في رحاب الله

عبد الله المؤدّب البدروشي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ منزلة المساجد 2/ وجوب التأدب معها 2/ من المنهيات في المسجد

اقتباس

.. فالمسجد إنما رفع وشيد. للعبادة . للذكر. للصلاة. لا لحديث الدنيا. لا للكلام الذي يجلب الذنوب والآثام. لا يجوز للمسلم بعدما ملأ الدنيا كلاماً عن الدنيا. أن يدخل المسجد بحديث الدنيا. سوف يشهد عليه المكان. تشهد عليه تلك البقعة. (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا). تقول يا رب . لقد جعلتني لذكرك. وهذا عبدك جعلني لغير ذكرك

 

 

 

الحمد لله الذي جعل بيوته في الأرض المساجد. وأذِن برفعها وأعدها للذاكر والراكع والساجد. أشهد أن لا إله إلا الله. وحده لا شريك له..جعلنا من أهل دينه بفضله ومنته..ورفع مكانة المساجد في كتابه وسنته. وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمداً عبده ورسوله. دلنا على شرائع هذا الدين. وحبب إلينا المساجد بالوعظ والتبيين. اللهم صل وسلم عليه في الأولين والآخرين. صلاةً وسلاماً دائمين مضاعفين إلى يوم الدين..وارض اللهم على آله الطاهرين. وعلى صحابته الغر الميامين. وعلى من تبعهم بإيمان وحسن يقين.

أما بعد:

إخوة الإيمان والعقيدة: المسجد في الإسلام. بيت الله. عن ابن عباس قال: " المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض".

فالمسلم وهو داخل المسجد. هو في ضيافة الله. لا يشغله عن الله شاغل. إن تكلم فكلامه بكلام الله. وإن صلى فصلاته لله. وإن سبح واستغفر أو دعا. فقبلته وتوجهه إلى الله. فهو ضيف على أكرم الأكرمين. في رحاب طاهرة نقية . تمرح فيها الروح في رياض قدسية. تحفها الملائكة. ويحيطها رب العزة جل وعلا برضوانه وغفرانه.

والمسجد في الإسلام: أحب بقاع الأرض إلى الله. أورد الإمام مسلم في صحيحه. قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا". نسبها الله إليه. فقال جل جلاله: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا). وشهد بالإيمان لمن يعمرها فقال عز وجل: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر)ِ. وأثاب بالحسنات و الدرجات من يقصدها..

روى الإمام مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.قوله: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطـُهُورَ, ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ, إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً, وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً". وغـَفر ذنوبَ من صلى فيها بخشوع وإنابة.

أورد الإمام البخاري في صحيحه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضأ والصحابة ينظرون . فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ, ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ, ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ, فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ, ثُمَّ جَلَسَ -جلس ذاكراً لله. جلس تالياً لكتاب الله. جلس متفكراً في آيات الله. قال ثم جلس. - غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". هذه المساجد. أذن الله أن ترفع. لأمر قرره الله. وحَكم به. ونطق به قرآناً ملزماً لكل مؤمن ومؤمنة فقال جل جلاله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ..)

فالمسجد إنما رفع وشيد. للعبادة . للذكر. للصلاة. لا لحديث الدنيا. لا للكلام الذي يجلب الذنوب والآثام. لا يجوز للمسلم بعدما ملأ الدنيا كلاماً عن الدنيا. أن يدخل المسجد بحديث الدنيا. سوف يشهد عليه المكان. تشهد عليه تلك البقعة. (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا). تقول يا رب . لقد جعلتني لذكرك. وهذا عبدك جعلني لغير ذكرك. رسول الله صلى الله عليه وسلم ..أخبرنا عن أناس في آخر الزمان. نسأل الله ألا نكون منهم.

فقد أورد الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر الزمان قوم. يجلسون في المساجد. حلقاً حلقاً. إمامهم الدنيا. فلا تجالسوهم. فإنه ليس لله فيهم حاجة". كل ذلك. لأنهم خالفوا أمر الله. الله جعل بيوته لذكره . (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ). وجعلوها للكلام عن مشاغلهم . فالمسجد بيت الله. يأتيه المسلم. وقد تطهر وتعطر. وتدثر بأحسن لباس. كل ذلك طاعة لأمر الله. الذي أمر المؤمنين بإظهار الزينة عند كل مسجد فقال تبارك وتعالى . (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ..).

يأتي المؤمن متزيناً . نظيفاً. فواحاً. تحمله البهجة والفرحة بلقاء ربه. كلما نادى المؤذن الله أكبر . حي على الصلاه. ذاك موعد مع الله. أي أقبل أيها المؤمن. فالله أكبر من كل شي. أترك كل شي. وتعال إلى من هو فوق كل شي. تعال إلى اللقاء مع الله. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.." رواه البخاري و مسلم. تعال إلى المناجاة. تعال إلى أسعد الأوقات. كان صلى الله عليه وسلم. إذا حان وقت الصلاة. ترى البهجة والانشراح على وجهه الشريف . وهو القائل: "جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِىَ فِى الصَّلاَةِ" تراه ينادي بلالاً: "أرحنا بها يا بلال".

والمسلم عندما يلبي النداء. تتلقاه الملائكة. تفتح له نهراً جارياً بالحسنات. يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم -والحديث في صحيح الإمام مسلم-: "فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ. كَانَ فِى الصَّلاَةِ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ. وَالْمَلاَئِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ. مَا دَامَ فِى مَجْلِسِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ. يَقُولُونَ اللهُمَّ ارْحَمْهُ . اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ. اللهُمَّ تـبْ عَلَيْهِ..".

فعلى المسلم. إذا دخل المسجد. أن يدخل باسم الله. مقدماً رجله اليمنى قائلاً مقالة رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ افْتَحْ لِى أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ". فإذا وجد الجماعة في الصلاة. فلا يجري داخل المسجد. لأن المكان موقر. لأن الله هنا يتجلى. لأن الملائكة على الجنبات تشهد. أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا سمعتمُ الإقامةَ فامشوا إلى الصلاة, وعليكم بالسكينة والوقارِ، ولا تسرِعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتَكم فأتمّوا" متفق عليه فلا مجال للإسراع والجري داخل المسجد. إنما هو الوقار و السكينة. فأنت أيها المؤمن بين يدي الله. بين رضوانه و غفرانه. تحفك الملائكة.

هنا السماوات تبدو قُرب طالبها *** هنا الرحاب فضاء حين يُلتمس
هنا الطهارة تحيا في أماكنها *** لا الطِّيب يبلى ولا الأصداء تندرسُ

أنت في رحاب الله. ترفع لك الدرجات . وتكتب لك الحسنات. و تحط عنك الخطايا و السيئات. كل ذلك و أنت في الصلاة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه كلها، فوضعت على رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أوسجد تساقطت عنه" رواه الطبراني بسند صحيح. فطوبى لكل راكع وساجد. وطوبى لكل ذاكر وحامد. وطوبى ثم طوبى ثم طوبى . لمن تعلق قلبه بالمساجد.

اللهم اجعلنا من أهلك أهل المساجد. وثبتنا على دينك دين المكارم والمحامد. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا اللهم من عبادك الراشدين .

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ...

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أذاق الطائعين حلاوة الطاعة . وعلق قلوب المخلصين بالمساجد والجماعة. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. شرع لعباده فيسّر. ودعاهم لما تزكو به النفوس و تتطهر. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله. نبي الهدى و السيد السند الذي به يؤتم ويقتدى. اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبع نوره وبه اهتدى.

أما بعد: أيها المؤمنون والمؤمناتُ. عبادَ الله:

من أعظم المنهيات في حياة المسلم: أن تتحول العبادة لديه إلى عادة. فيألفها. حتى يفقد الشعور بمكانتها. وينسى قدسيتها . فتراه يأتي إلى المسجد أولا يأتي سواء . ودخوله للمسجد لا يشعره بهيبة المكان. وهذا في ديننا منهي عنه.

فالمؤمن مأمور بتعظيم بيوت الله. وتشريفها عن غيرها. فهي بيوت الله. ومنها يرفع الأذان. وفيها تقام الصلاة. وفيها يذكر اسم الله. وقد أمر الله برفع مكانها و مكانتها. فقال جل وعلا: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ). أن ترفع في قلوب المؤمنين. أن تحن إليها القلوب . فهي موطن المناجاة واللقاء. وهي ملتقى الطمأنينة والهناء.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسجد بيت كل تقيّ. وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة" رواه الإمام الطبراني.

فعلى المؤمن أن يتهيأ لها بما يناسب مكانتها. فيتطهر ويتعطر ويتجمل. لأنه سيسير في موكب ملائكي. نحو بيت يتجلى الله فيه. من أجل ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم. كل من يحمل رائحة كريهة. أن يقرب بيت الله . فقال صلى الله عليه وسلم. فيما يرويه الشيخان البخاري ومسلم: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزل مسجدنا". وفي قول آخر. متفق عليه كذلك: "من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".

وقس على الثوم والبصل كل رائحة كريهة . كالدخان. ورائحة العرق. فإذا بلغ المؤمن المسجد دخل بوقار وسكينة وإجلال للمكان مقدماً رجله اليمنى. آخذاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الذي أوصانا بقوله إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج فليقل: "اللهم إني أسألك من فضلك" رواه الإمام مسلم.

وفي المسجد يكون المؤمن في رحاب الله. يكون عبداً مطيعاً. خاشعاً. منيباً لرب العالمين. مستشعراً لذة اللقاء بالخالق العظيم. فهو بين صلاة و تسبيح. وبين تلاوة وتفكر. فيكون وقته بالمسجد أجمل وقت. يعيش جماله في الرحاب الطاهرة. ويحن إليه بين كل صلاة وصلاة.

هكذا تكون علاقة المسلم بالمسجد. علاقة ود واحترام . علاقة وثــّق الله عهدها و ميثاقها في كتابه العزيز بقوله جل جلاله: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

اللهم اجعلنا من عبادك الطائعين. واهدنا للعمل بشرائع هذا الدين. واكتبنا من العاملين بسنة سيد المرسلين. واجعله شفيعنا و قائدنا يوم الدين. و أسكنا جواره في أعلى عليين. اللهم بفضلك أرحمنا. و بحفظك أكرمنا. وبعفوك عافنا واعف عنا..

اللهم ارحم آباءنا و أمهاتنا. واجعلنا و إياهم عندك من المقبولين. وبرضوانك من الفائزين. اللهم اجعل أجر هذه الجمعة لنا ذخرا. و زدنا به عندك ذكرا. واجعلنا من عبادك الصالحين. اللهم أغث بلدنا ولا تجعلنا من القانطين. اللهم واجعله غيثا غدقا هنيئاً مريئاً نافعا غير ضار. اللهم أغثنا يا رب العالمين. ولا تجعلنا من القانطين. برحمتك يا ارحم الراحمين..

يا مسبغ النغم. يا دافع النقم. يا فارج كل هم. يا كاشف كل غم. يا كريم العطاء. يا مجيب الدعاء. نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام والمسلمين. اللهم وأذل الشرك والمشركين. واخذل من يحارب هذا الدين. اللهم وانصر إخواننا في العراق و في فلسطين. اللهم وحد صفهم . واجمع على الخير شملهم. وحقق لهم في أرضهم الأمن والرخاء. واكشف عن جميع المسلمين الضر و البلاء..

اللهم أمنا في دورنا. ووفق إلى الخير و الصلاح ولاة أمورنا. واجعل اللهم بلدنا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

المرفقات

1034

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات