هجر
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
الهجر لغة:
مصدر قولهم: هجر الشّيء يهجره، وهو مأخوذ من مادّة (هـ ج ر) الّتي تدلّ على القطيعة، ومن هذا: الهجر ضدّ الوصل وكذلك الهجران، وهاجر القوم من دار إلى دار، تركوا الأولى للثّانية كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكّة إلى المدينة، وتهجّر الرّجل وتمهجر: أي تشبّه بالمهاجرين، ومن الباب الهجر بمعنى الهذيان، والهجر أيضا الإفحاش في المنطق والخنا. ورماه بالهاجرات، وهي الفضائح، وسمّي هذا كلّه (هجرا) لأنّه من المهجور الّذي لا خير فيه انظر المقاييس: (6/ 34 ،35). وأهجرت بالرّجل: استهزأت به. وقلت فيه قولا قبيحا.
وقال ابن منظور: يقال: هجره يهجره هجرا وهجرانا: صرمه. وهما يهتجران ويتهاجران والاسم الهجرة: والتّهاجر: التّقاطع. وهجر الشّيء وأهجره: تركه. والهجر: الاسم من الإهجار. يقال هجر المريض يهجر هجرا بالضّمّ فهو هاجر والكلام مهجور. قال أبو عبيد: يروى عن إبراهيم النّخعيّ ما يثبت هذا القول في قوله تعالى: (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان: 30]. قال: قالوا فيه غير الحقّ. ألم تر إلى المريض إذا هجر قال غير الحقّ، وعن مجاهد نحوه. والهجر: الكلام المهجور لقبحه.وأهجر فلان: إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد. وهجر المريض: إذا أتى بذلك من غير قصد. لسان العرب لابن منظور: (5/ 250- 252).
وقال ابن الأثير: وفي الحديث “لا هجرة بعد ثلاث” يريد به الهجر ضدّ الوصل، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة، أو تقصير يقع في حدود العشرة والصّحبة، دون ما كان من ذلك في جانب الدّين، فإنّ هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات ما لم تظهر منهم التّوبة، والرّجوع إلى الحقّ، يقال: هجرت الشّيء إذا تركته وأغفلته، وقول اللّه تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) [النساء: 34] أي في المنام توصّلا إلى طاعتهنّ. النهاية: (5: 244)، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: قيل الهجر في المضاجع ألّا يضاجعها ويولّيها ظهره ولا يجامعها، وقيل: جنّبوا مضاجعهنّ، أي أبعدوها من الهجران وهو البعد. وقيل: واهجروهنّ مأخوذ من الهجر وهو القبيح من الكلام، أي غلّظوا عليهنّ في القول، وقيل غير ذلك وهذا الهجر غايته عند العلماء شهر. تفسير القرطبي: (5/ 112).
اصطلاحا:
قال المناويّ: الهجر والهجران: مفارقة الإنسان غيره. إمّا بالبدن. أو اللّسان. أو القلب التوقيف على مهمات التعاريف: (242).
وقال الكفويّ: الهجر بالفتح: التّرك والقطيعة. الكليات: (961).
وعرَّف ابنُ حَجَرٍ العَسقَلانيُّ الهَجْرَ بأنَّه: "تركُ الشَّخصِ مكالمةَ الآخَرِ إذا تلاقَيا". فتح الباري: (10/ 492).
وقال ابن حجر الهيتمي: "الهَجْرُ أن يهجُرَ أخاه المُسلِمَ فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ لغيرِ غَرَضٍ شَرعيٍّ". ينظر الزواجر: (2/ 67).
الفَرْقُ بَيْنَ الهَجْرِ والتَّدابُرِ والتَّشاحُنِ:
الهَجْرُ: أن يهجُرَ أخاه المُسلِمَ فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ لغيرِ غَرَضٍ شرعيٍّ، والتَّدابُرُ: هو الإعراضُ عن المُسلِمِ بأن يلقاه فيُعرِضَ عنه بوَجهِه، والتَّشاحُنُ: هو تغيُّرُ القلوبِ المؤدِّي إلى أحَدِ ذَينِك. ينظر الزواجر: (2/ 67).
العناصر
1- الفرق بين التّهاجر والتّدابر والتّشاحن.
2- أنواع الهجر.
3- حكم الهجر.
4- من أسباب الهجر.
5- تخاصم أهل النار وما فيه من تبرؤ المتبوعين من الأتباع.
6- هجر القرآن
الايات
1- قوله تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) [النساء: 34-35].
2- (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا)[الكهف: 15-16].
3- قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا * إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا * يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا * يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا * قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم: 41-48].
4- قوله تعالى: (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ) [المؤمنون: 67- 68].
5- قوله تعالى: (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً * وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً * وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) [الفرقان: 30-32].
6- قوله تعالى: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ * وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)[الدخان:20-24].
7- قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10].
8- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا) [المزمل: 1-10].
9- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدثر: 1-5].
10- قوله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء: 53].
11- قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ... فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر: 9-10].
12- قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فُصِّلَتْ: 34-35].
13- قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105].
14- قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة: 91].
15- قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
16- قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22-23].
17- قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
18- قال تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود: 119].
19- قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].
الاحاديث
1- عن عوف بن مالك بن الطّفيل- هو ابن الحارث وهو ابن أخي عائشة زوج النّبيّ -صلى اللّه عليه وسلّم- لأمّها- أنّ عائشة حدّثت أنّ عبد اللّه بن الزّبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: واللّه لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها. فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم. قالت: هو للّه عليّ نذر أن لا أكلّم ابن الزّبير أبدا. فاستشفع ابن الزّبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا، واللّه لا أشفّع فيه أبدا، ولا أتحنّث إلى نذري. فلمّا طال ذلك على ابن الزّبير كلّم المسور بن مخرمة وعبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة- وقال لهما: أنشدكما باللّه لما أدخلتماني على عائشة، فإنّها لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي. فأقبل به المسور وعبد الرّحمن مشتملين بأرديتهما حتّى استأذنا على عائشة فقالا: السّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته. أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلّنا؟ قالت: نعم، ادخلوا كلّكم -ولا تعلم أنّ معهما ابن الزّبير- فلمّا دخلوا دخل ابن الزّبير الحجاب فاعتنق عائشة، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرّحمن يناشدانها إلّا ما كلّمته وقبلت منه، ويقولان: إنّ النّبيّ -صلى اللّه عليه وسلّم- نهى عمّا قد علمت من الهجرة؛ فإنّه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلمّا أكثروا على عائشة من التّذكرة والتّحريج طفقت تذكّرهما وتبكي وتقول: إنّي نذرت والنّذر شديد. فلم يزالا بها حتّى كلّمت ابن الزّبير. وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة. وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتّى تبلّ دموعها خمارها”. رواه البخاري: (6073).
2- عن عائشة -رضي اللّه عنها- قالت: قال لي رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية، وإذا كنت عليّ غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: “أمّا إذا كنت عنّي راضية فإنّك تقولين: لا، وربّ محمّد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، وربّ إبراهيم، قالت: قلت: أجل، واللّه يا رسول اللّه، ما أهجر إلّا اسمك”. رواه البخاري: (5228) واللفظ له، ومسلم: (2439).
3- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-، قال: “تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكلّ عبد لا يشرك باللّه شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا”. وفيه رواية عن عبد العزيز الدّراورديّ: “إلّا المتهاجرين” من رواية ابن عبدة. وقال قتيبة: “إلّا المهتجرين”. رواه مسلم: (2565).
4- عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “لا تحلّ الهجرة فوق ثلاثة أيّام، فإن التقيا فسلّم أحدهما فردّ الآخر اشتركا في الأجر، وإن لم يردّ برىء هذا من الإثم، وباء به الآخر، وأحسبه قال: وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنّة” ذكره المنذري في الترغيب (3/ 457) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك (4/ 163) واللفظ له وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وقال الألباني: صحيح لغيره.
5- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- عن النّبيّ -صلى اللّه عليه وسلّم- قال: “لا تهجر امرأة فراش زوجها إلّا لعنتها ملائكة اللّه- عزّ وجلّ-” رواه أحمد (2/ 348) وقال الشيخ أحمد شاكر (16/ 238): رواه البخاري ومسلم بلفظ قريب منه. ولفظه: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وفي رواية حتى ترجع”.
6- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- قال: “لا تهجّروا ، ولا تدابروا، ولا تحسّسوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا عباد اللّه إخوانا”. رواه مسلم: (2563).
7- عن أبي أيّوب الأنصاريّ -رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- قال: “لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام”. رواه البخاري: (6077)، ومسلم: (2560).
8- عن هشام بن عامر بن أميّة الأنصاريّ رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “لا يحلّ لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث ليال، فإنّهما ناكبان عن الحقّ ما داما على صرامهما وأوّلهما فيئا يكون سبقه بالفيء كفّارة له، وإن سلّم فلم يقبل وردّ عليه سلامه ردّت عليه الملائكة، وردّ على الآخر الشّيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنّة جميعا أبدا” رواه أحمد، وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: لم يدخلا الجنة، ولم يجتمعا في الجنة وصححه الألباني.
9- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات، دخل النّار”. رواه أبو داود: (4914) وصححه الألباني.
10- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّ رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- قال: “لا يكون لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة، فإذا لقيه سلّم عليه ثلاث مرار كلّ ذلك لا يردّ عليه، فقد باء بإثمه”. رواه أبو داود: (4913) وحسنه الألباني.
11- عن أبي خراش السّلميّ -رضي اللّه عنه- أنّه سمع رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- يقول: “من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه”. رواه أبو داود: (4915)، وصححه الألباني.
12- عن معاوية القشيريّ -رضي اللّه عنه- قال: قلت: يا رسول اللّه، ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: “أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت” أو “اكتسبت” “ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلّا في البيت”. رواه أبو داود: (2142) وقال الألباني: حسن صحيح.
13- عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- قال قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “إنّ الّذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب”. رواه أحمد (1947)، والترمذي (2913) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، والحاكم (1/ 544)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 290)، والترغيب والترهيب (2/ 359).
14- عن أبي موسى الأشعري -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة، ريحها طيّب، وطعمها طيّب، ومثل المؤمن الّذي لا يقرأ القرآن، مثل التّمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن مثل الرّيحانة، ريحها طيّب، وطعمها مرّ، ومثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مرّ”. رواه البخاري: (5020)، ومسلم: (797) واللفظ له.
15- عن جابر بن عبدالله -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ”. رواه مسلم: (٢٨١٢).
16- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “لا تَقاطَعُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، وكُونُوا إخْوانًا كما أمَرَكُمُ اللَّهُ". رواه مسلم: (٢٥٦٣).
17- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “تَهادُوا تَحابُّوا". أخرجه البخاري في الأدب المفرد: (٥٩٤)، وحسنه الألباني.
18- عن أبي الدرداء -رضي اللّه عنه- قال: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، إذْ أقْبَلَ أبو بَكْرٍ آخِذًا بطَرَفِ ثَوْبِهِ حتّى أبْدى عن رُكْبَتِهِ، فَقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أمّا صاحِبُكُمْ فقَدْ غامَرَ"، فَسَلَّمَ وقالَ: إنِّي كانَ بَيْنِي وبيْنَ ابْنِ الخَطّابِ شَيءٌ، فأسْرَعْتُ إلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أنْ يَغْفِرَ لي فأبى عَلَيَّ، فأقْبَلْتُ إلَيْكَ، فَقالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لكَ يا أبا بَكْرٍ، ثَلاثًا، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فأتى مَنْزِلَ أبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أثَّمَ أبو بَكْرٍ؟ فَقالوا: لا، فأتى إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وجْهُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَمَعَّرُ، حتّى أشْفَقَ أبو بَكْرٍ، فَجَثا على رُكْبَتَيْهِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، واللَّهِ أنا كُنْتُ أظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلتُمْ: كَذَبْتَ، وقالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقَ، وواسانِي بنَفْسِهِ ومالِهِ، فَهلْ أنتُمْ تارِكُوا لي صاحِبِي؟ مَرَّتَيْنِ، فَما أُوذِيَ بَعْدَها". رواه البخاري: (٣٦٦١).
19- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “لا يحلُّ لمؤمنٍ أن يهجُرَ مؤمنًا فوقَ ثلاثٍ، فإن مرَّت به ثلاثٌ فلْيَلْقَه فلْيُسَلِّمْ عليه فإن ردَّ عليه السلامَ فقد اشتركا في الأجرِ وإن لم يَرُدَّ عليه فقد باءَ بالإثمِ عليه وخرج المسَلِّمُ من الهَجْرِ". أخرجه أبو داود (٤٩١٢) واللفظ له، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (٤١٤)، والبيهقي (٢٠٥٢٢) وقال الألباني في صحيح الترغيب (٢٧٥٧): حسن لغيره.
20- عن أبي الدرداء -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ". أخرجه أبو داود (٤٩١٩)، وصححه الألباني.
21- عن أم كلثوم بنت عقبة -رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “ليسَ الكَذّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النّاسِ، ويقولُ خَيْرًا ويَنْمِي خَيْرًا.
قالَ ابنُ شِهابٍ: ولَمْ أسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيءٍ ممّا يقولُ النّاسُ كَذِبٌ إلّا في ثَلاثٍ: الحَرْبُ، والإِصْلاحُ بيْنَ النّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وحَديثُ المَرْأَةِ زَوْجَها. أخرجه البخاري (٢٦٩٢) مختصراً، ومسلم (٢٦٠٥).
22- عن عائشة أم المؤمنين -رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ". رواه مسلم: (٢٥٥٥).
23- عن أبي بكرة نفيع بن الحارث -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “ما ذَنْبٌ أَحْرى أنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصاحِبِه العُقُوبَةَ في الدنيا، مع ما يَدَّخِرُ لهُ في الآخرةِ من قَطِيعَةِ الرَّحِمِ والبَغْيِ". رواه البخاري في الأدب المفرد: (٤٨)، وصححه الألباني.
24- عن عبدالله بن عمرو -رضي اللّه عنهم- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها". رواه البخاري: (٥٩٩١).
25- عن أم كلثوم بنت عقبة -رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ". أخرجه ابن خزيمة: (٢٣٨٦)، والطبراني: (٢٥/٨٠) (٢٠٤)، والحاكم: (١٤٧٥) باختلاف يسير، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: (٨٩٤).
26- عن سهل بن سعد الساعدي -رضي اللّه عنه- قال: أنَّ أهْلَ قُباءٍ اقْتَتَلُوا حتّى تَرامَوْا بالحِجارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسولُ اللَّهِ -صلى اللّه عليه وسلّم- بذلكَ، فَقالَ: "اذْهَبُوا بنا نُصْلِحُ بيْنَهُمْ". رواه البخاري: (٢٦٩٣).
27- عن سهل بن سعد الساعدي -رضي اللّه عنه- قال: جاءَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْتَ فاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا في البَيْتِ، فَقالَ: "أيْنَ ابنُ عَمِّكِ؟" قالَتْ: كانَ بَيْنِي وبيْنَهُ شيءٌ، فَغاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِندِي. فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِإِنْسانٍ: انْظُرْ أيْنَ هُوَ؟ فَجاءَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هو في المَسْجِدِ راقِدٌ، فَجاءَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو مُضْطَجِعٌ، قدْ سَقَطَ رِداؤُهُ عن شِقِّهِ، وأَصابَهُ تُرابٌ، فَجَعَلَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمْسَحُهُ عنْه، ويقولُ: "قُمْ أبا تُرابٍ، قُمْ أبا تُرابٍ". رواه البخاري: (٤٤١).
28- عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها قالت: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنِّي لأعلَمُ إذا كُنتِ عنِّي راضيةً، وإذا كنتِ عَلَيَّ غَضْبى!" قالت: فقُلتُ: من أين تَعرِفُ ذلك؟! فقال: "أمَّا إذا كنتِ عني راضيةً فإنَّك تقولينَ: لا ورَبِّ محمَّدٍ، وإذا كنتِ عَلَيَّ غَضْبى قُلتِ: لا ورَبِّ إبراهيمَ!" قالت: قلتُ: أجَلْ، واللهِ يا رسولَ اللهِ ما أهجُرُ إلَّا اسمَك. أخرجه البخاري: (5228) ومسلم: (2439).
الاثار
1- قال عبد اللّه بن مسعود -رضي اللّه عنه: “ما اهتجر رجلان في الإسلام إلّا خرج أحدهما منه”. مساوئ الأخلاق: (196). وهذا من باب الزّجر عن المهاجرة.
2- عن مجاهد في قوله تعالى (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) [لقمان: 18]. قال: “هو الرّجل يكون بينه وبين الرّجل حنة فيعرض عنه”. الخرائطي في مساوىء الأخلاق: (199). والطبري (21/ 48) في تفسيره.
القصص
1- عن أبي الحسن المدائنيّ قال: جرى بين الحسن بن عليّ وأخيه الحسين كلام حتّى تهاجرا فلمّا أتى على الحسن ثلاثة أيّام من هجر أخيه فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكبّ على رأسه فقبّله، فلمّا جلس الحسن قال له الحسين: إنّ الّذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنّك أحقّ بالفضل منّي فكرهت أن أنازعك ما أنت أحقّ به. التاريخ الكبير (4/ 323).
2- قَالَ يُونُسُ الصَّدَفِيُّ: “مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنَ الشَّافِعِيِّ، نَاظَرْتُهُ يَوْمًا فِي مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ افْتَرَقْنَا، وَلَقِيَنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، أَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ نَكُونَ إِخْوَانًا وَإِنْ لَمْ نَتَّفِقْ فِي مَسْأَلَةٍ”، قالَ الذَّهبيُ -رحمَه اللهُ تعالى- بعدَ ذِكرِ هذه القِصَّةِ: “هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِ هَذَا الْإِمَامِ، وَفِقْهِ نَفْسِهِ، فَمَا زَالَ النُّظَرَاءُ يَخْتَلِفُونَ”. نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء (2/ 734).
الاشعار
1- قال أحدهم:
عليك بإغبابِ الزِّيارة، إنَّهَا *** إذا كَثُرَتْ كانَتْ إلى الْهَجْرِ مَسْلَكاَ
ألم تَرَ أن القَطْرَ يُسْأمُ دائماً *** ويُسْأل بالأيدِي إذَا هُوَ أمْسكاَ
مجمع الأمثال: (1/322).
2- قال آخر:
وكل من أعيتك أخلاقه *** دواؤه الصبر أو الهجرُ
زهر الأكم: (3/ 85).
3- قال سالم بن وابصة:
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه *** كأنَّ به عن كل فاحشةٍ وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسطاً آذى *** ولا مانعاً خيراً ولا ناطقاً هجرا
إذا ما أتت من صاحبٍ لك زلةٌ *** فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
زهر الأكم: (3/ 107).
4- قال أحدهم:
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه *** وكلّ أمرئ لا يقبل العذر مذنب
الأمثال المولدة: (335).
5- قال الشَّاعرُ:
يا سَيِّدي عندَك لي مَظلَمَهْ *** فاستَفْتِ فيها ابنَ أبي خَيثَمَهْ
فإنَّه يرويه عن جَدِّه *** وجَدُّه يرويه عن عِكرِمَهْ
عن ابنِ عبَّاسٍ عن المصطفى *** نبيِّنا المبعوثِ بالمرحمَهْ
أنَّ صُدودَ الِخِّل عن خِلِّه *** فوقَ ثلاثٍ رَبُّنا حَرَّمَه
خاص: الخاص؛ للثعالبي (ص: 70).
6- وقال آخَرُ:
وكلُّ مودَّةٍ لا خيرَ فيها *** إذا لم تحتَمِلْ حَقَّ المصافي
إذا أحبَبْتُ لم أنقُضْ إخائي *** ولم أبْنِ الإخاءَ على اعتِسافِ
متى تقطَعْ صديقَك بعد وَصلٍ *** ولا تثبُتْ فعَهدُك غيرُ وافِ
روضة العقلاء؛ لابن حبان (ص: 207).
7- وقال الشَّاعرُ:
ما ودَّني أحَدٌ إلَّا بذَلتُ له *** صفوَ المودَّةِ مني آخِرَ الأبَدِ
ولا قلاني وإن كنتُ المحِبَّ له *** إلَّا دعوتُ له الرَّحمنَ بالرَّشَدِ
ولا ائتُمِنْتُ على سِرٍّ فبُحتُ به *** ولا مدَدْتُ إلى غيرِ الجَميلِ يَدي
ولا أقولُ نعَمْ يومًا فأتبِعُها *** منعًا ولو ذهَبَت بالمالِ والوَلَدِ
ولا أخونُ خليلي في خليلتِه *** حتى أغيَّبَ في الأكفانِ واللَّحدِ
الصداقة والصديق؛ لأبي حيان التوحيدي (ص: 108-109).
8- وقال آخَرُ:
لحا اللهُ من لا ينفَعُ الوُدُّ عنده *** ومن حَبلُه إن مُدَّ غيرُ مَتينِ
ومَن هو إن يحدِثْ له الغَيرُ نَظرةً *** يقطَعْ بها أسبابَ كُلِّ قرينِ
عيون الأخبار؛ لابن قتيبة (3/90).
9- وقال أبو نُواسٍ:
لا تهَجُرَنَّ الحبيبَ إن هَجَرَا *** ولا تعاقِبْه بالذي فَعَلَا
ديوان أبي نواس (ص: 721).
10- وقال آخَرُ:
من اليومِ تعامَلْنا *** ونطوي ما جَرى مِنَّا
فلا كان ولا صار *** ولا قُلتُم ولا قُلْنا
وإن كان ولا بُدَّ *** من العَتبِ فبالحُسنى
فقد قيل لنا عنكم *** كما قيل لكم عنَّا
كفى ما كان من هَجرٍ *** فقد ذقتُم وقد ذُقْنا
وما أحسَنَ أن نرجِعَ *** للوَصلِ كما كنَّا
الكشكول؛ للعاملي: (2/ 87).
متفرقات
1- قال ابن مفلح -رحمه اللّه-: “يسنّ هجر من جهر بالمعاصي الفعليّة والقوليّة والاعتقاديّة”. الآداب الشرعية (1/ 229).
2- قال ابن منظور: “إنّ هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات ما لم تظهر منهم التّوبة والرّجوع إلى الحقّ”. لسان العرب: (5/ 250).
3- قال ابن تميم: "هجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهرين بالمعاصي، وترك السّلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر النّاس، ولا يسلّم أحد على فاسق معلن، ولا مبتدع معلن داعية، ولا يهجر مسلما مستورا غيرهما من السّلام فوق ثلاثة أيّام". الآداب الشرعية: (237).
4- قال النووي -رحمه الله تعالى-: “يحرم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص، وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفي عنه في ذلك؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب، وسوء الخلق، فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض”.
5- بوَّب البخاري في صحيحه "باب ما يجوز من الهجران لمن عصى"، قال ابن حجر: "أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز؛ لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع". فتح الباري: (ج13/ 607).
6- قال ابن حبان: "لا يَحِلُّ التَّباغُضُ ولا التَّنافُسُ ولا التَّحاسُدُ ولا التَّدابُرُ بَيْنَ المُسلِمين، والواجبُ عليهم أن يكونوا إخوانًا كما أمَرَهم اللهُ ورسولُه، فإذا تألَّم واحدٌ منهم تألَّم الآخرُ بألَمِه، وإذا فَرِح فَرِح الآخرُ بفَرَحِه، ينفي الغِشَّ والدَّغَلَ مع استسلامِ الأنفُسِ للهِ عزَّ وجَلَّ، مع الرِّضا بما يوجِبُ القضاءُ في الأحكامِ كُلِّها، ولا يجِبُ الهِجرانُ بَيْنَ المُسلِمين عِندَ وجودِ زلَّةٍ من أحَدِهما، بل يجبُ عليهما صرْفُها إلى الإحسانِ والعَطفِ عليه بالإشفاقِ وتَركِ الهِجران". روضة العقلاء: (ص: 204).
7- قال ابنُ علَّانَ: "من مات مُصِرًّا على الهَجْرِ والقطيعةِ دخل النَّارَ إن شاء اللهَ تعذيبَه مع عصاةِ الموَحِّدين، أو دخل النَّارَ خالِدًا مؤَبَّدًا إن استحَلَّ ذلك، مع عِلمِه بحُرمتِه والإجماعِ عليها". دليل الفالحين: (8/ 435).
8- قال الزرقاني: "أي: إصلاحُ أحوالِ البَينِ حتى تكونَ أحوالُكم أحوالَ صِحَّةٍ وأُلفةٍ، أو هو إصلاحُ الفسادِ والفتنةِ التي بَيْنَ القومِ، وذلك لِما فيه من عمومِ المنافِعِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ من التَّعاوُنِ والتَّناصُرِ والأُلفةِ، والاجتماعِ على الخيرِ، حتَّى أبيحَ فيه الكَذِبُ، ولكثرةِ ما يندَفِعُ من المضَرَّةِ في الدِّينِ والدُّنيا". يُنظَر: شرح الزرقاني على الموطأ: (4/ 403).
9- قال ابنُ حِبَّانَ: "لا يجِبُ للمرءِ أن يدخُلَ في جملةِ العوامِّ والهَمَجِ بإحداثِ الوُدِّ لإخوانِه وتكديرِه لهم بالخُروجِ بالسَّبَبِ الذي يؤدِّي إلى الهِجرانِ الذي نهى المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنه بَيْنَهم، بل يقصِدُ قصدَه الإغضاءَ عن ورودِ الزَّلَّاتِ، ويتحرى تركَ المناقشةِ على الهفَواتِ، ولا سيَّما إذا قيل في أحَدِهم الشَّيءُ الذي يحتَمَلُ أن يكونَ حَقًّا وباطِلًا معًا؛ فإنَّ النَّاسَ ليس يخلو وصلُهم من رَشقِ أسهُمِ العِذالِ فيه".
10- قال ابنُ حِبَّانَ: "لا يحِلُّ التَّباغُضُ ولا التَّنافُسُ ولا التَّحاسُدُ ولا التَّدابُرُ بَيْنَ المُسلِمين، والواجبُ عليهم أن يكونوا إخوانًا كما أمَرَهم اللهُ ورسولُه، فإذا تألَّم واحدٌ منهم تألَّم الآخرُ بألَمِه، وإذا فَرِح فَرِح الآخرُ بفَرَحِه، ينفي الغِشَّ والدَّغَلَ مع استسلامِ الأنفُسِ للهِ عزَّ وجَلَّ، مع الرِّضا بما يوجِبُ القضاءُ في الأحكامِ كُلِّها، ولا يجِبُ الهِجرانُ بَيْنَ المُسلِمين عِندَ وجودِ زلَّةٍ من أحَدِهما، بل يجبُ عليهما صرْفُها إلى الإحسانِ والعَطفِ عليه بالإشفاقِ وتَركِ الهِجرانِ".
11- قال الصَّنعانيُّ عند حديث: "من هَجر أخاه سَنةً فهو كسَفْكِ دَمِه" قال: "هذا تغليظٌ شديدٌ في الهَجْرِ هذه المدَّةَ، والمرادُ أنَّهما سواءٌ في أصلِ التَّحريمِ، وإن كان البادِئُ بالفِعلِ أغلَظَ". التَّحبير: (6/ 652).
12- قال السَّعديُّ: "الواجِبُ على المُسلِمين عمومًا، وعلى أهلِ العِلمِ خُصوصًا: أن يبذُلوا جُهدَهم وطاقتَهم في حصولِ التَّوادُدِ، وعدَمِ التَّقاطُعِ والتَّهاجُرِ، ويُرغِّبوا غيرَهم فيه؛ امتثالًا لأمرِ اللهِ، وسعيًا في محبوبِه، وطلَبًا للزُّلفى لديه... ويقابلون المسيءَ إليهم بالعَفوِ عنه والصَّفحِ وسَلامةِ النَّفسِ، ولا يعامِلونه بما عامَلَهم به، بل إذا عاملَهم بالبُغضِ عامَلوه بالمحبَّةِ، وإن عامَلَهم بالأذى عامَلوه بالإحسانِ، وإذا عامَلَهم بالهَجْرِ وتَركِ السَّلامِ عامَلوه ببَذلِ السَّلامِ والبَشاشةِ، ولِينِ الكلامِ والدُّعاءِ له بظَهرِ الغيبِ، ولا يُطعيوا أنفُسَهم الأمَّارةَ بالسُّوءِ بمعاملتِه من جِنسِ ما عامَلَهم به".
13- قال ابن باز: "فالأبوانِ لهما حقٌّ خاصٌّ، لا يُهجَرانِ، لكِنْ يُنصَحانِ؛ لأنَّ اللهَ قال سُبحانَه في حقِّ الولِدِ، إذا كان أبواه كافِرَينِ، قال له جَلَّ وعلا: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15]؛ فالوالِدانِ لهما حقٌّ عظيمٌ ولو كانا كافِرين، فعلى الوَلَدِ أن يصحَبَهما بالمعروفِ، وأن يحسِنَ إليهما، وإذا كانا فقيرينِ أنفق عليهما، مع الدَّعوةِ ومع التَّوجيهِ ومع الإحسانِ؛ لعَلَّ اللهَ أن يهديَهما بأسبابِه". فتاوى نور على الدرب: (18/ 362).
14- قال أحمدُ بنُ حنبَلٍ: "إذا رأى أباه على أمرٍ يَكرَهُه يُعلِمُه بغيرِ عُنفٍ ولا إساءةٍ، ولا يُغلِظْ له في الكلامِ، وإلَّا تركَه، وليس الأبُ كالأجنَبيِّ". الآداب الشرعية والمنح المرعية؛ لابن مفلح: (1/ 449).
15- قال الذَّهبيُّ: "فإذا كان الجارُ صاحِبَ كبيرةٍ، فلا يخلو إمَّا أن يكونَ متسترًا بها ويغلِقَ بابَه عليه، فلْيُعرِضْ عنه ويتغافَلْ عنه، وإن أمكن أن ينصَحَه في السِّرِّ ويَعِظَه فحَسَنٌ، وإن كان متظاهِرًا بفِسقِه، مِثلُ مَكَّاسٍ أو مُرابٍ، فتهَجرُه هَجرًا جميلًا، وكذا إن كان تاركًا للصَّلاةِ في كثيرٍ من الأوقاتِ، فمُرْه بالمعروفِ وانهَه عن المُنكَرِ مرةً بعدَ أخرى، وإلَّا فاهْجُرْه في اللهِ؛ لعلَّه أن يرعويَ ويحصُلَ له انتفاعٌ بالهِجْرةِ، من غيرِ أن تقطَعَ عنه كلامَك وسلامَك وهديَّتَك، فإن رأيتَه متمَرِّدًا عاتيًا بعيدًا من الخيرِ، فأعرِضْ عنه واجهَدْ أن تتحوَّلَ من جوارِه". حق الجار (ص: 46، 47).
16- قال ابن حجر عند حديث قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إنِّي لأعلَمُ إذا كُنتِ عنِّي راضيةً، وإذا كنتِ عَلَيَّ غَضْبى! " قال: "إنَّما اغتُفِرَت مغاضَبةُ عائشةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع ما في ذلك من الحرَجِ؛ لأنَّ الغَضَبَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معصيةٌ كبيرةٌ؛ لأنَّ الحامِلَ لها على ذلك الغَيرةُ التي جُبِلت عليها النِّساءُ، وهي لا تنشَأُ إلَّا عن فَرطِ المحبَّةِ، فلمَّا كان الغَضَبُ لا يستلزِمُ البُغضَ اغتُفِر؛ لأنَّ البُغضَ هو الذي يُفضي إلى الكُفرِ أو المعصيةِ، وقد دَلَّ قولُها: "لا أهجُرُ إلَّا اسمَك" على أنَّ قَلبَها مملوءٌ بمحبَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم". فتح الباري: (10/ 498).
قال ابنُ حَجَرٍ مُعَلِّقًا على تبويبِ البُخاريِّ (بابُ ما يجوزُ من الهِجرانِ لِمَن عصى): "أراد بهذه التَّرجمةِ بيانُ الهِجرانِ الجائِزِ؛ لأنَّ عُمومَ النَّهيِ مخصوصٌ بمن لم يكُنْ لهَجرِه سَبَبٌ مشروعٌ، فتبيَّنَ هنا السَّبَبُ المسَوِّغُ للهَجرِ، وهو لمن صَدَرَت منه معصيةٌ، فيسوغُ لمن اطَّلع عليها منه هَجْرُه عليها ليَكُفَّ عنها". فتح الباري: (10/ 497).
قال المُهَلَّبُ: "الهِجرانُ الجائِزُ يتنوَّعُ بقَدرِ الجُرمِ؛ فمن كان من أهلِ العِصيانِ يَستحِقُّ الهِجرانَ بتَركِ المكالَمةِ كما في قِصَّةِ كَعبٍ وصاحِبَيه ، وما كان من المغاضَبةِ بَيْنَ الأهلِ والإخوانِ فيجوزُ الهَجْرُ فيه بتركِ التَّسميةِ مَثَلًا أو بتَركِ بَسطِ الوَجهِ مع عَدَمِ هَجرِ السَّلامِ والكلامِ". فتح الباري: (10/ 497).
قال ابن عثيمين رحمه الله: "فكُلُّ مُؤمِنٍ وإن كان فاسِقًا فإنَّه يَحرُمُ هَجرُه ما لم يكُنْ في الهَجْرِ مصلحةٌ، فإذا كان في الهَجْرِ مصلحةٌ هَجَرْناه؛ لأنَّ الهَجْرَ حينَئذٍ دواءٌ، أمَّا إذا لم يكُنْ فيه مصلحةٌ، أو كان فيه زيادةٌ في المعصيةِ والعُتُوِّ، فإنَّ ما لا مصلحةَ فيه تركُه هو المصلحةُ". مجموع الفتاوى والرسائل: (2/ 294).
قال ابنُ حَجَرٍ: "قد استُشكِلَ كَونُ هِجْرانِ الفاسِقِ أو المبتَدِعِ مَشروعًا، ولا يُشرَعُ هِجْرانُ الكافِرِ وهو أشَدُّ جرمًا منهما؛ لكونِهما من أهلِ التَّوحيدِ في الجملةِ، وأجاب ابنُ بَطَّالٍ بأنَّ للهِ أحكامًا فيها مصالِحُ للعبادِ وهو أعلَمُ بشأنِها، وعليهم التَّسليمُ لأمرِه فيها، فجَنَح إلى أنَّه تعبُّدٌ لا يُعقَلُ معناه، وأجاب غيرُه بأنَّ الهِجرانَ على مرتبتَينِ: الهِجرانُ بالقَلبِ، والهِجرانُ باللِّسانِ؛ فهِجْرانُ الكافِرِ بالقَلبِ وبتَركِ التَّودُّدِ والتَّعاوُنِ والتَّناصُرِ لا سيما إذا كان حربيًّا، وإنَّما لم يُشرَعْ هِجْرانُه بالكلامِ لعَدَمِ ارتداعِه بذلك عن كُفرِه، بخلافِ العاصي المُسلِمِ؛ فإنَّه ينزَجِرُ بذلك غالِبًا، ويشترِكُ كُلٌّ من الكافِرِ والعاصي في مشروعيَّةِ مكالمتِه بالدُّعاءِ إلى الطَّاعةِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وإنما المشروعُ تركُ المكالمةِ بالموادَّةِ ونحوِها". فتح الباري: (10/ 497).
قال السَّعديُّ: "من أهَمِّ قواعِدِ الدِّينِ وأجَلِّ شرائعِ المُرسَلين: النَّصيحةُ لكافَّةِ الأمَّةِ، والسَّعيُ في جمعِ كَلِمةِ المُسلِمين، وحصولُ التَّآلُفِ بَيْنَهم، وإزالةُ ما بَيْنَهم من التَّباغُضِ والتَّشاحُنِ والإحَنِ. وهذا الأصلُ من أعظَمِ معروفٍ يُؤمَرُ به، وإضاعتُه من أعظَمِ مُنكَرٍ يُنهى عنه، وهذا من فُروضِ الأعيانِ اللَّازمةِ لكلِّ الأمَّةِ؛ عُلَمائِها ووُلاتِها وعَوامِّها، بل هي قاعدةٌ لا يتِمُّ الإيمانُ إلَّا بها، فتَجِبُ مراعاتُها عِلمًا وعَمَلًا، وإنما كان الأمرُ كذلك لِما في ذلك من المصالحِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ التي لا يمكِنُ حَصرُها، وفي إضاعتِه من المضارِّ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ ما لا يمكِنُ عَدُّها". مجموع مؤلفات الشيخ السعدي: (26/ 66-67).
قال ابنُ حَجَرٍ: "قال أكثَرُ العُلَماءِ: تَزولُ الهِجْرةُ بمُجَرَّدِ السَّلامِ ورَدِّه، وقال أحمَدُ: لا يبرَأُ من الهِجْرةِ إلَّا بعودِه إلى الحالِ التي كان عليها أوَّلًا، وقال أيضًا: تَركُ الكلامِ إن كان يؤذيه لم تنقَطِعِ الهِجْرةُ بالسَّلامِ، وكذا قال ابنُ القاسِمِ". فتح الباري: (10/ 496).
قال محمد الغزالي: تيقَّظ الإسلامُ لبوادرِ الجَفاءِ، فلاحقَها بالعلاجِ قبل أن تستفحِلَ وتستحيلَ إلى عداوةٍ فاجِرةٍ، والمعروفُ أنَّ البشَرَ متفاوتون في أمزجتِهم وأفهامِهم، وأنَّ التقاءَهم في ميادينِ الحياةِ قد يتولَّدُ عنه ضِيقٌ وانحرافٌ، إن لم يكُنْ صِدامٌ وتباعُدٌ؛ ولذلك شَرَع الإسلامُ من المبادئِ ما يرُدُّ عن المُسلِمين عواديَ الانقسامِ والفتنةِ، وما يمسِكُ قُلوبَهم على مشاعِرِ الولاءِ؛ فنهى عن التَّقاطُعِ والتَّدابُرِ. يُنظَر: خلق المسلم: (ص: 87، 88).
الإحالات
الهجر المشروع والممنوع؛ لمشهور سلمان.
الحكم
1- قال أبو الدَّرداءِ رَضِيَ الله عنه: "معاتبةُ الأخِ أهونُ من فَقدِه، ومن لك بأخيك كُلِّه؟ فأعطِ أخاك ولِنْ له، ولا تُطِعْ به حاسِدًا فتكونَ مِثلَه، غدًا يأتيه الموتُ فيكفيك فَقْدَه، فكيف تبكيه في المماتِ، وفي الحياة تَركتَ وَصلَه؟!". حلية الأولياء؛ لأبي نعيم: (1/ 215).
2- قال بعضُ العُلَماءِ: "من هجر أخاه من غيرِ ذَنبٍ كان كمن زَرع زرعًا ثمَّ حَصَده في غيرِ أوانِه". أدب الدنيا والدين؛ للماوردي (ص: 337).
3- "لا توبِسَنَّ الثَّرى بيني وبينَك". قال ابنُ سلامٍ: "أي: لا تقطَعَنَّ الأمرَ بيننا". الأمثال (ص: 180).
4- "أوحَشُ من الهَجْرِ". الأمثال المولدة (ص: 136).
5- من أمثالِهم في هذا قولُ الرَّجُلِ لأخيه: "واللهِ لئِنْ فعَلْتَ كذا وكذا لتكونَنَّ بَلْدةَ ما بيني وبينَك". قال ابنُ سلامٍ: "يعني: القطيعةَ". الأمثال (ص: 179).
6- "تركْتُه تَرْكَ ظَبيٍ ظِلَّه". قال عليٌّ الأحمَرُ: "من أمثالِهم في هَجرِ الرَّجُلِ صاحِبَه". الأمثال (ص: 179).
7- قال بعضُ الحُكَماءِ: "لا تقطَعْ أخاك إلَّا بعد عَجزِ الحيلةِ عن استصلاحِه". أدب الدنيا والدين؛ للماوردي (ص: 337).