الأمانة... شرف أدائها وخطر خيانتها

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ عظم الأمانة والأمر بأدائها والنهي عن تضييعها 2/ الخيانة مذمومة مطلقا وهي من صفات المنافقين 3/ من الأسباب المعينة على أداء الأمانة 4/ المقاصد والنيات من أعظم الأمانات 5/ العبادات أمانة 6/ المعاملات أمانة 7/ المجالس أمانة
عنوان فرعي أول
إنا عرضنا الأمانة
عنوان فرعي ثاني
الخيانة

اقتباس

فقد أمرتم بأداء الأمانة -معشر المؤمنين-، ونهيتم عن الخيانة؛ فلا تكونوا من الخائنين، وإنما حملكم الله الأمانة؛ إذ كنتم لها مؤهلين، وعليها قادرين، لما ركب فيكم -سبحانه- من العقول التي بها تفقهون، والبصائر التي بها تبصرون، فأدوا أماناتكم تكونوا ممن ..

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ذي العزة والعظمة والجلال، هو الذي نزّل الأمانة في قلوب من شاء من الرجال بعد أن أبت عن حملها السماوات والأرض والجبال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر المؤمنين بالصدق والأمانة، وزجرهم عن الكذب والخيانة، ووعد من حفظ الأمانة ورعاها أجراً كريماً، وأعد للخائنين عذاباً مهيناً.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه.

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم، وأطيعوه فيما أمركم، واحذروا ما عنه نهاكم وزجر (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].

 

أيها الناس: اعلموا أن الأمانة من أعظم ما به أمرتم، وأن الخيانة من أعظم ما عنه نهيتم وزجرتم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء:58].

 

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].

 

فقد أمرتم بأداء الأمانة -معشر المؤمنين-، ونهيتم عن الخيانة؛ فلا تكونوا من الخائنين، وإنما حملكم الله الأمانة؛ إذ كنتم لها مؤهلين، وعليها قادرين، لما ركب فيكم -سبحانه- من العقول التي بها تفقهون، والبصائر التي بها تبصرون، فأدوا أماناتكم تكونوا ممن عناهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ *الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:8-11].

 

واحذروا تضييع الأمانة؛ فإنها من خصال المنافقين أولي الكذب والخيانة، وكفى بوعيد الله لهم في القرآن زجراً وتحذيراً (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء:145].

 

أيها المسلمون: ورد في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا قال: "إنه لا إيمان لمن لا أمانة له" وفي رواية: "إنه لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة له، ولا زكاة له" فما أعظم شأن الأمانة! بها يثبت الإيمان، وعليها تقوم الديانة، فهي قرينة الإيمان، ولا يقبل الله عبادة الخوّان.

 

وفي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" فالخيانة برهان النفاق، وهي في الناس من مساوئ الأخلاق، ولذا جاء في الدعاء المأثور: "اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة، وأعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع".

 

أيها المسلمون: أدّوا أماناتكم إلى أهلها، ولا تخونوا من خانكم مقابلة للسيئة بمثلها؛ ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك".

 

واعلموا أن الفقه في الدين من أعظم أسباب زيادة الإيمان، وتمام الأمانة، وأن مجانبة التقوى وإيثار الحياة الدنيا من أخطر أسباب نزع الأمانة، وثبات الخيانة.

 

فتفقهوا في الدين، واعملوا مخلصين لرب العالمين على هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد المرسلين تكونوا من أهل الأمانة وتحشروا يوم القيامة آمنين.

 

أيها المؤمنون: إن المقاصد والنيات من أعظم الأمانات؛ فأخلصوا لله مقصدكم وانووا الخير جهدكم فـ "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" فاجعلوا أقوالكم وأعمالكم التي شرع الله لكم خالصة لله تبتغوا بها وجهه، وتلتمسون بها رضاه، واحذروا أن تلتفتوا بها إلى أحد سواه، اعبدوا الله -تعالى- كما شرع، واحذروا الشرك والأهواء والبدع؛ فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، صواباً على هدي نبيه، وهذا هو الإسلام والإحسان المشار إليهما بمحكم القرآن (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].

 

أيها المؤمنون: والصلاة عند العبد أمانة لله، ائتمنه الله على طهارتها ووقتها وكيفيتها ونيتها وغير ذلك من أحكامها، فهي شرط الإيمان وعمود الدين الذي يقوم عليه ما له من بنيان، وهي آخر ما يفقد من الدين، وإذا فقد آخر الشيء صار فاقده من المعدمين.

 

فأقيموا الصلاة، وحافظوا على ما لها من الأركان والواجبات والمستحبات، وحافظوا عليها في سائر الأوقات، وأدّوها في المساجد مع الجماعات، واعلموا أن الصلاة مكيال؛ فمن وفّى وفّى الله له، ومن طفَّف فقد سمعتم ما توعد الله به المطففين من الويل والنكال.

 

عباد الله: والزكاة من أعظم الأمانات، أوجبها الله في مال الغني للفقير، وجعلها من أسباب البركة والتزكية والتطهير، وكم فيها من تنفيس الكروب والتيسير والأجر الكبير.

 

فأدوا الأمانة فيها فإنها آية الإيمان؛ كما في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والصدقة برهان".

 

وكذلكم فإن الصيام أمانة؛ فإنه سر بين العبد وربه، فلا يطلع إلا الله على قصده؛ إذ لو شاء الصائم لأبطل صيامه ولو بفساد نيته، لكن يمنعه من ذلك ما في قلبه من تعظيم الله وخشيته، بل يصوم لله احتساباً، وهنيئاً له بمغفرة الذنوب وبالجنة ثواباً.

 

أيها المؤمنون: والغسل من الجنابة أمانة، وطهارة المرأة من الحيض والنفاس بعد الطهر أمانة، فلابد من أداء هذه الأمانة بأداء الواجب فيها على وجه الديانة؛ وإلا كان ذلك فضيحة وندامة يوم القيامة.

 

أيها المؤمنون: والوظائف في الدولة ولدى الشركات والمؤسسات والأشخاص أمانة في أعناق الموظفين، فإنهم على أعمالهم مؤتمنون؛ فينبغي لكل موظف أن يتقي الله في نفسه، وفي سبب رزقه، فيحسن في عمله ابتغاء وجه الله، ونصحاً لعباد الله، وليحذر من المحاباة والمجاراة، بل يقوم بحفظ ما اؤتمن عليه، وأن يحفظ سر ما استودع عنده لذويه، وأن يحذر أن يدخل عليه شيء منه، وأن يذود -جهده- أيدي الخونة عنه، وإلا فضحه الله يوم المعاد على رؤوس الأشهاد، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من استعملنا على عمل فكتمنا مخيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة".

 

حتى ولو كانت الشركات أجنبية فحقوقها بعقدها مع دولة الإسلام مرعية؛ فإنهم بذلك صاروا معاهدين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين؛ فتحرم دماؤهم وأموالهم كما تحرم أموال المسلمين، ومن خفر معاهداً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

 

وكل من دخل مع غيره في عقد مباح؛ من بيع أو شراء أو تأجير ونحو ذلك فليعلم أنه دخل مع صاحبه في عهد وأمانة، فليحذر الغش فيه والخديعة والخيانة، بل عليه أن يفي بالمطلوب، وأن يبين العيوب، مع طيب النفس وسلامة الصدر، وإعطاء الحق من غير نقص ولا بخس ولا قهر، وليحذر المماطلة بتعليل أو تمليل؛ فإن مطل الغني ظلم، يحل عرضه وعقوبته، ويعرضه لشؤم عمله ويجر عليه حوبته.

 

أيها المؤمنون: والمجالس العامة بالأمانات إلا مجلساً يخطط فيه للإجرام، من سفك دم حرام، أو انتهاك عرض حرام، أو أكل مال حرام، أو كيد لأهل الإسلام؛ فتلك مجالس آثمة يستحق أهلها العقوبة الصارمة.

 

أما المجالس العادية فهي محترمة لا يجوز أن يفشى مما يقال فيها كلمة، فإذا حدث الرجل في المجلس فالتفت فهي أمانة؛ فلا يجوز إفشاء سره وفضح أمره، وأخص المجالس بحفظ السر وكتمان الأمر ما يكون بين الرجل وأهله حين يفضي إليها وتفضي إليه.

 

فاتقوا الله -عباد الله- في أماناتكم، وراعوها وأدوها؛ فهي أزكى لكم عند مليككم، واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ *وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيم) [الأنفال:27-28].

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

المرفقات

784

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات