عناصر الخطبة
1/ المحافظة على الصلاة والطاعات بعد رمضان 2/ منكرات ترتكب في العيد 3/ حال أمتنا في العيد 4/ وصايا للنساءاقتباس
إن لكم عدواً أخرجه الله عز وجل من رحمته، وطرده من جنته، كان مأسوراً في شهر رمضان، واليوم قد أطلق أسره، وفُك قيده، وسيهجم اليوم عليكم بخيله ورجِله هجوماً عنيفاً، وسيحمل عليكم حملة شعواء، علَّه يفسد ما صلح من أعمالكم وأحوالكم، فخذوا حِذْركم!.
أيها المسلمون: إن يومكم هذا يوم عظيم، وعيد كريم، فأقول لكم: كل عام وأنتم بخير، وتقبل اللهم مني ومنكم. أسأل الله جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم، وكانوا من عتقاءه من النار.
أيها المسلمون: إن هذا اليوم يوم عظيم من أيام المسلمين، يوم كله بِرٌّ وإحسان، خرج المسلمون إلى مُصَلَّيات الأعياد متطهرِّين مكبرين، شكراً لله تعالى على إتمام شهر الصيام، وعونه على القيام.
لقد حضر المسلمون وقصدوا مُصَلاهم وقد أدوا زكاة فطرهم للفقراء والمساكين، فرحين مكبرين مهللين، الله اكبر، الله اكبر، لا اله إلا الله، والله اكبر الله اكبر والله الحمد.
عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصِّرة بتقوى الله تعالى في السرّ والعلن، ثم أوصيكم بوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ جعل يقول وهو يجود بنفسه: "الصلاةَ الصلاة! وما ملكَتْ أيمانكم"، إنه لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من تركها فعليه لعنة الله، من تركها خرج من دين الله، من تركها انقطع عنه حبل الله، من تركها خرج من ذمة الله، من تركها أحل دمه وماله وعرضه.
تارك الصلاة عدو لله، تارك الصلاة عدو لرسول الله، تارك الصلاة عدو لأولياء الله، تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء، ومغضوب عليه في الأرض، تارك الصلاة لا يؤاكَل ولا يشارب ولا يجالس ولا يرافق، ولا يؤتمن. تارك الصلاة خرج من الملة، وتبرأ من عهد الله، ونقض ميثاق الله، لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
ثم عليكم بصلاة الجماعة والمحافظة عليها في المساجد، فمن صلَّاها بلا عذر في بيته فإنها لا تقبل منه، فانَّ من شروط صحتها صلاتها في جماعة، يقول عليه الصلاة والسلام: و"الذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فاحرق عليهم بيوتهم بالنار".
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا.
الله اكبر، الله اكبر، لا اله إلا الله، والله اكبر الله اكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: لقد رحل عنّا رمضان، وطُويت سجلَّاته ودفاتره، وكل منا أدرى بنفسه بما قدَّم؛ لكن، هل يدركنا رمضان القادم؟ هل يمنّ المولى علينا وندرك رمضان القادم؟ أم نكون من الذين تُرُحِّم عليهم؟
فيا شهرَ الصِّيام فدتْكَ نفْسي *** تمهَّلْ بالرَّحيلِ والانتقالِ
فما أدرِي اذا ما الحَوْلُ ولَّى *** وعدتَّ بقابلٍ في خير حال
أتلقاني مع الأحياء حياً؟ *** أو انَّك تلقَني في اللَّحْدِ بالي؟
يا خسارة من لم يغفر له في رمضان!
يا خسارة من لم يُعتق من النار في رمضان!
يا خسارة من حُرم من فيض الرحيم الرحمن!
ترحَّلَ الشهرُ –والهفاه!- وانصرما *** واختصّ بالفوز في الجنات من خدَما
وأصبح الغافل المسكين منكسراً *** مثلى فيا ويحه! يا عظم ما حُرما!
من فاته الزرعُ في وقتِ البِذَارِ فما *** تراه يحصد إلا الهمَّ والنَّدَما
طُوبى لمن كانت التَّقْوى بضاعتَه *** في شَهتره وبحبل الله معتصما
الله أكبر الله أكبر لااله الا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
لقد رحل رمضان؛ لكن، هل سيعود الناس لحالهم قبل رمضان؟ فيعود آكل الحرام لأكله، ويعود سامع الغناء لسماعه، ويعود مشاهد الفحش في التلفاز لفحشه، ويعود شارب الدخان لشربه، ويعود ظالم الناس لظلمه، وبذئ اللسان لسبِّه، وكل صاحب معصية لمعصيته؟
أم رحل رمضان ورحلَت معه قراءة القرآن، ورحل رمضان ورحلت معه صلاة الجماعة، ورحل رمضان ورحلت معه نسبة كبيرة من إيمان القلب، وهذه هي المصيبة!.
يا حسرتا على دموع سُكِبَتْ في المساجد! ويا حسرتا على دعَوات رُفعت من أجلها الأيدي إلى السماء! ويا حسرتا على حضور مع الجماعة، وتلاوة للقرآن طوال الشهر! فأعقب ذلك كله عودة إلى المعاصي، وتفريط في الصلوات، وهجْرٌ للقرآن، واستهانةٌ بالمحرَّمات، وإهمال للمسئوليات.
الّلهمّ انا نعوذ بك من الحَوَر بعد الكَوَر، ونعوذ بك الّلهمّ أن نبدِّل نعمتك كفراً ونحن نستقبل أيام العيد. إياكم ثم إياكم أيها المسلمون من العودة للمعصية! ولعلك تسألني: ما هي المعاصي التي تتحدث عنها؟.
أقول: إن من المعصية أن يُسمع الغناء وأصوات الموسيقى من صبيحة يوم العيد، تسمعها في الإذاعات والأسواق والشوارع والبيوت.
ومن المعصية ما يحصل في أيام العيد من الاختلاط بين النساء والرجال بشكل مزعج في أماكن الترفيه، والحدائق العامة، وعلى شاطئ البحر؛ والنساء والفتيات في قمّة الزينة.
ومن المعصية ما يحصل من الميوعة عند بعض الرجال بأن يدع بناته ونساءه يقدن الدرجات النارية على شاطئ البحر، وسيارات الألعاب في أماكن الترفيه، ويتعذَّر بأنها صغيرة، في وسط زخم من الضحك والأصوات، ناهيك ما يصاحب ذلك من التبرُّج والسفور وإظهار الزينة أمام الرجال، وأمام شباب مراهقين يأتون لهذه الأماكن ليصطادوا في الماء العكر، وأوضاع يفتتن بها المؤمنون، فضلاً عن الفَسَقة والضائعين، كل هذا يحصل تحت مسمى الفرح بالعيد!.
ومن المعصية أن نقيم حفلات الزواج دون نظر إلى ما يحل ويحرم، من إسراف فاحش، حتى يصير صاحبه أخاً للشيطان، ومن اختلاط بين الرجال والنساء، ومن دخول الزوج على النساء وهنّ في قمة زينتهنّ، ومن إقامة الغناء المحرّم الذي سمّاه الله في كتابه لهو الحديث، ومن تصوير للنساء حتى تصير صورهنّ بضاعة لأصحاب العيون الزائغة.
ومن المعصية أن تُهجَر المساجد، حتى لا يكتمل صف واحد في صلاة الفجر بعد رمضان!.
ومن المعصية أن نستمر أمام شاشات التلفاز فننظر إلى كل ما يعرض، ناسين أو متناسين ما قدمنا من صلاة التراويح، ودعاء القنوت، وإيمانيات رمضان؛ بل من أكبر المعاصي في هذا الوقت، أن يُدخِل الأب وولي الأمر الدش إلى بيته ويتسبَّب في إفساد أخلاق أولاده وبناته.
عجيب أمر بعض الآباء! يكون من المصلين والمحافظين عليها في المساجد، ثم يرضى باختياره وطواعيته أن يعرض الزنا في بيته أمام أولاده، نعم! الزنا الصريح يُعرض الآن عبر هذه القنوات -لا بارك الله فيها- ويرضى بأن يتفرج أولاده وبناته على الخنا والفجور منذ نعومة أظفارهم، ويرضى بأن يتعود أولاده مشاهدة شرب الخمور، بل الكفر بالله عز وجل! والسِّحْرُ يُعرض عبر هذه القنوات الخبيثة، وأين يُعرض؟ في بيت المسلم المصلي. أيُّ تناقض هذا الذي نعيشه أيها الأحبة؟!.
وليس بعجيب أن ينشط شياطين إنس الإعلام أيام الأعياد فيقدمون للناس برامج جذابة ليُفسدوا عليهم ما جمعوا في رمضان.
ومن المعصية ما يحصل من التجمع العجيب في كل سنة على الكورنيش، ويجتمع له خلق كثير، ويقومون باللعب بما يسمونه "الألعاب النارية"، وبالمناسبة -أيها المسلمون- فان اللعب بالنار من أعمال المجوس، وسمعنا بأنه يحضره شباب وشابات من دول قريبة، ويحصل فيه من المنكرات ما الله به عليم.
أيها الإخوة: إن حسن الظن بأنفسنا يجعلنا نتفاءل برجعةٍ إلى الله صادقة، ووقفة مع الناس حاسمة. أسألكم -أيها الأحبة- مَن منّا جاءه علم من ربه أنه قبِل صيامه وقيامه؟ من جاءه علم من ربه انه كتب من المعتقين من النار؟ إن الله تعالى يقول: (إنمَّا يتقبَّلُ اللهُ مِن المتَّقين) [المائدة:27]، فهل من صفات المتّقين أن نرجع إلى الوراء ونحرق الحسنات بلهيب السيئات؟.
لقد اثبت الواقع العملي لدى بعض المسلمين أنهم ليسوا حريصين على قبول طاعاتهم، ذلك أن علامة قبول الطاعة أن يوفَّق العبدُ لطاعةٍ بعدها، ومن أعظم الطاعات فعل الواجبات، والكف عن المعاصي التي لا مرية فيها، فانظر أين موقفك يا عبد الله!.
شهر كامل وأنت تجاهد النفس وتصّبرها، وتجمع الحسنات وتحسبها، فهل بعد هذا تراك تنقضها، إن الله تعالى يقول: (ولا تَكُونوا كالَّتي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكَاثاً) [النحل:92].
أيها المسلمون: إن لكم عدواً أخرجه الله عز وجل من رحمته، وطرده من جنته، كان مأسوراً في شهر رمضان، واليوم قد أطلق أسره، وفُك قيده، وسيهجم اليوم عليكم بخيله ورجِله هجوماً عنيفاً، وسيحمل عليكم حملة شعواء، علَّه يفسد ما صلح من أعمالكم وأحوالكم، فخذوا حِذْركم.
ثم أيها المسلمون: العيد أيامُه أيامُ فرح، وهذا يدركه الجميع، لكنْ قَلَّ من يتنبه إلى أن أيامه أيام حزن أيضاً، فهو يوم فرح وحزن معاً، فرح بإتمام شهر الصوم وتوفيق الله على ذلك، ويوم حزن على فراق رمضان، حزن على أيامه الغرّ، ولياليه الزاهرة، لكن من الذي منا يتقن فن الحزن والفرح معاً؟.
دعِ البُكاءَ على الأطلالِ والدَّارِ *** واذكُرْ لِمَنْ بان من خِلٍّ ومِن جارِ
ذر الدموعَ نحيباً، وابكِ من أسَفٍ *** على فِراق ليالٍ ذاتِ أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جعلت *** إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لائمي في البكا زدني به كلَفاً *** واسمَعْ غريبَ أحاديثٍ وأخبار
ما كان أحسنَنا والشمل مجتمعٌ! *** المصلِّى ومنا القانت القاري
ثم أيها الأحبة في الله: هل تعلمون أن العيد نفسه يحزن؟ نعم، العيد يحزن! نكون نحن في فرح وهو في حزن، خاصة إذا جاء العيد وواقع الأمة مرير، كما هي في أيامنا هذه، أعداء الأمة يسومونها سوء العذاب، اليهود من جهة، والنصارى من جهة، والملاحدة والباطنيون من جهة، وكلهم من الخارج؛ ومنافقون من داخلها من بني جلدتها ويتكلمون بلسانها، لكن قلوبهم معلقة ومتجهة نحو الغرب أو الشرق.
إن واقع الأمة اليوم، لا يخفى على عاقل، أراضيها من أوسع بلاد الله، خيراتها من أغنى بلاد الله، شعوبها من أكثر الشعوب عدداً، وفي المقابل، أراضيها مسلوبة، خيراتها منهوبة، شعوبها مظلومة، الفقر يقتلها، والجهل ينهكها، وبها فوضى لا أول لها ولا آخر؛ عقولها محجّمة، طاقاتها معطّلة، أموالها مبدّدة، تُهدَر الملايين في سفاسف الأمور.
نتساءل، إلى متى سيبقى المسلمون هكذا؟ إلى متى وواقع الأمة مظلمٌ أسودُ؟ لقد تاقَتْ نفوس المخلصين إلى منقذٍ للأمة من واقعها، أسأل الله جل وعز أن يكون عاجلاً غير آجل.
وكلّنا أمل أن يبارك الله في هذه الصحوة المباركة، وفي هذا الشباب المقبل على دينه بأن تكون فاتحة الخير على يديه، أمّا عن واقع الأمة الحالي، وفي أثناء أيام العيد، فقد أحسن ذلك الشاعر حين وصفه فقال:
قَتْلٌ وتَعذيبٌ وتَشريدُ *** فمَتى سيَغمُرُ كونَنا العيدُ؟
ومَتَى مَتَى يا أمَّتِي فَرَحِي *** ومتى متى ستُزغرد الغِيد
في كلِّ أرضٍ صرخَةٌ لِفَمٍ *** دوَّتْ فدوَّتْ بالصَّدَى البِيد
لكنَّنا نلهو، فلا غَضَبٌ *** نُبْدِي، ولا الإيثار موجود
وكأن وقراً قد تغلْغَلَ في *** آذانِنا، فالسَّمْعُ مسدود
صِرْبٌ وصُهْيُونٌ تَمَزَّقَنَا *** وسِلاحُنا في الصَّدْرِ تنْدِيد
والمجلِسُ المأمولُ في شُغُلٍ *** عنَّا يُماطِلُ فوقَه الهُود
والنَّخْوةُ القَسْعاء صادَرَها *** مُتَفَرِّدٌ في الرأيِ، نمرود
وإذا العروبةُ تَنْبَرِي شِيَعاً *** عادت إليها الأزمُنُ السُّود
يا أمَّةً شاخ الزَّمانُ بِها *** وعلَتْ مُحَيَّاها التَّجاعِيد
عاث الخلافُ بها وفرَّقَها *** بُعْدٌ عن الاسلامِ مَشْهُود
الهدْيُ فيها وهي ضائعةٌ *** يقتادها "القيثارُ" والعود
قد خُدِّرَتْ بِفَمٍ مُنَغِّمةً *** شُغِلَتْ بِها، والسيف مغمود
في كلِّ يومٍ يُسْتباحُ بِها *** دمٌّ يقَامر فيه عربيد
يا أمَّتي، ما ضاع يُرجِعُهُ *** سيفٌ به الإيمان معقود
يا أمَّتي، هذا الكتاب لنا *** ولنا به عِزٌّ وتَسْوِيد
فإذا به سِرْنا سيغْمُرُنا *** نصْرٌ من الرحمن موعود
(البيان 110/41)
فنسأل اللهَ -جل وتعالى- أن يفرِّج عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-. اللهمَّ فرِّجْ عن أمَّةِ محمد -صلى الله عليه وسلم- فرجاً عاجلاً غير آجل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُعيد الجُمَعِ والأعياد، ومُبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد.
واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المفضّل على جميع العباد، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلَّم تسليما كثيرا.
الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا
الله أكبر الله أكبر لااله الا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أما بعد: فيا أيتها الأخوات الحاضرات معنا هذا المشهد العظيم، الممتثلات أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهود الخير ودعوة المسلمين، أسال الله -جلَّ شأنُه- بكلِّ اسمٍ هو له، أن يجعلنا وإياكنَّ ممن قال فيهم سبحانه: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35].
أُذَكِّركُنَّ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن خطب الرجال، في مثل هذا اليوم الأغرّ، مشى متوكئاً على بلال -رضي الله عنه- وخطب النساء، وكان من خطبته أنه تلا عليهنّ آية مبايعة النساء في سورة الممتحنة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة:12] فلما فرغ من الآية قال: "أنتنّ على ذلك؟" فقالت امرأة واحدة، ولم تجبه غيرها: نعم يا رسول الله، رواه البخاري.
ثم أمرهنّ بالصدقة، وقال لهنّ: "تصدَّقْنَ، فانَّ أكثركُنَّ حطَب جهنَّم، فقالت امرأة من وسط النساء، لماذا يا رسول الله؟ فقال: "لأنكنّ تكثرن الشكاية، وتكفُرن العشير" فجَعَلْنَ -رضي الله عنهنَّ- يلقين من قروطهنّ وخواتيمهنّ وقلائدهنّ في ثوب بلال -رضي الله عنه- صدَقةً لله.
فيا أيتها الأخوات والأمهات، اتَّقِين الله تعالى، وكنّ خير خلف لخير سلف.
أيتها النساء: إن عليكنّ أن تتَّقِين الله في أنفسكنّ، وان تحفظن حدوده، وترعَين حقوق الأزواج والأولاد، فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله.
أيتها النساء: لا يغرَّنَّكنَّ ما يُوجَّه للمرأة في هذا الزمان من شتّى أبواب المغريات لإفسادهنّ باسم الموضة وباسم الأزياء، ثم المحاولات المتتابعة في إخراج المرأة من مكان صونها وكرامتها، ولا يغرنَّكنَّ ما يفعله بعض النساء ممن تأثرن بهذا التيار من الخروج إلى الأسواق بالتبرج والطيب، وربما كشف الوجه واليدين، أو وضع ساتر رقيق لا يستر، فلقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد"، وذكَر نساءً كاسياتٍ عارياتٍ، مائلات مميلات، رؤوسهنَّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنَّة، ولا يجدن ريحها".
أيتها النساء: إياكنَّ ثم إياكنَّ مِن لبس "البنطلون"! فانه حرام، ولا يجوز للمرأة لبسه وان كان أمام النساء، ومع الأسف انتشار هذه الظاهرة عندنا، ولم تكن معروفة من قبل.
ثمَّ إياكنَّ مِنْ وَضْع العَبَاءة على الكتِف! وان غطَّت المرأةُ وجهَها، فانه حرام ولا يجوز، وفيه تشبه بالرجال، وقد لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- المتشبهات من النساء بالرجال.
أيتها النساء: إذا مشيتنّ في الأسواق فعليكنّ بأطراف الطريق، ولا تزاحمن الرجال، ولا ترفعن أصواتكنّ، ولا تُلبسن أولادكنّ ألبِسَةً محرَّمةً أو مكروهة، ولا تعوِّدوا بناتكنَّ على لِبس القصير، وان كانت البنت صغيرة.
أيتها النساء: إياكنّ ثم إياكنّ والركوبَ مع السائق لوحده! أو الخلوة به بحجة أن هذا سائقٌ صار يعامَل معاملةَ أهل البيت، فإن في هذا شرَّاً عظيماً، لا يعلم به إلا الله، وما اختلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثَهما.
اللهمَّ إن عبادك خرجوا إلى هذا المكان، يرجون ثوابك وفضلك، ويخافون عذابك وسخطك، اللهم حقِّق لنا ما نرجو، وأمِّنَّا مما نخاف.
اللهمَّ إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تجعلنا من الذين قبلتهم في رمضان وأعتقتهم من النيران، اللهم اجعلنا ممن قام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له ما تقدم من ذنبه.
اللهمَّ اجعلنا ممن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً فغفرْتَ له ما تقدَّم من ذنبه، اللهمَّ إنا نسألك أن تفرِّج عن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فرجاً عاجلاً غير آجل، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت، أن تحقن دماء المسلمين في كل أرض يُراق فيها دم مسلم، اللهم أحقن دماء المسلمين في الجزائر وأفغانستان والعراق، وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم فرِّج هَمَّ المهمومين، ونفِّس كَرْب المكروبين، اللهم اجعل لنا من كلِّ همٍّ فرَجا، ومن كل ضيق مخرجا، اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن على طاعةٍ واستقامة يا ربَّ العالمين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العلمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم