فضل النفقة

أسامة بن عبدالله خياط

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ وعد الله الحق 2/ وعد الله للمنفقين 3/ دعاء الملكين للمنفق والممسك 4/ القصد في الإنفاق 5/ وعد الشيطان للمنفق 6/ حسن ظن المنفق بربه

اقتباس

ألا وإن دعاء الملَك بالإخلاف على المنفق عام في الدنيا بحصول البركة في المال ونمائه وطيبه وازدياده، وفي الآخرة بحسن الثواب وكريم الجزاء، وأما دعاء الملك الآخر على الممسك بالتلف فهو إما بذهاب ذلك المال بعينه، أو بتلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها ..

 

 

 

 

 

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن منازل المتقين في دار الكرامة عند مليك مقتدر، أشرفُ المنازل وأرفعها وأسماها، وقد أفلح من تبوّأها وتفيّأ ظلالها، وحظي بالنعيم المقيم فيها.

أيها المسلمون: إن الوعد الحق الصادق الذي لا يتخلّف موعوده، هو وعد الرحمن الذي وصف به نفسه في محكم التنزيل وأصدق القيل؛ حيث قال سبحانه: (أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [يونس:55]، وقال -جل شأنه-: (يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر:5].

ولقد كان مما وعد الله به المؤمنين المنفقين أموالهم في وجوه الخيرات حسن العاقبة بكمال الإخلاف عليهم كِفاء البذل والسخاء بمال الله الذي آتاهم إياه، واستخلفهم فيه، تفضلاً منه ومنًّا، وجودًا وإحسانًا، وبرًّا وكرمًا، فقال -عز اسمه-: (قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَيْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39]؛ أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدَل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -عز وجل-: أنفق -يا ابن آدم- أنفق عليك"، وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".

ألا وإن دعاء الملك بالإخلاف على المنفق عام في الدنيا بحصول البركة في المال ونمائه وطيبه وازدياده، وفي الآخرة بحسن الثواب وكريم الجزاء، وأما دعاء الملك الآخر على الممسك بالتلف فهو إما بذهاب ذلك المال بعينه، أو بتلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها.

وفي الصحيحين أيضًا عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك"، وهو نهي لها -رضي الله عنها- أن تمنع الفضل من مالها، فلا تنفقه في وجوه الطاعات خشية نفاده، فتكون العاقبة عند ذاك أن يقطع الله عنها مادة الرزق، ويحجب عنها بركة الإنفاق، وبئست العاقبة وقبح المآل.

غير أن هذا الإنفاق -يا عباد الله- يجب أن يكون ماضيًا على السنن الأقوم، والطريق الأحكم، الذي جاءت به الشريعة المرفوعة المكرمة، ألا وهو سنن القصد وطريق الاعتدال، الذي بينه سبحانه في محكم التنزيل بقوله: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً) [الإسراء:29].

إنها حسنة متوسطة بين سيئتين؛ بين سيئة التبذير وسيئة التقتير، وكلاهما من ذميم الخصال وقبيح الخلال التي يتعين على المسلم اللبيب اجتنابها، والنأي بنفسه عن سلوك سبيلها، والتردي في وهدتها.

وإزاء هذا الوعد الرباني –يا عباد الله– يأتي وعد الشيطان للإنسان بالفقر إذا هو أنفق مما آتاه الله، فهذا -كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله- وعد الشيطان وهو الكاذب في وعده، الغادر الفاجر في أمره، فالمستجيب لدعوته مغرور مخدوع مغبون، فإنه يدلي من يدعوه بغروره، ثم يورده شر الموارد.

هذا، وإن وعده له بالفقر ليس شفقة عليه، ولا نصيحة له كما ينصح الرجل أخاه، ولا محبة في بقائه غنيًّا، بل لا شيء أحب إليه من فقره وحاجته، وإنما وعده له بالفقر، وأمره إياه بالبخل ليسيء ظنه بربه، ويترك ما يحبه من الإنفاق لوجهه، فيستوجب منه الحرمان.

فهذا -أيها المسلمون- وعد الله، وذاك وعد الشيطان، فلينظر البخيل والمنفق أي الوعدين هو أوثق، وإلى أيهما يطمئن قلبه، وتسكن نفسه، والله يوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، وهو الواسع العليم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لشَّيْطَـانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِلْفَحْشَاء وَللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَللَّهُ وسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيا عباد الله: إن حسن ظن المنفق بربه دال أوضح دلالة على سلامة وصحة البناء النفسي لهذا العبد، وكمال توكله على ربه، وتمام يقينه بصدق وعده سبحانه لعباده المنفقين في الخيرات، ذلك الوعد الحق الذي لا يخلف ولا يتبدل.

ألا فأحسنوا -أيها المسلمون- الظن بربكم، وأنفقوا مما آتاكم الله من فضله، طيبة به نفوسكم، تحظوا بذلك الموعود، بالإخلاف عليكم في الدنيا، وحسن الثواب وكريم الأجر لكم في الأخرى.

ألا وصلوا وسلموا على الحبيب رسول الله، فقد أمرتم بذلك في كتاب الله، حيث قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
 

 

 

 

 

المرفقات

النفقة3

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات