التلاعب بالمال العام

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ ثقل الأمانة 2/ التحذير النبوي القاطع من الأخذ من المال العام 3/ نماذج لحرص السلف على المال العام 4/ التلاعب بالمال العام اليوم ودوره في كارثة جدة 5/ وجوب محاسبة المسؤولين عن الكارثة

اقتباس

وماذا تستفيد الأمة من صلاتك وكثرة قراءتك وبكائك؟ وماذا تستفيد الأمة من صيامك وانقطاعك عن طعامك وشرابك إذا كنت تتحمل أمانة ثم تفرط في حق الضعفاء والمساكين؟! والأعظم من ذلك إذا كان هذا الذي يتولى الأمانة، ويتولى الرئاسة، ويتولى المسؤولية يظلم الناس، ويجمع المال لنفسه، ويمنع الضعيف من حقه، ويمنع اليتيم من حقه، ويحرِّج على الأرملة والمسكين والمريض ويجمع كل ذلك لنفسه؛ فيعبث بمال المسلمين عامة ..

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصر به من الجهالة، وكثر به بعد القلة، وأغنى به بعد العيلة، وتركَنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتَّصَلَتْ عينٌ بنظَر، ووعت أذن بخبَر؛ وسلَّمَ تسليما كثيراً.

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: بيَّن الله تعالى في كتابه ثقل الأمانة، فقال الله جل في علاه: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72]، وقال الله جل في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].

وكان النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- يؤكد -دائما- على ثِقل الأمانة، بل يبين -عليه الصلاة والسلام- أن الذي هو ليس أهلا لحمل الأمانة فلْيَتَنَحَّ، ولْيَرْحَلْ؛ لأجل أن يأتي غيره ويحمل هذه الأمانة، فكان -عليه الصلاة والسلام- يأتي إليه أبو ذر -رضي الله تعالى عنه-، وتعلمون من هو أبو ذر في صلاته وصومه، وفي عبادته، ورقته، وكان -عليه الصلاة والسلام- يمدح أبا ذر ويقول: "ما أقلَّت الغبراء، ولا أضَلَّت الخضراء، رجلا أصدقَ لهجةً من أبي ذر".

ومع ذلك لما قال لهم أبو ذر: يا رسول الله! قد ولَّيْتَ فلانا ووليت فلانا، فَوَلِّني. يعني أعطني أمانة لأكون أمينا على بَلْدَة، لأكون أمينا على دولة، لأكون أمينا على قرية، لأكون مسؤولا يا رسول الله فولني، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: "يا أبا ذر، إنها أمانة، إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من قام بحقها".

فكان -عليه الصلاة والسلام- يشدد على أن يحفظ المرء أمانته، إذا كان مسؤولا في مكان فهو مسؤول عما تحته من أمانات، خاصة إذا كانت أمانات تتعلق بحق الضعيف والمسكين والمريض، واليتيم والأرملة، وغيرهم؛ قال أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبا فقال-: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" كما عند ابن حبان.

بل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الذي يتولى الأمانة ويقبلها وهو يعلم أنه ليس أهلا لها، ومع ذلك يقبل الأمانة، ويتحملها على ظهره، ثم لا يقوم بحقها، فهو منافق؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". إذا اؤتمن على مستشفى، اؤتمن على وزارة، اؤتمن على بلدية، اؤتمن على إمارة، اؤتمن على دولة بأكملها؛ قال-: "وإذا اؤتمن خان". ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "وإن صام وصلَّى وزعَم أنه مسلم".

وماذا تستفيد الأمة من صلاتك وكثرة قراءتك وبكائك؟ وماذا تستفيد الأمة من صيامك وانقطاعك عن طعامك وشرابك إذا كنت تتحمل أمانة ثم تفرط في حق الضعفاء والمساكين؟! والأعظم من ذلك إذا كان هذا الذي يتولى الأمانة، ويتولى الرئاسة، ويتولى المسؤولية يظلم الناس، ويجمع المال لنفسه، ويمنع الضعيف من حقه، ويمنع اليتيم من حقه، ويحرِّج على الأرملة والمسكين والمريض ويجمع كل ذلك لنفسه؛ فيعبث بمال المسلمين عامة، ويضرب به يمينا ويسارا، ولا يكاد يستفيد منه إلا هو وحاشيته.

وكان النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- يشدد على أصحابه في ذلك، وكان صلوات ربي وسلامه عليه يرى في نفسه أنه شدد عليهم لأجل أن تسير الأمة على ما يريد. لمــــَّا أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يقال له "ابن اللتبية"، وكان رجلا صحابيا جليلا، لكنه -رضي الله تعالى عنه- اجتهد، فلما مضى إلى أن يجمع الصدقات من الذين عندهم غنم وعندهم ابل... فكان أحيانا يأتي ليأخذ الصدقة فيقول له صاحب الإبل: خذ هذه من الإبل، وخذ هذا هدية لك. كان الرجل ربما كان لطيفا وديعا فكانوا يعطونه من الهدايا.

فلما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا معه من الإبل والغنم ما معه، فقال -عليه الصلاة والسلام-:"يا بلال، أدْخِل هذه في الصدقة"، فلما أراد بلال أن يضمها إلى إبل الصدقة ودوابها قال: لا يا رسول الله! رجل صريح، فهو لم يقصد السرقة أصلا، ما قصد السرقة، ولو قصدها لحاز هذا المال وأخذ منه قبل أن يصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ما قصد السرقة، صحابي جليل اجتهد، قال: يا رسول الله! لا، هذا لكم، وهذا أُهْدِيَ إليَّ. ذلك التيس وتلك العنز وتلك الشاة وهذا البعير هذه هدايا وصلت إليَّ لما تعبت وأٌرهقت واجتهدت وتلطفت مع الناس.

فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم لم يتكلم معه، وإنما رقى المنبر ليبعث رسالة إلى الأمة تسمعها كلها إلى قيام الساعه، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما لرجال نستعملهم منكم على عمل..." نجعله واليا أو أميرا أو وزيرا أو أمينا على بلدية أو مسؤولا على مشروع أو رئيسا لشركه "ما لرجال نستعملهم منكم على عمل ثم يأتي إلي ويقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي؟! أفلا قعد في بيت أبيه وأمه ثم نظر هل يُهدى إليه أم لا؟".

ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "ألَا من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره". ليجئ بالإبرة وليجئ بالقشة وليجئ بالذرَّة لا يكتم منه شيئا، قال: "فليجئ بقليله وكثيره، فإن من كتمنا مخيطا فما فوقه فهو غلول يأتي به يوم القيامة". والله جل وعلا يقول: (وَمَنْ يغلُلْ يأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ) [آل عمران:161]، وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا قاعدة، قال: "أفلا قعد في بيت أبيه وأمه ثم نظر هل يهدى إليه أم لا؟" هل يأتي الناس إليه بالهدايا والسيارات والأرصدة في البنوك؟ هل يُهدى إليه، أم لا؟!.

فكان -عليه الصلاة والسلام- يضع منهجا يبقى إلى قيام الساعة: أن يُسأل المسؤول إذا أتاه المال، يقال له: من أين لك هذا؟ ما الذي زاد رصيدك؟ لماذا توليت الرئاسة وأنت تسكن شقة فلم يمض وقت حتى سكنت قصرا، وبنيت برجا؟ وكنت تركب سيارة عادية وتحولت إلى سيارة فارهة! من أين لك هذا؟!.

وكان النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- يزرع في أصحابه الأمانة، وأنني إذا توليت ولاية، إذا رأسْتُ بلدا، أو كنت أميرا أو وزيرا، أو كنت رئيسا لشركة، أو حتى مؤسسة صغيرة، أنني أشدد على نفسي حتى لا أحاسَب عند الله يوم القيامة؛ ففهم أصحابه -رضي الله تعالى عنهم- هذا المبدأ، بخلاف من فهمه بعد ثلاث وعشرين سنة!.
 

عمر -رضي الله تعالى عنه- لما كان في المدينة يحكم المسلمين خليفة أرسل إليه معاوية -رضي الله تعالى عنه- بزيت في قرب ليوضع في بيت مال المسلمين، فلما جيء إليه بهذا الزيت قال عمر إن وضعتُه في بيت مال المسلمين فَسَدَ، فأراد أن يبيعه، وان يجعل المال في بيت مال المسلمين، فقال للناس: من أراد أن يشتري من هذا الزيت فليأت إلينا بإنائه.

فجعل الناس يأتون إليه بالآنية، وهو -رضي الله تعالى عنه- بنفسه يحل فم السقاء، ثم يصب لهم من الزيت ويأخذ منهم المال ليحفظه لبيت مال المسلمين، فكان بجانب عمر ولد له صغير، فكلما انتهت قربة قلبها عمر وعصرها، حتى إذا ظن أنها فرغت ألقاها بجانبه، فكان الصغير بجانب عمر كلما ألقى أبوه قربة أخذها وعالجها وأدخل إصبعه في فمها، وجعل يتلمس شيئا من الزيت الباقي فيها حتى يلتصق في يده، ثم يفرك إحدى يديه بالأخرى ويمسح وجهه وشعره، ففعل الصغير ذلك بثلاث أو أربع قِرب.

فالتفت عمر فجأة إليه، فإذا وجهه حسن، وإذا شعره حسن، يلمع نظيفا، فقال عمر له: ادَّهَنْتَ؟ قال: نعم، ادَّهَنْتُ. قال: مِن أين؟ قال: مما يتبقى في هذه القرب. فقال له أبوه: آه أن كنت ابن أمير المؤمنين تدهن بلا عوض؛ لأنك ابن الأمير تدهن مجانا وغيرك يدفع أموالا؟! أن كنت ابن أمير المؤمنين تدهن بلا عوض؟ والله لا يحاسبني الله على هذا! والله ما يؤدبك إلا الحلاق! ثم أمر به فحلق شعره.

وأرسل إليه عمرو بن العاص أميره على مصر بكيس مسك عطر لأجل أن يجعله في بيت مال المسلمين، فأخذ عمر هذا الكيس ومضى إلى بيته وجعل يقول لامرأته: وددت لو أني وجدت امرأة جيدة الوزن تزن هذا المسك وتبيعه على النساء وتحفظ المال للمسلمين. قالت امراته: أنا أفعل؟ وكان أكثر من يعمل في العطر في عصرهم من النساء، فصارت النساء اللاتي يردن العطر ويسوقنه يأتين إلى امرأة عمر فتكسر لهن وتأخذ المال وتجمعه.

فلما جاء عمر في الليل فإذا زوجته قد وضعت له المال في صُرة، فشكرها ودعا لها، فلما دنا منها فإذا فيها رائحة مسك، فقال لها: اشتريتي من المسك؟ قالت: لا. قال فمن أين هذا الريح؟ قالت: كان يتبقى في يدي -هي تكسر المسك فيتبقى في يدها- تقول: فأمسح به خماري، وربما مسحت به حلقي. فقال: آه المسلمون يدفعون المال لأجل أن يشموا العطر في نسائهم، وأنا أشم العطر من نفقة المسلمين! والله لا يحاسبني الله على ذلك.

ثم اجتذب من عليها خمارها، وقام إلى قربة عنده، وأخذ يضع من الماء على الخمار ويغسله مرارا، ويشمه مرارا، ثم جعل يفركه بالتراب ويغسله مرارا، حتى شمه فلم يجد فيه أثر المسك، فدفعه إليها وقال: والله! لئن عُدتي إلى ذلك لا أكلفك بعمل بعده أبدا. فلم تكن امرأته ترجع إلى ذلك أبدا.

عمر -رضي الله تعالى عنه- مع أنه من العشرة المبشرين بالجنة، ومع أنه كان يطوي بطنه على الجوع، وكان في عام الرمادة لما جاع الناس وقرقر بطنه من الجوع يقول: قرقر أو لا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع يتامى المسلمين وأراملهم! ومع ذلك يشدد على نفسه في هذا الحال.

وكذلك الصالحون من بعده كل من يريد أن ينجو بين يدي الله تعالى، يدقق إذا كان مسؤولا أو أميرا أو وزيرا أو رئيس دولة، يدقق على نفسه، ويحرص على اليتامى والضعفاء والمساكين قبل أن يحرص على نفسه وأولاده.

عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه ورحمه- اشتهى العنب، فقال لامرأته وهو مريض: قد اشتهيت العنب. قالت: الآن نشتري لك. فأرادت أن تبعث رسولا من عندها على دابة، فإذا دابتهم الخاصة بأمير المؤمنين، بالخليفة، دابة عوجاء عرجاء، فبعثت إحدى الدواب الخاصة بالأمارة الخاصة بمصالح المسلمين، فلم يلبث أن جاء إليه العنب.

فلما جاء إليه سريعا وأراد أن يتذوقه وقد اشتهاه في مرضه قال لها: كيف أحضرتيه بهذه السرعه؟ قالت: قد بعثت فلانا على دابة من دواب الأمارة. قال: أعوذ بالله! تحرك دواب الأمارة لقضاء شهوة لعمر بن عبد العزيز؟! لو كان أحد غيري لما بعثتم لأجله دواب الأمارة، لكن لأني أنا ولا أحد يسألني لماذا تفعلون ذلك؟!، ثم أمر بهذا العنب فخُرج به إلى السوق وبيع وتُصُدِّق بثمنه.

وجلس مرة في ديوان ملكه وخلافته وإمارته يحكم بين الناس، فجيء إليه بمسك لبيت مال المسلمين، عطر، فلما دخلوا عليه بهذا المسك وضعوه أمامه، فأخذ طرف عمامته وسد بها أنفه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، لماذا تفعل ذلك؟ قال لأجل أن لا أستمتع برائحته حتى لا يحاسبني الله على استمتاع لم أدفع ثمنه! حتى لا أستمتع بالرائحة، وإنما يدفع الناس المال ليستمتعوا برائحته! حتى لا أستمتع بشيء لم أدفع ثمنه! حتى حمل بعد ذلك إلى بيت مال المسلمين.

إنه الحفاظ على المال العام، إنه الحرص على أموال الدولة، إنه الحرص على المال الذي يشاركك فيه الفقير والمسكين، والضعيف واليتيم والأرملة، إنه الأمر الذي قال فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أخرج حق الضعيفين: الأرملة والمسكين".

تعال انظر اليوم -مع الأسف- في واقعنا، تجد أن الأمر يكاد أن لا يقر له قرار أبدا، بل حتى الذين يتلاعبون بالمال العام تجد أنهم قل ما يحاسبون، وقل ما يسألهم أحد فيقول لهم: من أين لك هذا؟.

عمر -رضي الله تعالى عنه- وما أجمل أخبار الفاروق -رضي الله عنه-! الشهيد في المحراب، استخلف رجلا على ميسان من أرض البصرة، وهذا الرجل هو النعمان بن عدي، جعله أميرا، وكان رجلا شاعرا، مع أنه كان رجلا صالحا تقيا صائما، لكن الشعر ربما جرى على لسانه بما لا يليق، فقال يوما:

ألَا هَل أتَى الحسناءَ أنَّ حَلِيلَها *** بميسانَ يُسْقَى في زجَاجٍ وحُنْتُمِ
إذَا شِئتُ غَنَّتْنِي دَهَاقينُ قَرْيَةٍ *** ورقَّاصةٌ تجذو على كُلِّ مَنْسِمِ
فإنْ كنتَ ندماني فبالأكْبَرِ اسْقِنِي *** ولا تَسْقِنِي بالأَصْغَرِ المتَثَلَّمِ
لعلَّ أميرَ المؤمنيَن يسوءُهُ *** تنادُمُنا بالجَوْسَقِ المتَهَدِّمِ

فبلغ هذا الشعر عمر -رضي الله عنه- وهو الخليفة المسؤول عن هذا الرجل وغيره، المسؤول أن يحاسبه، عمر هو ديوان المراقبة، فبعث إليه. قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فيقول الله تعالى: (حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر:1-3].

أما بعد: فقد بلغني قولك:

لعل أمير المؤمنين يسوءه *** تنادمنا بالجوسق المتهدم

نعم، والله إنه ليسوءني ذلك! فإذا بلغك كتابي هذا فهو عزْلُك، وتوْلِية الإمارة إلى فلان.

فجاء ذلك الرجل بالكتاب، قال: يا أمير المؤمنين! والله إنما كان شعرا! والله يقول عن الشعراء: يقولون ما لا يفعلون. قال عمر: قد علمت أنه شعر، وأنك لا تفعل مثل ذلك، لكن مادام أن مثل هذا جرى على لسانك والله لا تلي لي ولاية أبدا.

فيا ليت عمر يأتي اليوم لينظر إلى بعض من يتلاعبون بأموال المسلمين! ويلغون في كل شيء منها، ولا يحافظون على المال العام! ليْتَهُ يأتي اليوم لأجل أن يحاسبهم! يقول: إنه ليسوءني ذلك.

ولما أراد عمر -رضي الله تعالى عنه- أن يولي ولاية على الشام وولاية على مصر جاء بثلاثة، جاء بمعاوية وبخالد بن الوليد وبعمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهم جميعا وأرضاهم-، فاشترط عليهم شرطا، قال: إذا أردتم أن أوليكم على شيء من هذا فإني أشترط أن نحصر أموالكم الآن. كم بيتاً تملك؟ وكم مزرعة تملك؟ وكم تملك من دابة؟ وكم عندك في رصيدك؟ وكم عندك من الجواري؟ أن نحصر أموالكم الآن، ثم إذا انتهت ولايتك ننزع كل ما عندك إلا ما كنا حصرناه في البداية.

فأبى خالد بن الوليد، قال: يا أمير المؤمنين! إني رجل أتكسب، وربما زاد مالي خلال السنين. قال: لك ذلك أو لا. قال: إذا لا تولني إمارة. فوافق على ذلك معاوية، فجعله -رضي الله عنه- أميرا على الشام، ووافق على ذلك عمرو بن العاص فجعله أميرا على مصر.
 

بالله عليكم! لو فُعل ذلك اليوم هل تجد أنهم يتلاعبون بأموال المسلمين؟ أين الذين اليوم يتجاهلون هذا النظام العمري الذي كان يعمل به عمر -رضي الله تعالى عنه- لما كان يقول: من أين لك هذا؟ أين أولئك الذين يدخلون إلى المنصب ويتولى الولاية المعينة وهو ربما لا يملك إلا شقة صغيرة فإذا به يبني برجا، ويملك أرضا، ويملك بستانا، ويركب سيارة فارهة، وله أرصدة في داخل البلاد وفي خارجها؟ والله عز وجل يقول: (وَمَنْ يغْلُلْ يَأتِ بِما غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ) [آل عمران:161].

إنني من هذا المكان أنادي أعظم مسؤول في هذا البلد، أنادي خادم الحرمين -حفظه الله- وأنادي نائبه الأمير سلطان والنائب الثاني إلى أن يشددوا، فإننا نرى تلاعبا في كثير من المال، ووالله! ما حصل في جدة من هذه الأمطار التي هلك فيها أطفال صغار، وسار السيل بجثث وبسيارات وبأموال عامة الناس إلا نتيجة لما يقع من تفريط في بناء البيوت، وما يقع من التخطيط، وما يقع من بيع أراضي هي أصلا لا تباع ولا يسمح ببيعها، وما يقع...

زد على ذلك من سوء تنظيم لما يتعلق بالسفلتة في الشوارع، شوارع تنهدم بسبب هذه الأمطار، وحفر عظيمة ما يكاد المطر ينزل لمدة ساعتين أو ثلاث إلا أحدث في الإسفلت نفسه الصلب فجوة عظيمة تسقط فيها السيارات! من الذي حاسب هؤلاء؟ من الذي قام عليهم أثناء عملهم؟ أين الشركات التي تولت هذا العمل التي أخذته من الدولة بمئات الملايين، ثم جعل يتنقل في الباطن إلى شركات أخرى حتى قلت المواصفات؟ أين المراقبة على هؤلاء؟.

أنا لا أشك في خادم الحرمين، وفي صدقة، وفي حرصه؛ لكنه ينبغي أن يشدد على من يتولون هذه الأمور، والله! لقد سئمنا وسئم العباد والبلاد من تعيين مسئولين يقولون مالا يفعلون، بل لا يُسألون عما يفعلون، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ..." وذكر منها: "عَنْ مَالِهِ، مِنْ أَيْنَ اكتسبه وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟".

المطر جعله الله تعالى رحمة للعباد، لكنه يتحول عندنا إلى عذاب يموت فيه الطفل الصغير، ويتيتم فيه من أبيه ومن أمه، وتكون فيه المرأة أرملة، وينهدم فيه البيت؛ أقوام اشتروا البيوت، المساكين اشتروها بأقساط تمتد إلى خمس وعشرين سنة، فإذا بيته ينهدم أمامه! يجمع دم قلبه ليشتري أرضا ليعمرها لأولاده يعيشون فيها من بعده، فإذا هذه الأرض لا تساوي اليوم فلسا، لأنها مجرى من مجاري السيل!.

مدينة جدة مدينة قديمة من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف لم يُستطَع خلال هذه السنين أن يقوم عليها من يُصرفها تصريفا تاما؟! مليارات صُرفت منذ أن وقعت كارثة جدة في العام الماضي، مليارات تلو المليارات من المال العام من بيت مال المسلمين. أين ذهبت هذه المليارات؟! مشاريع وُعِدَ بأن تنشأ ومع ذلك لم تنشأ، وعود قاطعة ومع ذلك لم تنفذ.

ذات يومٍ زار الأمير المؤتمن
بعض أحياء الوطن
وحين زار حينا قال لنا: هاتوا شكاواكم بصدقٍ في العلن
ولا تخافوا أحدا فقد مضى زمن الخوف وانقضى ذلك الزمن
فقال صاحبي حسن:
أين الرغيف واللبن؟
وأين توفير السكن؟
وأين من يقدِّم الدواء للفقير دون ما ثمن؟
وأين كف السيل عنا، أين أين؟
أين المشاريع التي سُرقت رأي عين؟
لم نرى من ذاك شيئا أبدا... يا سيدي
قال الأمير في حزن:
أحرق ربي جسدي
أكُلُّ هذا حاصل في بلدي؟!
شكراً على تنبيهنا يا ولدي
سوف ترى الخير غداً!
وبعد عامٍ زارنا
ومرة ثانية قال لنا:
هاتوا شكاواكم بصدقٍ في العلن
ولا تخافوا أحداً
فقد مضى زمن الخوف وانتهى ذاك الزمن
لم يشتكي الناس فقمت معلنا
أين الرغيف واللبن؟
وأين توفير السكن؟
وأين من يقدم الدواء للفقير دون ما ثمن؟
وأين كف السيل عنا أين أين؟
أين المشاريع التي سُرقت رأي عين؟
وأين صدق الوعد؟ قد مر الزمن
لم نر إلا مهرجانات غناء وعفن
ومؤتمرات فساد، واختلاطا في العلن!
وحربا على القرآن وتشجيعا لفن!
والكعبة الغراء تبكي شجنا تلو شجن
هذه شكاوانا بصدقٍ في العلن
معذرة يا سيدي! وأين صاحبي حسن؟

لما وقعت الكارثة قام أمين جدة واتخذ قرارات بطي قيد "يعني فصل من الوظيفة" بطي قيد وإحالة إلى التقاعد لسبعة وعشرين من الموظفين! وضحكت لذلك! لأني أرى أن هذه الموضة بدأت تنتشر هذه الأيام، فكلما تورط مسؤول دولة أو مسؤول في مكان أنزل اللعنة على من تحته، رؤساء الدول يلغون الحكومة ويفصلون الوزراء ويأتي بوزراء جدد ولا يدري أنه هو رأس الحية، وأنه هو السبب والمقسوم، هؤلاء السبعة والعشرين الذين فصلوا إن كانوا مخطئين فلا يكفي الفصل، ينبغي أن يقدموا للقضاء؛ وإن كانوا غير مخطئين، فلماذا يفصلون؟!.

هل يكفي فقط أن تقول له اذهب إلى بيتك بما جمعت من قبل يقدم إلى القضاء الشرعي ويقال له من أين لك هذا؟ المال الذي سرقوه إن صح أنهم سرقوا ولا -أتَّهمهم- إن صح أنهم سرقوا أو أخذوا أو قصَّروا، هم لم يأخذوه من جيبك، إنما أخذوه من بيت مال المسلمين، فهل يحق لك أن تقول انتهى، اذهب إلى بيتك؟! ثم لماذا لم تراقبهم خلال عملهم لتكتشف بعدما وقع الفأس في الرأس، ثم تقول فصلناك! أين أنت خلال سنوات عملك؟ لماذا لم تراقبه أثناء عمله؟.

هذه هي المشكلة، ثم يحال -مع الأسف- بين بعض المصلحين إذا جاؤوا ليقابلوا بعض الوزراء، فلا يكاد أن يعطيهم الوزير المعظم موعدا، فإذا دخل عليهم لم يصافحهم وجلس كأنما دخل على قطيع من الغنم، وهم أساتذة جامعات، وقضاة، ومشايخ! ولم يفعل ذلك حتى عظماء هذا البلد! قد دخلنا والله على خادم الحرمين، وعلى الأمير سلطان، وعلى الأمير نايف، فلم نر إلا تواضعا ولطفا في العبارة، واحتفاء واستماعا؛ ثم يأتي بعض الوزراء ويتكبر عن مقابلة من يريدون مناصحته!.

فلا تسألوا عن جدَّةَ الأرض التي جرت، ولا السماء التي أمطرت؛

لكنْ سَلُوا عَنْهَا الَّذين تحمَّلُوا *** عبئاً وَلَمْ يَسْتَوعِبُوا الإنْذَارا
مَنْ عاشَ في أغلى المكَاتِبِ قِيمَةً *** وعلَى كراسيها الوَثِيرَةِ دَارَا
مَنْ زخْرَفَ الأثْوَابَ فِيها ناسِيَاً *** جسَداً تضَعْضَعَ تحتَها وانْهارا
لا تسألوا عن بؤسِ جدَّةَ غيرَ *** من دهَنَ اليدَيْن وقلَّم الأظفارا
مَنْ جرَّ ثوب وظيفةٍ مرموقةٍ *** فيها ومزَّق ثوبها وتوارى
وأقام في الساحاتِ أَلْفَ مُجسَّمٍ *** تسبي برونق حُسْنها الأبصارا
صُوَرٌ تسرُّ العينَ تُخفي تحتَها *** صوراً تُثير من الرَّمادِ شراراً
لا تسألوا عن حالِ جدَّةَ جُرْحَها *** فالجُرحُ فيها قد غدا مِغوارا
لكنْ سلوا مَنْ يغسلون ثِيابَهم ** بالعِطر، كيف تَجاوزوا المقدارا
ما بالُهُم تركوا العبادَ اسْتَوْطَنُوا *** مجرى السيول، وواجهوا التيَّارا؟

أيها الأحبة الكرام: ومن العجب أنك تقرأ في الأخبار، وتسمع في بلد غريب أنه تتكرر حادثة تصادم قطارين، فوزير النقل قال: أنا لست أهلا لهذه المسؤولية، مادام لم أستطع أن أحل المشكلة، وقدم استقالته. وفي بلد قريب احترق مستشفى ومات مريضان فقدمت وزيرة الصحة استقالتها، قالت: أنا لا أستطيع أن أتحمل الأمانة، ابحثوا غيري، أنا سأرحل، ابحثوا غيري؛ لأجل أن يمسك المسئولية من بعدي! في اليابان استقال وزير العدل بسبب زلة لسان، وكذلك قل مثل ذلك لما استقال رئيس الوزراء الياباني بسبب سقوط طائرة قبل سنوات، نقول ذلك ونرى أخطاء تتكرر من مسؤول، ولا يزال كأنما هو تمثال متمسك بهذه الوظيفة لا يتزحزح عنها، ويعلم أن غيره أحق بها!.

وعمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: والله لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يحاسبني الله لِمَ لمْ تُسَوِّ لها الطريق يا عمر؟

قبل أيام استقال أو أقيل رئيس رعاية الشباب لما تكررت هزيمة منتخبنا ثلاث أو أربع مرات! وفي جدة يغرق الأطفال، وتترمل النساء، وتجري السيارات بالسيل، وتفسد البيوت، وتُفقَد جثث لا يدرون أين هي إلى الآن، والأرصاد تقول: إننا حذرنا مرارا ودخلت إلى موقعهم، ورأيت التحذيرات فعلا، قبلها بأيام يقولون: هناك عواصف رعدية، هناك أمطار، حذّروا الناس، مخاطبات للمسؤولين، ومع ذلك لم نر إقالة أحد!.

مجموع الجرحى والموتى والإصابات بكارثة جدة أعظم من مجموع ما وقع في بلدنا من قضايا الإرهاب كلها، ومع ذلك أين محاسبة المسئولين؟! وجزا الله الأمير نايف، أسأل الله أن يوفقه، لما خرج بنفسه وركب الطائرة وجعل يتفقد، ثم قال بلسان شجاع و جريء: سوف نحاسِب كلَّ من كان مسؤولا عن ذلك، وسوف نعلن أسماءهم. نعم... كيف يعلن اسم رجل ارتشى بمائة أو مائتي ريال، وتوضع صورته في الجرائد، ولا يكاد يمر يوم إلا نرى هذه الصورة؛ أما الذين يأكلون ولا يشبعون، وهم مثل عصا موسى تلقف ما يأفكون، لا تُعلن أسماؤهم!.

كلا، بل بيَّض اللهُ وجهَك، وجزاك الله خيرا؛ أعلِنْ أسماءهم، وانشُر صورهم؛ ليكونوا عبرة للمعتبرين، كما قال الله تعالى: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ) [الأنفال:57]، أشياء يا جماعة في جدة واضحة، سدودٌ واضحٌ أنها ستنهار، ومع ذلك مهملة، عبَّارات للمياه، عبَّارات يعني تحت الجسر يوجد مجرى للسيل، وهذا المجرى مسدود بالأتربة والقمامة، ومسدود بالحجارة، ومع ذلك ما أتى أحد ينظفه تحسباً للسيل! أين المراقبة؟ أين عمل البلدية؟ لا يوجد موظف يذهب وينظر أين العبارات المسدودة لأجل أن تفتح تحسباً لهذا السيل؟! والماء إذا جاء لا يكاد أن يرحم أحدا، بل يضرب ضربته ولا يلتفت إلى أحد، الناس الذين أصيبوا بما أصيبوا به لا يزالون يبكون إلى اليوم، ومع ذلك من الذي يمسح جراحهم؟.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه رسالة تصل إلى كل من وضع في عنقه أمانة، أسأل الله أن يوصل هذه الرسالة إليهم، وأسأل الله تعالى أن يعيذنا من مكر الماكرين، وكيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وإفساد المفسدين، يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، انه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه، وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وخلانه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

أيها المسلمون: كلنا والله نتألم لما يقع على إخواننا في مصر الحبيبة، وإننا ندين بالولاء لهذا البلد الطيب، فكثير منا إنما حفظ القران على أيدي مصريين، وكثير منا صلى في وقت من الأوقات وراء أئمة مصريين، وكثير منا درَّسه في الجامعة أصول الفقه والتفسير والحديث وكثيرا من المواد دكاترة ومشايخ من مصر الحبيبة.

فلا يسعد مسلم ولا يفرح أن يسمع بجريح أو بقتيل، نسأل الله أن يتقبلهم شهداء، وأن يحسِّن نياتهم، لا يفرح إنسان بذلك أبدا، والنبي -صلوات ربي وسلامه عليه- حذر من سفك دم امرئ مسلم بغير حق، فمن أعان على قتل مسلم -ولو بشطر كلمة- لقي الله مكتوب بين عينيه: آيس من رحمه الله. لَزَوالُ السمواتِ و الأرض أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم بغير حق، ويقول الله: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].

مَن كان يعلم أن في تنحيه عن الرئاسة حقن لدم واحد من المسلمين فيجب عليه أن يتنحى، فهذا الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنه و أرضاه- سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيد شباب أهل الجنة، لما تولى الخلافة، وتولاها أيضا معاوية -رضي الله تعالى عنه- في الشام، حرص الحسن بعد ستة أشهر على أن يجتمع مع معاوية على شيء، فلم يستطع؛ فحرصاً من الحسن -وهو خليفة- على أن يحقن دماء المسلمين، ولا تقوم حرب، ولا يقوم شي من اللجج وسفك الدماء والجرحى، حرصا على ذلك تنازل علن الخلافة لمعاوية -رضي الله تعالى عنه-، وبدل ما كان خليفة للمسلمين أصبح واحدا من الرعية، ولم ينقص ذلك من قدره، فهو سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسيد شباب أهل الجنة.

ثم تأتي اليوم إلى من يرى أطفالا يموتون بين يديه، ويرى نساء، ويرى جرحى، ويرى قتلى، ومع ذلك يتمسك بما هو عليه!.

أسأل الله تعالى أن يصلح حال إخواننا في مصر، أسأل الله تعالى أن يحقن دماءهم، أسأل الله تعالى أن يجمع كلمتهم على خيرهم، اللهم ولي عليهم خيارهم، وأبعد عنهم شرارهم، اللهم ولِّ عليهم خيارهم، وأبعد عنهم شرارهم، اللهم ولِّ عليهم خيارهم، وأبعد عنهم شرارهم يا رب العالمين.

اللهم اجمع كلمتهم على أحبهم إليك، وأكثرهم طاعة لك يارب العالمين، اللهم اجمع كلمتهم على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام يا رب العلمين، اللهم مَن أراد أن يشق صفهم، أو أن يفسد ذات بينهم، اللهم فرُدَّ كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز.

اللهم إنا نسألك أن تحفظ جميع بلدان المسلمين، اللهم احفظ جميع بلدان المسلمين من الشرور والفتن يا حي يا قيوم.

اللهم احفظ بلدنا هذه خاصة يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين، اللهم وفِّقْ ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك؛ وسائر ولاة أمور المسلمين، يارب العالمين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

بالمال العام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات