فنظرة إلى ميسرة

ناصر بن محمد الأحمد

2011-02-20 - 1432/03/17
عناصر الخطبة
1/ دعاء قضاء الدين 2/ مضار الديون على الإنسان وحالته النفسية 3/ وصايا للمدينين 4/ أن يكون الفقر والغنى لله تعالى 5/ الأخذ بأسباب طلب الرزق 6/ المبادرة بسداد الديون 7/ على الأغنياء أن يرحموا الفقراء والضعفاء 8/ نقص الأموال من الابتلاءات التي يمتحن بها العباد 9/ على الغني أن يعفو عن المعسر أو يصبر عليه

اقتباس

المدين: ذليل حسير، كسيرٌ أسيرٌ، ولو رآه الناس حرًّا طليقًا. كيف يرتاح قلبه وكيف يطمئن فؤاده وهموم الناس أحاطت به من كل جانب؟! كيف يرتاح في بيته وقد طرقت عليه الأبواب من أصحاب الديون وأصحاب الحقوق؟! كيف يرتاح في نومه، كيف تنام عينه وهمُّ الدين يقلقها؟! وكيف يطمئن جسده ومصائب الحقوق تزعجه؟! لذلك -عباد الله- استعاذ النبي –صلى الله عليه وسلم- من الدين وقهر الرجال.

 

 

 

 

إن الحمد لله...

أما بعد:

أيها المسلمون: عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: دخل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المسجد ذات يوم فرأى رجلاً من الأنصار يقال له: أبا أمامة جالسًا فيه فقال –صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا أمامة: ما الذي أجلسك في المسجد في غير وقت صلاة؟!"، قال: يا رسول الله: هموم لزمتني وديون غلبتني. فقال –صلى الله عليه وسلم-: "أولا أدلك على كلمات إذا قلتهنّ أذهب الله عنك همك وقضى عنك دينك؟!"، قال: بلى يا رسول الله، قال: "قل إذا أمسيت وأصبحت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

أيها المسلمون: إنه الدَّين: هَمٌّ الليل وذل النهار.

إنه الدين: الذي يزعج القلوب ويشتت الأفكار.

المدين: مهموم مغموم ولو رآه الناس فرحًا مسرورًا.

المدين: ذليل حسير، كسيرٌ أسيرٌ، ولو رآه الناس حرًّا طليقًا. كيف يرتاح قلبه وكيف يطمئن فؤاده وهموم الناس أحاطت به من كل جانب؟! كيف يرتاح في بيته وقد طرقت عليه الأبواب من أصحاب الديون وأصحاب الحقوق؟! كيف يرتاح في نومه، كيف تنام عينه وهمُّ الدين يقلقها؟! وكيف يطمئن جسده ومصائب الحقوق تزعجه؟! لذلك -عباد الله- استعاذ النبي –صلى الله عليه وسلم- من الدين وقهر الرجال.

الدَّين: يمنع الإنسان من الخشوع في صلاته وعبادته، والطمأنينة في جسده والراحة بين أهله وولده، ولذلك ينبغي على المسلم أن يبتعد عن أسباب الدين قدر المستطاع.

المدين: مهموم مغموم، فما أحوجه إلى الرحمة والعطف والإحسان!! الله أعلم كم في قلب المدين من هموم وغموم لا يعلمها إلاّ رب العالمين؛ لذلك عباد الله وقف رسول الله –صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي- على هذا المهموم والمغموم، وقد كان أرحم بأصحابه من الوالد بولده، وقف عليه فرأى آثار الأحزان والأشجان على وجهه، فنـزل الوحي عليه من السماء بهذا الدعاء، لكي يكون سلوانًا للمدينين وعزاءً للمعسرين والمنكوبين: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

المدين: يصدق عليه قول الشاعر:

صبت عليّ مصائب لو أنها *** صبت على الأيام عدنا لياليا

فتجده في الليل وتجده في النهار يسير مستخفيًا متواريًا خجلاً من الناس، وفي الليل إذا ما جنّ الليل ونام النائمون وهجع الهاجعون وأسدل الليل عليهم لحاف الراحة والهناء حضرت على باله همومه، ونزلت بداره غمومه، وامتطى متن أحزانه وركب بحر آلامه اللاتي لا ساحل لها، تتقاذفه أمواج البلاء وتتجاذبه أتون الشقاء، فهو يساهر الليل والنجم وقد نزلت في باله المصائب كلها، وتكالبت عليه من كل فج، وأصبح لا يهنأ في نومه وراحته ولا في أكله وشرابه، وصدق عليه قول الشاعر:

وليل كموج البحر أرخى سدوله *** عليّ بأنواع الهموم ليبتلـي
فقلت له لمـا تمطـى بصلبـه *** وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي *** بصبح وما الإصباح منك بأمثل

وصدق عليه قول الآخر:

مالي وللنجم يرعاني وأرعاه *** أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه
لي فيك يا ليل آهات أرددها *** أواه لـو ينفـع المحـزون أواه

فإذا استيقظ استيقظت همومه معه، وإذا نام نامت معه، فهو سجين في سجن الحياة المتنقل، كما يقال في زنزانة متنقلة، مع أنه يعيش مع الأحرار وهو ميت في ثياب الأحياء:

ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء

معاشر المدينين: أنزلوا الحوائج بأرحم الراحمين، وقفوا بباب أكرم الأكرمين. وإليكم بعض الوصايا:

الوصية الأولى: أن يكون فقركم إلى الله وغناكم بالله، توكلوا على الحي الذي لا يموت، توكلوا على من بيده خزائن السماوات والأرض، توكلوا على الحليم الكريم، وفوضوا الأمور إليه، وأذعنوا له بالذلة والتسليم:

أستودع ربي أموري كلها *** إن لم يكن ربي لها فمن لها

أنزلوا الحوائج بالله، وتوكلوا على الله، وأحسنوا الظنون بالله، وإن ضاقت عليكم قلوبكم فوسعوها باليقين بالله -سبحانه وتعالى-، فكم من هموم وغموم أحاطت بأصحابها فرجها الله عنهم من حيث لا يحتسبون.

الوصية الثانية: خذوا بالأسباب واطلبوا الرزق كما جعله رب الأرباب: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) [الملك: 15]، إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، خذوا بأسباب الرزق، وسددوا ولو بالقليل قال –صلى الله عليه وسلم-: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله". أي من أخذ الدين وفي نيته أن يسدد أعانه الله وفتح له أبواب الرزق، ومن أخذ -وهو يريد أن يضيع أموال الناس ويتلفها- أتلفه الله -عز وجل-. فخذوا بالأسباب وسددوا ولو بالقليل، فإن الله يجعل القليل بالبركة كثيرًا.

الوصية الثالثة: اعلم أنك مطالب بالسداد حتى تبرئ ذمتك، وتخلص نفسك، حتى إن الميت ثبت في الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لو مات شهيدًا غفرت ذنوبه ولم يغفر دينه، قال –صلى الله عليه وسلم-: "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين". هذا الشهيد الذي يغفر له عند أول قطرة من دمه، ويؤمن من عذاب القبر وفتنة القبر, ويشفع في سبعين من أهله، وروحه في حواصل طير خضر في الجنة تؤوي إلى قناديل معلقة بالعرش، يغفر له كل شيء إلا الدين.

ووصية للأبناء والبنات عند موت الآباء والأمهات أن يبادروا بسداد الحقوق، التأخر في سداد دين الميت يعتبر بلاءً عليه، ثبت في الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام-: أنه أتي برجل ليصلي عليه فقال: "هل عليه دين؟!"، قال: نعم. قال: "صلوا على صاحبكم". فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله -أي الديناران اللذان هما دين هذا الرجل- فصلى عليه النبي –صى الله عليه وسلم-. قال أبو قتادة: فلم يزل يلقني في طرق المدينة -أي النبي صلى الله عليه وسلم- ويقول: "هل أديتهما؟! هل قضيتهما؟!"، فيقول: لا بعد. حتى لقيني ذات يوم فقال: "هل أديتهما؟!"، قلت: نعم. فقال: "الآن بردت جلدته"، أي الآن برد جلد ذلك الميت بسبب كونه مرهونًا بالدين.

فعلى المدين أن يبادر بالسداد إذا كان عنده مال، فإذا تأخّرت عن سداد الدين وعندك القدرة فأنت ظالم وعليك الإثم، وهذا من الجور وأذية العباد، ولذلك لا يجوز للمسلم أن يماطل أصحاب الحقوق، فأنت مدين ولو كنت غنيًا ثريًا إذا أخّرت حقوق العمال عن وقتها، أنت مدين ومأسور بدينك وظالم في فعلك إذا منعت الضعفاء والأجراء ومضت عليهم الشهور وأجسادهم تتصبب العرق لا ينالون حقوقهم، أنت ظالم لهم ومسئول بين يدي الله عما فعلت بهم وعما حصل من الضرر لهم ولعوائلهم، فاتقوا الله عباد الله.

وأنتم معاشر الأغنياء: ارحموا الفقراء والضعفاء وتفقدوا المحتاجين والبؤساء، وإياكم وسوء الظن بالناس, وإن ذهبت أموالكم بالدنيا فلن تذهب عند الله -عز وجل-.

يا معاشر الأغنياء: ارحموا الفقراء والضعفاء، وتفقدوا المحتاجين والبؤساء، يسروا ولا تعسروا، واستمعوا إلى ذي العزة والجلال؛ حيث يقول في كتابه أصدق مقال: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) [البقرة: 280].

يا معاشر الأغنياء: الله امتحنكم بالغنى والثراء، فاحمدوا نعمة الله عليكم، فإن جاءكم المدين يشكي دينه وعلمتم صدقه فساعدوه، وإياكم وسوء الظن بالناس.

يا معاشر الأغنياء: وسعوا على الفقراء والضعفاء، وردوهم إلى بيوتهم وقد جُبرت نفوسهم، وجُبرت خواطرهم المكسورة، فأي نعمة من الله -عز وجل- يُنعم بها على العبد يوم يجعله مفتاحًا للخير والرحمة، فينقلب الناس من عنده وقد فُرّجت همومهم وغمومهم. تصوروا رب العائلة، تصوروا شيخًا كبيرًا له أسرة إذا وقف بالغنى فسأله حاجته ورده إلى أهله فرحًا مسرورًا. كم من أناس طوتهم القبور، وكم من أناس توسدوا اللحود إلى البعث والنشور، لا زالت تغشاهم إلى اليوم الدعوات، وتفيض عليهم في مساكن لحودهم الرحمات، بما أسدوا من الجميل وتفريج الكربات.

يا معاشر الأغنياء: الدنيا فانية وزائلة حائلة، ووراءكم يوم لا يغني فيه مال ولا بنون، فادخروا من صالح الأعمال، وفرّجوا لوجه ذي العزة والجلال.

ففي هذه الأيام تكثر الديون وتعظم الهموم على شاب يريد الفرح فتنقلب أفراحه أتراحًا، على شاب يريد أن يبني بيته ويرتاح مع أهله، فإذا به يدخل إلى بيت الزواج مرهقًا بالديون مأسورًا بحقوق الناس، اليوم تقام الأفراح وتقام الولائم هنا وهناك, وهناك قلوب كسيرة أسيرة بالديون، نعم أناس يُهنَّون بأفراحهم وزواجهم، ولكن تمضي أيام قليلة فيكتوون بنار الديون، ويعيشون هموم الحقوق، حقوق الناس التي استعاذ النبي –صلى الله عليه وسلم- من بلائها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله...

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

أما بعد:

أيها المسلمون: إن النبي –صلى الله عليه وسلم- عظّم أمر الدين، وكان من حُكم الإسلام في أول الأمر أن من مات وعليه دين كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يصلي عليه حتى يقضى دينه، كل ذلك لكي يخوف الناس من الدّين، كل ذلك لكي يرهبهم من الدين ويجعلهم في عافية من هذا البلاء العظيم.

أيها المسلمون: إن الله -سبحانه وتعالى- يبتلي عباده بصنوف من البلاء وأنواع من المحن، ومن ضمن ما يبتلي الله -عز وجل- به عباده خسارة التجارة ونقص الأموال كما قال -سبحانه وتعالى-: (ولنبلونكم بِشَيءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155-157].

فبينما ترى الإنسان في تجارة عريضة وفي ملك كبير وجاه واسع وسلطان عظيم، يأتيه أمر الله ليلاً أو نهارًا، فتخسر تجارته وتتشتت ثرواته وتتبدد أمواله، ويصبح لا يملك إلا البيت الذي يسكن فيه أو الثوب الذي يرتديه، ولقد كثر هذا النوع من الابتلاء ومن الحوادث، وخصوصًا بعد انقشاع ما يسميه الناس بعهد الطفرة، الذي هو أشبه ما يكون بسحابة صيف مرت وتركت الناس بين إنسان في السحاب وبين آخر في التراب، إنسان في الثريا وآخر في الثرى، انقشع هذا العهد وهذه الفترة وتركت أقوامًا كانوا في تجارة واسعة وفي ملك كبير، فتبددت أموالهم وخسروا في تجارتهم وجرت عليهم مقادير الله، فأصبحوا قابعين في سجونهم يتكففون الناس، ويسألونهم من نوالهم، فسبحان الذي لا نفاد لملكه ولا زوال لعزه: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير) [آل عمران: 26].

والحياة دول كما يقال، (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140].

لكل شيء إذا ما تم نقصـان *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول *** من سرّه زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تُبقي على أحد *** ولا يدوم على حال لها شان

أيها المسلمون: إن أمثال هؤلاء الخاسرين المفلسين المعسرين كثير وكثير في زماننا، ولقد وجه الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه الكريم إلى معاملة هؤلاء المنكوبين المبتلين بما يليق بحالهم وعوزهم وفقرهم.

والناس في هذا الزمان الذي انقطعت فيه أواصر الإحسان والمعروف، وعم الجشع وساد الطمع وفسدت النوايا وساءت الطوايا، وأصبحت العلاقات مبنية على المصالح الدنيوية، وانقطعت الروابط الأخوية الإسلامية، وأصبحوا يعاملون بعضهم معاملة مادية، ويعامل القوي الضعيف، ويعامل الدائن مدينه معاملة يترفع عنها مع معاملة الكافر وربما لا تليق بالحيوان، فتجده يسلك مسالك شتى، فيظلمه ظلمًا صارخًا، ويعتدي عليه ويستغل فقره وحاجته.

لقد سمعنا عن مصائب كثيرة، كم من أسرة تشتت بسبب ظلم الدائن لمدينه؟! وكم من زوجة طلبت الطلاق من زوجها لأنها لا تشاهده إلا ساعة من الأسبوع أو ساعة من الشهر في سجنه؟! بل كم من امرأة شريفة -ما اعتادت السؤال يومًا من الدهر- وقفت تطرق أبواب المحسنين وتستجدي نوال المتفضلين، تسألهم من نوالهم ومن فضل الله -سبحانه وتعالى- عليهم، مع أنها لم تتعود هذا النمط من السؤال؛ لأن زوجها سجن، وترك لها صبية لا تجد ما تحملهم عليه؟! وكم من امرأة شريفة عفيفة اضطرتها مطرقة الفقر الثقيلة حتى سلكت سبلاً ملتوية وراء الشر والبغاء والشقاء والفجور والعياذ الله؟!

أيها المسلمون: لقد بين الله -عز وجل- في كتابه المبين أن المدين إذا بلغ به الحال إلى حد العسرة ولم يستطع السداد، فإن معاملته يجب أن تكون من خلال طريقين لا ثالث لهما:

أما الطريق الأول: فهو انتظار المدين حتى يفتح الله -عز وجل- عليه باب الرزق وحتى يبدل الله عسره يسرًا، وأنت بذلك مأجور إن شاء الله، ومشكور عند الله وعند خلقه، وحري أن يدعو لك هذا المسكين بما عسى الله أن يرفعك به يوم القيامة، وأن يبوئك أعلى المنازل في الجنان، فلا يحل لك أن تطالب بسجنه، بل يجب أن تصبر عليه حتى يبدل الله -عزّ وجل- حاله يسرًا.

أما الطريق الآخر: فهو العفو عن المدين والصفح عنه قدر الاستطاعة، يقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

أخي المسلم الدائن: إن إعفاءك عن مدينك ومسامحتك له من أفضل الصدقات عند الله -عزّ وجل-، وإنها تفريج لكربات المسلمين، وهي من التيسير على المعسرين ومن ستر عورات المسلمين، وتلك -والله- من أفضل الأعمال عند أرحم الراحمين.

قال -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عنه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-: "من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسّر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، فيسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". واعلموا أن مسامحتكم لهؤلاء المساكين من أفضل الإحسان ومن أعظم المعروف، والله -عز وجل- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) [الحج: 77]، ويقول تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) [البقرة: 195].

اللهم وفقنا للصالحات، وارزقنا توبة قبل الممات، يا عالم السر والنجوى والخفيات، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نعوذ بك من همّ الدين وقلقه، اللهم صُنْ ماء وجوهنا عن ذل سؤال غيرك، اللهم احفظنا من الوقوف بغير بابك، اللهم اجعل فقرنا إليك وغنانا بك يا أرحم الراحمين.
 

 

 

  

المرفقات

إلى ميسرة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات