عناصر الخطبة
1/ كرّم الله الإنسان بالعقل 2/ المخدرات من شر آفات العصر 3/ المخدّرات شرٌّ من الخمر 4/ مضار المخدرات ومساوئها 5/ واجب الآباء والأسر لمواجهة بلاء المخدرات 6/ تجارب مدمني المخدرات 7/ حاجة الشباب إلى النصح والتوجيه في مرحلة المراهقة 8/ تكثيفِ التوعية بأضرار المسكرات والمخدّراتاقتباس
المخدرات من شر آفات العصر، شتَّتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وحملت مدمنيها على السرقة والمتاجرة بالعرض، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار، وأنتجت بلايا ورزايا ورذائل؛ أجمع على ذمّها العقلاء وترفّع عنها النبلاء منذ عهد الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام ذمّها ثم حرّمها ولعنها ولعن شاربَها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه ..
أمّا بعد: فلقد كرّم الله الإنسان بالعقل، وجعله مناطَ التكليف، بالعقل تميّز الإنسان وتكرّم، وترقّى في شأنه وتعلّم، جعل الشرع حفظ العقل ضرورة من الضرورات الخمس التي جاء الشرع بمراعاتها.
وإذا ضل عقل المرء انحط قدره دون منزلة البهائم، (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44].
ومع كلِّ ذلك فقد أبى بعض الضالين الغافلين إلاّ الانحطاطَ إلى دَرْك الذلّة والمهانة والقِلّة، يتعاطون ما يزيل عقولهم من المسكرات والمفتّرات والمخدّرات.
أيها المسلمون: المخدرات من شر آفات العصر، شتَّتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وحملت مدمنيها على السرقة والمتاجرة بالعرض، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار، وأنتجت بلايا ورزايا ورذائل؛ أجمع على ذمّها العقلاء وترفّع عنها النبلاء منذ عهد الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام ذمّها ثم حرّمها ولعنها ولعن شاربَها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه.
جاء النهي عنها صريحاً بدلالة قطعية: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة: 90 - 91].
والمخدّرات شرٌّ من الخمر، فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، وتأسر بالإدمان، وقد أجمع الناس كلّهم مسلمهم وكافرهم على خطرها .
نتحدّث عن المخدّرات في وقتٍ ضجّت بالشكوى فيه بيوت، واصطلى بنارها من تعاطاها، ومن عاشر مدمنَها، أحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يتحسر ويشكي، وأمٌّ مكلومةٌ تبكي، وزوجةٌ مظلومة حيرى، وأولادٌ مضيّعون تائهون، فمن عُوفِيَ فليحمدِ الله. وليقل: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به.
المخدّرات تفسد العقل، وتقطع النسل، وتورث الخبل، وتجلب وساوس وهموماً وأمراضًا عقليّة وعضويّةً ليس لها شفاء، تُردي صاحبها في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة حتى يصير متعاطيها ديّوثًا وممسوخًا.
ما دخلت بيوتاً إلا أفسدتها وجعلت أعزة أهلها أذلة، وأورثتهم فقراً وتفرقاً، وفساداً واختلافاً، لا تزال تستنزف مالَ مدمنِها حتى يضيّقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاد، وحتى تصبح أسرتُه عالةً يتكفّفون الناس، وربّما باعَ عِرضَه ثمناً بخساً لجرعةٍ مخدرة.
أيها الآباء: نحن على مشارف إجازة تستغرق أشهراً، يتغير فيها ما هو بطيء التغير، ويمل فيها من هو قليل التململ، إنها مدة تأكل من السنة قريباً من ثلثها، والثلثُ كثير، والفراغ الذي خلّفته الدراسة المنتظمةُ عبءٌ ثقيل، وأولادنا في هذه الإجازة الطويلة بين حالين هما مظنة الخطر والاستحواذ: فراغٍ وطولِ سهرٍ، أو غَيبةٍ في طول سفر، وكلا الحالين ظروف مهيَّأة لتجربة كلِّ جديد، ويبدأ الانحراف بشتى صوره بهذه الخطوة الشيطانية، الرغبةُ في اكتشاف كل جديد، وأعني ما هو جديد على الشخص نفسه، وإن لم يكن الشيءُ في نفسه جديداً، وأكثر ما تكون هذه الرغبة الجامحة في مرحلة المراهقة وفتوة الشباب، فالشاب المراهق لديه رغبة جامحة في خوض كل مغامرة واكتشاف ما لم يكتشفْه وتجربةِ ما لم يجربْ، وهي رغبة غيرُ محسوبة العواقب في غالب الأمر، فإذا دخل الدائرة المحظورة لم يستطع منها فكاكاً وصار أسيراً جديداً من أسراها.
ويبدأ التغير في سلوك الشاب وصحته وعقله وهو تغير ملحوظ وإن كان بطيئاً؛ لكن أين من يلاحظه ويحاول احتواء المشكلة قبل استفحالها؟ فالولي الناصح والرقيب المشفق بعيد عن هذه البيئة، وهو نائم حيث ولدُه المراهق في سهرٍ إلى ضحى الغد، أو هو من ولدِه المراهق بعيدٌ من وراء الحدود، حيث كل شر قريبٌ من ولده، فالسفر ذو الشقة البعيدة قد يسر له كلَّ محظور، وذلل له أسباب الفساد، ومعه رفقة سيئة يؤزونه إلى الشر أزّاً، أو هم ببعضهم يتجاسرون على خوض مغامرة في محرمات تفسد سلوكهم وتتلف عقولهم. والأب المسكين يظن ولده في سياحة بريئة مع رفقة واعية محصنة. أو يظن سهرَ ولده المتكرر كل يوم سهراً لا يعدو أن يكون مجاراةً لعادتنا الاجتماعية، يقضيه ولده في أمور مباحة لا تثريب فيها..
وتعلمنا التجارب المرة أن سفر الشاب المراهق بعيداً عن أسرته هو من الشِباك التي تصطاد بها عصاباتُ الإجرام المتاجرةُ بالآفات والسموم، وأن سفرَه دون رفقة أسرته يجعله غرضاً مستهدفاً سهلَ الاصطياد والاستحواذ.. قد لا يكون مراقباً من تلك العصابات ولا مستهدفاً في أول الأمر؛ ولكن حبَّه لتجربة ما لم يجرب، واكتشاف ما لم يكتشفْه بتحريض من رفقة السوء هو الذي يقوده إلى أن يكون أسيراً لتلك العصابات ولو بعد حين.
تعلمنا تجارب مدمني المخدرات أن المدمنين لا يقعون أسرى للإدمان الشديد في خطوة واحدة، ولا في أيام معدودة؛ ولكنهم تدرجوا في درجات المخدرات درجةً درجةً، يبدءون بأهونها وليس فيها هين، ثم يتمادى بهم الأمر صُعُداً من الأخف إلى الأشد، فلا ينتهي بهم الحال إلا وقد وقعوا ضحايا للإدمان. ولم يقع أحدٌ ضحية للإدمان باختياره وفي خطوة واحدة، ولكنه مع التمادي في تعاطي المفترات والمسكرات والمخدرات وجد نفسه مدمناً وكان يظن أن لن يكون كذلك.
أيها الأب المبارك: لك أن تظن بولدك أحسن الظن، ولك أن تثق فيه أبلغ الثقة، ولكن لتعلم - وغيرُك المعلَّم - أن الشاب في مرحلة المراهقة لا يستغني عن وليٍ ناصح يحوطه بمشورته ونصحه، وهو إليك بعد الله مفتقر حتى وإن أظهر رغبته في الاستقلال والتحرر، فهذه الرغبة هي نفسها شاهد من شواهد قصور تفكيره وحاجته إلى ولي مرشد.
والذين عانوا معاناة إدمانِ أولادهم على المخدرات لم يكونوا يظنون يوماً أن ولداً لهم سيقع ضحية الإدمان.
والإدمان لا يخص طبقة دون طبقة، ولا أسراً بأعيانها، فقد وقع في أسر الإدمان أغنياء وفقراء، ووجهاء وضعفاء، وأصحاب مناصب وأهلُ بطالة، شأن الإدمان كشأن كل انحراف من فجور أو فسوق.
إن من تضييع الأمانة أن يترك المراهق لشأنه من غير ولاية ناصحة تدله على الخير وتعينه عليه، وتحميه من غوائل الرفقة السيئة والآفات الخبيثة.
ونحن اليوم في زمن يتطلب تضحيةً من الآباء أكثر من ذي قبل، فكل ما هو متعذر أو متعسر في الأيام الخالية هو في هذه الأيام متيسر قريب من طلابه. لاسيما وبلادُنا مستهدفة من عصابات المخدرات والمسكرات، فالقوة الشرائية مغرية للمتاجرين بالمتعة الحرام، وأعداء الملة متربصون، وخطر المخدرات محدق، وشرُّها مستفحل، وما يقبض عليه من عصابات المخدرات وسلعهم المستخبثة يشي بحجم هذا الخطر، فيجب أن يقابله ما يوازيه اهتماماً وتربيةً ورعاية وصيانة ودقةَ ملاحظة تتبعها سرعةُ احتواءٍ ومعالجة.
وبعد: فإن المخدرات ليست بالخطر الذي يتهدد المراهقين وحدهم، بل هي تتهددنا جميعاً، وليس أحدٌ منا يضمن العصمة من الوقوع في شَرَك المخدرات، فكم من كهلٍ لم يذق طعماً لمسكر ولا مفتر، ولكن حملته ظروف طارئة على أن يتعاطاها هروباً من واقع معاناته ومصيبته، فكان كالمستجير من الرمضاءِ بالنار.
اللهم إنا نعوذ بك من مظلات الفتن، اللهم احفظنا بالإسلام....
الخطبة الثانية:
أما بعد: فإنّ الحديثَ عن تفشي المسكرات والمخدّرات، ونِسَبها وآثارها، وقصصها ومآسيها، لهو حديث مؤلم، ولكن السكوت عنه لا يزيد الأمرَ إلا إيلامًا؛ لذا فلا بدّ من الوعي بحقائق الأمور وإدراك حجمِ الخطر، ثم التكاتُف والتآزر بين أفراد المجتمع ومؤسّساته للحدّ من هذا الوباء وصدّه قبل استفحال الداء.
لا بدّ من تنمية الرقابةِ الذاتيّة بالإيمان والخوف من اللهِ في قلوبِ الناس عامّةً والناشئة والشّباب خاصّة، ولن يردع البشرَ شيءٌ كوازع الدِّيانة.
لا بدّ من تكثيفِ التوعية بأضرار المسكرات والمخدّرات والتركيز على ذلك في المناهج الدراسية وفي وسائل الإعلام.
يجب العناية بالشباب وملءُ فراغهم بما ينفعهم وينفع مجتمعهم. وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفةُ كلِّ مسلمٍ، ولو ائتمرنا بيننا وتناهينا ونصحنا وتناصحنا لما وجَدَ الشيطان سبيلاً إلى ضعيفٍ بيننا.
لا بدّ أن يتكاتفَ أفراد المجتمع مع الجهاتِ المسئولة على نبذِ المروّجين والتبليغ عنهم والحذر من التستّر عليهم أو التهاون معهم. أما المبتلى بالتعاطي فهو مريض بحاجةٍ إلى المساعدة، لا إلى مجرّد الشفقة والسكوت السلبيّ.
ولا بدّ من الإشادة بما يبذله رجال الأمن وجهاتُ مكافحة المخدّرات من جهود مشكورةٍ في محاربتها والتحذير منها، أعانهم الله وسدّدهم وأنجح مساعيَهم، وعافانا الله وإياكم والمسلمين من كلّ سوءٍ ومكروه.
فاللهمّ احفظنا واحفظ علينا، وعافنا في أنفسنا وفي ديننا وأهلنا، وقنا والمسلمين شرَّ هذه البلايا، ورُدَّ ضالَّ المسلمين إليك ردًّا جميلاً.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم