عاشوراء
2022-10-06 - 1444/03/10التعريف
قال ابن منظور: "عاشوراء وعشوراء ممدودان اليوم العاشر من محرم، وقيل: التاسع"(لسان العرب:5/2952-2953).
قال ابن حجر رحمه الله: "وعاشوراء بالمد على المشهور، وحكي فيه القصر، وردَّ قول من زعم أنه اسم إسلامي لم يعرف في الجاهلية، ورد ذلك عليه ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء، وبقول عائشة رضي الله عنها: إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه"(فتح الباري:4-245).
وقال أيضا: "قال القرطبي: هو معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم"(فتح الباري:4-245).
قال الزين بن المنير: "الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية"( فتح الباري:4-770، تنوير الحوالك:1-269).
العناصر
1- عاشوراء بين الإسلام والأمم السابقة. 2- مراحل تشريع صيام عاشوراء 3- فضل صيام يوم عاشوراء والحكمة من صيامه 4- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود 5- صيام السلف لعاشوراء وحرصهم على ذلك 6- مراتب صيام عاشوراء 7- دروس من يوم عاشوراء 8- مقتل الحسين بين السنة والشيعة 9- بدع يوم عاشوراء
الايات
قال الله تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)[البقرة:50].
الاحاديث
1- عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله -سبحانه- بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى -عليه السلام- ، قال: "فأنا أحق بموسى منكم فصامه -صلى الله عليه وسلم-" وأمر بصيامه (رواه البخاري:٢٠٠٤). 2- معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في مثل هذا اليوم -أي عاشوراء-: "إني صائم فمن شاء أن يصوم فليصم"(رواه مسلم:١١٢٩). 3- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: أمر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بصومِ عاشوراءَ، يومَ العاشرِ(رواه الترمذي:٧٥٥، وصححه الألباني). 4- عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية"(رواه مسلم:١١٦٢) وفي بعض ألفاظه قال: "وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله"(رواه مسلم:١١٦٢). 5- عن أبي قتادة أنَّ رجلًا سأَل النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللهِ أرأَيْتَ رجلًا يصومُ يومَ عاشوراءَ؟ قال: "ذاك صومُ سنَةٍ"(رواه ابن حبان في صحيحه:٣٦٣١، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده على شرط مسلم). 6- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ عاشوراءَ وأمرَ بصيامِه، قالوا: يا رسولَ الله ! إنه يومٌ تُعظِمُه اليهودُ والنصارى، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العامُ المُقبلُ إن شاءَ اللهُ، صُمْنا اليومَ التاسعَ" قال: فلمْ يأتِ العامُ المُقبلُ، حتى تُوفِّيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم:١١٣٤). 7- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء، فقال: "ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومًا يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهرًا إلا هذا الشهر يعني رمضان"(رواه مسلم:1132). 8- عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة "من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه" فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار (رواه البخاري:١٩٦٠، ومسلم:1136).
الاثار
1- عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: من صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كله ، وهو صوم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 2- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: من صام يوم الزينة يعني يوم عاشوراء أدرك ما فاته من صيام السنة ، ومن تصدق يومئذ أدرك ما فاته من صدقة السنة. 3- عن قيس بن عباد، قال: كانت الوحش تصوم يوم عاشوراء"(حلية الأولياء:9-41). 4- روى أبو موسى المديني بإسناده عن قيس بن عباد قال: "بلغني أن الوحش كانت تصوم عاشوراء"(لطائف المعارف لابن رجب: 53).
القصص
1- عن الفتح بن شَخْرَفٍ قال: "كنت أفتُّ للنمل الخبزَ كل يوم، فلما كان يوم عاشوراء، لم يأكلوه"(بغية الطلب في تاريخ حلب:3-50). 2- عن ريحان القادي قال: كان أمير المؤمنين القادر بالله يصلي الفجر، من دارين من ابنه المعتضد، وابنه المكتفى، وكانتا خاليتين إذ ذاك من ساكن، ليخلو بنفسه في الدعاء، وكان فيهما نمل كثير، وكان يحمل كل يوم شيئًا من الطعام، فتأتي النمل عليه. فلما كان يوم عاشوراء، فتت القرن، والنمل منبسط كثير، فلم يتناول منه شيئًا فعجب؛ قال: عسى يكون في هذا الطعام شبهة؛ فنفذ إلى وكيل خزانة البر، فذكر أنه من أحل أملاكه وأطيبها، فازداد عجبًا، ثم إنه استدعى الشيخ الزاهد القزويني، فلما حضر، أعلمه ذلك، فتبسم وقال: يا أمير المؤمنين! هذا يوم عاشوراء، والوحش والطير والذئب صائم كله!! فتركه ووكل بالموضع، من شاهد النمل إلى الليل، فلما غربت الشمس، خرجت وأتت على جميعه"(التدوين في أخبار قزوين:3-388). 3- روى أبو موسى المديني بإسناده عن رجل "أتى البادية يوم عاشوراء فرأى قوما يذبحون ذبائح، فسألهم عن ذلك، فأخبروه أن الوحوش صائمة، وقالوا: اذهب بنا نرك فذهبوا به إلى روضة فأوقفوه، قال: فلما كان بعد العصر جاءت الوحوش من كل وجه فأحاطت بالروضة رافعة رؤوسها إلى السماء ليس شيء منها يأكل حتى إذا غابت الشمس أسرعت جميعا فأكلت"(لطائف المعارف لابن رجب:53).
الاشعار
قال الشاعر: إذا كان المساءُ لنا غــطاءُ *** فبعدُ الصُّبحِ ينبـــلجُ الضِّياء فباغي الخير يطلبهُ حثيثاً *** ويغلبُ في مخافتـــهِ رجَاء لنا في كلِّ حـــادثة حديثاً *** بدين الله يكتمــــــــلُ البناء فعاشوراء صومٌ ليس حزناً *** ولا ضربُ الجلـودِ ولا البكاء ولا نوح البواكــي والثكالى *** ولا حملُ السيوف ولا الدِّماء لنا في سنة الهادي كــمالاً *** ونوراً في معــــــالمها ضياء وحكم الصوم أمرٌ مستحبٌ *** وفيه الأجــــــرُ ليس به عناء مخالفةُ اليهودِ بصومِ يومٍ *** مـع العاشرولايُـنسَى الدُّعاء ومن صامَ الثلاثةَ كان خيراً *** كثيراً لا يُعادله الثناء يُكـفّر عامهُ الماضي ويمحو *** به اللهُ الذنوبَ لمن يشاء
متفرقات
1- قال النووي-رحمه الله-: "قال القاضي عياض: وقد قال بعضهم: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب فصامه... ومختصر ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه كما تصومه قريش في مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضاً بوحي أو تواتر أو اجتهاد، لا بمجرد إخبارهم، والله أعلم"(شرح مسلم للنووي:٨-١١). 2- قال ابن رجب: "ويتحصل من الأخبار أنه كان للنبي -صلى اللّه عليه وسلم- أربع حالات: كان يصومه بمكة ولا يأمر بصومه، فلما قدم المدينة وجد أهل الكتاب يصومونه ويعظمونه وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر فيه فصامه وأمر به وأكد، فلما فرض رمضان ترك التأكيد، ثم عزم في آخر عمره أن يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب، ولم يكن فرضاً قط على الأرجح"(فيض القدير:٤-٢٨٤). 3- قال ابن حجر: "نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماع على أنه مستحب"(فتح الباري:4-289). 4- قال النووي: "واختلفوا في حكمه في أول الإسلام حين شرع صومه قبل صوم رمضان، فقال أبو حنيفة: كان واجباً، واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين أشهرهما عندهم أنه لم يزل سنة من حين شرع ولم يكن واجباً قط في هذه الأمة ، ولكنه كان متأكد الاستحباب ، فلما نزل صوم رمضان صار مستحباً دون ذلك الاستحباب. والثاني كان واجباً كقول أبي حنيفة"(شرح صحيح مسلم:٨-٤). 5- قال ابن القيم-رحمه الله –"فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم. وأما إفراد التاسع، فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب"(زاد المعاد لابن القيم:2-75). 6- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه: "ومن أحسن ما يذكر هنا: أنه قد روى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث عندها استرجاعا كتب الله له مثلها يوم أصيب" هذا حديث رواه عن الحسين ابنته فاطمة التي شهدت مصرعه، وقد علم أن المصيبة بالحسين تذكر مع تقادم العهد، فكان في محاسن الإسلام أن بلغ هو هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه كلما ذكرت هذه المصيبة يسترجع لها فيكون للإنسان من الأجر مثل الأجر يوم أصيب بها المسلمون.." إلى أن قال: "والآثار في ذلك متعددة؛ فكيف إذا انضم إلى ذلك ظلم المؤمنين ولعنهم وسبهم وإعانة أهل الشقاق والإلحاد على ما يقصدونه للدين من الفساد وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى"(الفتاوى:4/511-513). 7- قال ابن رجب رحمه الله: "وأما اتخاذه مأتماً كما تفعله الرافضة؛ لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه، فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم"(لطائف المعارف:113). 8- قال ابن القيم في بدائع الفوائد: "فإن قيل لم كان عاشوراء يكفر سنة ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل فيه وجهان: أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء. الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم"(بدائع الفوائد:4-211). 9- قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه المجموع: "ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً: أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر. الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصومٍ، كما نهى أن يُصام يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون. الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال، ووقوع غلطٍ، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر"(المجموع:٦-٣٨٣). 10- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله في عاشوراء: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع"(الفتاوى الكبرى الجزء السادس: سد الذرائع المفضية إلى محرم). 11- قال ابن حجر في تعليقه على حديث: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» "ما همّ به من صوم التاسع يُحتمل معناه أن لا يقتصر عليه بل يُضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح"(فتح الباري:4-308). 12- قال ابن حجر: "وعلى كل فلم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يجب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه" (فتح الباري4/288-291). 13- قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "أن الإمام أحمد يقول في ذلك: "من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، وابن سيرين يقول ذلك"(اقتضاء الصراط المستقيم1-470). 14- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "صيام يوم عاشوراء كفارة سنةٍ ولا يكره إفراده بالصوم"(الفتاوى الكبرى:4-461). 15- سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك فقال: "كراهة إفراد يوم عاشوراء بالصوم ليست أمراً متفقاً بين أهل العلم، فإن منهم من يرى عدم كراهة إفراده، ولكن الأفضل أني صام يوم قبله أو يوم بعده، والتاسع أفضل من الحادي عشر، أي من الأفضل أن يصوم يوماً قبله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» يعني مع العاشر، وقد ذكر بعض أهل العلم أن صيام عاشوراء له ثلاث حالات، وذكروا أن الأكمل أن يصوم يوماً قبله ويوماً بعده، ثم أن يصوم التاسع والعاشر، ثم أن يصوم العاشر والحادي عشر، ثم أن يفرده بالصوم. والذي يظهر أن إفراده بالصوم ليس بمكروه، لكن الأفضل أن يضم إليه يوماً قبله أو يوماً بعده"(الفتاوى لابن عثيمين، كتاب الدعوة:1/188-189). 16- قال الإمام الطحاوي رحمه الله: "وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء وحضَّ عليه، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه، ففي ذلك دليلٌ على دخول كل الأيام فيه وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الصيام إلى الله عزوجل صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً" …ففي ذلك أيضاً، التسوية بين يوم السبت وبين سائر الأيام، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيام أيام البيض …، وقد يدخل السبت في هذه كما يدخل فيها غيره من سائر الأيام "(شرح معاني الآثار:2-80). 17- قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله إفراد يوم السبت بالصيام على النحو التالي: "الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ، كرمضان أدَاءً، أو قضاءً، وكصيام الكَفَّارةِ، وبدل هدي التَّمَتُّع، ونحو ذلك؛ فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقداً أن له مزية. الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة؛ فلا بأس به. الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة؛ كأيام البيض، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان وتسع ذي الحجة؛ فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يُشرع صومها. الحال الرابعة: أن يُصادف عادةً، كعادة من يصوم يوماً ويفطر يوماً، فيصادف يوم صومه يوم السبت؛ فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه، وهذا مثله. الحال الخامسة: أن يخصه بصوم تطوع؛ فيفرده بالصوم؛ فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي عنه. أما صيام يوم الجمعة ففيه نهي، إلا أن العلماء قالوا بأنه يستثنى من النهي: من صام قبله أو بعده أو اتفق وقوعه في أيام له عادةٌ بصومها كمن يصوم أيام البيض أو من له عادةٌ بصوم يوم معين كيوم عرفة أو يوم عاشوراء فوافق يوم الجمعة، ويؤخذ منه جواز صومه لمن نذر يوم قدوم زيدٍ مثلا أو يوم شفاء فلان"(مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين:20-57). 18- قال العلامة بن عثيمين رحمه الله: "من صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء"(مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين:20-48). 19- سئل الشيخ ابن عثيمين عمن فاته صيام نافلة بمرض أو عذر فهل يقضيه فقال: "النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له. فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يُقضى، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه ثم أراد أن يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد، لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية، ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر فلا شك أنه لا يقضي، ولا ينتفع به لو قضاه، أي لا ينتفع به على أنه يوم عرفة ويوم عاشوراء. وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضاً أنه لا يقضي، لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم"(مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين:20-57). 20- قال ابن القيم رحمه الله: "يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر، ولم يدر هذا المغتر، أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر. فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويان على تكفير الصغائر، إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر. فكيف يكفر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصرٌ عليها، غير تائب منها؟ هذا محالٌ. على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء مكفراً لجميع ذنوب العام على عمومه، ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع، ويكون إصراره على الكبائر مانعاً من التكفير، فإذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الإصرار، وتعاونا على عموم التكفير، كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر، مع أنه سبحانه قد قال: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)[النساء:31]؛ فعلم أن جعل الشيء سبباً للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسببٌ آخر على التكفير، ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما، وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوى وأتم وأشمل"(الجواب الكافي:13). 21- سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل، والاغتسال، والحناء والمصافحة، وطبخ الحبوب وإظهار السرور، وغير ذلك، هل لذلك أصلٌ؟ أم لا؟. فأجاب في كتابه مجموع الفتاوى: الحمد لله رب العالمين، لم يرد في شيءٍ من ذلك حديثٌ صحيحٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، ولا التابعين، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك. ورووا في حديثٍ موضوعٍ مكذوبٍ على النبي صلى الله عليه وسلم: أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة. ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذبٌ"(مجموع الفتاوى:3-161). 22- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما سائر الأمور مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة، إما حبوب وإما غير حبوب أو تجديد لباس أو توسيع نفقة أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به أو قصد الذبح أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب أو الاكتحال أو الاختضاب أو الاغتسال أو التصافح أو التزاور أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك، فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين لا مالك ولا الثوري ولا الليث بن سعد ولا أبو حنيفة ولا الأوزاعي ولا الشافعي ولا أحمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهوية ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين"(مجموع الفتاوى:13-167). 23- قال رحمه الله رحمه الله ملخصاً لما مرّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال: "فصات طائفةٌ جاهلةٌ ظالمةٌ: إما ملحدةٌ منافقةٌ، وإما ضالةٌ غاويةٌ، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية .. وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذبٌ كثيرٌ والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن، والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين .. وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام. فعارض هؤلاء قومٌ إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والشر بالشر، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب، وتوسيع النفقات على العيال، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم، فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتماً يقيمون فيه الأحزان والأتراح، وكلا الطائفتين مخطئةٌ خارجةٌ عن السنة"(مجموع الفتاوى:25-299). 24- وقال -رحمه الله-: "فكان ما زينهُ الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتمًا وما يضعون فيه من الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وكثرة الكذب والفتن في الدنيا ولم تعرف طوائف الإسلام أكثر كذبًا وفتنًا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين، وأولئك قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم"(مجموع الفتاوى:13/165-166). 25- وقال أيضًا -رحمه الله-: "وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين، بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنهم وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب حتى يسب السابقون الأولون وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجبًا ولا مستحبًا باتفاق المسلمين بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله"(منهاج السنة النبوية:2-322). 26- قال الإمام ابن الحاج المالكي رحمه الله في كتابه المدخل: "من بدع عاشوراء تعمد إخراج الزكاة فيه تأخيراً أو تقديماً وتخصيصه بذبح الدجاج واستعمال الحنّاء للنساء"(المدخل: ج1 يوم عاشوراء). 27- قال عز الدين بن عبدالسلام: "وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيويٌّ.. والضرب الثاني: تفضيل ديني، راجع إلى أنَّ الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها"(قواعد الأحكام:1-38). 28- قال ابن قدامة:"عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم"رواه الترمذي وقال: حديث صحيح حسن"(المغني:3-174). 29- قال الإمام القرطبي -رحمه الله- عند شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية" قال رحمه الله: "يدل على أن صوم هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية والقدر، ولعلهم كانوا يستندون في صومه إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل -صلوات الله وسلامه عليهما- فإنهم كانوا ينتسبون إليهما، ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما"(المفهم شرح صحيح مسلم:3-190). 30- ذكر الإمام النووي -رحمه الله- أحاديث تفيد المراد من التكفير هل هو خاص بالصغائر أم يشمل الكبائر فقال: ومنها حديث عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله". وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الـخمس والـجمعة إلى الـجمعة كفارة لـما بينهن ما لـم تُغش الكبائر" ثم قال رحمه الله: "وهو الأصح المختار أنه يكفر كل ذنوب الصغائر وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر، قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ: "هذا المذكور في الأحاديث من غفران الصغائر دون الكبائر هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى"(المجموع:6-431). 31- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم بلغه أن اليهود يتخذونه عيدًا، قال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" ليخالف اليهود، ولا يشابههم في اتخاذه عيدًا، وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ولا يستحب صومه بل يكره إفراده بالصوم، كما نقل ذلك عن طائفة من الكوفيين، ومن العلماء من يستحب صومه والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر" كما جاء ذلك مفسرًا في بعض طرق الحديث، فهذا الذي سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم"(مجموع الفتاوى:13-167).
الإحالات
1- مجلس في فضل صوم يوم عاشوراء؛ للحافظ زكي الدين أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. 2- تنبيه الفضلاء للأحاديث الضعيفة والموضوعة الواردة في يوم عاشوراء؛ لأبي عبدالله حمزة الجزائري. 3- 33 فائدة في المحرم وعاشوراء؛ للشيخ محمد صالح المنجد. 4- 22 فضيلة لمن صام عاشوراء؛ للشيخ د.أحمد مصطفى متولي. 5- ما صح وما لم يصح في المحرم وعاشوراء؛ للشيخ ماجد إسلام البنكاني. 6- اللفظ المكرم بفضل عاشوراء المحرم؛ للعلامة ابن ناصر الدمشقي