عناصر الخطبة
1/ أهمية المحافظة على العقل2/ إغراق الأعداء لبلاد المسلمين بالمخدرات 3/عقوبة تعاطي الخمور في الدنيا والآخرة4/ المسكرات والمخدّرات آفة المجتمعات هذه الأيام5/ كل مسكر خمر، وكل خمر حرام6/ سبب انتشار المخدرات مع ضررها الواضح7/ فن التعامل مع المدمن.اقتباس
حذر الشرع من إهمال العقل، فضلاً عن جلب ما يضره، فكان حفظ العقل من الضروريات الخمس التي حافظ عليها وحرم كل طريق يؤثر عليها أو يخل بها، وإننا في هذا الزمن نجد أن كثيرا من بني آدم قد أسقط نفسه في أخلاق تدمر العقل، وتنزل به في الهاوية، وذلك بتعاطيهم المسكرات والمخدرات، إنه مرض عالمي، سقط فيه الكبير والصغير، والذكر والأنثى، ويختلف كثرة متعاطيه من بلد لآخر ..
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: لقد أنزل الله على الناس رزقهم من السماء، وأحل لهم كل شيء، كما قال سبحانه: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا)، فكل ما على وجه هذه البسيطة حلال للناس غير أن الله حرم أشياء منها لما فيها من الضرر بالناس، وجعل المنع اختبارًا للخلق أيطيعونه أم يتبعون شهواتهم، ولربما حف هذا المنهي عنه بالشهوة زيادة في الامتحان.
ولقد كرم الله ابن آدم بما وهبه من العقل الذي وجعله مناطَ التكليف، فبالعقل يميّز الإنسان بين الخير والشرّ والنفع والضرّ، وبه يتبيّن أوامرَ الشرع ويعرف الخطابَ ويردّ الجواب ويسعى في مصالحه الدينيّة والدنيويّة، فإذا أزال الإنسان عقله لم يكن بينه وبين البهائم فرق، بل هو أضلّ منها، ولقد حذر الشرع من إهمال العقل، فضلاً عن جلب ما يضره، فكان حفظ العقل من الضروريات الخمس التي حافظ عليها وحرم كل طريق يؤثر عليها أو يخل بها، وإننا في هذا الزمن نجد أن كثيرا من بني آدم قد أسقط نفسه في أخلاق تدمر العقل، وتنزل به في الهاوية، وذلك بتعاطيهم المسكرات والمخدرات، إنه مرض عالمي، سقط فيه الكبير والصغير، والذكر والأنثى، ويختلف كثرة متعاطيه من بلد لآخر، لقد قام أعداء الإسلام، بزجّ كميات مخيفة من جميع أصناف المخدرات، إلى بلاد المسلمين حسدًا من عند أنفسهم، يريدون للأمة المسلمة أن تتورط بهذه السموم، فلا تخرج منها إلا بعد لأي وشدائد، وتعب مضن، وتوبة صادقة.
معاشر المؤمنين: إن شرب الخمر كان في الجاهلية منتشرًا، وكان أشراف الناس وعقلاؤهم يترفّعون عن تعاطيها لما يرون من فعلها في العقل، فلما جاء الإسلام حرمها بالتدريج لعلم الله سبحانه صعوبة الإقلاع عنها، حيث كان أكثر الجاهليين مدمنين لشربها، حتى نزل قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَلْمَيْسِرُ وَلاْنصَابُ وَلاْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ فَجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَـانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَلْبَغْضَاء فِى الْخَمْرِ وَلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَوةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ) [المائدة:90، 91]. فقال الصحابة رضي الله عنهم: انتهينا انتهينا.
ولقد ذكر القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره، قصة تدل على سقوط عقل متعاطيها؛ حيث ذكر أن أحد السكارى جعل يبول، ويأخذ بوله بيديه ليغسل به وجهه وهو يقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين!!
قال الضحاك بن مزاحم ـ رحمه الله ـ لرجل: ما تصنع بالخمر؟ قال: يهضم طعامي. قال: أما "إنه يهضم من دينك وعقلك أكثر".
وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: "لو كان العقل يُشترى، لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده"!
وأخرج النسائي وابن حبان في صحيحه، أن عثمان قام خطيبًا فقال: أيها الناس، اتقوا الخمر؛ فإنها أم الخبائث، وإن رجلاً ممن كان قبلكم من العباد، كان يختلف إلى المسجد، فلقيته امرأة سوء، فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل. فأغلقت الباب، وعندها باطية من خمر، وعندها صبي، فقالت له: لا تفارقني حتى تشرب كأسًا من هذا الخمر، أو تواقعني، أو تقتل الصبي، وإلا صِحْتُ، تعني: صرخت، وقلت: دخل عليَّ في بيتي، فمن الذي يصدقك؟ فضعف الرجل عند ذلك وقال: أما الفاحشة فلا آتيها، وأما النفس فلا أقتلها، فشرب كأسًا من الخمر. فقال: زيديني. فزادته، فوالله ما برح، حتى واقع المرأة وقتل الصبي
قال عثمان: (فاجتنبوها، فإنها أم الخبائث، وإنه ـ والله ـ لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل، إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر).
ولشناعة جرم الخمر وخطرها فقد هدد متعاطيها بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة، وهو أن يجلد ثمانين جلدة، ويجلد شاربها تعزيرًا، وإن لم يسكر سواء أشرب الكثير أم القليل، بإجماع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ.
وإذا تكرر من الشارب الشرب، وهو يعاقب ولا يرتدع، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يُقتل في الرابعة عند الحاجة إليه، إذا لم ينته الناس بدون القتل".اهـ. وقد جاء في ذلك حديث مرفوع.
اللهم اجعلنا ممن يحل الحلال ويأتيه، ويحرم الحران ويتجافى عنه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا ربكم وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله ـ عز وجل ـ، تصلح الأمور، وتتلاشى الشرور، ويصلح للناس أمر الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: آفةُ المجتمعات اليوم هي المسكرات والمخدّرات، أمّ الخبائث أمّ الكبائر وأصل الشرور والمصائب، شتتَّتِ الأسَر، وهتكتِ الأعراض، وسبّبت السرقات، وجرّأت على القتل، وأودت بأصحابها إلى الانتحار، وأنتجت كلّ بليّةٍ ورذيلة، أجمع على ذمّها العقلاء منذ عهد الجاهليّة، وترفّع عنها النبلاء من قبلِ الإسلام، فلمّا جاء الإسلام ذمّها وحرّمها ولعنها ولعن شاربَها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولةَ إليه.
بيّن الله تعالى مفاسدَ الخمر، وأنها رجسٌ ونجَس، وأنها توقع العداوةَ والبغضاء، وتصدّ عن الصلاة، وتصدّ عن ذكر الله، وأنها سببٌ لعدم الفلاح.
والخمر المحرّمةُ هي كلّ ما خامر العقل مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه، أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر قال رسول الله: «كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ خمرٍ حرامٌ»، وفي الصحيحين من حديث عائشة أن النبيَّ قال: «كلُّ شرابٍ أسكر فهو حرامٌ»، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر أن النبي قال: «كلُّ مسكرٍ حرام، إنّ على الله عزّ وجلّ عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينةِ الخبال»، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: «عرقُ أهل النار» أو: «عصارة أهل النار».
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ قال: «كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب لم يشربها في الآخرة»، وروى الإمام أحمد من حديث ابن عباس أنّ النبيّ قال: «مُدمن الخمر إن مات لقِيَ الله كعابدِ وثنٍ». إنّها نصوصُ زجرٍ ووعيد وتخويفٍ وتهديد يقفُ عند حدّها من يعلَم أنه محاسَبٌ غدًا أمامَ الله العظيم.
معاشر المؤمنين: إن شرب الخمر أيًّا كان نوعها سواء كانت خمرًا أو حبوبًا أو بودرة أو إبرًا، كلها خمر، وكلها تشترك في التحريم والضرر وإن كان بعضها أشد من بعض، فمن أضرارها الواضحة، عزل المتعاطي عن مجتمعه، وبالتالي فكل متعاطي يصبح عضوًا مبتورًا من المجتمع لا فائدة فيه، ومن أضرارها التفكك الأسري الناتج عنها، فالمتعاطي ليس أهلاً أن يكون وليًّا على نفسه فضلاً أن يكون وليًّا على غيره، وكلما ازداد إدمانه كلما باع نفسه وماله وعرضه من أجل جرعة خمر، هذا فضلاً عن الأضرار الصحية ويكفى في بيان ضررها الصحي كثرة من يموت بسببها، ففي صحيفة التايم الأمريكية نقلاً عن المسئول بوزارة الصحة الأمريكية الذي ذكر أن ما لا يقل عن 125 ألف شخص يلاقون حتفهم سنوياً في أمريكا بسبب تعاطي الخمور، وأن 6000 شخص يموتون نتيجة تعاطي المخدرات.
عباد الله: لعل البعض يتساءل عن سبب انتشار المخدرات مع ضررها الواضح؟ وأقول: إن لانتشارها أسبابًا عدة: منها، ضعف الوازع الديني وانعدام التوجيه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ومنها، البيئة السيئة وأصدقاء السوء والعيش في أجواء الانحراف والرغبة في تقليد قرناء السوء في العمل أو المدرسة أو حتى في السجون. ومنها عدم وجود عقوبات رادعة وقصور بعض الإجراءات الأمنية. ومنها: التقليد الأعمى للآخرين والذوبان في شخصية المتورطين. ومنها وهو من أكثرها السفر للخارج. ومنها المشكلات الأسرية وغفلة الوالدين عن أبنائهم وبناتهم وعدم الرقابة الكافية لهم. وغيرها كثير..
أيها الناس ألا وإن لِمن سقط في وحل المخدرات علاجًا، فلا ينبغي هجره والسخرية منه، ولا تهميشه حتى لا نكون عونًا للشيطان عليه، فلننظر له بعين العطف والرحمة ولنأخذ بيده لكي نعالجه من هذا المرض العضال، فمستشفى الأمل في بلدنا يستقبل أمثال هؤلاء ويقومون بعلاجهم، ولقد شُفي الكثير ولله الحمد، كما يجب على المتعاطي أن يسعى بنفسه في ترك ذلك وذلك أولاً بتذكر عقوبة شربها في الدنيا والآخرة، ثم يراقب الله في تصرفاته، ويعلم أن الله مطلع عليه، ثم عليه أن يجتنب مصاحبة أهلها، والذين يعينونه على معاقرتها، وعليه أن يبحث عن أهل الخير ويلزمهم، ولا مانع من الذهاب للمستشفى فالاعتراف بالخطأ فضيلة وهو خير من التمادي في الباطل.
اللهم أعز الإسلام, اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم من كان من المسلمين مبتلى بشرب المسكر فعافه، وأبدله بالطيبات يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا.. سبحان ربك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم