حكم سوء الظن بالمسلم

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ الأخوَّةُ أساس الشريعة 2/ المفاسد الناجمة عن سوء الظن بالإخوة 3/ النهي عن سوء الظن 4/ الاحتراز من المواضع التي يُساء فيها الظن 5/ كيفية التعامل مع القيل والقال

اقتباس

وإذا اعتبرت الظنون، واستمع إلى مُصدِّريها؛ فشت الشائعات، وانتشرت الغيبةُ والنميمة، وأُخذ البُرَآءُ بمجرد الظنون والأوهام؛ فيتولد عن ذلك الأحقاد والضغائن، والانتقام والثارات، وحينئذ لا يأمن الناس على أنفسهم! فإن سلموا من الوقوع في الظن السيئ بإخوانهم، واتهام الأبرياء بمجرد الظنون، لم يأمنوا من أن يُلصق بهم ما ليس فيهم ..

 

 

 

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: علاقة المسلم بأخيه المسلم أُسِّسَتْ في شريعة الله تعالى على الأخوة و المودة، والتراحم والتعاطف، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10].

فكل ما يحقق الأخوة، ويزيد في المحبة بين المسلمين فإن الإسلام قد جاء به، وحضت عليه الشريعة، ورُتب عليه من المثوبة بحسبه.

وكل ما يعكر صفو الأخوة بين المسلمين، ويؤدي إلى الاختلاف والفرقة، والتقاطع والتدابر، نهى عنه الإسلام، وسدّ الطرق المفضية إليه، وله في الشريعة من العقوبة الدنيوية والأخروية ما يناسبه؛ وذلك من أجل أن يكون المسلمون عباد الله إخواناً، ويتعاملون بالحسنى فيما بينهم، فلا يجدُ الشيطان مدخلاً على قلوبهم لإفسادها، وملئها بالعداوة والشحناء، والدغل والضغينة.

ومن أعظم ما يكون سبباً في فساد القلوب، وتغير النفوس، وانقطاع الأواصر، وقطيعة الرحم، وانفصام عرى الأخوة، وزوال المحبة والمودة سوءُ الظن بأخيك المسلم، بلا سبب يوجبه، ولا بينة تدل عليه. وهو البداية التي يبدؤها الشيطانُ مع العبد، فإن استسلم له عمل بموجب ظنونه التي وسوسها الشيطان في صدره، وقاده ذلك إلى كبائر الذنوب، وعظائم الأمور، من التجسس إلى الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان والزور، وإشاعة الفاحشة في الأبرياء؛ وكل ذنب منها أعظم من صاحبه، وهي ظلمات بعضها فوق بعض.

وقد أمر الله تعالى باجتناب كثير الظن؛ احترازاً من الوقوع في الإثم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [الحجرات:12].

قال الزرقاني -رحمه الله تعالى-: "الظن تهمةٌ تقع في القلب بلا دليل". وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إياكم والظنَّ! فإن الظن أكذب الحديث".

وإنما كان الظن أكذب الحديث لأن الشيطان هو الذي يقذفه في قلب العبد، والشيطان ساعٍ أبداً في إغواء بني آدم ولو بالكذب، ولما صدق الشيطان مرة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه-: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب". فالصفة الملازمة له هي الكذب، فكان ما يقذفه في قلب المسلم على أخيه المسلم من وساوس وخطرات وظنون من أكذب الحديث.

وخطورة الظن تكمن في أن صاحبه يعتقد أنه مستندٌ في ظنه هذا إلى أصل يتكئ عليه، وليس كذلك على وجه الحقيقة، فيكون الاغترارُ به أكثر من الاغترار بالكذب المحض الذي يظهر عواره لكل أحد، ولا مستند لصاحبه.

ونقل الحافظ ابن حجر عن القرطبي -رحمهما الله تعالى- قوله: "المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها؛ كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها؛ ولذلك عُطف على (وَلا تَجَسَّسُوا) وذلك أن الشخص الذي يقعُ له خاطرُ التهمة فيريد أن يتحقق، فيتجسس ويبحث ويستمع فنهي عن ذلك، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [الحجرات:12]، فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظانُّ: أبحث لأتحقق؛ قيل له: (وَلا تَجَسَّسُوا)، فإن قال: تحققت من غير تجسس؛ قيل له: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).

وإذا اعتبرت الظنون، واستمع إلى مُصدِّريها؛ فشت الشائعات، وانتشرت الغيبةُ والنميمة، وأُخذ البُرَآءُ بمجرد الظنون والأوهام؛ فيتولد عن ذلك الأحقاد والضغائن، والانتقام والثارات، وحينئذ لا يأمن الناس على أنفسهم! فإن سلموا من الوقوع في الظن السيئ بإخوانهم، واتهام الأبرياء بمجرد الظنون، لم يأمنوا من أن يُلصق بهم ما ليس فيهم.

من أجل ذلك نُهي رأس القوم من أمير أو وزير أو مدير أو شيخ قبيلة، عن الاستماع إلى نقلة الكلام، والمتفكهين بالأعراض، الذي ليس لهم من البضاعة إلا القيل والقال، والظنون والأوهام؛ لئلا يصيبوا بريئاً بشر، وحتى لا تربح سوق الكلام والشائعات؛ فإن كثرة الطلب تزيد في العرض؛ فإذا ما استمع لأهل الظنون كثر العارضون لبضاعتهم الرديئة في أعراض الناس، وحصل للشيطان ما يريد من التحريش بين العباد، روى أبو أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم". رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن.

وروى أبو داود وصححه ابن حبان من حديث معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم" قال: يقول أبو الدرداء: "كلمة سمعها معاوية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفعه الله بها".

وذلك أن معاوية -رضي الله عنه- صار رأساً للناس في وقته بتوليه الخلافة، فكان لا يأخذ بالريبة، ولا يتبع عوراتهم عملاً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-.

إن الشريعة الغراء جاءت بحسم مادة الشر بين الناس، وإغلاق الأبواب الموصلة إلى العداوة والبغضاء، وإخراس الألسن التي تلوك الأعراض؛ فلا يقبل قذفٌ إلا بشهود عدول، يرون الزنا صراحة بلا لبس ولا غموض، وإلا كان الحد في ظهورهم ثمانين جلدة. ولما وقع من وقع في الإفك وخاض في عرض الصديقة الطاهرة من خاض فيه؛ حدَّهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم من صالحي المؤمنين، وعاتبهم الله تعالى فقال:(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور:12].

وجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قد داخلته الريبة في امرأته، وأحاطت به ظنون السوء فيها؛ لأنها ولدت غلاماً أسود على غير لونه ولونها، فأزال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما في قلبه من ظن وريبة بسؤاله عن لون إبله، فقال: ألوانها حمر. قال: "هل فيها من أورق؟" قال: نعم، قال: "فأنى ذلك؟" قال: لعله نَزَعهَ عرق، قال: "فلعل ابنك هذا نَزَعَه عرق" رواه الشيخان.

إن الواجب على المسلم أن لا يظن بإخوانه إلا خيراً، فإن وقع في قلبه شيءٌ من الظن حرم عليه العمل بموجب ظنه هذا، فلا يتجسس ولا يتكلم في عرض أخيه، فإذا لم يعمل بموجب ظنه، وأمسك عن العمل والكلام فإن ما وقع في قلبه معفي عنه؛ لعجزه عن دفعه، فالقلوب لا يملكها إلا الله تعالى، قال سفيان الثوري -رحمه الله تعالى-: "الظنُّ ظنَّان: ظنٌّ فيه إثم، وظنٌ ليس فيه إثم؛ فأما الظن الذي فيه إثم فالذي يتكلم به، وأما الظن الذي ليس فيه إثم فالذي لا يتكلم به".

وقال ابن الأثير -رحمه الله تعالى- تعليقاً على الحديث: "إياكم والظنَّ!": "إياكم وسوء الظن! وتحقيقه، دون مبادئ الظنون التي لا تُملك، وخواطر القلوب التي لا تُدفع، معناه: لا تبحثوا عن عيوب الناس، ولا تتبعوا عوراتهم".

والواجب على المسلم أن يُدافع ما يقع في قلبه من ظنون على إخوانه، ويغالبها، ويخرجها من قلبه؛ حتى يكون قلبه سليماً على إخوانه المسلمين، فأسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل، وليس له مخرج من المخارج، فعند ذلك لا يمكنك أن تعتقد إلا ما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك، ولم تسمعه بأذنك، ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه؛ فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].

وإن كان ظنك بأخيك ناشئاً عن كلام نقل إليك فالواجب عدم تصديق الناقل بلا بينة، وناقل الكلام بين الناس نمام أو مغتاب، فهو فاسق لا يُقبل قوله، ويجب نصحه.

وإن وقع الظنُ بسبب عمل أو كلمة محتملة قالها أخوك المسلم فلا تحملها على السوء ابتداءً وأنت تجد لها في الخير مخرجاً؛ لأن الأصل سلامةُ المسلم، فلا يُعدَل عن الأصل إلا بيقين أو غلبة ظن، وهو ما لا تفيده كلمة محتملة.

قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءاً وهو يجد لها في شيء من الخير مصدراً".

وقال سعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى-: "كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم-: أن ضعْ أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظننَّ بكلمةٍ خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً" رواه البيهقي.

أسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين من وساوس الشيطان، ومن القيل والقال، وأن يجعل قلوبنا سليمة على إخواننا المسلمين، إنه سميع مجيب.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه، واحذروا المعاصي فإنها سبب فساد القلوب والأعمال، ومن فسد قلبه وعمله فهو حريٌّ بالهلاك والعذاب، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].

أيها المسلمون: كما نُهي المسلم عن الظن الباطل بأخيه المسلم، فهو منهيٌ كذلك عن الأعمال والأقوال التي تجعله محل التهمة، وتورد ظنون السوء فيه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، ولما ذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجه صفية ليقلبها إلى البيت من معتكفه، ورآه رجلان فأسرعا قال -عليه الصلاة والسلام-: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، وكَبُرَ عليهما، فقال -عليه الصلاة والسلام-: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً -أو قال- شيئاً" رواه الشيخان.

قال ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى-: "وهذا متأكَّد في حق العلماء، ومن يُقتدى بهم، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سببٌ إلى إبطال الانتفاع بعملهم، وقد قالوا: إنه ينبغي للحاكم أن يبين وجه الحكم للمحكوم عليه إذا خفي عليه، وهو من باب نفي التهمة بالنسبة إلى الجور في الحكم".

ومرَّ عمر -رضي الله عنه- برجل يكلم امرأة على ظهر الطريق فعلاه بالدّرة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنها امرأتي، فقال -رضي الله عنه-: "هلا حيث لا يراك أحد من الناس".

وأُمر المسلم إذا سافر في رمضان وأفطر أن لا يجاهر بفطره أمام الناس لئلا يُظن به سوءاً، وإذا صلَّى وحضر الناس وهم يصلون فإنه يصلي معهم مرة أخرى؛ لئلا يُظن به السوء أيضاً، فعن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو غلامٌ شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما؛ فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟! قالا: قد صلينا في رحالنا. فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه، فإنها له نافلة" رواه أبو داود والترمذي.

ومن كان مجاهراً بالمعاصي، مظهراً لفسقه، معلناً منكراته، فليس له حرمة، والأصل فيه التهمة؛ لقلة دينه وحيائه، إلَّا أن يتوب من ذنبه، ويقلع عن غيه.

أيها الإخوة: في زمن الفتن تكثر الأقاويل، وتسري الإشاعات في الناس، وتروج سوق أهل الريب والظنون الفاسدة، ويُظن بأهل الخير والصلاح ما ليس فيهم؛ فتُلاك أعراضهم، ويقع الناس في غيبتهم! وإن كان في بعضهم ما يلصق به فليس من النصيحة التشهيرُ والتعييرُ، وتناقل العثرات، وتسليط الضوء على الزلات.

قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله تعالى-: " ومهما خطر لك خاطر بسوء على مسلم فينبغي أن تزيد في مراعاته، وتدعو له بالخير؛ فإن ذلك يغيظ الشيطان، ويدفعه عنك بالدعاء والمراعاة؛ ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة، فانصحه في السر، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور بإطلاعك على نفسه؛ لينظر إليك بعين التعظيم، وتنظر إليه بعين الاستحقار، وتترفع عليه بإبداء الوعظ؛ وليكن قصدك تخليصه من الإثم وأنت حزينٌ كما تحزن على نفسك إذا دخل عليك نقصانٌ في دينك، وينبغي أن يكون تركه لذلك من غير نصحك أحبَّ إليك من تركه بالنصيحة، فإذا أنت فعلت ذلك كنت قد جمعت بين أجر الوعظ، وأجر الغم بمصيبته، وأجر الإعانة على دينه".

ألا فاتقوا الله –أيها المسلمون- وظنوا بإخوانكم خيراً، وإياكم ووساوسَ الشيطان وخطَراتِه وخُطُواتِهِ! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:21].

ألا وصلُّوا وسلموا على نبيِّكم كما أمركم بذلك ربكم...
 

   

 

المرفقات

سوء الظن بالمسلم1

سوء الظن بالمسلم - مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات