في التشاؤم

الشيخ عبدالله بن إبراهيم القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ حرمة التشاؤم 2/ من أشكال تشاؤم الجاهلية

اقتباس

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ الْمُخَالِفَةِ لِهَدْيِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ، وَالْمُنَافِيَةِ لكمال التوتحيد الللينييني لِكَمَالِ التَّوْحِيدِ، وَالْقَادِحَةِ فِي إِيمَانِ الْمُسْلِمِ، فَلَا يَلِيقُ بِمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى هَذِهِ الْأَوْهَامِ وَالْخُرَافَاتِ، وَكَذَلِكَ التَّشَاؤُمُ بِبَعْضِ الْأَيَّامِ كَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ -مَثَلًا- أَوِ التَّشَاؤُمِ بِأَصْحَابِ بَعْضِ الْعَاهَاتِ الْبَدَنِيَّةِ أَوْ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ

 

 

 

 

الْحَمْدُ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي الْجَهْرِ وَالنَّجْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- عَالِمٌ بِمَا يَجْرِي فِي هَذَا الْكَوْنِ: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يُونُسَ: 61] قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ فِي الْأَزَلِ، فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَعِلْمِهِ، مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [الْقَمَرِ: 49]. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ قَالَ: اكْتُبْ. فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ وَنَقَصَ إِيمَانُهُمْ يَتَشَاءَمُونَ مِنْ بَعْضِ الشُّهُورِ وَبَعْضِ الْأَيَّامِ أَوْ بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ أَوِ الْأَشْخَاصِ أَوْ بَعْضِ الْعَاهَاتِ وَالصِّفَاتِ وَيَتَطَيَّرُونَ مِنْهَا، وَهَذَا عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، مُخَالِفٌ لِهَدْيِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ، وَأَمَرَ بِالِاتِّكَالِ عَلَى اللهِ -تَعَالَى- وَحْدَهُ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِهِ بِخَوْفٍ أَوْ رَجَاءٍ أَوْ رَغْبَةٍ أَوْ رَهْبَةٍ، وَقَدِيمًا كَانَ هَذَا التَّشَاؤُمُ دَأْبَ الْجَاهِلِيِّينَ وَأَعْدَاءِ الْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الْأَعْرَافِ: 131] وَالْمَعْنَى أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ إِذَا أَصَابَتْهُمُ الْحَسَنَةُ أَيِ: الْخِصْبُ وَالسَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَالْعَافِيَةُ فِي الْأَبْدَانِ قَالُوا: لَنَا هَذِهِ، أَيْ: نَحْنُ الْجَدِيرُونَ وَالْحَقِيقُونَ بِذَلِكَ وَنَحْنُ أَهْلُهُ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ: أَيْ بَلَاءٌ وَضِيقٌ وَقَحْطٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ فَيَقُولُونَ: هَذَا بِسَبِبِ مُوسَى وَقَوْمِهِ، أَصَابَنَا شُؤْمُهُمْ، كَمَا يَقُولُهُ الْمُتَشَائِمُ وَالْمُتَطَيِّرُ لِمَنْ يَتَطَيَّرُ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَدَّ عَلَيْهِمْ هَذَا الْقَوْلَ وَأَخْبَرَهُمْ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) [الْأَعْرَافِ: 131] أَيْ أَنَّ الَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ؛ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ لِلْمُرْسَلِينَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، فَهُمْ جُهَّالٌ لَا يَعْلَمُونَ وَلَا يَدْرُونَ، وَلَوْ فَهِمُوا وَعَقَلُوا عَنِ اللهِ أَمْرَهُ لَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى إِلَّا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ وَالسَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الَّذِينَ يَتَشَاءَمُونَ وَيَتَطَيَّرُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إِنَّمَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَفِقْهِهِمْ فِي الدِّينِ، وَقَدْ شَابَهُوا فِي هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْمُومَةِ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ وَنَفَى عَنْهُمُ الْعِلْمَ، وَلِهَذَا حَذَّرَنَا صلى الله عليه وسلم مِنَ الطِّيَرَةِ أَشَدَّ تَحْذِيرٍ، وَسَمَّاهَا شِرْكًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ" وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ" قَالُوا: فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ".

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ بَعْضًا مِنَ النَّاسِ يَتَشَاءَمُونَ بِهَذَا الشَّهْرِ؛ شَهْرِ صَفَرَ، وَإِنَّ هَذَا التَّشَاؤُمَ يُعْتَبَرُ مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا يَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَّصِفَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِمُ الْمُخَالِفَةِ لِهَدْيِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا الشَّهْرُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، لَا مَزِيَّةَ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَقَدْ أَبْطَلَ صلى الله عليه وسلم عَقِيدَةَ الْجَاهِلِيَّةِ فِيهِ، وَحَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ".

وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِشَهْرِ صَفَرَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ شَهْرٌ مَشْئُومٌ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ وَنَفَاهُ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْجُهَّالِ يَتَشَاءَمُونَ بِهِ، وَرُبَّمَا أَدَّتِ الْحَالُ بِبَعْضِهِمْ أَنْ يَتْرُكَ السَّفَرَ فِيهِ أَوِ التَّزَوُّجَ؛ تَشَاؤُمًا وَتَطَيُّرًا.

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ الْمُخَالِفَةِ لِهَدْيِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ، وَالْمُنَافِيَةِ لكمال التوتحيد الللينييني لِكَمَالِ التَّوْحِيدِ، وَالْقَادِحَةِ فِي إِيمَانِ الْمُسْلِمِ، فَلَا يَلِيقُ بِمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى هَذِهِ الْأَوْهَامِ وَالْخُرَافَاتِ، وَكَذَلِكَ التَّشَاؤُمُ بِبَعْضِ الْأَيَّامِ كَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ -مَثَلًا- أَوِ التَّشَاؤُمِ بِأَصْحَابِ بَعْضِ الْعَاهَاتِ الْبَدَنِيَّةِ أَوْ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ.

فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحَقِّقَ إِيمَانَهُ بِرَبِّهِ، بِالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ عَلَى رَبِّهِ الَّذِي بِيَدِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَيَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، كَمَا أَمَرَ -سُبْحَانَهُ- بِذَلِكَ، حَيْثُ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يُونُسَ: 107]. وَقَالَ تَعَالَى: (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فَاطِرٍ: 2] أَيْ أَنَّ مَا يَفْتَحُهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ النِّعَمِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ -كَائِنًا مَنْ كَانَ- أَنْ يُمْسِكَهُ عَنْهُمْ، وَمَا يُمْسِكُهُ عَنْهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَإِنْعَامِهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ -كَائِنًا مَنْ كَانَ- أَنْ يُرْسِلَهُ إِلَيْهِمْ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ.

اللهُمَّ افْتَحْ لِدُعَائِنَا بَابَ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ، اللهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ، وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ، وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ، إِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، رَبَّنَا اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ فَكَفَيَّتَهُ، وَاسْتَهْدَاكَ فَهَدَيْتَهُ... إِلَخْ.

 

 

  

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَرْشَدَ الْعُقُولَ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَهَدَاهَا، وَأَوْضَحَ أَدِلَّةَ وَحْدَانِيَّتِهِ وَجَلَّاهَا، وَأَبْطَلَ بِبَرَاهِينِ الْحَقِّ شُبَهَ الْبَاطِلِ وَمَحَاهَا، وَثَبَّتَ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ ذَوِي الْإِيقَانِ بِيَقِينِ الْإِيمَانِ، كَمَا أَثْبَتَ الْأَرْضَ بِالْجِبَالِ وَأَرْسَاهَا، وَأَضَلَّ عُقُولَ الْكَافِرِينَ وَأَعْمَى بَصَائِرَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَدْبَرَتْ عَنِ الْإِيمَانِ فَلَمْ تُجِبْهُ إِذْ دَعَاهَا، وَأَضْعَفَ يَقِينَ الْمُدَّعِينَ، وَأَهْوَى نُفُوسَ الْعَاصِينَ فَانْقَادَتْ لِأَدْنَى شُبْهَةٍ أَوْ شَهْوَةٍ دَعَاهَا إِلَيْهَا هَوَاهَا، أَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدِ ارْتَفَعَ بِأَهْلِهِ عَنْ أَوْهَامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَبَاطِيلِهَا، وَطَهَّرَ نُفُوسَهُمْ مِنْ رِجْسِ الْوَثَنِيَّةِ وَأَوْضَارِهَا، وَابْتَعَدَ بِهِمْ عَنْ مَجَالَاتِ التَّدَهْوُرِ وَالْإِسْفَافِ فِي كُلِّ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ، وَفِي طَلِيعَةِ ذَلِكَ مَبْدَأُ الْخُرَافَةِ وَالتَّضْلِيلِ: ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَعْنَةٌ فِي صَمِيمِ الْعَقِيدَةِ وَانْهِيَارٌ مُؤْلِمٌ يَفِلُّ الْعَزَائِمَ وَيُثْلِمُ الْعِزَّةَ وَيَقْضِي عَلَى الْعَزَمَاتِ، احْتَضَنَهُ الْجَاهِلُونَ حِينَ كَانُوا يَتَعَلَّقُونَ بِالْخَيَالِ وَيَسْتَسْلِمُونَ لِلْوَهْمِ، وَيَرْكَنُونَ إِلَى التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى دُونَ تَبَصُّرٍ وَهِدَايَةٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَعَقُّلٍ وَدِرَايَةٍ، فَعَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ وَقَالَ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [الْبَقَرَةِ: 170].

وَكَانَ فِيمَا اعْتَنَقُوهُ كَمَبْدَأٍ لِلْخُرَافَةِ يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّحَوُّلِ عَنْ عَزِيمَتِهِمْ: التَّشَاؤُمُ بِأَصْوَاتِ الطُّيُورِ، كَنَعِيقِ الْغِرْبَانِ وَالْبُومِ، وَالتَّشَاؤُمُ بِالْأَيَّامِ كَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَبِالشُّهُورِ كَشَهْرِ صَفَرَ وَشَوَّالٍ، وَبِالدُّهُورِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَوَّلَتْ لَهُمْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَاتَّبَعُوا فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهَدْمِ مَبْدَئِهِ مِنْ أَسَاسِهِ، جَاءَ بِتَحْرِيرِ الْعُقُولِ مِنَ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى، وَتَوْجِيهِهَا إِلَى اللهِ، وَبِتَفْوِيضِ الْأُمُورِ كُلِّهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا لِلهِ رَبِّ الْأَرْبَابِ خَالِقِ الْعِبَادِ؛ فَكُلُّ الْعِبَادِ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَقَهْرِهِ، وَكُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مُسَخَرَّةٌ بِأَمْرِهِ، هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ، كَاشِفُ الْكُرُبَاتِ، مُزِيلُ الشَّدَائِدِ، الْمُتَحَبِّبُ إِلَى عِبَادِهِ بِالنِّعَمِ، وَالْمُمَحِّصُ لِذُنُوبِهِمْ بِالْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَنبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ: 35] وَالتَّشَاؤُمُ لَا يُغَيِّرُ مِنَ الْقَدَرِ الْمَكْتُوبِ شَيْئًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فَاطِرٍ: 2] وَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التَّوْبَةِ: 51] وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يُونُسَ: 107].

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَصِيَّتِهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" فَهَذِهِ الْآيَاتُ مَعَ الْحَدِيثِ تَقْطَعُ جُذُورَ الْوَهْمِ وَالتَّشَاؤُمِ، وَتَقْضِي عَلَى التَّضْلِيلِ وَالْأَبَاطِيلِ، وَتُرْشِدُ إِلَى إِخْلَاصِ الْقَصْدِ وَصِحَّةِ الِاتِّجَاهِ وَالتَّعَلُّقِ بِفَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ..إِلَخْ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.. إِلَخْ.

 

 

  

المرفقات

التشاؤم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات