عهد

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

أولًا: المعنى اللغوي:

 

أصل مادة (عهد) تدل على الاحتفاظ بالشيء وإحداث العهد به. مقاييس اللغة؛ ابن فارس: (٤-١٦٧).

 

والعهد: الوصية، والأمان، والموثق، والذمة، ومنه قيل للحربي يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وقد عهدت إليه، أي: أوصيته، والمعهود: الذي عُهِد وعُرِف، وعهدته بمكان كذا، أي: لقيته وعهدي به قريب. انظر: الصحاح؛ للجوهري: (٢-٥١٥)، مختار الصحاح؛ للرازي: (ص ٢٢٠)، المصباح المنير؛ للفيومي: (٢-٤٣٥).

 

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

تنوعت المعاني الاصطلاحية للعهد لتنوع العهود واختلاف أنواعها، ولذلك ذكر العلماء مجموعة من التعريفات الاصطلاحية، شرعية كانت أم عرفية، نذكر بعضًا منها: انظر: جامع البيان؛ للطبري: (١٤-١٤٦)، الجامع لأحكام القرآن؛ للقرطبي: (١—٢٤٦)، المفردات؛ للراغب الأصفهاني (ص: ٤٦٣).

كل ما عوهد الله عليه.

كل ما بين العباد من المواثيق، أو جميع ما انعقد بين إنسانين.

الأمان الذي يبذل للذمي على إعطائه الجزية والكف عنه.

كل ما أمر الله به من طاعته في الآيات الكريمات، ونهى عن معصيته، وكل ما جاء على ألسنة الرسل.

كل ما تلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها.

حفظ الشيء ومراعاته حالًا بعد حال، هذا أصله، ثم استعمل في الموثق الذي تلزم مراعاته، وهو المراد. التعريفات؛ للجرجاني (ص: ١٥٩).

 

العناصر

1- الفرق بين العهد والعقد والميثاق.

 

2- الفرق بين النّقض والخيانة.

 

3- حكم نقض العهد.

 

4- فضل الوفاء بالوعد.

 

5- ذم نقض العهود وإخلاف الوعود.

 

6- الأسباب التي تدعو لنقض العهد بين المسلمين والكافرين.

 

7- وجوب نصرة المسلمين شريطة عدم نقض العهد مع الكفار الظالمين.

 

8- الأحكام الشرعية المترتبة على نقض العهد.

 

9- أعظم الغدر أن ينقض الإنسان العهد الذي بينه وبين خالقه.

 

الايات

1- قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) [البقرة: 26- 27].

 

2- قوله تعالى: (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 100].

 

3- قوله تعالى: (وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة: 177]. 

 

4- قوله تعالى: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[آل عمران: 76-77].

 

5- قوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 20-21].

 

6- قوله تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً * وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً * فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) [النساء: 153-159].

 

7-قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ * فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ  مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) [المائدة: 12-14].

 

8- قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف: 172-173].

 

9- قوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ * وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) [الأنفال: 55-59].

 

10- قوله تعالى: (إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[التوبة:4].

 

11- قوله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) [التوبة:12]. 

 

12- قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ * وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 19-25].

 

13- قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ..) [النحل: 91-92].

 

14- قال تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 95-96].

 

15- قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34].

 

16- قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ:8-11].

 

17- قال تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا)[الأحزاب:15].

 

18- قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23].

 

19- قال تعالى: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [يس: 59-64].

 

20- قال تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37].

 

الاحاديث

1- عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلّة منهنّ كانت فيه خلّة من نفاق حتّى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر” رواه البخاري: (34)، ومسلم: (58).

 

2- عن أنس -رضي اللّه عنه- أنّه قال: ما خطبنا رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- إلّا قال: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” رواه أحمد: (3-135). وقال شعيب الأرناؤوط: حديث حسن.

 

3- عن بريدة -رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “ما نقض قوم العهد إلّا كان القتل بينهم، ولا ظهرت فاحشة في قوم قطّ إلّا سلّط اللّه عليهم الموت، ولا منع قوم الزّكاة إلّا حبس اللّه عنهم القطر” أخرجه البزار (٤٤٦٣)، وأبو يعلى كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (٣/٥)، والحاكم (٢٥٧٧)، وصححه الألباني في الصحيحة (1-169).

 

4- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- عن النّبيّ -صلى اللّه عليه وسلّم- أنّه قال: “من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة، ومن قاتل تحت راية عمّيّة يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهليّة، ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منّي، ولست منه” رواه مسلم: (1848).

 

5- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدّث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان” رواه البخاري (33)، ومسلم: (59).

 

6- عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: أقبل علينا رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- فقال: “يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ باللّه أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يعلنوا بها إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المؤونة وجور السّلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد اللّه وعهد رسوله إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب اللّه، ويتخيّروا ممّا أنزل اللّه، إلّا جعل اللّه بأسهم بينهم” رواه ابن ماجه: (4019)، وصححه الألباني.

 

7- عن ابن عمر-رضي اللّه عنهما- أنّه جمع بنيه وأهله- لمّا خلع النّاس يزيد بن معاوية- ثمّ تشهّد ثمّ قال: أمّا بعد فإنّا قد بايعنا هذا الرّجل على بيع اللّه ورسوله، وإنّي سمعت رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- يقول: “إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان. وإنّ من أعظم الغدر- أن لا يكون له الإشراك باللّه تعالى- أن يبايع رجل رجلا على بيع اللّه ورسوله -صلى اللّه عليه وسلّم- ثمّ ينكث بيعته فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد ولا يسرفنّ أحد منكم في هذا الأمر فيكون -صلى اللّه عليه وسلّم- بيني وبينه” رواه أحمد (2-48) رقم (5088). وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح: (7-112).

 

8- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمّة اللّه وذمّة رسوله فقد أخفر بذمّة اللّه فلا يرح رائحة الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا” رواه الترمذي: (1403) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2687)، وصححه الألباني.

 

9- عن عبد الرّحمن بن عوف -رضي اللّه عنه- عن النّبيّ -صلى اللّه عليه وسلّم- قال: شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي،- وأنا غلام- فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه”. قال الزّهريّ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّة، ولا حلف في الإسلام” وقد ألّف رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- بين قريش والأنصار. رواه أحمد: (1-190)، وقال الشيخ أحمد شاكر: (3/121-122): إسناده صحيح.

 

10- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “الصّلاة المكتوبة إلى الصّلاة الّتي بعدها كفّارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة، والشّهر إلى الشّهر- يعني رمضان إلى رمضان كفّارة لما بينهما” ثمّ قال بعد ذلك: “إلّا من ثلاث” قال: فعرفت أنّ ذلك الأمر حدث: “إلّا من الإشراك باللّه، ونكث الصّفقة، وترك السّنّة” قال: “أمّا نكث الصّفقة أن تبايع رجلا ثمّ تخالف إليه، تقاتله بسيفك، وأمّا ترك السّنّة: فالخروج من الجماعة” رواه أحمد: (2-229) برقم (7129) وقال الشيخ أحمد شاكر: (12/98- 101): صحيح.

 

11- عن رفاعة بن شدّاد أنّه قال: كنت أقوم على رأس المختار فلمّا تبيّنت كذابته هممت وايم اللّه أن أسلّ سيفي فأضرب عنقه حتّى ذكرت حديثا حدّثنيه عمرو بن الحمق أنّه قال: سمعت رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- يقول: “من أمّن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء الغدر يوم القيامة” رواه ابن ماجه: (2688)، وأحمد: (5-223) واللفظ له وقال شعيب الأرناؤوط في مسند أحمد: (23751) إسناده صحيح.

 

12- عن جابر بن عبد اللّه -رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم-: “من أعطى بيعة ثمّ نكثها لقي اللّه وليس معه يمينه”. ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 218) وقال: "أخرجه الطبراني بسند جيد".

 

13- عن ابن عمر -رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “من صلّى صلاة الصّبح فله ذمّة اللّه فلا تخفروا اللّه ذمّته فإنّه من أخفر ذمّته طلبه اللّه حتّى يكبّه على وجهه” رواه أحمد: (2-111) رقم (5898). وقال الشيخ أحمد شاكر (8-154): إسناده صحيح.

 

14- عن عمرو بن عبسة -رضي اللّه عنه- أنّه قال: كان معاوية يسير في أرض الرّوم- وكان بينه وبينهم أمد- فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فإذا شيخ على دابّة يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، وفاء لا غدر، إنّ رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- قال: “من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلّ عقدة ولا يشدّها حتّى يمضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء” فبلغ ذلك معاوية، فرجع. رواه أبو داود: (2759). والترمذي: (1580) وقال: حسن صحيح. وأحمد (4-113). وابن حبان في صحيحه وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح بشاهده.

 

 

 

الاثار

1- قال أبو العالية: "ستّ خصال في المنافقين إذا كانت فيهم الظّهرة على النّاس أظهروا هذه الخصال: إذا حدّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا، ونقضوا عهد اللّه من بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر اللّه به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظّهرة عليهم أظهروا الخصال الثّلاث: إذا حدّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا". تفسير ابن كثير (1/ 67).

 

2- قال يزيد بن شريك التّيميّ أبو إبراهيم التّيميّ: خطبنا عليّ- رضي اللّه عنه- على منبر من آجرّ وعليه سيف فيه صحيفة معلّقة فقال: "واللّه ما عندنا من كتاب يقرأ إلّا كتاب اللّه وما في هذه الصّحيفة فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيه: ذمّة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا. وإذا فيه: من ولي قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة اللّه والنّاس أجمعين لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا". رواه البخاري: (7300) ومسلم: (1370).

 

 

القصص

1- قال ابن هشام: كان من حديث بني قينقاع أنّ رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- جمعهم بسوق بني قينقاع، ثمّ قال: “يا معشر يهود، احذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش من النّقمة، وأسلموا، فإنّكم قد عرفتم أنّى نبيّ مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد اللّه إليكم”قالوا: يا محمّد، إنّك ترى أنّا قومك؟! لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة. إنّا واللّه لئن حاربناك لتعلمنّ أنّا نحن النّاس. قال ابن إسحاق: فحدّثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد ابن جبير- أو عن عكرمة- عن ابن عبّاس قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلّا فيهم: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ * قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) أي أصحاب بدر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، وقريش (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) [آل عمران: 13] قال ابن إسحاق: وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ بني قينقاع كانوا أوّل يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال ابن هشام: وذكر عبد اللّه بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمّا قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله وكان يهوديّا وشدّ اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشّرّ بينهم وبين بني قينقاع. السيرة لابن هشام (4/ 9- 10).

 

2- قال ابن هشام: إنّه كان من حديث الخندق أنّ نفرا من اليهود، منهم: سلام بن أبي الحقيق النّضريّ، وحييّ بن أخطب النضريّ، وكنانة ابن أبي الحقيق النّضريّ، وهوذة بن قيس الوائليّ، وأبو عمّار الوائليّ، في نفر من بني النّضير، ونفر من بني وائل- وهم الّذين حزّبوا الأحزاب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم- خرجوا حتّى قدموا على قريش مكّة، فدعوهم إلى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، وقالوا: إنّا سنكون معكم عليه حتّى نستأصله فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنّكم أهل الكتاب الأوّل والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمّد. أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحقّ منه فهم الّذين أنزل اللّه تعالى فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) إلى قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي النّبوّة (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) [النساء: 51- 55] قال: فلمّا قالوا ذلك لقريش سرّهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، فاجتمعوا لذلك واستعدّوا له. ثمّ خرج أولئك النّفر من يهود حتّى جاءوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، وأخبروهم أنّهم سيكونون معهم عليه، وأنّ قريشا قد تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا معهم فيه. قال ابن إسحاق: فخرجت قريش، وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان، وقائدها عيينة بن حصن وحذيفة ابن بدر في بني فزارة والحارث بن عوف المرّيّ في بني مرّة، ومسعر بن رخيلة فيمن تابعه من قومه من أشجع. قال: وخرج عدوّ اللّه حييّ بن أخطب النّضريّ، حتّى أتى كعب بن أسد القرظيّ صاحب عقد بني قريظة وعهدهم- وكان قد وادع رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- على قومه، وعاقده على ذلك وعاهده- فلمّا سمع كعب، بحييّ بن أخطب أغلق دونه باب حصنه. فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حييّ: ويحك يا كعب افتح لي: قال: ويحك يا حييّ، إنّك امرؤ مشؤوم، وإنّي قد عاهدت محمّدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلّا وفاء وصدقا. قال: ويحك افتح لي أكلّمك. قال: ما أنا بفاعل، قال: واللّه إن أغلقت دوني إلّا عن جشيشتك. أن آكل معك منها، فأحفظ  الرّجل ففتح له، فقال: ويحك يا كعب، جئتك بعزّ الدّهر وببحر طام. جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتّى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتّى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد. قد عاهدوني على أن لا يبرحوا حتّى نستأصل محمّدا ومن معه. قال: فقال له كعب: جئتني واللّه بذلّ الدّهر، وبجهام قد هراق ماءه، فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء. ويحك يا حييّ، فدعني وما أنا عليه، فإنّي لم أر من محمّد إلّا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذّروة والغارب حتّى سمح له، على أن أعطاه عهدا من اللّه وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان، ولم يصيبوا محمّدا- أن أدخل معك في حصنك حتّى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبريء ممّا كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم. فلمّا انتهى إلى رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- الخبر وإلى المسلمين بعث رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- بسعد بن معاذ بن النّعمان- وهو يومئذ سيّد الأوس- وسعد بن عبادة ابن دليم، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج- وهو يومئذ سيّد الخزرج- ومعهما عبد اللّه بن رواحة أخو بني الحارث بن الخزرج، وخوّات بن جبير- أخو بني عمرو بن عوف- فقال: انطلقوا حتّى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقّا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتّوا في أعضاد النّاس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للنّاس”قال: فخرجوا حتّي أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم فيما نالوا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، وقالوا: من رسول اللّه؟ لا عهد بيننا وبين محمّد ولا عقد. فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه- وكان رجلا فيه حدّة- فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثمّ أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، فسلّموا عليه، ثمّ قالوا: عضل والقارة، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرّجيع، خبيب وأصحابه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: “اللّه أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين” السيرة لابن هشام (4/ 166- 173) بتصرف.

 

3- قال ابن هشام: خرج رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- إلى بني النّضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللّذين قتل عمرو بن أميّة الضّمريّ للجوار الّذي كان رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- عقد لهما، كما حدّثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النّضير وبين بني عامر عقد وحلف. فلمّا أتاهم رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا: نعم يا أبا القاسم. نعينك على ما أحببت ممّا استعنت بنا عليه، ثمّ خلا بعضهم ببعض فقالوا إنّكم لن تجدوا الرّجل على مثل حاله هذه ورسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد- فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، أحدهم فقال: أنا لذلك. فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- في نفر من أصحابه- فيهم أبو بكر وعمر وعليّ- فأتى رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- الخبر من السّماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة. فلمّا استلبث النّبيّ -صلى اللّه عليه وسلّم- أصحابه ، قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- حتّى انتهوا إليه صلى اللّه عليه وسلّم، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- بالتّهيّؤ لحربهم، والسّير إليهم. السيرة لابن هشام (4/ 143- 144).

 

 

الاشعار

قال قطبة بن أوس الغطفانيّ الجاهلّي: 

أسميّ ويحك هل سمعت بغدرة *** رفع اللّواء لنا بها في مجمع

المفضليات، المفضل بن محمد بن يعلى الضبي (45).

 

متفرقات

1- قال ابن الجوزيّ- رحمه اللّه تعالى-: "إنّ نقض العهد من صفات الفاسقين". زاد المسير (1/ 56).

 

2- قال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه اللّه تعالى-: "ثلاث خصال من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، والنّكث، والمكر، وقرأ (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43]، (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) [يونس: 23]، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ).[الفتح: 10]". ذم البغي لابن أبي الدنيا: (88).

 

3- قال ابن عطيّة- رحمه اللّه تعالى- في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [الفتح: 10]: "أنّ من نكث يعني من نقض هذا العهد فإنّما يجني على نفسه، وإيّاها يهلك، فنكثه عليه لا له". المحرر الوجيز: (15/ 96).

 

5- قال ابن عطيّة- رحمه اللّه تعالى- في تفسير قوله تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) [النحل: 92]: "شبّهت هذه الآية الّذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقدا بالمرأة الّتي تغزل غزلها وتفتله محكما، وشبّه الّذي ينقض عهده بعد الإحكام بتلك الغازلة إذا نقضت قوى ذلك الغزل فحلّته بعد إبرامه". المحرر الوجيز: (10/ 226).

 

6- قال ابن عطيّة- رحمه اللّه تعالي-: "كلّ عهد جائز بين المسلمين نقضه لا يحلّ". المحرر الوجيز: (1/ 156).

 

7- قال ابن كثير- رحمه اللّه تعالى- عند قوله تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال: 55- 58]: "أخبر اللّه تعالى أنّ شرّ ما دبّ على وجه الأرض هم الّذين كفروا فهم لا يؤمنون. الّذين كلّما عاهدوا عهدا نقضوه، وكلّما أكّدوه بالأيمان نكثوه، وهم لا يخافون اللّه في شيء ارتكبوه من الآثام، ثمّ يقول تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه وسلّم: وإمّا تخافنّ من قوم قد عاهدتهم نقضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهد فأعلمهم بأنّك قد نقضت عهدهم حتّى يلتقي علمك وعلمهم بأنّك حرب لهم وهم حرب لك، وأنّه لا عهد بينك وبينهم على السّواء أي تستوي أنت وهم في ذلك. وقد ذكر الإمام عن عمرو بن عبسة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: كان معاوية يسير في أرض الرّوم وكان بينه وبينهم أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فقال له عمرو بن عبسة: اللّه أكبر، اللّه أكبر وفاء لا غدر. إنّ رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلّم- قال: “من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلّنّ عقدة ولا يشدّها حتّى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء”. فبلغ ذلك معاوية فرجع". تفسير ابن كثير: (2/ 320).

 

8- قال ابن كثير: "إنّ من صفات المنافقين أنّ أحدهم إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدّث كذب، وإذا ائتمن خان. ولذلك كان حال هؤلاء الأشقياء ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون كما أنّهم اتّصفوا بخلاف صفاتهم في الدّنيا فأولئك كانوا يوفون بعهد اللّه ويصلون ما أمر اللّه به أن يوصل. وهؤلاء ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه". تفسير ابن كثير: (2/ 511- 512) بتصرف.

 

9- قال الحافظ ابن حجر -رحمه اللّه تعالى-: "الغدر حرمته غليظة لا سيّما من صاحب الولاية العامّة لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثير، ولأنّه غير مضطرّ إلى الغدر لقدرته على الوفاء". فتح الباري: (6/ 319) بتصرف يسير.

 

10- وقال- رحمه اللّه تعالى-: "كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النّبيّ -صلى اللّه عليه وسلّم- أن غزاهم المسلمون حتّى فتحوا مكّة واضطرّوا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزّة والقوّة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام، وأكثرهم لذلك كاره". فتح الباري (7/ 592).

 

11- قال الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ- رحمه اللّه تعالى-: "إنّ من نقض العهد الّذي أبرمه يضرّ نفسه، كما أنّه يجرّ على نفسه اللّعن لقوله تعالى (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) [المائدة: 13]". أضواء البيان: (3/ 320) بتصرف يسير.

 

12- قال الشوكاني في تفسير قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم): “والمعنى أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد، وهؤلاء هم عالم الذر، وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وموقوفًا على غيره من الصحابة". فتح القدير، الشوكاني: (٢/٢٩٩)، وقال القرطبي: "وقد أخذ منكم ربكم الميثاق والعهد وأنتم في ظهر أبيكم آدم عليه السلام بأن الله -عز وجل- ربكم لا إله لكم سواه". الجامع لأحكام القرآن: (١٧/٢٣٨).

 

13- قال النووي: "واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل". انظر: شرح النووي على مسلم: (١٢/٤٥).

 

14- قال الزمخشري: "واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود، وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا، وكم عاهدوا رسول الله فلم يفوا الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرةٍ وهم لا يتقون". الكشاف: (١/٢٢٧).

 

15- قال ابن عاشور في هذه الآية: "وإنما رتب نبذ العهد على خوف الخيانة دون وقوعها؛ لأن شؤون المعاملات السياسية والحربية تجري على حسب الظنون ومخائل الأحوال، ولا ينتظر تحقق وقوع الأمر المظنون لأنه إذا تريث ولاة الأمور في ذلك يكونون قد عَرَّضوا الأمة للخطر، أو للتورط في غفلة وضياع مصلحة، ولا تدار سياسة الأمة بما يدار به القضاء في الحقوق؛ لأن الحقوق إذا فاتت كانت بليتها على واحد، وأمكن تدارك فائتها، ومصالح الأمة إذا فاتت تمكن منها عدوها، فلذلك علق نبذ العهد بتوقع خيانة المعاهدين من الأعداء" التحرير والتنوير، ابن عاشور: (١٠/٥٢).

 

16- قال ابن عطية: "وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل". المحرر الوجيز: (١/١١٣).

 

17- قال الذهبي: "الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد". الكبائر: (١/١٦٨).

 

18- قال أبو السعود في قوله تعالى: (بلى من أوفى بعهده واتقى) [آل عمران: ٧٦]. وقوله تعالى: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين) [التوبة: ٤]: "الآيات السابقة تشعر بأن التقوى ملاك الأمر، عام للوفاء بالعهود والمواثيق وغيره، وجالبة لمحبة الله تعالى". إرشاد العقل السليم: (٢/٥١).

 

19- قال الطبري في تفسير قوله تعالى: (أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم) [البقرة: ١٠٠]: "ولذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون الكلام دلالة على الزيادة والتكثير في عدد المكذبين الناقضين عهد الله، على عدد الفريق، فيكون الكلام حينئذ معناه: أوكلما عاهدت اليهود من بني إسرائيل رَبَّها عهدًا نقض فريق منهم ذلك العهد؟ لا ما ينقض ذلك فريق منهم، ولكن الذي ينقض ذلك فيكفر بالله أكثرهم، لا القليل منهم، فهذا أحد وجهيه". جامع البيان: (٢/٤٠٢).

 

20- قال ابن حجر: "كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن غزاهم المسلمون، حتى فتحوا مكة، واضطروا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزة والقوة في غاية الوهن، إلى أن دخلوا في الإسلام، وأكثرهم لذلك كاره". فتح الباري: (٦/٢٨٥).

 

الإحالات

1- الوفاء بالعهود والمواثيق في الشريعة الإسلامية؛ لعبد الله بن محمد بن سعد الحجيلي.

 

2- التماس السعد في الوفاء بالوعد المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي.

 

الحكم

1- وصف أعرابيّ قوما فقال: "أولئك قوم أدّبتهم الحكمة، وأحكمتهم التّجارب، ولم تغررهم السّلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التّسويف الّذي قطع النّاس به مسافة آجالهم، فقالت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال. كان يقال: آفة المروءة خلف الوعد". المنتقى من مكارم الأخلاق: (54- 55).

 

2- قال أحدهم:

ثبتَتْ على حفظِ ‌العهودِ قلوبُنا *** إِنّ الوفاءَ سجيةُ الأحرارِ

نظم اللآلئ في الحكم والأمثال: (12).

 

3- قال أحدهم:

ذكرى ‌العهودِ شيمةُ الكرامِ *** والغدرُ من طبائعِ اللِّئامِ

نظم اللآلئ في الحكم والأمثال: (16).

 

4- قال أحدهم:

يا رُبّ إحسانٍ يعودُ ذنباً *** ورُبّ سلمٍ سيصير حربا

رب إحسان ينقلب إساءة عند اللئام، ورب سلم ينقلب حرباً عند من لا يرعى ‌العهود

نظم اللآلئ في الحكم والأمثال: (46).