رسالة إلى كل مصر على ذنبه

حمدان بن راشد البقمي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/الغاية من خلق الإنسان 2/ فضل وشرف العبادة 3/ من أضرار المعاصي 4/ من آثار المعاصي 5/ وقفات عتاب ومحاسبة للنفس
اهداف الخطبة
تذكير الناس بالغاية من خلق الإنسان / تخويف الناس من المعاصي / الترغيب في محاسبة النفس
عنوان فرعي أول
خطورة الجرأة على انتهاك حدود الله
عنوان فرعي ثاني
الفرح الإلهي بتوبة العبد
عنوان فرعي ثالث
العودة إلى الخير والهدى

اقتباس

فما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولها ضرر على القلب كضرر السموم على الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ إلا الذنوب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه إلا الذنوب!

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يوم ترونها تذهل كل مرضعت عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) [الحج:1-2].

عباد الله: إن الله خلق الخلق لغاية جليلة وحكمة أصيلة وهي عبادته وحده وعدم الإشراك به سبحانه، فأنزل لتحقيق هذا الغرض الكتب وأرسل من يحملها ويبينها للناس من الرسل، فبلغوا أمانة الله وأدوا ما أوجب عليهم الله من تبليغ للناس وتذكير قال الله عز وجل: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات:56-58].

وعبادة الله هي الغاية المحبوبة له، وبها أرسل رسله كما قال نوح لقومه (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ ) [المؤمنون:23].

وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لأقوامهم قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [النحل:36].

وقال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء:25].

وقال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92].

وجعل الله العبادة لازمة لرسوله حتى الموت قال الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) [الحجر:99].

وبالعبادة وصف الله أنبيائه وملائكته فقال تعالى: ( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ) [الأنبياء:19-20].

وذم الله المستكبرين عن عبادته فقال: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [غافر:60].

ونعت صفوت خلقه بالعبودية له فقال: (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) [الإنسان:6].

وقال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) [الفرقان:63].

ولما قال الشيطان: ( رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) [الحجر:39-40].

وقال الله: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر:41].

ووصف الملائكة بالعبودية فقال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ *لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:26-28].

فالرسل أمروا بعبادة الله وحده والرغبة إليه والتوكل عليه وطاعته وتبليغ رسالته، وإقامة دينه رحمة من الله بعباده؛ لأن الله الذي خلق النفوس وهو العليم بما يصلح لها، ورتب الله على اتباع الناس لرسله والقيام بما أوجب الله الثواب العظيم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فطمأنية القلب وزكاء النفس، ونشاط الروح؛ قال الله تعالى: (لَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه وتقواه ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة.

وجزاء الآخرة الفوز الذي لا خسران بعده، والنعيم الذي لا عذاب بعده، إنها الجنة، التي أعدها الله لعباده المتقين، هي الدار التي لا تخالط صفوها الأكدار، ولا تنغص طيب عيشها الأقذار، فلا انقطاع للذتها، ولا تحول لعافيتها، نعيم باق، وأنس مستمر، قال الله تعالى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) [الرعد:35].

وقال تعالى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ) [محمد:15].

عباد الله: فهذا هو الشأن العظيم الذي خلقنا لتحقيقه، دليلنا إليه الوحي المطهر، ولا تزال غايتنا في صدورنا وتعمل بها الجوارح والقلوب مازلنا من معين الوحي ناهلين، يذكر بعضنا بعضا إذا غفلنا وينصح بعضنا بعضا إذا جهلنا، وكلما بعُدنا عن هدى الله، أغرتنا الدار الغرور، وصرفتنا بمتعها الفانية عن الباقية وما أعد الله لنا فيها من الأنس والحبور، فلابد لنا إخواني أن نتأمل ونقف مع بعضنا مذكرين بعضا، بخطر البعد عن الهدى إلى العمى، والانشغال عن العبادة بالمعاصي واتباع الهوى.

فما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولها ضرر على القلب كضرر السموم على الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة إلا الذنوب! وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه إلا الذنوب! وما الذي غرّق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال إلا الذنوب! وما الذي سلّط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض إلا الذنوب! وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم من أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ ما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعا؟ ما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا؟ وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟ وما الذي بعث على بني اسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا؟ وهل هناك أقبح من الذنب والتطاول على مقام الرب؟ وليس شرطا أن يجد الإنسان أثر ذنبه في الحال، بل قد يتأخر تأثيره فينسى ويظن أن الله لا يغير عليه أبدا.

عبدالله: يا من عزمت على عصيان الله، أما فكرت في الجرأة على انتهاك حدود الله، أين تذهب من نظر الله اسمع قول الله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7].

وللمعاصي آثار سيئة كثيرة جداً لو استعرضناها لطال بنا المقام فهي ضرر على البدن وحرمان للعلم والرزق، وسبب في الوحشة بين العبد وربه، وبينه وبين الناس، وسبب في جلب الشقاء وتعسير أمور الدنيا، وظلمة في القلب، وضعف فيه، وحرمان للطاعة، وتقصير للعمر ومحق للبركة، وسبب في الشوق إلى المعصية وعدم استقباحها، وسبب للهوان، ومورثة للذل، ومفسدة للعقل، وطابعة على القلب، وهي سبب في إدخال اللعنة، وسبب في حدوث الفساد، وسبب في الكوارث زلازلها وفيضاناتها والبراكين والخسف، ومطفئة للغيرة، ومذهبة للحياء، ورافعة للمهابة من الخلق، ومستدعية نسيان الله للعبد، ونسيان العبد لنفسه، ومخرجة من الإحسان، ومن الخير حيثما كان، ومزيلة للنعم، وتمرض القلوب، وتعمي البصائر، وتوقع في سجن الشهوة، وتسقط صاحبها من الجاه والكرامة، وجالبة للذم، وموجبة للقطيعة، ومجرئة شياطين الإنس والجن، ومقوية للعدو، فإذا لم تردعك هذه العقوبات وأبيت إلا الإصرار على الذنب - فاستحضر عقوبة الشرع على الجرائم، كما قطع اليد في سرقة ثلاث دراهم، وقطع اليد والرجل في قطع الطريق على معصوم المال والنفس، وشق الجلد بالسوط على كلمة قذف بها المحصن، وغير ذلك من العقوبات التي رتبها على الجرائم وجعلها بحكمته بحسب الدواعي إليها والوازع عنها، وهذا كله فقط في الدنيا، فهل تعلم ما ينتظر العصاة في قبورهم، ضيق في اللحود، وتعذيب من الملائكة، ونار تطل عليهم يأتيهم من حرها وزمهريرها، حتى يقول العاصي منهم رب أقم الساعة، وإذا قامت الساعة فلا تسل عن الأهوال والأغلال، ويحمل أوزاره على ظهره أثقالا فوق أثقال، وفي النار عذابهم المستديم، فيها انتقام العزيز العظيم، لا سرور بعد عذابها، ولا أنس ولا راحة بها (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ*إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ*وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ ) [الواقعة:42-46] فهم تقلب وجوههم فيها، ينادون فلا مجيب للنداء ويدعون ولا مستجيب للدعاء؛ أعاذنا الله وإياكم وأهلينا وأبنائنا منها.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الغفور التواب العزيز الوهاب (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) [غافر:3] ، والصلاة والسلام على من بعثه الرحمن رحمة بخلقه فقال عز من قائل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء:107] .

أيها العبد المذنب -وكلنا أولئك-: قف معي وقفة واستمع لمواعظ القرآن والسنة فلا حياة لقلب لا تحييه مواعظ الوحيين.. يا غافلا والموت يناديه، يا لاهيا والقبر يطلبه، أما آن لك المآب والرجوع، أما آن أن تبتل عوارضك بالدموع (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) [الحديد:16] أما زجرتك عن غيك العبر، أما نهتك عن طغيانك السور، قلي بربك متى التوبة؟ ومتى تسكب عبرات الأوبة؟ أئذا بلغت روحك الحلقوم (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ  * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـاكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) [الواقعة:83-85] أم إذا تجرعت في النار الحميم والزقوم؟ أوَ تدري ما هي الزقوم، اسمع لقول الله ينبيك عنها: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ  *طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدخان:43-46].

يا غافل.. أفق من سكرتك.. وابك على خطيئتك.. واعترف بتقصيرك بين يدي خالقك.. فإن دنياك إذا انقضت لا تعود !.. والآخرة هي دار القرار (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) [فصلت:46].

عد أخي فما زلت في زمن المهلة.. ما زلت قادرا على محو الزلة.. بادر بالطاعات.. وأكثر من القربات.. واسأل الله حسن الختام.. واسأل الله الثبات على الدين على الدوام.. تضرع وناد في السحر؛ فما خاب من ناداه، وما ندم من ناجاه.. قل: " اللهم أنت ربي لا إله أنت..خلقتني وأنا عبدك.. وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت.. أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي.. فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ".

عد أخي.. واقرع باب الرحمات.. وناد القريب المجيب.. فإنه يفرح بتوبتك مع غناه وفقرك قال صلى الله عليه وسلم: " لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده " رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود..

عد أخي؛ ليمحو الله آثامك.. ولو بلغت عنان السماء؛ فعن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ".

عد أخي.. فقد كفاك ما مضى من لهو وتقصير.. فكم ناداك في السحر.. ولم تزل على الذنب مقيم مستمر؛ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يعطى هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح ".

وكم فتح لك باب الرجاء.. فأعرضت بالصد والكبرياء قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر:53]..

وكم أمهلك وحلم عنك.. وأنت لم تزل تبارزه بالمعاصي.. كم مرة سيقت لك العبر ولم تكن معتبرا.. وكم مرة أخذ الناس من حولك بما أجرموا ولم تكن مستشعرا.. كم مرة رآك على الذنب وأمهلك.. أأسدلت دون الناس الأستار ولم يزل باب نظر الله مفتوح أترضى أن تكون ممن قال الله فيهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) [النساء:108]..

أين حياؤك من خالقك (وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67]..

أين إيمانك بمراقبته لك.. أكل ذلك استهانة بنظر الله لك.. أجعلت الله أهون الناظرين إليك؟ قلي بربك أوليس من قبض الأرواح من حولك قادر على قبض روحك؟ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة:8].

ما الذي أمنك مكره؟ فاستهنت بنهيه وأمره؟ قال الله تعالى: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99] أفهذا جزاء النعم؟!

أيها العبد: أعطاك الله سمعا وحَرَم غيرك فماذا سمعت به؟ أستعملته في سماع آيات الرحمن، وسماع المواعظ والدروس في مجالس الذكر؟ أم أنك اجترأت على سماع المعازف والألحان والغيبة والنميمة والبهتان؛ فهل هذا شكرك للسمع؟.

أيها العبد: أعطاك الله بصرا وحرم من سواك؛ فماذا نظرت إليه؟ أجعلته سبيلا للوصول إلى تعظيم الواحد الديان، والتفكر في عظيم صنعه وشواهد عظمته في المخلوقات وفي كل مكان؟ أم أنك أطلقت له العنان ونظرت إلى النساء والمردان، فورث قلبك الظلمة من بعد نوره، وازداد صدرك ضيقا بعد انشراحه وسروره؛ فهل هذا شكرك لنعمة البصر؟.

يا عبد الله: أعطاك الله لسانا فماذا نطقت به؟ أجعلته لنصرة الحق، والدعوة إلى الحق، والنهي عن مخالفة الحق؟ أم أنك خضت في المجالس بالقيل والقال وهتكت ما ستر الله على خلقه من الأحوال، وأكلت اللحوم البشرية أمواتهم والأحياء، سببت هذا.. لعنت ذاك.. شتمت وكذبت، شهدت زورا، جادلت في الحق؛ فهل هذا شكرك لنعمة اللسان؟

عباد الله: قال الله تعالى: (وَذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [المائدة:7].

اللهم تب علينا إنك أنك التواب الرحيم، واغفر ذنوبنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين، اللهم انصر المجاهدين، داو جرحاهم واطعم جياعهم وفك أسيرهم سدد رميهم وصوب سهامهم.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا كربا إلا نفسته ولا دينا إلا قضيته ولا ميتا إلا رحمته ولا عسيرا إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها لنا ويسرتها لنا، بقدرتك يا قادر.

وصلوا وسلموا على المبعوث بالرحمات، صاحب الحوض والمورود والمقام المحمود نبي الهدى عليه أفضل صلاة وأزكي تسليم وعلى آله وصحبه ومن سار نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين...

 

 

 

المرفقات

687

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات