عناصر الخطبة
1/ اتعاظ المسلم بما يمر به من حر المصيف 2/ وصف نار جهنم 3/ مقارنتها بنار الدنيا 4/ تذكر المؤمن النار كلما تثاقل عن العمل 5/ عدد خزنة جهنم 6/ عِظم خلق النار واتساعها وبُعد قعرها 7/ نار الآخرة مبصرة ناطقة غضبى على أعداء الله 8/ ضعف الإنسان عن تحمل عذاب جهنماقتباس
والمؤمن لا يزال متعظًا بما يمر به من أحداث وأحوال وتغيرات، فيأخذ من حرّ الدنيا عبرة لحر يوم القيامة، ويسعى في أعمال تظله في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، ويأخذ من شعاع الشمس المحرق وقت الظهيرة عظة لحر نار جهنم، تلك النار التي هدد الله تعالى بها من عصاه، وكرر ذكرها في القرآن كثيرًا، وأفاض في ذكر أسمائها وأوصافها وحال أهلها، وأنواع عذابهم فيها؛ لإنذار العباد بها، وتخويفهم منها ..
الحمد لله الكبير المتعال، العزيز الجبار؛ جعل الدنيا دار عمل وامتحان، وجعل الآخرة دار حساب وجزاء، فمن آمن وعمل صالحًا جوزي بالجنان، ومن كفر بالله تعالى خلد في النار (فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشُّورى: 7].
نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونسأله العافية في الدنيا والآخرة؛ فإن أبا بكر -رضي الله عنه- خطب على المنبر فبكى وقال: سَلُوا الله الْعَافِيَةَ، فلم يُؤْتَ أَحَدٌ قَطُّ بَعْدَ الْيَقِينِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وعد على الإيمان والعمل الصالح جنة عرضها السموات والأرض، وأوعد على الكفر والنفاق والمعاصي نارًا تلظى: (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 81، 82].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نصح لأمته فبشرها وأنذرها، وبين لها سبل نجاتها، وحذرها من طرق هلاكها، وقال: "إِنِّي أنا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فالنجاء النَّجَاءَ". صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعملوا في يومكم ما يكون زادًا لغدكم؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وبعد الموت حساب ولا عمل، والمغبون من عمّر دنياه وأضاع أخراه، والفائز من وضع الموت والحساب نصب عينيه، ولم تغره الدنيا وشهواتها: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ) [آل عمران: 185].
أيها الناس: يضجر البشر من حر الدنيا، ويضعفون عن احتماله والصبر عليه، ويفر القادرون منهم إلى بلدان أقل حرًا من بلادهم، ولولا ما يسر الله تعالى من وسائل الاستظلال والتبريد وأنواع اللباس لهلك الناس، وتلك نعمة عظيمة امتن الله تعالى بها على عباده في سورة النعم: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل: 81].
والمؤمن لا يزال متعظًا بما يمر به من أحداث وأحوال وتغيرات، فيأخذ من حرّ الدنيا عبرة لحر يوم القيامة، ويسعى في أعمال تظله في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، ويأخذ من شعاع الشمس المحرق وقت الظهيرة عظة لحر نار جهنم، تلك النار التي هدد الله تعالى بها من عصاه، وكرر ذكرها في القرآن كثيرًا، وأفاض في ذكر أسمائها وأوصافها وحال أهلها، وأنواع عذابهم فيها؛ لإنذار العباد بها، وتخويفهم منها.
إنها نار لا يمكن أن يوصف حرها: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) [الغاشية:4]، وبلغ من شدة حرها أن بعضها يأكل بعضًا، ويحطم بعضها بعضًا، وتحطم كل ما يلقى فيها؛ ولذا سميت بالحطمة: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ * نَارُ الله المُوقَدَةُ) [الهمزة:4-6]، وروى أَبَو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اله -صلى الله عليه وسلم-: "اشْتَكَتْ النَّارُ إلى رَبِّهَا فقالت: رَبِّ: أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ من الْحَرِّ وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ من الزَّمْهَرِيرِ". متفق عليه.
وليست نيران الدنيا عندها شيئًا مهما بلغت، وإذا ذكرنا نيران الدنيا فيدخل فيها نيران الصواريخ والقنابل الذرية والنووية التي تشوي الأحياء، وتذيب الحديد، وتدمر مدنًا كاملة، وقد رأينا بالصور أفعال بعضها في البشر والبنايات والجبال والحديد، وكلها وما هو أعظم منها مما يتوصل إليه البشر لا يخرج عن كونه من نيران الدنيا التي ليست شيئًا يذكر عند نار الآخرة؛ كما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نَارُكُمْ جُزْءٌ من سَبْعِينَ جُزْءًا من نَارِ جَهَنَّمَ"، قِيلَ: يا رَسُولَ الله: إن كانت لَكَافِيَةً، قال: "فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا". متفق عليه. زاد أحمد في روايته: "وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْلاَ ذلك ما جَعَلَ الله فيها مَنْفَعَةً لأَحَدٍ". وقد ذكر العلماء في معنى الحديث أنه لو جمعت نار الدنيا كلها لكانت جزءًا من أجزاء جهنم المذكورة.
فعلى المؤمن -كلما تثاقل عن عمل صالح بسبب شدة الحر- أن يتذكر نار الآخرة؛ فإن الله تعالى قد ذكرنا بذلك: (وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) [التوبة:81].
وهي تَسَعُ من خلق الله تعالى من المعذِّبين والمعذَّبين ما لا تحيط به العقول، فسبحان من خلقها ودبرها وجعلها عذابًا لأعدائه، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخبار تنخلع من هولها القلوب، وتوجل النفوس، ولا يهنأ عيش لمن تذكر الوعيد بها، لولا أن الإنسان ينسى، ولولا أن الغفلة أطبقت على القلوب، تخيلوا عدد الملائكة الذين يجرونها يوم القيامة على وفق ما جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لها سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مع كل زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا". رواه مسلم.
والقاعدة أن الأعداد التي ترد في نصوص الشريعة نص في معناها، ولكي نعلم حقيقة الأمر، وهول جهنم فإن عدد الذين يجرونها يوم القيامة من الملائكة أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك، قد أعطاهم الله تعالى من القوة ما أعطاهم، وعددهم يضاهي عدد البشر جميعًا في زمننا، فما أعظم ربنا -جل في علاه-! وما أكثر خلقه! وما أشد ما أعد للعاصين من العذاب والنكال!!
ويدلك على عظم جهنم، وأنها تتسع لكل ما يلقى فيها ما جاء في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله تَعَالَى: "يا آدَمُ، فيقول: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ في يَدَيْكَ، فيقول: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وما بَعْثُ النَّارِ؟! قال: من كل أَلْفٍ تسعمائة وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سُكَارَى وما هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ". وفي رواية: "فَشَقَّ ذلك على الناس حتى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تسعمائة وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ". رواه الشيخان.
وحسبنا من ذلك -يا عباد الله- قول الله تعالى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق:30]. روى أَنَس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هل من مَزِيدٍ؟! حتى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فيها قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ" رواه الشيخان.
وإذا كان حجمها بهذه العظمة، وتسع ما شاء الله أن تسع من خلقه فإن قعرها بعيد جدًّا؛ ولذا سميت بالهاوية؛ لهوي المعذبين فيها: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) [القارعة:9]، أي: ينبذ نبذًا فيهوي على أم رأسه -عياذًا بالله تعالى-. وأهل اللغة يذكرون أن معنى جهنم: أي بعيدة القعر، فسميت بصفتها تلك؛ لشدة العذاب بالإلقاء فيها؛ ذلك أن الإنسان يخاف أن يهوي من مكان عالٍ، فكان من شدة عذاب أهل النار أنهم يهوُون فيها.
ويدلك على بعد قعرها حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إِذْ سمع وَجْبَةً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَدْرُونَ ما هذا؟!"، قال: قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: "هذا حَجَرٌ رمي بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يهوى في النَّارِ الآنَ حتى انْتَهَى إلى قَعْرِهَا". رواه مسلم.
وخَطَبَ عُتْبَةُ بن غَزْوَانَ -رضي الله عنه- فقال: قد ذُكِرَ لنا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى من شَفَةِ جَهَنَّمَ فيهوى فيها سَبْعِينَ عَامًا، لا يُدْرِكُ لها قَعْرًا، ووالله لَتُمْلأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ؟!. رواه مسلم.
ومن عظيم هولها، وشدة عذابها للعصاة أنها ليست كنار الدنيا جماد لا يدري، بل هي مبصرة ناطقة غضبى على أعداء الله تعالى، تريد الانتقام منهم فور رؤيتها لهم؛ غضبًا لله تعالى: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) [الفرقان:12].
فدل قوله سبحانه: (إِذَا رَأَتْهُمْ) على بصرها، وقوله تعالى: (سَمِعُوا لَهَا) على نطقها، وقوله -عز وجل-: (تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) على شدة غضبها، وفي آية أخرى: (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ) [الملك:7]، وروى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَخْرُجُ عُنُقٌ من النَّارِ يوم الْقِيَامَةِ لها عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يقول: إني وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ من دَعَا مع الله إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ". رواه الترمذي وقال: حسن غريب صحيح.
نستجير بالله تعالى من النار، ونسأله أن ينجينا منها ووالدينا والمسلمين. اللهم أعتقنا ووالدينا والمسلمين من النار، واعصمنا من عمل أهلها، (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:132].
أيها المسلمون: لابد أن نأخذ من حر الدنيا عظة وعبرة لحر الآخرة؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بذلك: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ) [الواقعة:73]، قال مجاهد وغيره: يعني أن نار الدنيا تذكر بنار الآخرة.
ولنعلم -أيها الإخوة- أن عجزنا عن مواجهة موجات الحر مع ما أنعم الله تعالى به علينا من وسائل الاستظلال والتبريد ليدل على ضعفنا عن تحمل نار جهنم، ولا نجاة منها إلا بالإيمان والعمل الصالح بعد رحمة الله تعالى.
والاستجارة من النار قولاً وعملاً سبب لنجاة العبد منها، واستجارة القول بالدعاء والذكر، واستجارة العمل بالمحافظة على الفرائض وإتباعها بالنوافل، جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بسند صحيح أنه قال: إن الرجل ليُجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن: ما لك؟! قالت: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب: ما كان هذا الظن بك! فيقول: فما كان ظنك؟! فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف.
ولقد كان خوف السلف من النار شديدًا جدًّا؛ قال الحسن: كان عمر -رضي الله عنه- ربما توقد له النار ثم يدني يديه منها ثم يقول: يا ابن الخطاب: هل لك على هذا صبر؟!
وقال سعد بن الأخرم: كنت أمشي مع ابن مسعود، فمر بالحدادين وقد أخرجوا حديدًا من النار، فقام ينظر إليه ويبكي. وكان قراء البصرة يأتون الحدادين فينظرون إلى شهيق النار فيتعوذون بالله من النار.
وكان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح بالليل فيضع أصبعه فيه ثم يقول: حس حس، ثم يقول: يا حنيف: ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟! ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟!
ومر ابن مسعود والربيع بن خيثم على حداد، فقرأ ابن مسعود: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) [الفرقان:12]، فصعق الربيع وحملوه إلى أهل بيته، فرابطه ابن مسعود إلى الظهر فلم يفق.
إن قلوبهم كانت حية، فأخذوا عبرة من نار الدنيا وحرها، وتدبروا آيات القرآن في ذكر النار ووصفها وعذاب أهلها؛ وعلموا أن خسارة الآخرة لا تعدلها خسارة، وإنما هي فرصة واحدة لا غير؛ ولذا فإن أهل النار إذا رأوها دعوا بالثبور لعلمهم بأنها مصيرهم: (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) [الفرقان:14].
وصلوا وسلموا على نبيكم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم