شهر صفر والتطير

جابر السيد الحناوي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ مفهوم التطير 2/ حرمة التطير والحكمة من ذلك 3/ التحذير من التطير 4/ مظاهر أخرى من التطير 5/ الاستخارة ومفهومها .

اقتباس

في عصرنا الحاضر يوجد من يتشاءم ببعض الأرقام والأيام والأسماء، بل ومن يتشاءم لسماع آية من القرآن فيها تهديد أو وعيد. فأنت تجد بعض قراء القرآن عندما يقرأ يهجر بعض الآيات القرآنية. فمثلاً إذا قرأ من سورة الُّزمَر نجد لا يقرأ قولَه سبحانه وتعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً) ويقرأ قولَه -سبحانه وتعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) أو ليس كله كلام الله أيها الجاهلون؟

 

 

 
أما بعد: بعد أيام قلائل يطل علينا شهر هجري جديد، شهر صفر، نسأل الله أن يجعله شهراً مباركاً، مليئا بالخير واليمن والبركات، وهو كما نعلم الشهر الثاني في ترتيب الشهور في العام الهجري، ويرتبط هذا الشهر في أذهان الكثيرين ببعض البدع والمفاهيم الجاهلية، التي لها تأثيرها الخطير على جناب التوحيد، نسلط عليها -إن شاء الله- في خطبتنا هذه بعض الأضواء؛ لنحذر من الوقوع فيها.

ولقد صح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة َ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ" يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوجه ويلفت نظر المؤمنين إلى أن هذه الأشياء ليست هي سبب النوازل والمصائب التي تنزل بالإنسان؛ لأن الله سبحانه وتعالى -وهو الفعال لما يريد - يمتحن الناس بالنوازل، ويمتن عليهم بالشفاء والعفو والعافية.

وفي الأثر: "يوشك أن يَنْقُضَ عرى الإسلام عروةً عروة من لا يَعرف أفعال الجاهلية" يستفاد من هذا القول أن ضعف الفقه في الدين وقلة الحصيلة من العلم الشرعي، والاغترار بالعلم القليل، يؤديان بالإنسان إلى الخروج عن الطريق المستقيم؛ لأنه يعبد الله في هذه الحال على جهل، أو على الأقل بعواطف بلا علم ولا فقه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإنه سيقع حتما في أعمال الجاهلية التي تناقض تعاليم الإسلام الحنيف.

ومن أفعال الجاهلية الباقية بين كثير من المسلمين، والتي حذر منها حديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم السابق: "لاَ عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ"، فقد اشتمل هذا الحديث على عدة ألفاظ، يجدر بنا أن نعرف معناها، ومفهومها في الجاهلية، ثم ُنتبع ذلك بعرض لبعض ما يتعلق بها ونراه في حياتنا اليومية، وسنقتصر اليوم إن شاء الله تعالى على التطير وما يرتبط منه بشهر صفر في قوله صلى الله عليه وسلم "... لا طِيَرَةَ..."

التطير: أصله مأخوذ من الطير، وكان العرب في جاهليتهم يعتمدون على الطير، ويتفاءلون ويتشاءمون به، فإذا خرج أحدهم لأمر ما فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به وحزن ورجع من سفره أو حاجته، وربما كان أحدهم يهيج الطير؛ ليطير فيعتمدها، فإن ذهب إلى الجهة التي فيها التيامن أقدم، أو فيها التشاؤم أحجم.

وكانوا يسمون الطير: السانح والبارح، فالسانح: ما ولاك ميامنه بأن يمر من يسارك إلى يمينك والبارح بالعكس، وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح، والواقع أنه ليس في شيء من سنوح الطير وبروحها مايقتضى اعتقادهم هذا، وإنما هو تكلف منهم لا أصل له ولا معول عليه؛ إذ ليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه؛ ولا نطق للطير ولاتمييز حتى يستدل بفعله على مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله.

وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين، رغم أن بعض عقلاء الجاهلية كان ينكر التطير ويتمدح بتركه، قال شاعر منهم:

الزجر والطير والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال

ماهو المقصود بالتطير إذن؟ التطير اصطلاحا: هو التشاؤم -بمرئي-أو مسموع- أو معلوم:
التشاؤم بمرئى: مثل لو رأى طيراً فتشاءم؛ لكونه موحشاً. التشاؤم بمسموع: مثل من هم فسمع أحدا يقول لآخر: يا خسران، أو يا خائب، فيتشاءم. التشاؤم بمعلوم: كالتشاؤم ببعض الأيام أو بعض الشهور أو بعض السنوات فهذه لا تُرى ولا تٌُسمع.

حكم الشرع في التطير: لو أنزلنا حكم الشرع على الطيرة نجد أنها محرمة لأسباب:

أولا: أن التطير ينافي التوحيد: ووجه منافاتة له من وجهين:
الوجه الأول: أن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غير الله.
الوجه الثاني: انه تعلق بأمر لا حقيقة له، بل هو وهم وتخيل؛ فليس ثمة رابطة بين هذا الأمر، وبين ما حصل له، وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد؛ لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال عز وجل: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5]. وقال سبحانه وتعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) [هود:123]

والمتطير لا يخلو من حالين:

الأول: أن يحجم ويستجيب لهذه الطيرة ويدع العمل، وهذا من أعظم التطير والتشاؤم.

الثاني: أن يمضي لكن في قلق وهم وغم يخشى من تأثير هذا المُتَطَيَّرِِ به، وهذا وإن كان أهون، إلا أن كلا الأمرين نقص في التوحيد، وضرر على العبيد. بل انطلق إلى ما تريد بانشراح صدر واعتماد على الله عز وجل، ولا تسيء الظن بالله عز وجل.

ثانيا: التطير فيه سوء الظن بالله عز وجل: ولقد نفى الإسلام الطيرة والتشاؤم لذلك، ولما تعنيه من معارضة للتوكل والتسليم بقضاء الله، ووضع الشرع بدلا منها الفأل الحسن.
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ" قَاَلوا: وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ" وعلى ذلك فيجب على المسلم أن يحسن الظن بالله في كل الأحوال، وعدم الالتفات إلى مساقط الشيطان ووساوسه وشروره، فيكون المؤمن واثقاً من ربه مستبشراً، ولا يكون منقبض الصدر ضيقه.

التحذير من الطيرة:

1- ولقد حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الجاهليات، وندد بها وبأصحابها بقوله فيما يرويه عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثَلاثًا وَمَا مِنَّا إِلا تطير وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ" وقوله "وَمَا مِنَّا إِلا" من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر

فتوكل -يا أخي- على الحي الذي لا يموت، وسبح بحمده؛ ليكون توكلك عليه سبباً في جلب النفع أو منع الضرر، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما قدر فعل، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه عز وجل

2- وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع الإنسان عن حاجته أو يعود من سفره أو يمتنع عن أداء عمله إذا تطير أو تشاءم؛ فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إِلا خَيْرُكَ وَلا طَيْرَ إِلا طَيْرُكَ وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ".

مظاهر أخرى من التطير:

وكانوا يتطيرون بصوت الغراب ويسمونه "غراب البين". وكذا التشاؤم ببعض الطيور كالبومة وما شاكلها إذا صاحت قالوا إنها مخبرة بشر، أو أنها تنعى للسامع نفسه أو أحداً من أهله.

وقد جاء الشرع برد كل ذلك وتفنيده. ومع هذا فإنه لا تزال هناك في كثير من المسلمين بقايا من التطير، وقد قيل: "ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والظن، والحسد، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذ حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق" وينبغى لمن وقع له شيء من ذلك ألا يعبأ به، وألا يعول عليه، وأن يتوكل على الله ويسلم الأمرَ كلَّه إليه، فإنه إن فعل ذلك أذهب الله عته تطيره ولم يؤاخذه بما عرض له منه.

أخي المسلم: في عصرنا الحاضر يوجد من يتشاءم ببعض الأرقام والأيام والأسماء، بل ومن يتشاءم لسماع آية من القرآن فيها تهديد أو وعيد. فأنت تجد بعض قراء القرآن عندما يقرأ يهجر بعض الآيات القرآنية. فمثلاً إذا قرأ من سورة الُّزمَر نجد لا يقرأ قولَه سبحانه وتعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً) ويقرأ قولَه -سبحانه وتعالى-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) أو ليس كله كلام الله أيها الجاهلون؟

ومن الأشياء التي لا تليق بالمسلم أنك ترى بعض المسلمين ممن لا خلاق لهم يستقسمون بالقرآن، فهو يفتح المصحف، ويضع يده على آية معينة، فإذا كانت آية مبشرة استبشروا وأقدموا على أعمالهم، وإن صادفوا آية منذرة تباطأوا وأحجموا عن أفعالهم.

اللهم إنك أنزلت القرآن هدى للمتقين فترك قوم الاهتداء به، وحرموه على أنفسهم، واكتفوا بما يدعون من الإيمان به والتعظيم له وعدم العمل.

ومما يقع من التطير في زماننا هذا أيضاً أن بعض الناس قد يترك حاجته ويعتقد عدم نجاحها، تشاؤماً بسماع بعض الكلمات القبيحة مثل: يا هالك، أو يا ممحوق ونحوها.

وكذلك التشاؤم بملاقاة الأعور أو الأعرج أو الشيخ الهرم أو العجوز الشمطاء؛ فكثير من الناس إذا لقيه واحد من هؤلاء وهو ذاهب لحاجة صده ذلك عنها ورجع معتقداً عدم نجاحها، وكثير من أهل البيع لا يبيح لمن هذه صفته إذا جاء أول النهار حتى يبيع لغيره تشاؤماً به وكراهة له، بل إن كثيراً منهم يعتقد أنه لا يناله في ذلك اليوم خير قط. وكثير من الناس يتشاءم بما يحدث له هو في حال خروجه كما إذا عثر مثلاً أو أصابه شيء عارض يرى أ نه لا يجد خيراً.

ومن بقايا الجاهلية -والتي مازالت عالقة مع البعض- التشاؤم ببعض الأيام أو بعض الساعات كالحادي والعشرين من الشهر أو التشاؤم بشهر صفر، حتى صار كثير من الناس يتجنب السفر في شهر صفر اقتباساً من حذر الجاهلية السفر فيه؛ خوفاً من تعرض الأعداء، بل ويجتنبون فيه ابتداء الأعمال خشية أن لا تكون مباركة.

ومن الناس من يعتقد أن يوم الأربعاء الأخير من صفر هو أنحس أيام العام ومن العجب أنهم ينسبون ذلك إلى الدين الذي أوصاهم بإبطال عقائد الجاهلية فتكون هذه النسبة ضلالة مضاعفة؛ إذ يستندون في ذلك إلى حديث موضوع يروى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر" وقد نص الأئمة على أن هذا حديث موضوع.

وكذلك التشاؤم ببعض الجهات في بعض الساعات فلا يستقبلها في سفر ولا في غيره حتى تنقضي تلك الساعة أو الساعات، إلى غير ذلك مما يقع فيه الكثير من الناس ممن يعتمدون في تصرفاتهم على قراءة "حظك اليوم"، وهو من عمل المنجمين الكاذبين.

ومن باب التطير: الاستقسام بالأزلام، وقد ورد ذلك في القرآن في موضعين:
الأول: قوله -سبحانه وتعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) [المائدة: 3].
الثاني: قوله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90]

ولقد حرمها الإسلام؛ لأنها من الخرافات والأوهام والضلالات التي لا تنفع بل تضر؛ لأنها تجعل الإنسان ضعيف الإيمان ضعيف العقل، يفعل ما يفعل من غير بينة ولا بصيرة، ويترك ما يترك من غير دليل أو فهم، بل يصبح لعبة في يد الأوهام يتفاءل ويتشاءم بما لا أساس له من الشرع أو الدين أو العقل السليم.

وهذه الأعمال من التطير بأنواعها، كثير منها كان في الجاهلية فأبطلها الإسلام بعد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فأعادها الشيطان في هذا الزمان أكثر مما كانت عليه في الجاهلية، وساعده على ذلك شياطين الإنس من الكهنة والمنجمين وأتباعهم.
نسأل الله تعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً.

لما كان الإسلام قد نفى الطيرة والتشاؤم لما تعنيه من معارضة للتسليم بقضاء الله، وقطع للتوكل على الله، فقد أرشد إلي الدواء الناجع لهذا المرض، ألا وهو الاستخارة التي تعني حق التوكل على الله عز وجل؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأمور كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي به" قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ"

قوله: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ" أي يعلم أصحابه.

قوله: "فِي الأُمُورِ كُلِّهَا" هو عام أريد به الخصوص, فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما، فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه، قلت: وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير، وما كان زمنه موسعا وتتناول الإستخارة العظيم من الأمور والحقير، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم.

قوله: "كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ" قيل وجه التشبيه عموم الحاجة في الأمور كلها إلى الاستخارة كعموم الحاجة إلى القرآن في الصلاة، فيه إشارة إلى الاعتناء التام البالغ بهذا الدعاء وهذه الصلاة. فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير، بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت فيه عزيمته وإرادته فإنه يصير إليه له ميل وحب فيخشى أن يخفى عنه وجه الأرشدية لغلبة ميله إليه

ومما يدل على اهتمام الصحابة بالإستخارة، أنه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم احتار الصحابة في دفنه، أيدفنونه في شق أم في لحد؟ فما كان منهم إلا أن لجأوا لاستخارة ربهم حتى يرشدهم إلى ما فيه الخير والصواب؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَلْحَدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ فَقَالُوا نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا سُبِقَ تَرَكْنَاهُ فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" قوله: "نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا" أي نطلب منه أن يرزق ما فيه الخير "فَأَيُّهُمَا سُبِقَ تَرَكْنَاهُ" أي فيما يعرفه من اللحد أو الشق، والحديث يدل على أن اللحد خير من الشق لكونه الذي اختاره الله لنبيه وأن الشق جائز وإلا لمنع الذي كان يفعله.

نسأل الله تعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يجعلنا ممن يتوكلون عليه سبحانه حق التوكل، وأن يقوي إيماننا ويقيننا به إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

 

المرفقات

967

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات