عناصر الخطبة
1/ حرب شعواء تشنُّ على البلاد 2/ إحصاءات خطيرة عن تهريب المخدرات 3/ مضار تعاطي المخدرات ومفاسدها 4/ فترة الاختبارات سوق كبيرة لترويج المخدرات 5/ أكبر أسباب الوقوع في المخدرات.اقتباس
إنها حرب حقيقية .. يُرَاد منها تدمير الإنسان .. ليعيش أسير الإدمان, فلا يتعلم علمًا يَنفعُ به نفسَه وتَنهضُ به أمتُه, ولا يعمل عملاً يرتقي به وطنُه, ولا يستثمر ماله فيما ينهض بالاقتصاد, بل يشتري بماله ما يدمر به نفسَه ووطنَه, وكل ذلك مما يغضب الله تعالى ويسعى له الأعداء.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي تفرَّد بعز كبريائه عن إدراك البصائر، وتقدس بوصف عُلاه عن الأشباه والنظائر، وتوحد بكمال جبروته فلا العقل في تعظيمه حائر، الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر، الظاهر بما أبدع فدليل وجوده ظاهر، الباطن فلا يخفى عليه ما هجس في الضمائر.
وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
يا فاطر الخَلق البديع وكافلاً *** رزقَ الجميع سحابُ جودك هاطلُ
يا مسبغ البر الجزيل ومسبل الـ*** ستر الجميل عميمُ طَولك طائل
يا عالم السر الخفي ومنجز الـ *** وعد الوفي قضاء حكمك عادل
عظمت صفاتك يا عظيم فجلَّ أن *** يحصي الثناء عليك فيها قائل
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
أغرُّ عليهِ للنبوةِ خاتمٌ *** من الله مشهودٌ يلوحُ ويَشهدُ
وضمَ الإلهُ اسم النبي إلى اسمهِ *** إذا قال في الخمسِ المؤذنِ أشهدُ
وشق له من اسمه ليجُلَّه *** فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. حرب شعواء تلك التي تشنُّ على هذه البلاد الطاهرة, حرب سياسية, وحرب على الأخلاق والقيم, حرب على التمسك بدين الإسلام, وحرب على عماد البلاد أبنائها.
حرب ضروس يبذل فيها أعداء الدين والوطن كل دنيئة لأجل إضلال الإنسان في هذه البلاد, وحديثنا اليومَ -بإذن الله تعالى- عن إحدى وسائل الأعداء في تدمير شباب ورجال ونساء هذه البلاد.
كم دمرت من بيوت! وكم أتلفت من عقول! كم ضيعت من مستقبل! وكم أبكت من أم وأب! نعم إنها المخدِّرات.
عندما نتحدث عن المخدِّرات فإننا لا نتحدث عن أمر هامشي, بل الحديث عن حرب.. نعم حرب بالمعنى الحقيقي على هذه البلاد لتدمير الإنسان فيها.
في العام الماضي أشارت وزارة الداخلية إلى أن نحو 33% من كمية أقراص الكبتاغون في العالم يتم مصادرتها في السعودية, كما تصادِر المملكة نحو 60 طناً من الحشيش سنوياً، وما بين 50 إلى 60 كيلو جراماً من الهيرويين.
في شهر ذي القعدة من العام الماضي فقط تم إحباط محاولات تهريب ستة أطنان من مخدر الحشيش، ومليوني قرص امفيتامين, عدا الكميات الكبيرة من المخدرات الأخرى.
بحسب تقارير حكومية تنظر محاكم المملكة ما معدله (161) مائة وواحد وستين قضية مخدرات يوميًّا.
إنها حرب حقيقية .. يراد منها تدمير الإنسان .. ليعيش أسير الإدمان, فلا يتعلم علمًا يَنفعُ به نفسَه وتَنهضُ به أمتُه, ولا يعمل عملاً يرتقي به وطنُه, ولا يستثمر ماله فيما ينهض بالاقتصاد, بل يشتري بماله ما يدمر به نفسَه ووطنَه, وكل ذلك مما يغضب الله تعالى ويسعى له الأعداء.
روّجَتْ للموت سِرًّا *** بين أحراشِ الضلالِ
وسَقَتْ سُمًّا نقيعاً *** طاف فتكاً بالرجالِ
كيف يرضى الهُون عقلٌ *** زِين حقاً بالكمالِ
لقد نهى الله –تعالى- عن اتباع طريق الإدمان, يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 90- 91].
وأخرج النسائي وصححه الألباني من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ مسكرٍ حرامٌ".
قال الصنعاني - رحمه الله -: "يَحرُم ما أسكَر من أي شيءٍ، وإن لم يكن مشروبًا".
المخدرات والحشيش سبب للأمراض النفسية والبدنية والاجتماعية, فمن أهم أضرارها إتلاف خلايا المخ, فتتلف شيئًا فشيئًا, حتى يصبح المتعاطي مجنونًا عافانا الله وإياكم.
وتسبب المخدرات كذلك مشاكل في القلب والتنفس, وعدة أنواع من السرطان, وتلف الكبد, والغرغرينة, وارتفاع ضغط الدم, والرغبة في الانتحار, والمخدرات من أكبر أسباب الوفاة.
كم حبة صَغُرَت في حجمها قتلت***حُراً وأُرخِص في تهريبها الذهبُ
المدمن يبدأ مشواره رغبة في التجربة, أو التخلص من الهموم والمشاكل المحيطة, فما يلبث أن يسقط في وحل الإدمان فيدمر نفسه ويزداد غرقًا في همومه.
المدمن خطر على نفسه, وخطر على أسرته, وخطر على المجتمع.
أيها الإخوة.. إن الإدمان لا يعرف عمرًا معينًا ولا جنسًا مخصوصًا, الإدمان يأتي للصغير والكبير, للشاب والطفل, للرجل والمرأة, فليحذر كل منَّا من هذه الآفة الخطيرة, وليتعاهد من تحت يديه بالنصيحة والتحذير والتحصين.
أما من ابتلاه الله بهذه البلية فليعلم أنه ما جعل الله داءً إلا جعل له دواء, وأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل, وأنه من يعمل مثقال ذرة شراً يره, وليعلم كذلك أن الله تعالى أمهله ومكنه من التوبة, فليرجع إلى الله تعالى وليتب وليندم قبل أن يختم له بخاتمة السوء.
كما سمعنا من أناس ماتوا جراء جرعة زائدة, أو وهم تحت تأثير المخدر, ومن مات على شيء بُعث عليه.
ليفكر هؤلاء بأنفسهم وبالمستقبل الذي ينتظرهم, ليفكروا بالقرب من الله تعالى خصوصًا من تقدم في العمر, من طال به العمر فقد اقترب من نهاية حياته, فليرجع لربه, وليلازم محرابه ومصحفه, وليبدل صحبته.
ليفكر هؤلاء في آبائهم, وكمية السعادة والسرور التي ستدخل في نفوس والديهم عند توبتهم.
ليفكروا في أولادهم .. وكيف يكون المدمن حسنة قدوة لأولاده؟ وهل يرضى لهم سلوك هذا الطريق؟
ليفكر في كل ذلك .. ثم ليتخذ الخطوات العاجلة للفكاك من هذا الداء, ليراجع المختصين في مستشفيات الأمل, وجمعيات مكافحة المخدِّرات, والعيادات الخاصة لعلاج المخدِّرات, ليترك تلك الصحبة التي تعينه على الشر, ليتب إلى الله, وليستعن بدعائه, وليلح عليه بصدقٍ أن يعينه على الإقلاع عن هذا الطريق الفاسد, وليحسن الظن بالله, فالله عند حسن ظن عبده به.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70- 71].
فيا أولياء الأمور.. فترة الاختبارات سوق كبيرة لترويج المخدرات, فانتبهوا لأبنائكم خلال هذه الفترة, حصنوهم أولاً بالوعي بخطورة المخدرات, وبضررها عليهم في العاجل والآجل, تابع ابنك وتواصل معه, وإن لاحظت على ابنك علامة من علامات الإدمان, سارع بعلاجها, واحتواء المشكلة, ولو استدعى الأمر للإبلاغ عنه, فإن الإبلاغ عنه اليوم أهون من الإبلاغ عن مصيبة يرتكبها غدًا لا قدر الله, احتووهم, اقتربوا منهم.
إن من أكبر أسباب الوقوع في المخدرات بحسب دراسة منشورة التفكك الأسري وغياب الترابط بين أفراد الأسرة, فاقتربوا أيها الآباء من أبنائكم, كونوا لهم أصدقاءً قبل أن تكونوا آباءً, وتأكد أن الله سيسألك عنهم, أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلُّكم راعٍ ومَسؤولٌ عن رعيَّتِه".
أيها الإخوة: لنتعاون معًا على محاربة هذه الآفة من مجتمعنا, بالوعي والتحصين أولاً, ثم العلاج لمن وقع في هذا الداء, والمتابعة والتوعية ثالثاً.
أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين, ويكفينا شر المخدرات والمسكرات, إنه تبارك وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم