من الشرك ما خفي منه وما ظهر، وأن نفتش في داخلنا عما يمكن أن نكون قد ابتلينا به من شركيات، وأن نتعلم التوحيد، وكيفية النجاة من الشرك؛ لأن التوحيد ليس متاعًا يورث حتى نقول: إننا موحدون أبناء موحدين، بالبطاقة والهوية، فإنه لا يأمن على نفسه من الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به، وبما يخلصه منه، ولهذا حذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوقوع فيه فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ"، فَقَالَ لَهُ رجل: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا نَعْلَمُ".

إخوة الإسلام: إن من أبرز وأخطر مظاهر الشرك أن نعبد الله بما لم يأذن به الله، كما هو حادث في بدع النصف من شعبان، ونتخذ الأحبار والرهبان والأهواء آلهة من دون الله، قال -سبحانه وتعالى-: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال -سبحانه وتعالى-: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْه وَكِيلاً).

"يَطَّلِعُ اللَّهُ -سبحانه وتعالى- إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ... إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ". علينا أن نسارع إلى إزالة الشحناء والبغضاء من قلوبنا بعضنا على بعض، فالشحناء والبغضاء والحقد تمنع المغفرة، وعلينا أن يصطلح كل منا مع أخيه إن كان هناك موجب لذلك؛ ليتراجعا إلى ما كانا فيه من الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به، وليس على ما يملى به الهوى والضلال، وعلينا أن نعيد الحقوق إلى أهلها حتى تزول أسباب العداوة بيننا، ويسلم صدرُ كلِّ منا لأخيه، فإن وفقنا إلى فعل ذلك، ضمنا على الله أن نكون من المغفور لهم في ليلة النصف من شعبان، ونستقبلَ شهرَ رمضان بصدور سليمة ونفوس راضية، يسود بينها المحبة والسلام، في وقت ذبح فيه السلام على يد طغمة من اللئام.

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 

 

 

 

 

المرفقات

حلقة في الصراع بين الحق والباطل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات