في الحث على العدل وبيان أنواعه

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ عظم مقام العدل في الإسلام 2/ الحث على العدل في جميع مجالات الحياة

اقتباس

هذا ديننا. دين قائم على العدل في كل أحكامه وتشريعاته قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) فهو صدق في أخباره عدل في أحكامه. لا يقر الجور والظلم والعدوان ولا يحابي مع أحد.
بل هو دائماً مع الحق أينما كان. يأمر بالوفاء بالعقود والعهود حتى مع الكفار. قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ).

 

 

 

 

الحمد لله أمر بالعدل في كتابه المبين. ونهى عن الجور والظلم والعدوان حتى في حق الكافرين. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه رحمة للعاملين. وحجة على الخلق أجمعين. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه وتمسكوا بسنته، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله أمر بالعدل عموماً وأخبر أنه يحب أهله. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ) وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) والعدل هو القصد في الأمور والعدالة صفة توجب الاحتراز عما يخل بالمروءة. وقال –صلى الله عليه وسلم-: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور. الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" رواه مسلم.

عباد الله: إن مقام العدل في الإسلام عظيم. وثوابه عند الله كبير. والعدل أنواع كثيرة، وكلُّ يجب عليه من العدل بقدر مسؤوليته في هذه الحياة. فالإمام يجب عليه العدل في رعيته. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ).

وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه. وذكر منهم الإمام العادل". والقاضي يجب عليه العدل في حكمه قال الله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) وقال تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وقال –صلى الله عليه وسلم-: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة؛ رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة. ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار. ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار" لكن القاضي إذا كان قصده الحق وبذلك جهده في إصابته فهو مأجور ولو أخطأ لأنه لم يقصد الخطأ. قال –صلى الله عليه وسلم-: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران. وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" متفق عليه.

ويجب على الوالد أن يعدل بين أولاده في العطية وغيرها، فلا يعطي بعضهم ويترك البعض الآخر ذكراً كان أو أنثى، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "أكلُّ ولدك نحلته من هذا؟" فقال: لا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأرجعه. وفي لفظ: فانطلق أبي إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- ليشهده على صدقتي. فقال: أفعلت هذا بولدك كلهم. قال لا. قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" فلينتبه الآباء لمثل هذا، ولا يخصوا بعض أولادهم بالعطية دون بعض.

ويجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته. قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فيجب على الزوج أن يساوي بين زوجاته في المبيت والنفقة وسائر الحقوق الزوجية. قال الله تعالى: (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) وقال تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". أي: يكون أحد شقيه مفلوجاً ساقطاً.

ويجب على المسلم العدل في القول. قال الله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) أي: إذا تكلمتم في شيء (فاعدلوا) في القول فلا تجوروا فيه، بل قولوا الحق ولو كان مراً، سواء كان الحق عليكم أو على غيركم. ولو على أقرب الناس وأحب الناس إليكم. كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ).

يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على النفس والقريب والبعيد. ويأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال.. ويجب على المسلم أن يكون عادلاً حتى مع أعدائه من الكفار. قال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا) أي: لا يحملنكم بغض من قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصّوا منهم ظلماً وعدواناً بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حقّ كل أحد.

وقال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى). أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فإن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال، لأن العدل به قامت السماوات والأرض، وهو محبوب إلى كل النفوس. وبه تنتظم المصالح ويأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

وأمر الله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا). وقال تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) وقال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ). وقال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ).

ويجب على المسلمين الإصلاح بين الفئتين المتقاتلين بالعدل بينهما. قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). أي: اعدلوا بينهما فيما كان أصاب بعضهم لبعض بالقسط وهو العدل. فهو سبحانه يأمر المؤمنين أن يقوموا بالإصلاح بين المتقاتلين. فإن أبت إحدى الطائفتين قول الإصلاح فهي باغية، وعلى المؤمنين جميعاً أن يقاتلوا البغاة حتى يرجعوهم إلى قبول حكم الله. فإذا رجعوا إليه قام المؤمنون بالإصلاح القائم على العدل بإنصاف كل طائفة من الطائفة الأخرى. حتى يستتب الأمن ويرجع الصفاء والمحبة بين المؤمنين بموجب الأخوة الدينية.

أيها المسلمون: هذا ديننا. دين قائم على العدل في كل أحكامه وتشريعاته قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) فهو صدق في أخباره عدل في أحكامه. لا يقر الجور والظلم والعدوان ولا يحابي مع أحد.

بل هو دائماً مع الحق أينما كان. يأمر بالوفاء بالعقود والعهود حتى مع الكفار. قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ). أي: إن خفت من قوم معاهدين أن يخونوا في عهدهم، فاطرح إليهم عهدهم بأن تخبرهم أنك قطعت العهد الذي بينك وبينهم، فلا يكونون على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك.

وإن ديناً هذه صفته لهو الدين الصالح لكل زمان ومكان (بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) عناداً ومكابرة والقصص في هذا طويلة من أراد الاطلاع عليها أو على شيء منها فليراجع كتب التاريخ وليطلع على آراء بعض المستشرقين المنصفين.
 

 

 

 

 

المرفقات

1080

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات