حماية الشريعة

سعود بن ابراهيم الشريم

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ وجوب التمسك بشريعة الإسلام 2/ حقائق إيمانية 3/ وجوب الدفاع عن الشريعة 4/ ظاهرة الانهزامية 5/ خطر المتنكّرين لشريعتهم 6/ تأثر العامة بطروحات المتنكرين للشريعة 7/ أسباب ظهور المتنكرين للشريعة 8/ واجب الولاة والعلماء 9/ وجوب تحكيم الكتاب والسنة والتسليم لهما

اقتباس

إنَّ المسلمين بحكمِ شريعتِهم ونصوصِها الناصعَة الصريحة لمطالبون عند الله بالتمسُّك بها والعَضِّ عليها بالنواجذ وحمايةِ جنابها عن أن يُخدَشَ أو يُثلَم، أو أن تتسَلَّل إليها أيدي العابثين لِواذًا، يقلِّبون نصوصَها وثوابتَها، ويتلاعبون بأحكامها ومسلَّماتها كيفَ شاؤوا، على حين غفلةٍ عن استشعار هيبَة القرآنِ في النفوس، وإبّانِ غيابٍ غيرِ قليل لما يَزعُه الله بالسّلطان من القوّة والتأديب...

 

 

 

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واقدُرُوا الله حقَّ قدره، (وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) [الحديد: 28]، ومن تولَّى عن ذلك فإنما يتَّبع هواه، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50].

أيها الناس: إنَّ المسلمين بحكمِ شريعتِهم ونصوصِها الناصعَة الصريحة لمطالبون عند الله بالتمسُّك بها والعَضِّ عليها بالنواجذ وحمايةِ جنابها عن أن يُخدَشَ أو يُثلَم، أو أن تتسَلَّل إليها أيدي العابثين لِواذًا، يقلِّبون نصوصَها وثوابتَها، ويتلاعبون بأحكامها ومسلَّماتها كيفَ شاؤوا، على حين غفلةٍ عن استشعار هيبَة القرآنِ في النفوس، وإبّانِ غيابٍ غيرِ قليل لما يَزعُه الله بالسّلطان من القوّة والتأديب؛ لأنّ مَن أمن العقوبةَ أساء الأدَب، ومَن عَدِم النورَ والهداية تخبَّط في دياجير الظّلَم، ولا عاصمَ حينئذٍ من أمر الانزلاق بعدَ الله إلا بالتمسُّك بوصيّة المصطفَى حيث يقول: "عليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كلّ محدثةٍ بدعة" . رواه أحمد.

عبادَ الله: إنَّ للمسلمين شدّةً في دينهم وقوّةً في إيمانهم، يباهون بهما من عداهم من أهلِ المِلَل، وإنّ في عقيدتهم ونصوصِ الوحيين عندهم أوثقَ العُرى لارتباط بعضِهم ببعض ودفاعِ بعضهم عن بعض تحت جامعة الإسلام الحقَّة.

وإنّ مما رسَخ في نفوس المسلمين أنَّ في الإيمان بالله وما جاء به رسوله على وجه الانقياد والتسليم كفالةً لسعادة الدارين، وأنّ من حُرِم ذلك التمسُّكَ والانقياد فقد حُرِم التوفيقَ والسعادة، ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "ذاقَ طعم الإيمان، من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً". رواه مسلم.

إنه لا طعمَ بلا إيمان، ولا إيمانَ بلا رضًا بشريعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبلا عملٍ بها في جميع شؤونِ الحياة بلا استثناء.

إنّ المسلمين جميعًا مأمورون ببذل كلِّ ما مِن شأنه المحافظةُ على شريعَتهم الغرّاء عن أن يزلُّوا بتهميشها بعد ثبوتهم عليها، ويذوقوا السوءَ بما صَدّوا عنها، كما أنه في الوقتِ نفسه إن لم يقوموا بالحمايةِ عن حَوزة الشريعة فإنهم سيأثمون جميعًا، إن لم يقُم بهذا الفرض الكفائيّ مَن يكفي في ترسيخ تحكيم الشريعة وصَدِّ الأيدي العابثة بها بين الحين والآخر.

أيها المسلمون: إنّ المدلهمَّاتِ الحثيثةَ والخطوبَ التي اعترَت حِياضَ المسلمين وقوَّضت روابطَهم، استطاعت أن تكوِّن في أنفسهم شيئًا من الذُّعر والفَرَق اللَّذين أفرزَا في نفوس بعضِ المسلمين إحساسًا بالانهيار وتردُّدًا في القناعات ببعض الجوانب في الشريعة واستحياءً في التمسُّك بالدِّين والاعتزاز بالشريعة الحيَّة، بل لقد تعدّى الأمر إلى أكثرَ من ذلك؛ حيث نبتت نابتةٌ تريد عزوَ أسبابِ الانهيار والضعفِ لدى المسلمين إلى ما يحملون في أنفسِهم من تطبيقٍ لشريعةِ الإسلام في عصرِ العَولمة وتصارُع الحضارات، فأخذوا يُلفِّقون التُّهمَ لعقيدة الأمّة ولأصالتها وعالمية رسالتها، ورأوا أنَّ في تطبيق الشريعة على ما عهِده المسلمون في القديم والحديث مانعًا من تعانُق الحضاراتِ ونوعَ تخلُّفٍ ورَجعية لا تُرضي شعوبَ الكفر ودُوَله، والتي لن ترضَى عن أمَّتنا حتى تتَّبع مِلّتهم، فلا تسألوا حينئذٍ -عبادَ الله- عن البدء في النَّقضِ للعُرى والتشكيك في المسلَّمات والأصول وتعميم الفوضىَ في المرجعيّة الشرعية والتشويش في إثارة مراجعاتٍ وتبديل القناعات، بأنّ ما كان حرامًا بالأمس يُمكن أن يكونَ اليومَ حلالاً، وما كان بالأمس اعتزازًا فخرًا يُمكن أن يكونَ اليومَ خِواءً وانكسارًا.

لقد اختلطت مصادِر التقرير في صفوف المتحدِّثين حتى تحوّل الصَّحفيُّ فقيهًا ومرجعيةً دينية تضَع المعايير للمصيب والمخطئ كيفما اتّفق، وانقلَب السياسيّ مشرِّعًا والعامِّي ناقِدًا، وفُقِدت المرجعيّة الشرعيّة بعد تهميشها بين أوساطِ الناس، وذلك كلُّه بسببِ بُعد العلماء وغياب قُوّةِ السلطان وترفُّع الوُضَعاء والجهّال والمتفيهقين؛ ليُبرِزَ لنا الواقعُ المرير صورةً جليّةً من الوصف النبويّ الكريم لِما يكون في آخر الزَّمان على حدِّ قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله لا ينزع العلمَ من الناس انتزاعًا، ولكن يقبض العلماء، فيُرفَع العلمُ معهم، ويبقى في الناس رؤساء جهّال، يفتونهم بغير علم، فيَضلّون ويُضلّون". خرّجاه في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم، وعلى حدِّ قول النبي في الحديث الآخر: "إنها ستأتي على الناس سنون خدّاعة، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذّب الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطِق فيها الرُّويبضة"، قيل: وما الرويبضة؟! قال: "السفيه يتكلَّم في أمر العامّة". رواه أحمد.

عبادَ الله: إننا لنُشاهد في هذه الآونة تأثُّرَ كثيرٍ من الناس بكثرةِ المطارحات والمجادلات التي تمسُّ أصولاً في الدين ومسلَّمات، وذلك من خلالِ المطارحات المتكرّرة عبرَ وسائلَ متعدّدة، كالفضائيات المرئية أو الصحافة المقروءة أو الإذاعة المسموعة أو عبرَ منتدياتٍ وندوات نشيطةٍ في هذا المجال.

وإن تعجَب -أيها المسلم- فعجبٌ ما يظنّه أصحابُ تلك المطارحات مِن أنهم أتَوا للأمة بما لم يأتِ به الأوّلون، وأنهم بذلك قد فاقوا السلفَ الكرام، اغترارًا بما رأَوه من حركةٍ إعلامية تنشِّط مثل هذه المجادلات والمحاورات، وتنوِّع أساليبَ التأويل والصَّرف لمعاني النصوصِ الشرعية وضربِ بعضها ببعض، وتقديمِ العقل والتعايُش العالمي والمصلحة الدَّولية والوطنية على النصّ الشرعيّ. وإنما أُتي بعضُ هؤلاء الذين يُدلون بهذا الطَّرح من خِلال الإعجابِ بطريقتهم؛ حيث ظنّوا أنها خيرٌ من طريقة السلف؛ لأن طريقةَ السلف -في زعمهم- هي مجرّدُ الإيمان بألفاظِ القرآن والحديث من غيرِ فقهٍ ولا فَهم لمراد الله ورسوله منها، واعتقدوا أنهم بمنزلة الأمِّيِّين الذين قال الله فيهم: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) [البقرة: 78]، وأنَّ طريقةَ هؤلاء المتفيهقين هي استخراجُ معاني النصوص وصرفُها عن حقائقها التي فهِمها السلف الصالح بأنواع المجازات وغرائب اللُّغات ومستنكَر التأويلات، فهذا الظنُّ الفاسِد أوجَب حال المتشبِّثين به أن يكون مضمونه نبذ الكتاب والسنة وأقوالِ الصحابة والتابعين وراءَ ظهورهم، فكانت النتيجة الحاصِلة بفِعلهم إثارةَ الشبهات وتحريك العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم. ونتج من هذا المنطلق دعواتٌ وشِعارات لاقت رجعَ الصدَى في غيرِ ما قطر إسلاميّ وعربيّ عمّا يُسمَّى بالعولمة الثقافية المعرِفيّة التي مفادُها تهميش هَيمَنة الشريعة الإسلامية، وحجبُ الثقَة عنها، لتتلاقَح المعارف والثقافاتُ دون قيودٍ ولا حدود، حاملين خلالَها شعاراتِ التجديد والإصلاح وتطوير الشريعة وتصحيح الخطاب الدينيّ وإصلاحه ونشر ذلك كلِّه عمّا يُسمَّى بالجمود النصِّي، والواقعُ أن البلاءَ لا يكمن خطرُه في تلك الشِّعارات المرفوعة فحسب، وإنما يكمُن أيضًا في الرؤى والمضامين، وقديمًا قيل: تحت الرّغوةِ اللبنُ الصَّريح.

ثم إنّه ما صار الذي صَار إلا بضَعف الهيمنةِ العلمية الموثوقةِ، والمرجعية الشرعيّة النزيهة، ولسانُ حال المرجعيّة المهمَّشَة وسطَ هذه الزّوابع والشِّعارات، والمتنكِّبة يردِّد قولَ القائل:

وكان بنو عمِّي يقولون مرحبًا *** فلمّا رَأوني مفلِسًا ماتَ مَرحبُ

ورحِم الله ابنَ القيم وهو يصفُ مثلَ هذه الحال بقوله: "فلو رأيتَ ما يُحرِّف إليه المحرِّفون أحسنَ الكلام وأبينَه وأفصحَه وأحقَّه بكلِّ هدًى وبيان وعلم مِن المعاني الباطلة والتأويلات الفاسِدة، لكِدتَ تقضي من ذلك عجبًا، وتتَّخذ في الأرض سَربًا، فتارةً تعجَب، وتارة تَغضب، وتارة تبكِي، وتارة تضحَك، وتارةً تتوجَّع بما نزل بالإسلام وحلّ بساحةِ الوحي". انتهى كلامه -رحمه الله-.

وبعد:

أيها المسلمون: فإنّ الواجبَ على الولاةِ والعلماء والدّعاة أن يكونوا حماةً لجناب الشريعة، وأن يتصدّوا لكلِّ غارةٍ على حِماها، وأن يقِفوا في وجوهِ العابثين بها وبأحكامها وثوابِتها، وبيان الحقّ لهم ودعوتهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسَن، كما أنه لا ينبغي أن يتسلّل شيءٌ من التهوينِ مِن شأنِ أولئك، أو أن يقال: إنَّ الردَّ عليهم والتصدِّي لهم فيه نوعُ تنزُّل وإعطاءٌ للشَّخص أكثر من حقِّه؛ فإنّ الدفاعَ عن الشريعة أعمّ من أن يُحَدَّ بشخص دون آخر؛ إذِ الحقّ هو الضّالّة التي ينشدُها المؤمن، وللإمام عثمان الدارمي كلامٌ حولَ هذا يقول فيه: "وقد كان من مضَى من السَّلف يكرَهون الحوضَ في هذا وما أشبَهه، وقد كانوا رُزِقوا العافيةَ منهم، وابتُلينا بهم عند دروس الإسلام وذهابِ العلماء، فلم نجد بدًّا من أن نردّ ما أتوا به من الباطل بالحقّ".

ولأبي الحسَن الأشعريّ -رحمه الله- كلامٌ جيِّد في معرض ردّه على الجبّائي المعتزلي، يقول فيه: "ورأيتُ الجبائي ألّف في تفسيرِ القرآن كتابًا أوّلَه على خلافِ ما أنزل الله -عزّ وجلّ-، وما روى في كتابه حرفًا عن أحدِ المفسِّرين، ولولا أنه استغوَى بكتابه كثيرًا من العوامّ واستزلّ به عن الحقّ كثيرًا من الطّغام لم يكن للتّشاغُل به وجه".

ويتحدّث ابن القيّم -رحمه الله- عن الوقوف في وجوه المحرّفين والعابثِين بنصوص الشريعة والحاطّين من هيبتها قائلاً: "فكشفُ عوراتِ هؤلاء وبيان فضائحِهم وفساد قواعدهم من أفضلِ الجهاد في سبيل الله، وقد قال النبي لحسّان بن ثابت -رضي الله عنه-: "إنَّ روحَ القدُس لا يزال يؤيِّدك ما نافحتَ عن الله ورسوله".

ألا فاتّقوا الله -معاشرَ المسلمين-، واحفظوا شِرعةَ الله ومنهاجه في واقعِ حياتكم، وذودوا عن حِماهما، فلا نجاةَ لسفينةِ الإسلام الماخِرة إلاّ بالتمسُّك بهما على وجهِ الانقياد والتسليم والتعظيم والطاعة، (فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33]، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسِي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفّارًا.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.

وبعد:

فاتقوا الله -أيّها المسلمون-، واعلموا أنّ الدين عند الله الإسلام، وأنّ الله -جلّ وعلا- يقول: (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء:115]. وقد أمرنا الله سبحانه أن نخلِصَ طاعتَنا لله ولرسوله ولورثةِ الأنبياء مِن العلماء الربانيين حيث يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59].

وإنّ مِن صحَّة الإيمان تعظيمَ الشريعة واحترامها لأنها من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز العبثُ بها ولا الاعتداء على مسلَّماتها ولا الخوضُ فيها بغير عِلم؛ لأنّ الله -جل وعلا- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات:1]، والمعنى: لا تقولوا خلافَ قول الله وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تفتاتوا عليهما بشيء، ولا تقضوا أمرًا دونَ الله ورسوله من شرائعِ دينكم.

ويشتدُّ الأمرُ تأكيدًا -عبادَ الله- حينما تأتي الملمّات وتحُلّ الفِتن والبلايا كما قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:83].

إنه بمثلِ هذا سار السلفُ الصالح، فكُتب لهم التوفيقُ والتمكين، وما ذاك إلاّ لتعظيمهم لنصوص الوحيين والأخذ بها وعدم التقديم بينها، فقد صحَّ عن أبي حنيفةَ ومالك والشافعيّ وأحمد -رحمهم الله- قولُ كلِّ واحدٍ منهم ما مفادُه: "إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي"، وقد جاء رجل للشافعيّ فسأله مسألةً فقال: قضَى رسول الله كذا وكذا، فقال الرجل للشافعيّ: ما تقول أنت؟! فقال: سبحان الله! تراني في كنيسة؟! تراني في بيعة؟! ترى على وسطي زنّارًا؟! أقول: قضى رسول الله كذا وكذا وأنت تقول لي: ما قولُك أنت؟!

فالواجبُ على كلِّ مسلم كمالُ التسليم لشريعةِ الله والانقياد لما فيها، وتلقِّي ذلك بالقبولِ والتصديق دونَ معارَضتها بخيالٍ باطلٍ ولو سمّاه الناس معقولاً أو مصلحةً أو ضغطًا حضاريًّا، كما لا يجوز لأحدٍ أن يحمِّل الشريعةَ شبهةً أو شكًّا أو يقدِّم عليها آراءَ الرجال وزُبالةَ أذهانهم، فلا يصحّ إلاّ التحكيم والانقياد والتسليم والإذعان للشريعة: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65]، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) [الأحزاب:36].

هذا وصلّوا -رحمكم الله- على خير البريّة وأزكى البشريّة محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، صاحبِ الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنى بملائكته المسبِّحة بقدسه، وأيّه بكم أيها المؤمنون، فقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد...
 

 

 

 

 

المرفقات

الشريعة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات