عيدا الميلاد ورأس السنة النصرانيين، أصلهما، وشعائرهما، وحكمهما

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2024-01-12 - 1445/06/30 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/أعياد النصارى البدعية 2/ عيد الميلاد ورأس السنة تاريخيا 3/ الجذور الوثنية لهذه الأعياد 4/ معتقدات في عيد رأس السنة 5/ عموم البلوى بهذه الأعياد6 / مفاسد الاحتفال بهذه الأعياد 7/ واجب المسلمين تجاه هذه الأعياد 8/ الحكم الشرعي لهذه الأعياد .
اهداف الخطبة
التحذير من الأعياد الشركية للنصارى / بيان موقف المسلم من هذه الأعياد
عنوان فرعي أول
أعياد المشركين
عنوان فرعي ثاني
ما واجبنا
عنوان فرعي ثالث
الحكم الشرعي

اقتباس

ومن أعظم شعائرهم الباطلة ما يحتفلون به كل عام من الأعياد المحدثة التي ليست من دين المسيح عليه السلام، وقبل يومين احتفلوا بما يزعمونه عيد ميلاد المسيح عليه السلام المسمى(الكريسمس) وبعد يومين يحتفلون بعيد رأس السنة الميلادية، ولهم في هذين العيدين الكبيرين عندهم جملة من الشعائر والأعمال المملوءة بالشرك والبدعة، والمشتملة على أنواع من الشبهات المضلة، والشهوات المحرمة، والاعتقادات الفاسدة.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ هَدَانَا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَشَرَعَ لَنَا دِينًا قَوِيمًا (مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الْأَنْعَامِ:161] نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَكَانَ عَمَلُهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيُهُمْ مَشْكُورًا، وَضَلَّ عَنْ صِرَاطِهِ أُمَمٌ لَا تَزِيدُهُمْ عِبَادَاتُهُمْ وَشَعَائِرُهُمْ إِلَّا مَقْتًا مِنَ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ، وَبُعْدًا عَمَّا يُرْضِيهِ (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الْكَهْفِ:104] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.  

 

أَمَّا بَعْدُ:فَاتَّقُوا اللَّهَ ـ تَعَالَى ـ وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ؛ فَأَكْثَرُ النَّاسِ قَدْ ضَلُّوا عَنْ دِينِهِ، وَحَادُوا عَنْ شَرِيعَتِهِ، وَاسْتَوْجَبُوهُ سُخْطَهُ وَنِقْمَتَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَقَلِيلٌ مَنْ هَدَاهُمْ إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الدِّينِ، وَكُنْتُمْ مِنْ هَذَا الْقَلِيلِ بِفَضْلِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ عَلَيْكُمْ، وَهِدَايَتِهِ لَكُمْ (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [الْبَقَرَةِ:198].  

 

أَيُّهَا النَّاسُ: تَقَعُ هَذِهِ الْجُمْعَةُ الْمُبَارَكَةُ بَيْنَ عِيدَيْنِ كَبِيرَيْنِ مِنْ أَعْيَادِ الْأُمَّةِ الضَّالَّةِ، الَّتِي ضَلَّتْ عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ، وَجَرَى عَلَيْهَا مَا جَرَى عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي حَادَتْ عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ وَرُسُلِهِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ـ ضَلَالًا وَإِضْلَالًا، وَوَقَعَ فِي دِينِهَا التَّحْرِيفُ وَالتَّبْدِيلُ وَالْإِحْدَاثُ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ بِمَا لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْعِبَادَاتِ وَالشَّعَائِرِ.  

 

وَقَبْلَ أَيَّامٍ كَانَتْ أَيَّامُ عِيدِ الْمُسْلِمِينَ الْكَبِيرِ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ لَهُمْ، وَارْتَضَاهَا مِنْ دِينِهِمْ، وَهَدَاهُمْ إِلَيْهَا، وَجَعَلَهَا ظَرْفًا لِلتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِأُمَّهَاتِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْأَضَاحِي وَالْهَدَايَا، فَمَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ أَعْيَادِنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَمَا بَيْنَ أَعْيَادِ الْأُمَمِ الضَّالَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعُبَّادِ الْأَوْثَانِ!! فَنَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِذْ هَدَانَا لِذَلِكَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى مَا يُرْضِيهِ إِلَى أَنْ نَلْقَاهُ.  

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: إِنَّ الْأُمَّةَ النَّصْرَانِيَّةَ أُمَّةٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِمُ الْوَثَنِيَّةُ مُبَكِّرًا؛ فَاسْتَقَوْا مِنَ الْيُونَانِ وَالرُّومَانِ كَثِيرًا مِنْ شَعَائِرِهِمُ الْوَثَنِيَّةِ، وَجَعَلُوهَا مِنْ أَصْلِ دِينِهِمْ، وَنَسَبُوا بَعْضَهَا لِلْمَسِيحِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ أَوْ لِحَوَارِيِّيهِ، وَهُمْ مِمَّا أَحْدَثُوا بُرَآءُ.   وَمِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِهِمُ الْبَاطِلَةِ مَا يَحْتَفِلُونَ بِهِ كُلَّ عَامٍ مِنَ الْأَعْيَادِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ دِينِ الْمَسِيحِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ، وَقَبْلَ يَوْمَيْنِ احْتَفَلُوا بِمَا يَزْعُمُونَهُ عِيدَ مِيلَادِ الْمَسِيحِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ الْمُسَمَّى "الْكِرِيسْمَسْ" وَبَعْدَ يَوْمَيْنِ يَحْتَفِلُونَ بِعِيدِ رَأْسِ السَّنَةِ الْمِيلَادِيَّةِ، وَلَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ عِنْدَهُمْ جُمْلَةٌ مِنَ الشَّعَائِرِ وَالْأَعْمَالِ الْمَمْلُوءَةِ بِالشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ، وَالْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الشُّبُهَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَالشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ.   وَهَذِهِ الْأَعْيَادُ الشِّرِكِيَّةُ تَصِلُ احْتِفَالَاتُهَا وَشَعَائِرُهَا إِلَى بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ عَبْرَ الْبَثِّ الْفَضَائِيِّ، وَأَضْحَى كَثِيرٌ مِنَ الْمُذِيعِينَ وَمُقَدِّمِي الْبَرَامِجِ فِي أَكْثَرِ الْفَضَائِيَّاتِ وَالْإِذَاعَاتِ يَفْتَتِحُونَ بَرَامِجَهُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ بِتَهْنِئَةِ جُمْهُورِهِمْ بِهَذِهِ الْأَعْيَادِ الْمُحَرَّمَةِ؛ مِمَّا يُحَتِّمُ الْحَدِيثَ عَنْهَا، وَالتَّحْذِيرَ مِنْهَا؛ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا، وَكَثْرَةِ الْوَاقِعِينَ فِي إِثْمِهَا، الْمُغْتَرِّينَ بِزُخْرُفِهَا؛ نُصْحًا لِلْأُمَّةِ، وَحِمَايَةً لِجَنَابِ الشَّرِيعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ وَإِلَّا فَإِنَّ الشَّعَائِرَ الْبَاطِلَةَ لَا يَكَادُ يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ كَثْرَتِهَا، وَلَيْسَ مِنْ مُهِمَّاتِ الْمُسْلِمِ مَعْرِفَتُهَا إِلَّا مَا يُخْشَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وُقُوعُهُمْ فِيهِ تَحْذِيرًا وَتَنْفِيرًا، وَذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ الشَّرِّ لِاتِّقَائِهِ؛ كَمَا قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.  

 

إِنَّ عِيدَ الْمِيلَادِ عِنْدَ النَّصَارَى قَدْ أَحْدَثُوهُ لِمَا يَزْعُمُونَهُ تَجْدِيدًا لِذِكْرَى مَوْلِدِ الْمَسِيحِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَدَى مُؤَرِّخِي النَّصَارَى يَوْمُ مَوْلِدِهِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي عَامِهِ كَبِيرٌ جِدًّا!! فَكَيْفَ بِشَهْرِهِ وَيَوْمِهِ؟!   وَهَذَا الْعِيدُ مِنْ أَقْدَمِ أَعْيَادِهِمْ؛ إِذْ أَحْدَثُوهُ فِي أَوَاسِطِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ التَّارِيخِ النَّصْرَانِيِّ الْمِيلَادِيِّ، وَمِنْ شَعَائِرِهِمْ فِيهِ أَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى الْكَنَائِسِ، يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُرَتِّلُونَ التَّرَانِيمَ، وَيُنْشِدُونَ الْأَنَاشِيدَ، وَيَقْرَءُونَ قِصَّةَ الْمَوْلِدِ مِنْ إِنْجِيلَيْ مَتَّى وَلُوقَا، وَيَتَبَادَلُونَ الْهَدَايَا وَالتَّهَانِيَ بِهِ، وَخَصُّوا الْأَطْفَالَ بِهَدَايَا الْبَابَا نُوِيلْ، وَهُوَ رَاهِبٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَعِيشُ فِي الْقُطْبِ الشَّمَالِيِّ، وَيَحْضُرُ لَيْلَةَ هَذَا الْعِيدِ لِيَضَعَ لُعَبًا لِلْأَطْفَالِ النَّصَارَى وَهُمْ نَائِمُونَ. وَبَعْضُ النَّصَارَى يَحْرِقُ كُتْلَةً مِنْ جِذْعِ شَجَرَةِ عِيدِ مِيلَادِ الْمَسِيحِ، ثُمَّ يَحْتَفِظُونَ بِالْجُزْءِ غَيْرِ الْمَحْرُوقِ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَرْقَ يَجْلِبُ الْحَظَّ.  

 

وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مُؤَرِّخِي النَّصَارَى أَنَّ عِيدَ الْمِيلَادِ عِيدٌ وَثَنِيٌّ أَحْدَثَهُ عُبَّادُ الشَّمْسِ لِمَا يَزْعُمُونَهُ مَوْلِدًا لِلشَّمْسِ الَّتِي لَا تُقْهَرُ، فَلَمَّا تَنَصَّرَ الرُّومَانُ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْمِيلَادِيِّ، نَقَلَهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى مِنْ كَوْنِهِ عِيدًا لِمَوْلِدِ الشَّمْسِ إِلَى عِيدٍ لِمِيلَادِ الْمَسِيحِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ؛ مُسَايَرَةً لِلرُّومَانِ الْوَثَنِيِّينَ الَّذِينَ اعْتَنَقُوا النَّصْرَانِيَّةَ الْمُحَرَّفَةَ، وَمُوَافَقَةً لَهُمْ فِي عِيدِهِمْ؛ وَلِذَا جَعَلُوهُ فِي مَوْعِدِهِ.   وَشَجَرَةُ الْمِيلَادِ الَّتِي هِيَ مِنْ رُمُوزِ عِيدِهِمْ هَذَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ؛ إِذْ يَعْتَقِدُ الْفَرَاعِنَةُ وَالصِّينِيُّونَ أَنَّ الشَّجَرَةَ رَمْزٌ لِلْحَيَاةِ السَّرْمَدِيَّةِ، وَأَخَذَهَا عَنْهُمُ الرُّومَانُ الْوَثَنِيُّونَ، فَلَمَّا اعْتَنَقُوا النَّصْرَانِيَّةَ اخْتَرَعَ الرُّهْبَانُ لَهَا أَصْلًا فِي دِينِهِمْ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، وَتَطْوِيعِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ لِأَهْوَاءِ النَّاسِ وَمُتَطَلَّبَاتِهِمْ.  

 

أَمَّا عِيدُ رَأْسِ السَّنَةِ الْمِيلَادِيَّةِ؛ فَهُوَ يُوَافِقُ عِيدًا يُسَمَّى عِيدَ "الْبَسْتَرِينَةِ" وَهِيَ آلِهَةٌ اتَّخَذَهَا الْيُونَانُ وَالرُّومَانُ الْوَثَنِيُّونَ رَمْزًا لِلْقُوَّةِ، فَلَمَّا اعْتَنَقَ الرُّومَانُ النَّصْرَانِيَّةَ أَقَرَّ الرُّهْبَانُ كَثِيرًا مِنْ شَعَائِرِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ، وَأَحْدَثُوا لَهَا أُصُولًا دِينِيَّةً عِنْدَهُمْ، فَسَمَّوْا هَذَا الْعِيدَ الْوَثَنِيَّ "عِيدَ الْخِتَانَةِ" وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَسِيحَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ خُتِنَ فِيهِ.   وَمِنَ اعْتِقَادَاتِ النَّصَارَى فِي هَذَا الْعِيدِ الْوَثَنِيِّ: أَنَّ الَّذِي يَحْتَسِي آخِرَ كَأْسٍ مِنْ قِنِّينَةِ الْخَمْرِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ سَيَكُونُ سَعِيدَ الْحَظِّ، وَإِذَا كَانَ عَازِبًا فَسَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَتَزَوَّجُ مِنْ بَيْنِ رِفَاقِهِ فِي تِلْكَ السَّهْرَةِ، وَمِنَ الشُّؤْمِ دُخُولُ مَنْزِلٍ فِي هَذَا الْعِيدِ دُونَ أَنْ يَحْمِلَ الْمَرْءُ هَدِيَّةً، وَكَنْسُ الْغُبَارِ إِلَى الْخَارِجِ يُكْنَسُ مَعَهُ الْحَظُّ السَّعِيدُ، وَغَسْلُ الثِّيَابِ وَالصُّحُونِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الشُّؤْمِ، وَالْحِرْصُ عَلَى بَقَاءِ النَّارِ مُشْتَعِلَةً طَوَالَ لَيْلَةِ رَأْسِ السَّنَةِ يَحْمِلُ الْحَظَّ السَّعِيدَ .... إِلَى آخِرِ خُرَافَاتِهِمْ وَمُعْتَقَدَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ فِيهِ.  

 

وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ مِنْ نَصَارَى الْغَرْبِ يُقِرُّونَ بِالْجُذُورِ الْوَثَنِيَّةِ لِشَعَائِرِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَتَعَبُّدَاتِهِمْ، وَأَلَّفَ مَجْمُوعَةٌ مِنْ بَاحِثِيهِمْ كِتَابًا بِعُنْوَانِ "الْأُصُولِ الْوَثَنِيَّةِ لِلْمَسِيحِيَّةِ" قَالُوا فِيهِ: " دَارِسُ تَارِيخِ الْأَدْيَانِ الْوَثَنِيَّةِ وَالْمَسِيحِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يُلَاحِظَ أَنَّ الْأَعْيَادَ الْمَسِيحِيَّةَ قَدْ وُقِّتَتْ بِذَكَاءٍ مِنْ قِبَلِ الْكَنِيسَةِ، وَصَارَ يُحْتَفَلُ بِهَا فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ الْوَثَنِيَّةِ نَفْسِهَا .... لَا بُدَّ مِنَ الْمُلَاحَظَةِ أَنَّ الشُّعُوبَ الْوَثَنِيَّةَ أَحْبَطَتْ جُهُودَ الْكَنِيسَةِ لِانْتِزَاعِ الطَّابَعِ الْوَثَنِيِّ عَنْ بَعْضِ الْأَدْيَانِ، وَجَعَلَتْ ذَلِكَ مُسْتَحِيلًا مِمَّا أَدَّى بِالْكَنِيسَةِ نَفْسِهَا إِلَى أَنْ تَتَبَنَّى التَّقَالِيدَ وَالشَّعَائِرَ الْوَثَنِيَّةَ، وَتَخْلَعَ عَلَيْهَا أَلْقَابًا مَسِيحِيَّةً".اهـ  

 

وَلِلِاحْتِفَالِ بِهَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ فِي هَذَا الزَّمَنِ شَأْنٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الْأُمَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَانْتَقَلَ إِلَى الْأُمَمِ الْأُخْرَى بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ وَالْمُحَاكَاةِ، وَالتَّزْيِينِ الْإِعْلَامِيِّ لَهُمَا، وَلَا سِيَّمَا عِيدُ رَأْسِ السَّنَةِ الْمِيلَادِيَّةِ الَّتِي تَكَادُ مَظَاهِرُ الِاحْتِفَالِ بِهِ تَشْمَلُ الْأَرْضَ كُلَّهَا بِسَبَبِ اعْتِمَادِ التَّارِيخِ الْمِيلَادِيِّ تَقْوِيمًا لِأَكْثَرِ دُوَلِ الْعَالَمِ، حَتَّى إِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَكْثَرِ دُوَلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَحْفَظُونَ التَّارِيخَ الْمِيلَادِيَّ النَّصْرَانِيَّ، وَلَا يَحْفَظُونَ التَّارِيخَ الْهِجْرِيَّ الْإِسْلَامِيَّ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ـ.   وَأَضْحَى الِاحْتِفَالُ بِرَأْسِ السَّنَةِ الْمِيلَادِيَّةِ يَتَصَدَّرُ نَشَرَاتِ الْأَخْبَارِ، وَالصَّفَحَاتِ الْأَوْلَى مِنَ الصُّحُفِ وَالْمَجَلَّاتِ، وَتُنْقَلُ بِالْبَثِّ الْمُبَاشِرِ فِي شَتَّى بِقَاعِ الْعَالَمِ احْتِفَالَاتُ لَحْظَةِ انْتِهَاءِ الْعَامِ الْمِيلَادِيِّ مِنْ مُنْتَصَفِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَمَا يُصَاحِبُهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ.  

 

وَيُنْفَقُ عَلَى هَذَا الْعِيدِ وَشِعَارَاتِهِ وَاحْتِفَالَاتِهِ مِنَ النَّفَقَاتِ مَا يَكْفِي لِإِطْعَامِ مَلَايِينِ الْجَائِعِينَ، وَإِيوَاءِ مِئَاتِ الْأُلُوفِ مِنَ اللَّاجِئِينَ وَالْمُشَرَّدِينَ، وَمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى، وَتَعْلِيمِ الْأُمِّيِّينَ، وَفِي إِحْصَاءٍ قَبْلَ سِتِّ سَنَوَاتٍ لِلدَّوْلَةِ النَّصْرَانِيَّةِ الْأُولَى فِي الْعَالَمِ بَلَغَتْ نَفَقَاتُ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ فِيهَا خَمْسِينَ مِلْيَارَ دُولَارٍ!! فَكَيْفَ بِبَقِيَّةِ دُوَلِ أُورُبَّا وَالْعَالَمِ أَجْمَعِ؟!   وَكُلُّهَا نَفَقَاتٌ غَيْرُ مَخْلُوفَةٍ، وَلَا أَجْرَ لِأَصْحَابِهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَعْيَادٍ وَثَنِيَّةٍ أَدْخَلَهَا الرُّهْبَانُ فِي دِينِ النَّصَارَى، لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ وَلَا يَرْضَاهَا، وَمَنْ شَارَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا بِاحْتِفَالٍ أَوْ حُضُورٍ أَوْ إِهْدَاءٍ أَوْ تَهْنِئَةٍ، أَوْ أَظْهَرَ شَيْئًا مِنَ الْفَرَحِ بِهَا فَلْيَعْلَمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ إِقْرَارًا لِشَعَائِرَ لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ لِعِبَادِهِ، وَلَا يُحِبُّهَا مِنْهُمْ، وَلَا تَزِيدُ أَصْحَابَهَا مِنَ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ إِلَّا بُعْدًا، وَتَسْتَوْجِبُ سُخْطَهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَنِقْمَتَهُ، وَاللَّهُ ـ تَعَالَى ـ قَدْ شَرَعَ لَنَا مِنَ الْأَعْيَادِ وَالشَّعَائِرِ الَّتِي تُقَرِّبُنَا إِلَيْهِ وَيَرْضَى بِهَا عَنَّا مَا يُغْنِينَا عَنْ تَقْلِيدِ الْأُمَمِ الضَّالَّةِ فِي أَعْيَادِهَا الْوَثَنِيَّةِ الْمُحْدَثَةِ (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الْجَاثِيَةِ:20].   أَسْأَلُ اللَّهَ ـ تَعَالَى ـ أَنْ يُثَبِّتَنَا وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا التَّمَسُّكَ بِأَهْدَابِ الدِّينِ الْحَنِيفِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا صِرَاطَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.   بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...  

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:   الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا أَمَرَ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ؛ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.   أَمَّا بَعْدُ:فَاتَّقُوا اللَّهَ ـ تَعَالَى ـ وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الْبَقَرَةِ:281].  

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذَا الزَّمَنِ عَمَّتِ الْبَلْوَى بِالْأَعْيَادِ الْوَثَنِيَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَصَارَ الِاحْتِفَالُ بِهَا ظَاهِرًا مُعْلَنًا، وَتَسَاهَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي حُضُورِهَا وَالْمُشَارَكَةِ فِيهَا، وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهَا، وَالتَّهَادِي بِمُنَاسَبَتِهَا، وَالتَّهَانِي بِهَا، وَهَذَا مِنَ التَّسَاهُلِ فِي شَعَائِرِ الْكُفْرِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَهِينَ بِذَلِكَ.   وَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ـ تَعَالَى ـ وَيُعَظِّمُ شَرِيعَتَهُ أَنْ يَجْتَنِبَ حُضُورَهَا أَوِ الْمُشَارَكَةَ فِيهَا، أَوِ الْإِعَانَةَ عَلَيْهَا بِبَيْعِ أَدَوَاتِ الْعِيدِ وَشَعَائِرِهِ وَرُمُوزِهِ، أَوْ إِعَارَتِهَا أَوْ إِجَارَتِهَا أَوْ هِبَتِهَا، أَوِ التَّهَادِي بِمُنَاسَبَتِهَا، أَوْ قَبُولِ هَدَايَاهَا، أَوْ تَهْنِئَةِ الْغَيْرِ بِهَا، أَوِ الرَّدِّ عَلَى تَهْنِئَتِهِمْ بِمِثْلِهَا، بَلِ الْوَاجِبُ رَحْمَتُهُمْ إِذْ ضَلُّوا عَنِ الْهُدَى، وَتَمَنِّي الْهِدَايَةِ لَهُمْ، وَحَمْدُ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ عَلَى نِعْمَتِهِ.   وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ عَلَى إِنْكَارِ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَمَا نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ مُشَارَكَتُهُمْ فِي أَعْيَادِهِمْ، أَوْ حُضُورُهَا، أَوْ إِعَانَتُهُمْ عَلَيْهَا، أَوِ التَّهَادِي بِمُنَاسَبَتِهَا، أَوْ تَهْنِئَتُهُمْ بِهَا.   وَلَمَّا فُتِحَتْ كَثِيرٌ مِنْ بُلْدَانِ النَّصَارَى فِي مِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهَا - وَكَانَ فِيهَا نَصَارَى بَقُوا عَلَى دِينِهِمْ وَدَخَلُوا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْجِزْيَةِ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ مُشَارَكَتُهُمُ النَّصَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ إِنَّ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ لَمَّا صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ، وَكَتَبَ شُرُوطَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ مِنْهَا أَلَّا يُظْهِرُوا الِاحْتِفَالَ بِأَعْيَادِهِمْ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَلَوْ سَاغَ مُشَارَكَتَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ تَهْنِئَتَهُمْ بِهَا لَمَا مَنَعَهُمْ مِنْ إِظْهَارِهَا.  

 

وَكُلُّ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ تَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فِي أَعْيَادِهِمْ أَوْ مُشَارَكَتِهِمْ فِيهَا، نَحْوَ قَوْلِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ: (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الْحَدِيدِ:16] وَقَوْلِ النَّبِيِّ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ مِنْ وُجُوبِ اجْتِنَابِ الْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ.   وَقَدْ يَعْجَبُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذَا التَّشْدِيدِ فِي أَعْيَادِ الْكُفَّارِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَجِيبٍ عِنْدَ مَنْ يَفْهَمُ شَرِيعَةَ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ، وَيَعْلَمُ أَنَّ حِمَايَتَهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَنْعِ شَعَائِرِ الْآخَرِينَ مِنَ الدُّخُولِ فِيهَا وَذَلِكَ بِتَحْرِيمِ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ، وَمَنْعِ الِابْتِدَاعِ فِي دِينِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ، فَيَبْقَى الدِّينُ عَلَى صَفَائِهِ وَنَقَائِهِ، لَا يَدْخُلُ فِي شَرِيعَتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا مَا هُوَ مِنْهَا، وَهَذَا هُوَ حِفْظُ الدِّينِ الَّذِي تَكَفَّلَ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ بِهِ قَدَرًا فِي قَوْلِهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الْحِجْرِ:9] وَجَعَلَ مِنَ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لِذَلِكَ: الْمَنْعَ مِنَ التَّشَبُّهِ وَالِابْتِدَاعِ.  

 

وَقَدْ عَلِمْنَا آنِفًا كَيْفَ أَنَّ الشَّعَائِرَ وَالْأَعْيَادَ الْوَثَنِيَّةَ الْيُونَانِيَّةَ وَالرُّومَانِيَّةَ أُدْخِلَتْ فِي دِينِ النَّصَارَى، وَابْتَدَعَ الرُّهْبَانُ فِيهِ مَا ابْتَدَعُوا، فَكَانَ دِينُهُمْ بَعِيدًا عَنْ شَرِيعَةِ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ بِسَبَبِ التَّشَبُّهِ وَالِابْتِدَاعِ.   وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ تَهْنِئَتِهِمْ بِأَعْيَادِهِمْ؛ فَلِأَنَّ أَعْيَادَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَعَةً أَمْ مُحَرَّفَةً، وَالصَّحِيحُ مِنْهَا - إِنْ كَانَ مَوْجُودًا - مَنْسُوخٌ بِأَعْيَادِنَا، فَأَعْيَادُهُمْ مِنْ دِينِ الشَّيْطَانِ الَّذِي لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ وَلَا يَرْضَاهُ لِعِبَادِهِ دِينًا وَلَا عِيدًا، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِنْكَارُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْكَارِ فِي شَيْءٍ التَّهْنِئَةُ بِهَا؛ بَلْ هِيَ مُشْعِرَةٌ بِقَبُولِهَا وَالرِّضَا بِهَا.   وَلَوْ أَنَّ وَثَنِيًّا سَجَدَ لِصَنَمٍ، أَوْ نَصْرَانِيًّا سَجَدَ لِقِسِّيسٍ أَوْ صَلِيبٍ فَهَنَّأَهُ مُسْلِمٌ عَلَى سُجُودِهِ لَاسْتَعْظَمَ النَّاسُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِمَا فِي تَهْنِئَتِهِ مِنْ إِقْرَارِ السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَدَعَوْتُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَعْجَبُونَ مِنْ تَحْرِيمِ تَهْنِئَةِ الْكُفَّارِ بِأَعْيَادِهِمْ، وَأَعْيَادُهُمْ مِنْ أَظْهَرِ شَعَائِرِهِمْ وَأَبْيَنِهَا؟!  

 

وَأَيْنَ التَّهْنِئَةُ بِشَعِيرَةٍ فَرْدِيَّةٍ خَاصَّةٍ سَجَدَ صَاحِبُهَا لِغَيْرِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشَعَائِرَ ظَاهِرَةٍ مُعْلَنَةٍ هِيَ مِنْ صَمِيمِ الْوَثَنِيَّةِ الَّتِي أُدْخِلَتْ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ الْمُحَرَّفَةِ؟!   وَلَكِنَّ النَّاسَ يَسْتَعْظِمُونَ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ لِقِلَّةِ مُشَاهَدَتِهِمْ لَهُ، وَلَا يَسْتَعْظِمُونَ شَعَائِرَ الْكُفْرِ الظَّاهِرَةَ الْمُعْلَنَةَ الَّتِي مِنْهَا الْأَعْيَادُ وَمَظَاهِرُهَا وَهِيَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ لِإِلْفِهِمْ لَهَا، وَكَثْرَةِ الْوَاقِعِينَ مِنْهُمْ فِيهَا، وَقَدْ قِيلَ: كَثْرَةُ الْإِمْسَاسِ تُقَلِّلُ الْإِحْسَاسَ.   وَاللَّهُ ـ تَعَالَى ـ قَدْ أَمَرَنَا بِتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ، وَأَخْبَرَ ـ سُبْحَانَهُ ـ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ التَّقْوَى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الْحَجِّ:32] وَلَيْسَ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ الِاسْتِهَانَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الَّتِي مِنْ أَظْهَرِهَا وَأَعْظَمِهَا الْأَعْيَادُ، فَمَنْ عَظَّمَ شَعَائِرَ اللَّهِ ـ تَعَالَى ـ قَامَ فِي قَلْبِهِ إِنْكَارُ شَعَائِرِ الْكُفْرِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَلَا يُدَاهِنُ وَلَا يُجَامِلُ أَحَدًا فِيهَا، وَلَوْ كَثُرَ الزَّائِغُونَ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمُطَبِّلِينَ لَهَا، الْمُحْتَفِينَ بِهَا؛ فَإِنَّ أَهْلَ الضَّلَالِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَصْحَابَ النَّارِ أَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الْأَنْعَامِ:116]. 

 

فَاحْذَرُوا - عِبَادَ اللَّهِ - مُشَارَكَةَ الْأُمَّةِ الضَّالَّةِ فِي أَعْيَادِهَا وَشَعَائِرِهَا، أَوْ إِعَانَتَهَمْ عَلَيْهَا، أَوِ التَّهَادِيَ بِمُنَاسَبَتِهَا، أَوْ تَهْنِئَةَ أَحَدٍ بِهَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِضًا بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ وَمَنَاسِكِهِ، وَالْمُؤْمِنُ لَا يَرْضَى أَنْ يُكْفَرَ بِاللَّهِ ـ تَعَالَى ـ شَيْئًا، بَلْ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَأْبَاهُ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ مِنْهُ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ ـ تَعَالَى ـ إِلَيْهِ، وَهَذَا مِنَ الِاعْتِزَازِ بِالْإِسْلَامِ وَالْفَخْرِ بِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.  

 

أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا...

المرفقات

الميلاد ورأس السنة النصرانيين، أصلهما، وشعائرهما، وحكمهما

الميلاد ورأس السنة النصرانيين، أصلهما، وشعائرهما، وحكمهما- مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات