الاختلاط ودعاة الرذيلة

سالم بن مبارك المحارفي

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ مصالح العباد في شرع الله 2/ تحذير الله تعالى لنا من المضلِّلين 3/ التحذير من فتنة النساء 4/ ضوابط شرعية لصيانة الأعراض 5/ المعتدون على شرع الله 6/ مفاسد وأضرار الاختلاط 7/ دستور البلاد يحرم الاختلاط 8/ مقاصد ثورة الكُتَّاب المفسدين على الثوابت

اقتباس

هناك صنف في مجتمعنا أصبحوا من العادِين, اعتدَوْا على الشريعة الربانية فأمروا الناس بما يخالف الدين القويم، والتعاليم الحكيمة، والشريعة السمحة, حينما أرادوا اختلاطًا بين الجنسين في التعليم، والصحة، وجميع مرافق العمل الحكومي والقطاع الخاص؛ تشبهًا بالأعاجم الذين فقدوا الغيرة على نسائهم, غير مبالين بالواقع المرِّ الذي تعيشه تلك المجتمعات المتحللة من القيم الدينية، والتعاليم الربانية ..


 

 

 

 

أما بعد: فخير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي رسول الله, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, وعليكم بتقوى الله فهي النجاة من الكروب, والعصمة من الخطوب, والسلامة من الذنوب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

معاشر المسلمين: إن الله تعالى هو الذي خلقنا، ويعلم الذي يصلحنا, والذي يكون به ضلالنا؛ ولذلك كانت الشريعة الإسلامية كاملة لا نقص فيها, جاءت بكل خير للإنسانية, وناهية عن شر يضرُّ بها في دينها ودنياها.

وجاءت صفة النبي محمد في التوراة والإنجيل، داعيًا لكل خير، وناهيًا عن كل شر, كما قال الله سبحانه: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157].

أيها المسلمون: مع وضوح الرؤية وجلاء الأفهام عن خلوّ الشريعة الربانية الإسلامية من كلّ نقصٍ وعيب, إلا أن ربنا تبارك وتعالى حذرنا أشدَّ تحذير ممن كرهوا دينه, وامتلأت قلوبهم حقدًا وحسدًا على الدين وتعاليمه؛ لأنه يحجزهم عن شهواتهم ونزواتهم الشريرة, ويودُّون لو أن الناس فسدوا كلهم أجمعون، قال عنهم رب العزة والجلال محذرًا ومنذرًا: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء:27].

وكذلك حذرنا -سبحانه- من سيِّد هؤلاء وهو الشيطان؛ لأنه يدعو للفاحشة وانتهاك العورات، وكشفها لمن لا تحل لهم رؤيتها, قال سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:27].

أيها المسلمون: ومما جاءت الشريعة بتقريره والتنبيه عليه والتحذير من مخالفته فتنة النساء، فقد بيَّن الرب -سبحانه- أن الناس قد زُينت لهم محابّ كثيرة, وأشدّها حبًا عند الرجال النساء, فقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران: 14], وحذَّر منها نبينا في الحديث المتفق عليه بقوله: "ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء".

فلذلك جاءت الشريعة بجملة آداب يربى عليها الأبناء من الصغر، منها التفريق بين الذكور والإناث في المضاجع, والنهي عن نومهم في لحاف واحد, والنهي عن الدخول على النساء, وتحريم الخلوة؛ ونهت الشريعة المرأة من اخضاع القول وتليينه عند الرجال, وعن الضرب بالأرجل لئلا يخبرن عما يخفينه من الزينة.

وأمرت الرجالَ والنساء على حدٍ سواء بغض البصر عند نظر بعضهما لبعض؛ مما يدعو لهيجان الشهوة عند كلٍ منهما, وعن إتباع النظرة النظرة من الرجل للمرأة، فإنما له الأولى وليس له الثانية, ونهت الشريعة أيضًا المرأة من تحقيق الطريق، والسير في وسطه، مزاحِمة الرجال, فليس لهنَّ ذلك، وعليهن بحافتيه, وأثنى المصطفى على آخر صفوف النساء في الصلاة، وذمَ أولها, وأثنى على أول الصفوف للرجال، وذمَّ آخرها.

كلُ هذا -معاشر المسلمين- من أجل صيانة أعراضهم وسلامتها من أن تتلوث بالرذيلة والفساد, وتنظيمًا للعلاقة الجنسية بين الذكور والإناث بأن تكون في إطار العلاقة الزوجية لا خارجه, قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المعارج:29-31].

أيها المسلمون: هناك صنف في مجتمعنا أصبحوا من العادِين, اعتدوا على الشريعة الربانية فأمروا الناس بما يخالف الدين القويم، والتعاليم الحكيمة، والشريعة السمحة, حينما أرادوا اختلاطًا بين الجنسين في التعليم، والصحة، وجميع مرافق العمل الحكومي والقطاع الخاص؛ تشبهًا بالأعاجم الذين فقدوا الغيرة على نسائهم, غير مبالين بالواقع المرِّ الذي تعيشه تلك المجتمعات المتحللة من القيم الدينية، والتعاليم الربانية, لما رأوا كثرة الزنا الحاصل من الاختلاط بين الرجل والمرأة, ومواليد الزنا الذين امتلأت بهم دور الرعاية, ونِسب التحرش والعنف والاغتصاب من الطلاب نحو الطالبات, وكذلك انخفاض التحصيل التعليمي لدى الطلاب والطالبات, مما جعل مائة كلية -في أمريكا وحدها- تأخذ بمبدأ الفصل بين الجنسين, وعدد كثير منها في أوروبا, في محاولة جادة لتقليل الفجوة، وتخفيف الكارثة الاجتماعية عندهم.

ناهيك عن صيحات الغيورين منهم وذوي الشأن عندهم بإصدار مؤلفات تتحدث بالأرقام, فمجلة فروندين الألمانية المتخصصة في شؤون المرأة في ألمانيا أظهرت أن 68% من النساء الموظفات يتعرضن للتحرش الجنسي المستمر أثناء العمل من زملائهن الرجال؛ ومن أراد أن يعرف الوضع المزري في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الاختلاط فليقرأ كتاب: (الابتزاز الجنسي) للمؤلفة الأمريكية لين فارلي.

معاشر المسلمين: إن هذه البلاد الطيبة الطاهرة قد حماها الله تبارك وتعالى برجال قادوا مسيرتها على الكتاب والسنة, فحموها من الرذائل والمشائن, منذُ تأسيسها على يد الراحل الملك عبد العزيز طيب الله ثراه, فمما حفظ عنه من وصاياه وأوامره النيِّرة ما جاء في بيانٍ له عام 1356هـ قوله: "وأقبح من ذلك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر النساء بدعوى تهذيبهن وترقيتهن... هذه طريقة شائكة تدفع بالأمة إلى هوة الدمار, ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارج من دينه, خارج من عقله, خارج من عربيته" اهـ, انظر: الدرر السنية (14/404) وما بعدها.

وكذلك سار أبناؤه من بعده على نهج أبيهم -رحمهم الله- إلى عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله ورعاه-, مؤكّدًا في المرسوم الملكي ذي الرقم: 11651 وتاريخ 16/5/1403هـ, والمؤكد عليه بالأمرين الكريمين ذي الرقم: 2966 وتاريخ 19/9/1404هـ, وذي الرقم: 759/8 وتاريخ 5/10/1421هـ والمتضمن: (أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدّي إلى اختلاطها بالرجال ونحوها في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمرٌ غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية؛ لأن ذلك محرَّم شرعًا ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد, وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة بغير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه).

وبعد هذا يأتي كُتَّاب من أبناء جلدتنا يفتون بغير علم, ويحرفون الكلم عن مواضعه, ويثيرون الفتنة, ويصدون عن سبيل الله, ويهاجمون أهل العلم والفضل الذين يصدحون بالحق لا يخافون في الله لومة لائم, ويتهمونهم بالرجعية والتخلف، والتشدد وإثارة الفتنة ومخالفة الواقع في العالم, ويلمزونهم بأوصاف تدلّ على التقليل من شأنهم واحترامهم, وإيغار صدور الناس عليهم, واتهامهم بالسطحية وضعف الفهم, والبعد عن روح الشريعة وسماحة الإسلام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [البقرة: 208].

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:
 

 

 

 

أيها المسلمون، إن أولئك الكُتَّاب يكيلون بمكيالين, ويحتجون بأشياء هم أنفسهم لا يعملون بها, فدعوتهم للحوار وقبول الرأي الآخر يحتجون به لأنفسهم في دعوة الناس للرذيلة وإشاعة الفاحشة ومخالفة ولاة الأمر -حرسهم الله منهم ومن أشباههم-, فإذا أبدى أحدٌ ما رأيه ودلل عليه من الكتاب والسنة ومن المعقول والواقع المطابق للحقيقة نبزوه, واتهموه بأبشع الأوصاف وأسوأ الألقاب, مهما كانت مكانته الوظيفية أو منزلته العلمية والدينية.

ومقصدهم في ذلك نشر ضلالهم وفسادهم, ويريدون أن تشيع المنكرات كما شاعت في الغرب؛ حتى يفسد الناس ويدَعون دينهم ويرجعون كفارًا، قال تعالى عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور:19].

فهم يرون هذه البلاد الطيبة لا يزال أهلها متمسكين بالجملة بالمبادئ الإسلامية, وحكامها يفتخرون دومًا بالتمسك بالقيم والأخلاق الإسلامية, وينادون رعاياهم بذلك، ويحضونهم عليه؛ لأنهم أعلم الناس بالمفاسد الناتجة من تحلل المرأة، وأن سفورها يجلب شرًا عظيمًا, وأن في هدايتها وصونها خيراً كثيراً.

وما قضية الحجاب، وقيادة المرأة للسيارة، والاختلاط، التي يدندنون عليها، إلا سبل وأسباب لنشر الرذيلة، وإشاعة الفاحشة في المجتمع الذي سلمه الله من مغبة ما يعانيه غيره من المجتمعات الغربية.

عباد الله: إننا في زمان تنتشر فيه الفتن كالليل المظلم, وتختلط كثير من الأمور على عوام الناس، فيجب أن يعرض الأمر المشكوك فيه على أهل العلم والفضل لبيان حكمه من الكتاب والسنة؛ وإن العلماء إذا فقدوا قيمتهم ومكانتهم العلمية والدينية فقد ضيع الناس دينهم, فإن العلم لا يؤخذ إلا عن طريقهم, فهم المخولون بذلك، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].

وأهل الذكر هم أهل العلم الذين اشتهروا بين الأنام بالعلم والتقوى والصدق, مع الحرص على الدعوة وبيان الحق والنصح لكل مسلم.

فخذوا حذركم -أيها الناس- من دعاة الضلالة, فهم دعاة على أبواب جنهم من أجابهم قذفوه فيها, واحرصوا على زوجاتكم وبناتكم من أن يتأثرن بكلامهم ومعسول القول, ومن الشبهات التي يثيرونها عبر القنوات الفضائية وفي الجرائد اليومية والمجلات؛ في محاولة منهم لتغيير قناعات الناس ومسلَّماتهم.

اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين ممن يريد بها سوءا في مقدراتها وقيَمها وأخلاقها وشبابها وفتياتها, وأشغله بنفسه, واحبسه في جلده, وأدر دائرة السوء عليهم يا رب العالمين.

ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

 

 

 

 

 

المرفقات

ودعاة الرذيلة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات