وعد

2022-10-06 - 1444/03/10

التعريف

الوعد لغة :

وعد يعد وعداً و عدة ، والوعد والعدة يطلقان على الخير والشر ، فيقال : وعد خيراً ، ووعد شراً ، لكن إذا أسقط الخير والشر قالوا في الخير : الوعد والعدة ، وفي الشر : الإيعاد والوعيد [انظر : لسان العرب :ج:3، صفحة : 461 . مختار الصحاح ص : 728 .

القاموس المحيط :ج:1 ، ص :416] .

الوعد اصطلاحاً : ما يطلبه الطالب فيعده صاحبه بإنفاذ ما يطلب ، وصورته في الفقه : أن يعد غيره أن يبيعه داره أو أرضه أو نحو ذلك ، فيلزمه ديانة لا قضاء [انظر : عقد الاستصناع لكاسب البدران ، ص : 78 ، الاستصناع لسعود الثبيتي ، ص : 635] .

العناصر

1- الوعد مع الله عز وجل .

 

 

2- الوعد مع خلق الله .

 

 

3- أنواع الوعود .

 

 

4- أهمية الوفاء بالوعد .

 

 

5- فضل الوفاء بالوعد .

 

 

6- أسباب نقض العهد .

 

 

7- حفظ الوعد من صفات المؤمنين .

 

 

8- ضرورة التزام المسلم بالوفاء بالعهد .

 

 

9- الإسلام يوصي باحترام العقود ويأمر بإنفاذ الشروط التي تتضمنها .

 

 

10- الحذر من الاستهانة بالدين ، وضرورة الصدق في نية الوفاء .

 

 

11- الحلف نوع من العهد والميثاق .

 

 

12- مظاهر نقض الوعد .

 

الايات

1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) [الإسراء:34].
2- قال تَعَالَى: (وَأوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) [النحل:91].
3- قال تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1].
4- قال تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3].

الاحاديث

1- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) متفقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ في روايةٍ لمسلم: (وإنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ).
2- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) متفقٌ عَلَيْهِ.
3- عن جابر رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أعْطَيْتُكَ هكَذَا وَهَكَذَا وَهكَذَا) فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَينِ حَتَّى قُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أمَرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأتِنَا، فَأتَيْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لي حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا، فَإذَا هِيَ خَمْسُمِئَةٍ، فَقَالَ لِي: خُذْ مِثْلَيْهَا. متفقٌ عَلَيْهِ.

الاثار

1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لكل شيء رأس، ورأس المعروف تعجيله " البيان والتبيين للجاحظ.
2- قال علي رضي الله عنه: " من كانت له عند الناس ثلاث – وجبت له عليهم ثلاث: من إذا حدّثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفى لهم – وجب له عليهم: أن تحبه قلوبهم، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم " الآداب الشرعية.
3- قالوا: " ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة: ذو البأس لا يعرف إلا عند اللقاء، وذو الأمانة لا يعرف إلا عند الأخذ والعطاء، والإخوان لا يعرفون إلا عند النوائب " العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي.
4- قال محمد الرواس: " الوفاء بالعهد من المروءة، وهي من الإيمان ".
5- قال عوف بن النعمان -وكان في الجاهلية-: " لأنْ أموت عطشاً أحب إلي من أن أكون مخلافاً للوعد " أسد الغابة.
6- قيل: " لا تتركني معلقا بحاجتي؛ فالصبر الجميل خير من المطل الطويل " الآداب الشرعية.

القصص

1- عن قيس بن أبي حازم قال: دخلت على أبي بكر في مرضه وأسماء بنت عميس تروحه، فكأني أنظر إلى وشم في ذراعها، فقال لأبي: يا أبا حازم قد أجزت لك فرسك.
وفي رواية قال: قد أجزت لك فَرَسيك، وكان وعدني ووعد أبي فرساً.
2- قال المثنى بن خارجة: " لأن أموت عطشاً أحب إلي من أن أخلف موعداً ".
3- قال الوليد بن هشام: كان عمر بن عبد العزيز يرق له، لما هو عليه من النسك، فرفع دينا عليه أربعة آلاف دينار، فوعده أن يوفيه، وقال: وكل أخاك الوليد، فوكله، فقال له عمر: إني أكره أن أقضي عن واحد هذا المال، وإن كان أنفقها في حق. قال: يا أمير المؤمنين! إن من أخلاق المؤمن أن ينجز ما وعد، قال: ويحك! وضعتني هذا الموضع، فلم يقض عنه.
4- قال شعبة: ما واعدت أيوب السختياني موعداً قد إلا قال حين يفارقني: ليس بيني وبينك موعد، فإذا جئت وجدته قد سبقني.
5- أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة قال: انظروا فلانا لرجل من قريش، فإني كنت قلت له في ابنتي قولا كشبيه العدة، وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته.
6- وعن إبراهيم الموصلي، قال: حج الرشيد وجعفر وأنا معهم، فقال لي جعفر: انظر لي جارية لا مثل لها في الغناء والظرف. قال: فأرشدت إلى جارية لم أر مثلها، وغنت، فأجادت، فقال مولاها: لا أبيعها بأقل من أربعين ألف دينار. قلت: قد أخدتها، فأعجب بها جعفر، فقالت الجارية: يا مولاي في أي شئ أنت؟ قال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، فأردت أن تصيري إلى هذا الملك، فتسعدي. قالت: لو ملكت منك ما ملكت مني، ما بعتك بالدنيا، فاذكر العهد - وقد كان حلف أن لا يأكل لها ثمنا - فتغرغرت عيناه، وقال لجعفر: اشهدوا أنها حرة، وأني قد تزوجتها، وأمهرتها داري. فقال جعفر: انهض بنا.
فدعوت الحمالين لنقل الذهب، فقال جعفر: والله لا صحبنا منه درهم. وقال لمولاها: أنفقه عليكما.
7- قال بشر بن الحارث: كان المعافى يحفظُ الحديث والمسائل، سألته عن الرجل يقول للرجل: اقُعد هنا ولا تبرح، قال: يجلس حتى يأتي وقت صلاة، ثم يقوم.
8- لما حضرت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الوفاة قال: إنه كان خطب إليّ ابنتي رجل من قريش، وقد كان مني إليه شبه الوعد؛ فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق؛ أشهدكم أني زوجته ابنتي.
9- كان فتى من طي يجلس إلى الأحنف، وكان يعجبه فقال له: يا فتي هل تزين نفسك بشيء؟ فقال: نعم؛ إذا حدثت صدقت، وإذا حُدِّثت استمعت، وإذا عاهدت وفيت، وإذا وعدت أنجزت، وإذا أؤتمنت لم أخن، فقال الأحنف: هذه المرؤة حقا.
10- يذكر الشيخ أحمد الحمدان أن سماحة والدنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كان ممن عرف عنه الحفاظ على الوقت، والدقة في التزام الوعد، مع أنه كان كفيفاً لا يحمل ساعة تضبط له وقته، لكنه لفرط حرصه على الوقت، ودقته في المواعيد يحس باقتراب الموعد، أو حلوله دون أن يخبره بذلك أحد، فتجده إذا حان وقت الصلاة قال لمن بجواره: هل أذن للصلاة؟ فما يكاد يسأل هذا السؤال إلا ويسمع صوت الأذان، وكان في أكثر الأحيان هو الذي يذكر المكلف بحفظ مواعيده باقتراب الموعد، وهذا يدل على حرصه الشديد على القيام بما يجب عليه في وقته، وبأنه يحمل همَّ ما يريد القيام به، وأنه يخشى أن يتصف يخلق مَن إذا وعد أخلف.
11- أما فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - فقد كان مثالاً في الحرص على الالتزام بالموعد والدقة فيه دقة متناهية، يذكر عنه الشيخ أحمد الحمدان مواقف عديدة تدل على دقته في الميعاد، وشدة حرصه على المحافظة عليه، يقول: كان الشيخ - رحمه الله - دقيقاً في مواعيده، ولم يكن يجامل أحداً في ذلك، بل كان يؤنب من يخلف الميعاد، ويحمِّله نتائج إخلافه الوعد، وكلما وجد فرصة يذكره بها بإخلافه الوعد يفعل.
* ويُذكر أن الشيخ كان يحرص على شراء أدق الساعات ضبطاً للوقت، ويحملها معه في كل مكان يذهب إليه، وإذا اختلفنا في الوقت كان الفيصل في ضبطه ساعة الشيخ، فقد كان يتأكد منها عن طريق المذياع حال سماعه نشرات الأخبار.
* ويقول: أذكر أنه كان لنا موعد معه في درسه الذي كان يلقيه عن طريق الهاتف، وكان موعد الدرس في تمام الساعة التاسعة والنصف مساءً، بعد أن يعود من مسجده، فاتصلت به قبل الوقت بخمس دقائق تحسباً بسبب سوء خطوط الهاتف في فصل الشتاء، وقدر الله -تعالى- أن يتم الاتصال بسهولة، وأجاب الشيخ قائلاً: كم هي الساعة الآن؟ قلت: ونصف إلا خمس دقائق، قال: الموعد في أي ساعة هو؟ قلت: التاسعة والنصف. قال: اتصل بعد خمس دقائق، وأغلق السماعة.
* ويذكر الشيخ أحمد: أنه اتصل به مرة متأخراً بسبب سوء خطوط الهاتف، فقال لي: تأخرتم ثلاث عشرة دقيقة، قلت: يا شيخ خطوط الهاتف كانت السبب، فقال: تحسم عليكم ثلاث عشرة دقيقة من آخر الدرس، وفعل ذلك.
* ومما يدل على حرصه الشديد -رحمه الله- على الالتزام بالمواعيد المضروبة، وإعطاء الآخرين دروساً عملية في ذلك، ما ذكره تلميذه فضيلة الشيخ أ. د. عبدالله بن محمد الطيار، بقوله: دعاني الشيخ - رحمه الله تعالى - للغداء سنة 1403هـ، وكانت الدعوة خاصة لي، فقال - رحمه الله -: هل تريد أن تحضر معك أحداً؟ فقلت: وكيل الكلية فقط، فقال الشيخ: إذن يحسن حضور عميد كلية الشريعة ووكيله، وقال لي الشيخ: الحضور الساعة الثانية ظهراً؛ لأني قلت: إن دوامنا يستمر إلى الواحدة والنصف. وقال لي: انتبه لا تتأخر عن الموعد، فقلت له: إن شاء الله.
ثم خرجت من مكتبي الساعة الواحدة والربع، وذهبت لمكتب فضيلة عميد كلية الشريعة وألححت عليه بالذهاب للشيخ وعدم التأخر، وكانت معه معاملات كثيرة، فلم يخرج من مكتبه إلا الساعة الثانية إلا ثلثاً، وكانت الجامعة شرق بريدة، وأمامنا مسافة تحتاج إلى نصف ساعة على الأقل، وانطلقنا إلى بيت شيخنا ووصلنا الساعة الثانية وعشر دقائق، فلما وصلنا تفاجأنا بأن الشيخ راكب سيارته، فنزلت، وقلت له: أين تذهب يا شيخ؟ فقال: الأولاد بالداخل عندكم تغدوا، فقلت: ما جئنا من أجل الغداء، جئنا لنجلس معك، ووالله إن ذهبت لن ندخل، فضحك الشيخ، وقال: لا بأس بشرط ألا تتأخر مرة أخرى، فقلت: إن شاء الله، ولكن السبب كذا وكذا، فأعطانا الشيخ درساً عملياً في دقة المواعيد والاهتمام بها، والحرص عليها.

الاشعار

إذا قلت في شيء: (نعم) فأتمـه *** فإن (نعم) دَين على الحرِّ واجب
وإلا فقل: (لا) تسترح وتـرح *** لئلا يقول النـاس إنك كـاذب
[أبو تمام]

وَإِنِّي بِحَمْـدِ اللهِ لا ثَـوْبَ غَـادِرٍ *** لَبِسْتُ وَلا مِـنْ غَـدْرَةٍ أَتقَنَّـعُ
[غيلان بن سلمة الثقفي]

وَيَنْـثُـرُ لِي حَـبَّ الْوَفَـاءِ تَمَلُّقًا *** وَيَنْصُبُ لِي مِنْ تَحْتِهِ شَرَكَ الْغَدْرِ
[صفي الدين الحليّ]

أَخْلِقْ بِمَنْ رَضِيَ الْخِيَانَـةَ شِيـمَـةُ *** أَنْ لا يُـرَى إِلاَّ صَـرِيعَ حَوَادِثِ
مَـا زَالَـتِ الأَزْرَاءُ تَلْحِـقُ بُؤْسَهَا *** أَبَـدًا بِغَـادِرِ ذِمَّـةٍ أَوْ نَاكِـثِ
[...........]

غَدَرْتُمُـوهُـمْ بِأَيْمَـانٍ مُؤَكَّـدَةٍ *** وَالْوَرْدُ مِنْ بَعْدِهِ لِلْغَادِرِ الصَّـدَرُ
[أبو ظَفَر الحارثي]

وَجَـرَّبْـنَـا وَجَـرَّبَ أَوَّلُـونَـا *** فَـلا شَـيءٌ أَعَـزُّ مِـنَ الْوَفَاءِ
[علي بن الجهم]

وَتَأْمُلُ مِنْ بَنِـي الـدُّنْـيَا وَفَـاءً *** وَمَا شَـيءٌ أَعَـزُّ مِـنَ الوَفَـاءِ
[أبو مَسعُود الخُشْنَامِي]

رَأَيْـتُ الْخُـرَّ يَجْتَنِبُ الْمَخَـازِي *** وَيَحْمِيـهِ عَـنِ الْغَـدْرِ الْوَفَـاءُ
[أبو تمام]

وَكُنْتُ إِذَا صَحِبْـتُ خِيَـارَ قَـوْمٍ *** صَحِبْتُهُـمُ وَشِيمَتِـي الْـوَفَـاءُ
[أعرابي]

سَقَى الله أَطْـلالَ الْوَفَـاءِ بِكَفِّـهِ *** فَقَـدْ دُرِسَتْ أَعْلامُـهُ وَمَنَازِلـهْ
[.........]

اشْدُدْ يَدَيْكَ بِمَـنْ بَلَـوْتَ وَفَـاءَهُ *** إِنَّ الْوَفَـاءَ مِـنَ الرِّجَالِ عَـزِيزُ
[.............]

عَـزَّ الْـوَفَـاءُ فَـلا وَفَـاءَ وَإِنَّهُ *** لأَعَـزُّ وَجْـدَانًا مِـنَ الْكِبْرِيتِ
[............]

وَأَرْهَـنُ نَفْسِي بِالْـوَفَـاءِ لِصَاحِبِي *** فَمِنْ دُونِ غَدْرِي أَنْ تُغَيَّبَ أَعْظُمِي
[يحي بن زياد]

وَكَمْ مِـنْ حَافِـرٍ لأَخِيـهِ بِئْـرًا *** تَـرَدَّى فِي حَفِيـرَتِـهِ نَهَـارَا
[............]

يا واعد الوعد الذي أخلفا *** ما الخلف من سيرة أهل الوفا
ما كان ما أظهرت من ودنا *** إلا سراجاً لاح ثم انطفا
[............]

متفرقات

1- قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) إنكار على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقاً، سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا، واحتجوا أيضاً من السنة بما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان ».

وفي الحديث الآخر في الصحيح «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها» فذكر منهن إخلاف الوعد، وقد استقصينا الكلام على هذين الحديثين في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة، ولهذا أكد الله تعالى هذا الإنكار عليهم بقوله تعالى: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ).

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبي فذهبت لأخرج لألعب فقالت أمي: يا عبد الله تعالَ أعطك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أردت أن تعطيه؟» قالت: تمراً. فقال: «أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة» وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أنه إذا تعلق بالوعد غرم على الموعود وجب الوفاء به كما لو قال لغيره تزوج ولك علي كل يوم كذا فتزوج وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك، لأنه تعلق به حق آدمي وهو مبني على المضايقة، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقاً، وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم كقوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً أينما تكونوا أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ). وقال تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [تفسير القرآن العظيم (4/429) ] . 

 

2- قال ابن رجب رحمه الله : وقد اختلف العلماء في وجوب الوفاء بالوعدِ ، فمنهم من أوجبه مطلقاً ، وذكر البخاري في صحيحه [في باب من أمر بإيجاز الوعد . انظر : صحيح البخاري 3/236 عقيب ( 2680 ) ] أنَّ ابن أشوع قضى بالوعد ، وهو قولُ طائفة من أهل الظاهر وغيرهم ، منهم من أوجب الوفاء به إذا اقتضى تغريماً للموعود ، وهو المحكيُّ عن مالك ، وكثيرٌ من الفقهاء لا يوجبونه مطلقاً [جامع العلوم والحكم (50/6) ] .

 

3- يقول ابن عثيمين رحمه الله: وأما إخلاف الوعد فحرام يجب الوفاء بالوعد سواء وعدته مالا أو وعدته إعانة تعينه في شيء أو أي أمر من الأمور إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد وفي هذا ينبغي للإنسان أن يحدد المواعيد ويضبطها فإذا قال لأحد إخوانه أواعدك في المكان الفلاني فليحدد الساعة الفلانية حتى إذا تأخر الموعود وانصرف الواعد يكون له عذر حتى لا يربطه في المكان كثيرا وقد اشتهر عند بعض السفهاء أنهم يقولون أنا واعدك ولا أخلفك وعدي إنجليزي يظنون أن الذين يوفون بالوعد هم الإنجليز ولكن الوعد الذي يوفى به هو وعد المؤمن ولهذا ينبغي لك أن تقول إذا وعدت أحدا وأردت أن تؤكد إنه وعد مؤمن حتى لا يخلفه لأنه لا يخلف الوعد إلا المنافق [شرح رياض الصالحين (1/746) ] .

 

4- يقول القرافي : من أدب العبد مع ربه إذا وعد ربه بشيء لا يخلفه إياه ، لا سيما إذا التزمه وصمم عليه ، فأدب العبد مع الله سبحانه وتعالى بحسن الوفاء وتلقي هذه الالتزامات بالقبول . لكن الوفاء به ليس بواجب في الجملة ، ففي البدائع : الوعد لا شيء فيه وليس بلازم ، وفي منتهى الإرادات : لا يلزم الوفاء بالوعد نصا ، وفي نهاية المحتاج : لو قال : أؤدي المال أو أحضر الشخص ، فهو وعد لا يلزم الوفاء به ، لأن الصيغة غير مشعرة بالالتزام [الفروق للقرافي 3 / 95 ، والبدائع 7 / 84 ، 85 ، ومنتهى الإرادات 3 / 456 ، ونهاية المحتاج 4 / 441] .

إلا أنه إذا كانت هناك حاجة تستدعي الوفاء بالوعد فإنه يجب الوفاء به . فقد نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين : لو ذكر البيع بلا شرط ، ثم ذكر الشرط على وجه العدة ، جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد ، إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازما لحاجة الناس .

والمشهور عند المالكية أن الوعد يلزم ويقضى به إذا دخل الموعود بسبب الوعد في شيء ، قال سحنون : الذي يلزم من الوعد إذا قال : اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به ، أو اخرج إلى الحج أو اشتر سلعة أو تزوج وأنا أسلفك ، لأنك أدخلته بوعدك في ذلك ، أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به ، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق [الموسوعة الفقهية الكويتية صادر عن : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت (6/164) ] .

الإحالات

1- بهجة المجالس وأنس المجالس – القرطبي 2/492 دار الكتب العلمية .

2- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف – المنذري تحقيق مصطفى عمارة 4/3 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .

3- جامع الأصول – ابن الأثير 8/458، 11/642 الرئاسة العامة 1389 .

4- دراسات فقهية – نزيه حماد ص 137 دار الفاروق الطبعة الأولى 1411 .

5- كشاف تحليلي – مشهور سلمان، جمال الدسوقي ص 256 مكتبة الصديق الطبعة الأولى 1408 .

6- مجلة البيان 40/94 المنتدى الإسلامي – لندن .

7- المنهج المسلوك في سياسة الملوك عبد الرحمن الشيرزي ص 386 مكتبة المنار الطبعة الأولى 1407 .

8- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين – القاسمي ص 293 دار النفائس الطبعة الرابعة 1405 .

9- إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات الى المذهب الحق من أصول التوحيد المؤلف : محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الحسني القاسمي الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الثانية ، 1987 (1/348) .

10- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان عام النشر : 1415 هـ - 1995 مـ (3/439) .

11- التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهج المؤلف : وهبة بن مصطفى الزحيلى الموضوع : فقهى و تحليلى القرن : الخامس عشر الناشر : دار الفكر المعاصر مكان الطبع : بيروت دمشق سنة الطبع : 1418 ق (11/52) .

12- تفسير القرآن العظيم المؤلف : أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى : 774هـ) المحقق : محمود حسن الناشر : دار الفكر الطبعة : الطبعة الجديدة 1414هـ/1994م (4/429) .

13- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي المؤلف : محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت (7/321) .

14- جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم تأليف الإمام الحافظ الفقيه زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي الشهير بابن رجب المتوفى سنة ( 795 ) ه‍ حقق نصوصه وخرّج أحاديثه وعلّق عليه الدكتور ماهر ياسين الفحل (50/6) .

15- شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال المؤلف : أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي دار النشر : مكتبة الرشد - السعودية / الرياض - 1423هـ - 2003م الطبعة : الثانية تحقيق : أبو تميم ياسر بن إبراهيم (4/168) .

16- فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي الناشر : دار المعرفة - بيروت ، 1379 تحقيق : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (4/475) .

17- الموسوعة الفقهية الكويتية صادر عن : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت (6/164) .