عناصر الخطبة
1/ من مشاهد يوم الامتحان الأكبر 2/ مقارنة بين امتحاني الدنيا والآخرة 3/ مقارنة بين مصير الفائزين والخاسرين 4/ نشاط شياطين الإنس أيام الامتحانات 5/ تذكُّر امتحان الآخرة بامتحانات الدنيا.اقتباس
فيا كل من سيلقى الله ليس بينه وبينه ترجمان، اعلم أن امتحانًا تخوضه هذه الأيام، أو معركةَ وظيفة تتنافس عليها، أو منصباً تتقدم إليه، ليس شيئا، وأنت تقف بين يدي علام الغيوب، يذكرك بماضيك، ويأخذ منك اعترافاتِك، ويقررك بفعالك، فما أنت صانع إذا أوتيت كتابك بشمالك؟ هل تستطيع أن تتقدم بورقة استئناف؟ لعل الكتاب...
الحمد للهِ ربِّ يومِ الدين، ربِّ يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، الحمد له إله الأولين والآخرين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،
رسول الله طابت كُلُّ ذكرى *** لهُ وفمٌ تدثَّرَ بالضِّيَاءِ
فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
ثم أما بعد: في يوم الامتحان الأكبر:
وقفَتْ جميعُ مشاعري تتأمَّلُ *** وفمي عن النُّطْقِ المبين مُعَطَّلُ
ما كنتُ في حُلمٍ ولا في يقْظةٍ *** بل كنتُ بين يديهما أتململ
أرنو إلى الأفْقِ البعيدِ فما أرى *** إلا دُخَانًَا تائهًا يتجول
وحشود أسئلةٍ تجرُّ ذيولها *** نحوي وبابُ الذهن عنها مُقْفَل
أحسسْتُ أنَّ إرادتي مسلوبةٌ *** وشعرتُ أنَّ مخاوفي تترهَّل
وشعرتُ أنِّي في القيامة واقِفٌ *** والناس في ساحاتها قدْ هَرْوَلُوا
والكَوْنُ من حولي ضجيجٌ مُرْعِبٌ *** والأرضُ مِن حولي امتدادٌ مُذْهِل
والناس أمثال الفراش تقاطروا *** مِن كُلِّ صَوْبٍ هاهنا وتكتَّلُوا
كُلُّ الجبال تحوَّلَتْ مِن حولِهم *** عِهْنًَا وكُلُّ الشامخات تَزَلْزَلُ
وجميعُ مَن حولي بما في نفسهم *** لاهٍ فلا مُعْطٍ ولا مُتَفَضِّل
وأقيم ميزانُ العدالةِ بَيْنَهُمْ *** هذا به يعلو وذلك ينزِل
وتجمَّعَتْ كُلُّ البهائم بعضُها *** يقتصُّ مِن بعضٍ وربُّكَ أَعْدَل
حتى إذا فرغ الحساب وأُنْصِفَتْ *** من بعضها نَزَلَ القضاءُ الأمثل
كوني تُرابًَا يا بهائمُ.. عندَها *** صاح الطُّغاةُ وبالأماني جَلْجَلوا
يا ليْتَنَا كُنَّا تُرابًا مِثْلَهَا *** يا ليتنا عَنْ أصْلِنَا نَتَحَوَّل
هيهاتَ! لا تجدي الندامةُ بعدما *** نُصِبَ الصِّراطُ لكُمْ وقام الفيْصل
هيهاتَ! هذاكَ امتحانٌ أكبرٌ *** ما فيه عَوْدٌ أو يكون تَحَوُّل
في يوم الامتحان الأكبر سوف يُنصب الصراط، وتُقام الموازين، ولن يحكم فيه إلا بالعدل، في ذلك اليوم لن يغادر كلُّ كتاب صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجد الجميع ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا.
في يوم الامتحان الأكبر تُوَفَّى النفوس ما عمِلت، ويحصد الزارعون ما زرعوا، ما أشبهَ اليوم بغدٍ! أي غدٍ أعني؟ إنه يوم الامتحان الأكبر، يوم السؤال عن الصغير، عن الكبير، عن الحقير، عن الجليل.
يوم السؤال، ولات حين ندامةٍ! يوم السؤال، وليت شعري! ما المحيد عن السؤال؟ يوم السؤال عن الصغيرة والكبيرة، والسائل رب العزة والجلال، والمسئول بين يديه ضعيف لا يملك لنفسه من الله شيئا، ومقام السؤال كلُّ ما عملتَه في حياتك، من صغيرة أو كبيرة، يا له من امتحان أكبرَ تتهاوى دونه كل امتحانات السراب، تتهاوى دونه كل امتحانات العذاب، يا له من امتحان في يوم يجعل الولدان شيبًا.
أرأيت أعظم من امتحان روى أحداثه عَدِيُّ بْنِ حَاتِمٍ كما عند مسلم أنه قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ترْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم،َ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
يا حسْرَةَ الجسَد الـمُعَنَّى بالأسَى *** في يوم ما وَقَفَ العبيدُ ذهولا
يا حسرةً نفَت الرقادَ وأطْلَعَتْ *** للشَّيْبِ في رأس الوليد نصولا
إنه امتحان مَهول، يدخله كل الخلق في يوم مهول، هاك بعض فصوله التي أخرجها مسلم من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قال: قال رسول الله: "يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّل –أي: يوم القيامة- فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ! (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ) [الصافات:24]". قَالَ: "ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ. فَيُقَالُ: مِنْ كَم؟ فَيُقَال: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. قَالَ: فَذَاكَ يَوْم (يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) [المزمل:17]. وَذَلِكَ (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ) [القلم:42]".
أيها المباركون: لعلها الذكرى، في هذه الامتحانات لأبنائنا، يتذكر المرء فيها أعظم محنة ستمر عليه في يوم لا يعرف فيه كلمة إلا نفسي نفسي، في يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، في يوم الامتحان الأكبر، يكرم المرء حقا أو يهان، فإما إلى نار وإما إلى جنة، وليس وراء الله للمرء مهرب!.
في يوم الامتحان الأكبر تستبين سبيل المؤمنين والمنافقين، والمجرمين والطغاة، تستبين سبيل من عبدوا الله حيلة لا شريعة، ومن عبدوه جهرًا لا سرًّا وجهرًا، ورياء وسمعة لا إخلاصًا وحبًّا.
في يوم الامتحان الأكبر، تقتتص الجلحاء من القرناء، والضعيف من القوي، والفقير من الغني.
في يوم الامتحان الأكبر تموت الصراعات في مهدها، ويبقى الإله هو الفاصل، في ذاك اليوم سوف يؤتى الناسُ الكتبَ عن أيمانهم وعن شمائلهم ولن تجد أكثرهم شاكرين، بل نادمين على ما فرطوا في الكتاب.
في يوم الامتحان الأكبر سوف لن يكون هناك أدوار إعادة، ولن يكون هناك دورٌ ثانٍ ولا ثالث، إنها امتحانات واحدة، ونتائجها واحدة محسومة، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [المؤمنون:99-107].
فيا كل من سيلقى الله ليس بينه وبينه ترجمان، اعلم أن امتحانًا تخوضه هذه الأيام، أو معركةَ وظيفة تتنافس عليها، أو منصباً تتقدم إليه، ليس شيئا، وأنت تقف بين يدي علام الغيوب، يذكرك بماضيك، ويأخذ منك اعترافاتِك، ويقررك بفعالك، فما أنت صانع إذا أوتيت كتابك بشمالك؟ هل تستطيع أن تتقدم بورقة استئناف؟ لعل الكتاب عنك يتغير، هيهات!.
تذكَّرْ أن كل امتحان تخوضه، أو معركة وظيفة تتنافس عليها، أو منصبا تتقدم إليه فتسأل عن شهاداتك وامتيازاتك، أنها -أيها الكريم- ليست بشيء، وكفى بربك شاهدا وحسيبا!.
في قاعات الامتحانات الفسيحة، ذكر نفسك وأبناءك عرصاتِ يوم القيامة، والناس قيام شاخصة أبصارهم، ألجمهم العرق من هول يوم السؤال، ورعب يوم الحساب، ألا "إِنَّ الْعَرَقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيَذْهَبُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ أَوْ إِلَى آنَافِهِمْ".
عند إلقاء السؤال في الامتحان؛ هل من ذكرى بسؤال الملكين في تلك الحفرة وقد وُضِعَ ـ أحدنا فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ وإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، وجاء الممتحِنون، وما أدراك ما الممتحِنون؟ "مَلَكَانِ يُقْعدانهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّة"،ـ تلك حال الفائزين.
أما الراسبون "فيقولُ أحدهم لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَال:ُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْن".
تذكر عند تسليم ما حصلت ذلك اليوم التي توزع فيه الصحف، وتذكر: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ) [الحاقة:19-37].
يا لَغُبن يوم أحدنا وقد تعب في امتحانات الدنيا ونصب لأجلها، ثم يأتي يوم القيامة وقد أكل من صلاة يوم كذا وكذا، ولم يؤد زكاة ماله في حول كذا وكذا! يا لغبن أحدنا وقد أتى يوم القيامة من قوم وجوههم خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية! ألا ما أشد خسرانه وبواره، في يوم تصخ فيه أذنه: لم لم تفعل كذا وكذا؟! (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس:34-42].
نعوذ بالله من ليلة صباحها نار جهنم، اللهم نجنا يوم الفزع الأكبر، واجعلنا ربنا من الفائزين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، واشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ثم أما بعد: إن من استعدادنا ليوم الرحيل تقوى الله فيمن استرعاه الله إيانا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
ففي هذه الأيام تكون بداية النهاية بالضياع، عند إساءة المرء لمن ولاه الله رعايته، في زمن تكثر فيه خطاطيف الانحراف، وتجدُّ وتربح فيه كل موسم سوق الخراب.
أيها الآباء: أعيذكم بالله وأبناءَكم هذه الأيام من كل سوء ومكروه، بكلمات الله التامة، من كل عين لامة، ومن كل شيطان من شياطين الجن والإنس، ومن كل هامة!.
أعيذكم جميعًا من كل شيطان إنسي يريد بأبنائنا هذه الأيامِ سوءا، وتربصا، وإطاحة، وانحرافا، وضياعا، وندامة.
هذا زمان من يلبسون الأقنعة، ليردوا أبناءنا وليُلبسوا عليهم دينهم وأخلاقهم، ويطيحوا بمجتمعهم من خلالهم.
أيها الآباء: هذا زمان أصحاب الضحكات الصفراء، حتى إذا نالوا مرادهم قضوا وتفرقوا، ثم تركوا ضحايانا نهب الضياع، وتركوا قلوب أوليائها نهب الحسرات، زمان ملئت به خفافيش النهار كما ملئت فيه خفافيش الليل، ومَن لم يسلم ذووه من هذه لم يسلم ذووه من ذلك. هذا زمان يعض فيه المرء على أولاده بالنواجذ!.
ويا أيها الآباء: إن الكلام الذي يقال عنهم قبلَ عشر سنين ليس هو الكلامَ الذي يقال عنهم في زمننا، فإن هذا الزمان قد أصار سحبانَ باقلا، وحلمَ الأحنف حيرةً،
وإن هذا الزمان الذي تكشَّفَ عن عدُوٍّ في ثياب صديق، ليس هو الزمان الذي كان فيه أحدنا يحذِّر أولاده من أصدقاء السوء والانحراف.
ويا أيها الشباب: تَذَكَّرُوا في كل امتحان تخوضونه أنكم واردون يوما لتُسَلَّموا صحفكم إما عن اليمين أو عن الشمائل، تَذَكَّرْ أن كل امتحان دنيوي استعددت له، وأنت لم تستعد ليوم الامتحان الأكبر، أنك ستقرع أضراسك.
تذَكَّرْ أن كل امتحان جئت إليه في موعده لم تخلفه، وأنت تعلم عن نفسك أنه إذا نودي حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة أنك ذو إخلاف فيه، تذكر أنه لن يعصمك من الله شيئا إن أراد بك سوءا يوم عرضه الأكبر، ولن يعصمك من الله جميل امتحاناتك الدنيوية، فَأَرِ رَبَّكَ من نفسك خيرًا، واتق الله؛ فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل.
اللهم صل وسلم على عبدك وحبيبك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم