في التحذير من آفات اللسان

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ خطورة اللسان 2/ السلف الصالح رضي الله عنهم أنموذجاً في حفظ ألسنتهم 3/ آفات اللسان

اقتباس

والواجب على من علم من أخيه زلة أن يستر عليه ويناصحه. أو يرفع أمره إلى ولي الأمر إذا اقتضت المصلحة ذلك، أما أن يتخذ من زلته موضوعاً يتحدث عنه في المجالس فإن ذلك من أقبح الخصال، وذميم الفعال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم. فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب اله عورته حتى يفضحه في بيته "

 

 

 

الحمد لله خلق الإنسان. علمه البيان. ونهاه عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، أحمده على ما أولاه من الفضل والإحسان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادته أرجو بها دخول الجنان. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبرهان. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والإيمان وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتحفظوا من ألسنتكم فإن كلامكم محفوظ عليكم قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقال تعالى: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا) وقال تعالى: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ).

وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصمت إلا إذا كان الكلام خيراً؛ قال: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)... وقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: " دلني على عمل يدخلني الجنة. قال -صلى الله عليه وسلم: أمسك هذا، وأشار إلى لسانه فأعاد عليه. فقال: ثكلتك أمك هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ". والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع. فمن زرع خيراً من قول أو عمل حصد الكرامة. ومن زرع شراً من قول أو عمل حصد الندامة.

ومعصية القول باللسان يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب عند الله. ويدخل فيها القول على الله بلا علم وهو قرين الشرك. ويدخل فيها شهادة الزور التي عدلت الإشراك بالله. ويدخل فيها السحر والقذف. ويدخل فيها الكذب والغيبة والنميمة. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " وأخرجه الترمذي ولفظه: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار "...

أيها المسلمون: لقد كان خوف السلف الصالح من آفات اللسان عظيماً- كان أبو بكر رضي الله عنه يمسك لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد؛ وكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه وهو يقول: ويحك قل خيراً تغنم. أو اسكت عن سوء تسلم. وإلا فاعلم أنك ستندم. فقيل له: يا ابن عباس لم تقول هذا؟ قال: إنه بلغني أن الإنسان ليس على شيء من جسده أشد حنقاً أو غيظاً منه على لسانه، إلا من قال به خيراً، أو أملى به خيراً.

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. وقال الحسن: اللسان أمير البدن، فإذا جنى على الأعضاء شيئاً جنت. وإذا عف عفت...

أيها المسلمون: إن الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب. كما روى الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعاً: " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله. فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب. وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي ".

وقال عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه. ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به. وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله. وتقرأ القرآن. وتسأل عن علم فتخبر به. أو تكلم فيما يعينك من أمر دنياك. فليس الكلام مأموراً به على الإطلاق ولا السكوت مأموراً به على الإطلاق. بل لا بد من الكلام في الخير العاجل والآجل والسكوت عن الشر الآجل والعاجل. واللسان ترجمان القلب والمعبر عنه. وقد أمرنا باستقامة القلب واللسان. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم لسانه". رواه الإمام أحمد في مسنده. وروى الترمذي: " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ".

أيها المسلمون: إن آفات اللسان كثيرة ومتنوعة، فالآفة الأولى: الكلام فيما لا يعني. وفي الحديث الصحيح: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "...

الآفة الثانية: الخوض في الباطل وهو الكلام في المعاصي والتحدث عنها بما يروجها بين الناس ويشيع الفاحشة بينهم. ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد، فإن التحدث عنها في المجالس يفرح الأشرار والمنافقين، ويشيع الفاحشة في المؤمنين وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

والواجب على من علم من أخيه زلة أن يستر عليه ويناصحه. أو يرفع أمره إلى ولي الأمر إذا اقتضت المصلحة ذلك، أما أن يتخذ من زلته موضوعاً يتحدث عنه في المجالس فإن ذلك من أقبح الخصال، وذميم الفعال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم. فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب اله عورته حتى يفضحه في بيته " رواه الإمام أحمد.

الآفة الثالثة: التكلم بالفحش والسب والبذاءة والشتم. فإن بعض الناس يعتاد النطق بلعن الأشخاص والأماكن والدواب فيكون النطق باللعنة أسهل الألفاظ عليه. وربما يواجه بها صديقه وصاحبه العزيز عليه. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لعن المؤمن كقتله " وقال عليه الصلاة والسلام: " ليس المؤمن بالطعان واللعان ولا الفاحش ولا البذيء ".

وقد لعنت امرأة ناقة لها فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخذ ما عليها وتركها. وقال: " لا تصحبنا ناقة ملعونة ". وبعض الناس حينما يكون بينه وبين أخيه المسلم منازعة أو مشادة فإنه يطلق لسانه عليه بالسب والشتم والتعبير ورميه بما ليس فيه من قبيح الخصال.

ولا يدري هذا المسكين أنه إنما يجني على نفسه ويحملها أوزار ما يقول. والله تعالى قد أمر من وجه إليه شيء من الشتائم والسباب أن يدفع ذلك بالكلام الحسن –قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فإذا كان المعتدى عليه بالكلام السيئ مأموراً بدفعه بكلام حسن ابتعاداً عن النطق بالفحش ولو قصاصاً فكيف الذي يبدأ بالفحش ويتفوه بالإثم؟!

الآفة الرابعة من آفات اللسان: كثرة المزاح فإن الإفراط في المزاح والمداومة عليه منهي عنهما، لأنه يسقط الوقار. ويوجب الضغائن والأحقاد –أما المزاح اليسير النزيه فإنه لا بأس به لأن فيه انبساطاً وطيب نفس وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يمزح ولا يقول إلا حقاً..

الآفة الخامسة من آفات اللسان: الاستهزاء والسخرية بالناس وتتبع عثراتهم والبحث عن عوراتهم والتندر بذلك وانتقاصهم والضحك منهم. قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ). يعني الذي يزدري الناس ونتقصهم- قيل: الهمز بالقول واللمز بالفعل، توعده الله بالويل وهو كلمة عذاب، أو واد في جهنم نعوذ بالله من ذلك..

الآفة السادسة والسابعة من آفات اللسان: الغيبة والنميمة، وهما من كبائر الذنوب. والغيبة: ذكرك أخاك حال غيبته بما يكره. والنميمة: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، وقد شبه الله المغتاب بآكل الميتة. وفي الحديث: " إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا. إن الرجل قد يزني ويتوب ويتوب الله عليه. وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه. وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النمام يعذب في قبره. وأخبر أن النمام لا يدخل الجنة يوم القيامة؛ فقد روى البخاري ومسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا يدخل الجنة نمام " والنمام يفسد بين الناس ويزرع في القلوب الأحقاد والأضغان. ويهدم البيوت ويخرب الأوطان. وقد قال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ).

أيها المسلمون: تحفظوا من ألسنتكم، وزنوا أقوالكم. فإن الإنسان قبل أن يتكلم يملك كلامه، لكنه إذا تكلم ملكه كلامه...

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)

 

 

 

 

المرفقات

1047

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات