مخالطة
2022-10-04 - 1444/03/08التعريف
خَلَطَ: فعل . خلَطَ: خلَطَ في يَخلِط ، خَلْطًا ، فهو خالِط ، والمفعول مَخْلوط - للمتعدِّي وخليط - للمتعدِّي خلَط بين الشَّيئين : داخل بينهما وعجز عن تمييز أحدهما من الآخر .
خلَط في الكلام : خلَّط ، أفسد فيه وهذَى ، تكلّم كلامًا متنافرًا ، غير مترابط و خلَط القَوْمَ : داخَلَهُمْ
العناصر
1- حكم الخلطة بين الناس .
2- أيهما أفضل الخلطة أم العزلة .
3- ضرورة التوازن للمسلم بين الخلطة والعزلة .
4- ضوابط الخلطة .
5- خطورة الغفلة عن طبيعة تكاليف مخالطة الجماعة، والعيش بين الناس .
6- خطأ التذرع بأن مخالطة الناس تشغل عن التفرغ للعبادة، مع الغفلة عن المفهوم الصحيح للعبادة .
7- الاعتذار عن الخلطة بانتشار الشّر والفساد مع الغفلة عن دور المسلم حين ينتشر الشر والفساد .
8- أثر وفوائد الخلطة على الفرد والمجتمع .
الايات
1- قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125] .
2- قوله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4] .
3- قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) [النساء:140] .
4- قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68] .
5- قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19] .
6- قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103] .
7- قوله تعالى: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 146-148] .
الاحاديث
1- عن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم » [سنن الترمذي /كتاب صفة القيامة والرقائق والورع: باب منه /2431، وسنن ابن ماجه /كتاب الفتن: باب الصبر على البلاء /4022 (صححه الألباني: صحيح سنن ابن ماجه: 3257) ] .
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: «إن الله ليسأل العبد يوم القيامة، حتى يقول: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره؟ فإن لقن الله عبدا حجته قال: يا رب! رجوتك وفرقت من الناس» [أخرجه ابن ماجه رقم (4017) وهو حديث صحيح] .
3- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مرفوعا: « لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيقه » [أخرجه ابن ماجه رقم (4016) وهو حديث حسن] .
4- خطب عمر بالجابية فقال : يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا فقال : «أوصيكم يا صحابي ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن » [ أخرجه الترمذي ( 2 / 25 ) والحاكم ( 1 / 114 ) والبيهقي ( 1 / 91 ) من طريق محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عنه . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين . ووافقه الذهبي . وقال الألباني : وهو كما قالا . انظر الإرواء (6/215) ] .
5- عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» [صحيح البخاري (2493) ] .
الاثار
1- قال عبد الله بن مسعود خالط الناس وزايلهم ودينك لا تكلمنه [العزلة للخطابي ص 99] .
2- عن محمد بن الحنفية قال ليس بالحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له فرجا أو قال مخرجا [العزلة للخطابي ص 100] .
متفرقات
1- يقول محماس بن عبد الله بن محمد الجلعود: ففضول المخالطة داء عضال، فكم سلبت المخالطة العشواء من نعمة وكم جلبت من نقمة. وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من مرارة ولا يسلم من ضرر المخالطة وغوائلها المميتة إلا من جعل الناس في المخالطة أربعة أقسام :
الأول: من يجعل مخالطته لهم بمنزلة غذائه، فلا يستغني عنهم في اليوم والليلة، بل يشعر بالحاجة لهم على الدوام، ويشتاق إلى رؤيتهم وحديثهم، اشتياق العطشان إلى الماء الزلال. وهؤلاء هم العلماء العاملون، والفتية المؤمنون الملتزمون بالإسلام قولاً وفعلاً فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في الحث على طلب أهل الخير في الصحبة والصداقة: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء، وضع أمر أخيك على أحسنه، حتى يجيئك ما يغلبك منه، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين في القوم، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره، ولا تطلعه على سرك فيخونك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله [ انظر فضيلة الألفة والأخوة/ مخطوطة بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (1605) الورقة (35) المؤلف غير معروف، وانظر حياة الصحابة (جـ 3 ص 502) ] اهـ. وقال بعض العلماء: لا تصحب إلا أحد رجلين رجل تتعلم منه شيئًا من أمر دينك فينفعك، أو رجل تعلمه شيئًا من الدين فيقبل منك، والثالث فاهرب منه( [المصدر السابق من المخطوطة الورقة (36) ] .
الثاني: من تكون مخالطة الإنسان لهم، كالدواء يستعمله وقت الحاجة عند المرض، فإذا شُفِيَ تركه، وهؤلاء هم الذين لا يستغنى عنهم في مصلحة معاشه، وتأمين ما يحتاج إليه من أنواع المعاملات، فهو يلتقي معهم بمفهوم وتصور معين ويتجرع مرارتهم كما يتجرع مرارة الدواء لحاجته إلى ذلك . الثالث: من تكون مخالطتهم كمخالطة أهل الأمراض المعدية على اختلاف أنواعها قوة وضعفا، وهؤلاء هم العصاة والفساق الذين لا يستفيد منهم في دين ولا دنيا، فمخالطتهم داء وبلاء يجب على من ينشد الحيطة والحذر لنفسه الابتعاد عنهم إلا لغرض دعوة، ونية إصلاح، فهذا أمر مخصص من ذلك العموم. الرابع: من مخالطتهم مهلكة وزيغ وإلحاد وكفر وضلال، وهؤلاء هم دعاة السوء ونواب الشيطان في الدعوة إلى الضلال والانحراف الداعون لكل بدعة الصادون عن كل فضيلة، فهؤلاء لا يكتفي الإنسان بالعزلة عنهم وعدم مخالطتهم بل الواجب السعي بكل وسيلة للقضاء عليهم وتحطيمهم، قبل أن يحطموا قوة الإسلام والمسلمين [الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية محماس بن عبد الله بن محمد الجلعود وانظر في هذا المعنى الدرر السنية (جـ 11ص 94 ) .
2- يقول الشيخ سليمان بن سحمان: إن السفر إلى بلاد المشركين من الوسائل التي تجر إلى مخالطتهم، وتمنع من إظهار الدين عندهم ويقع بسببها إظهار الموافقة لهم، والبشاشة واللين عند مقابلتهم، والرضا أو عدم المبالاة بأعمالهم، وهذا الأمر من أكبر الوسائل المفضية إلى مشاهدة المنكر والسكوت عنه، فالإثم لا يحصل بمجرد المخالطة وإكثار السفر والإقامة بينهم وإنما بالرضا والموافقة على كفرهم ويدخل فيه ما هو دون ذلك من الفجور وقول الزور والظلم والفسوق، وأنواع المعاصي فإن الرضا بأعمال الكفر كفر، والرضا بما دون الكفر كل بحسبه كذلك [انظر الجواب الفائض في الرد على أرباب القول الرائض/ سليمان بن سحمان ص56، الورقة (28) مخطوطة بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (3413) ] .
3- وأما فضول المخالطة فهو الداء العضال، الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازة، ففضول المخالطة خسارة في الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة. ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر: - (أحدها) من مخالطته كالغذاء، لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة، ثم إذا احتاج إليه خالطه، هكذا على الدوام، وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر. وهم العلماء بالله وأمره، ومكائد عدوه، وأمراض القلوب، وأدويتها، الناصحون لله ولكتابه ولرسوله، ولخلقه، فهذا الضرب من مخالطتهم الربح كله . (القسم الثاني) من مخالطتهم كالدواء، تحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا تستغني عن مخالطتهم في مصلحة المعاش، وقيام ما أنت تحتاج إليه في أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة . (القسم الثالث) من مخالطتهم كالداء، على اختلاف أنواعه، وقوته، وضعفه فمنهم من مخالطته كالداء العضال، وهو من لا تربح عليه في دين ولا دنيا ومع ذلك فلا بد أن تخسر عليه الدين والدنيا، أو أحدهما، فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت، فهي مرض الموت المخوف . ومنهم من مخالطته كوجع الضرس، فإذا فارقك سكن الألم . ومنهم من مخالطته حمى الربع وهو الثقيل البغيض الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إن تكلم، فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين، مع إعجابه بكلامه، وإن سكت فأثقل من نصف الرحى العظيمة التي لا يطاق حملها . ويذكر عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ما جلس إلى جنبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أثقل من الجانب الآخر . ورأيت يوما عند شيخنا - قدس الله روحه - رجلا من هذا الضرب، والشيخ يحمله وقد ضعفت القوى عن حمله، فالتفت إلي وقال: مجالسة الثقيل حمى الربع. ثم قال: ولكن أدمنت أرواحنا على الحمل فصارت لها عادة، أو كما قال. وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى الربع، ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب، وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا . (القسم الرابع) من مخالطته هلكة، ومخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لآكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس - لا كثرهم الله - وهم أهل البدع والضلالة، الصادون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعون إلى خلافها فيجعلون البدعة سنة، والسنة بدعة . إن جردت التوحيد قالوا: تنقصت الأولياء والصالحين، وإن جردت المتابعة للرسول قالوا: أهدرت الأئمة المتبوعين، وإن وصفت الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير غلو ولا تقصير قالوا: أنت من المشبهين، وإن أمرت بما أمر الله به ورسوله من المعروف ونهيت عن المنكر قالوا: أنت من المفتنين، وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا: أنت من الملبسين وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم فأنت عند الله من الخاسرين وعندهم من المنافقين . فالحزم كل الحزم التماس مرضاة الله ورسوله بإغضابهم وأن لا تبالي بذمهم ولا بغضهم، فإنه عين كمالك. كما قال:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص *** فهي الشهادة لي بأني فاضل
وقال آخر:
لقد زادني حبا لنفسي أنني *** بغيض إلى كل امرئ , غير طائل
[هذا البيت للطرماح بن حكيم. انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة ص390]، [مجلة البحوث الإسلامية (33/170) ] .
4- قال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإذا أشكل الأمر فالعزلة أولى [انظر: "فتح الباري" (11/ 331 - 333)، (باب العزلة راحة من خلاط السوء) ] .
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهذه المسألة وإن كان الناس يتنازعون فيها؟ إما نزاعًا كليًا، وإما حاليًا، فحقيقة الأمر أن الخلطة تارة تكون واجبة، أو مستحبة، والشخص الواحد قد يكون مأمورًا بالمخالطة تارة، وبالانفراد تارة وجماع ذلك: أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان فهي منهي عنها، فالاختلاط بالمسلمين في جنس العبادات كالصلوات الخمس، والجمعة، والعيدين، وصلاة الكسوف، والاستقساء، ونحو ذلك هو مما أمر الله به ورسوله . وكذلك الاختلاط بهم في الحج، وفي غزو الكفار، والخوارج المارقين، وإن كان أئمة ذلك فجارًا، وإن كان في تلك الجماعات فجار، وكذلك الاجتماع الذي يزداد العبد به إيمانًا إما لانتفاعه به، وإما لنفعه له ونحو ذلك . ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه، وذكره، وصلاته، وتفكره ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره، فهذا يحتاج فيها إلى انفراد بنفسه، إما في بيته، كما قال طاووس: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره، ولسانه، وإما في غير بيته . فاختيار المخالطة مطلقًا خطأ، واختيار الانفراد مطلقًا خطأ، وأما مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا، وهذا وما هو الأصلح له في كل حال، فهذا يحتاج إلى نظر خاص [الفتاوى (10/ 425 - 426) ] .
6- يقول ابن قدامة رحمه الله: أما فوائد المخالطة: الفائدة الأولى: التعلم والتعليم، وهو من أعظم الأعمال والقربات، فإن حاجة الناس إلى العلم الشرعي، أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب. وفي الحديث: «إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِين، حَتَّى النَّمْلَةُ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتُ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» [سنن الترمذي برقم 2685، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح]. الفائدة الثانية: النفع والانتفاع، أما الانتفاع بالناس فبالكسب والمعاملة، والمحتاج إلى ذلك مضطر إلى ترك العزلة، وأما النفع فهو أن ينفع الناس إما بماله، أو ببدنه لقضاء حوائجهم، ومن قدر على ذلك فهو أفضل من العزلة. الفائدة الثالثة: التأديب والتأدب، والمراد الارتياض بمقاساة الناس، والمجاهدة في تحمل أذاهم وكسر النفس، وقهر الشهوة؛ وذلك أفضل من العزلة في حق من لم تتهذب أخلاقه، وأما التأديب فهو أن يؤدب غيره. الفائدة الرابعة: الاستئناس والإيناس، وقد يكون مستحبًّا كالاستئناس بأهل التقوى، وقد يقصد به ترويح القلوب من كرب الوحدة، وليحرص أن يكون حديثه عند اللقاء في أمور الدين. الفائدة الخامسة: في نيل الثواب وإنالته، أما الأول: فبحضور الجنائز، وعيادة المرضى، وحضور الزواجات والدعوات، ففيها ثواب من جهة إدخال السرور على المؤمن. أما الثاني: فهو أن يفتح بابه للناس ليعزوه، أو يهنئوه، أو يعودوه، فإنهم بذلك ينالون ثوابًا. الفائدة السادسة: التواضع، ولا يقدر على ذلك في الوحدة، فقد يكون الكبر سببًا في اختياره العزلة، ويمنعه في المحافل التقصير في إكرامه وتقديمه، وربما ترفع عن مخالطتهم لارتفاع محله عند نفسه، أو نحو ذلك [مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة باختصار (ص: 141 - 150) ] .
7- يقول أمين بن عبد الله الشقاوي: قد يضطر المسلم الحريص على سلامة دينه إلى حال وسط بين الاختلاط المطلق والعزلة التامة، فيقتصر من الشرائع على فرائضها كحضور الجمع والجماعات، ومن الأحوال على الضروري منها، كتحصيل القوت لنفسه ومن يلزمه؛ ثم اعلموا أيها الدعاة إلى الله! أن الاختلاف بينكم ليس في نشر الخير بين عامة الناس، وتحذيرهم من الشر، وإنما الخلاف في بيان الموقف الحق من أصحاب الشوكة والنفوذ، الذين يقفون في طريق الدعوة ويحاربون الحق وأهله، ويسلكون في ذلك طرق التلبيس والنفاق، تارة بالإغراء والترغيب، وتارات بالقوة والتهديد [الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (8/239) ] .
8- ذكر القرطبي في تفسيره أن الآية مطلقة، (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19]، أي: أيها الرجال عاشروا النساء بإطلاق، وإن كان يغلب على الآية تخصيصها بالأزواج في السياق؛ لكنها تشمل عشرة الأم وإحسان عشرتها بالبر والطاعة، وعشرة البنت وإحسان عشرتها بالعطف واللطف والرحمة والرعاية والتربية، وإحسان عشرة الزوجة، وذلك كما ذكر القرطبي في تفسيره: بتوفية حقها من مهرها والنفقة، وأن لا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً، ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: هي المخالطة والممازحة، فأمر الله جل وعلا بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن ليكون حسن الصلة فيما بينهم وصحبتهم على الكمال [دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح المؤلف : علي بن عمر بن أحمد بادحدح http://www.islamweb.net]
9- قال ابن رجب: لا تستوحش الطريق لقلة السالكين . 10- قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ : هَلْ الْأَفْضَلُ لِلسَّالِكِ الْعُزْلَةُ أَوْ الْخُلْطَةُ ؟ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا ؟ إمَّا نِزَاعًا كُلِّيًّا وَإِمَّا حَالِيًّا . فَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ : أَنَّ الْخُلْطَةَ تَارَةً تَكُونُ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْمُخَالَطَةِ تَارَةً وَبِالِانْفِرَادِ تَارَةً . وَجِمَاعُ ذَلِكَ : أَنَّ الْمُخَالَطَةَ إنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَهِيَ مَأْمُورٌ بِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَالِاخْتِلَاطُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي جِنْسِ الْعِبَادَاتِ : كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ . وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَاطُ بِهِمْ فِي الْحَجِّ وَفِي غَزْوِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ وَإِنْ كَانَ أَئِمَّةُ ذَلِكَ فُجَّارًا وَإِنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْجَمَاعَاتِ فُجَّارٌ وَكَذَلِكَ الِاجْتِمَاعُ الَّذِي يَزْدَادُ الْعَبْدُ بِهِ إيمَانًا : إمَّا لِانْتِفَاعِهِ بِهِ وَإِمَّا لِنَفْعِهِ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَلَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ أَوْقَاتٍ يَنْفَرِدُ بِهَا بِنَفْسِهِ فِي دُعَائِهِ وَذِكْرِهِ وَصَلَاتِهِ وَتَفَكُّرِهِ وَمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وَإِصْلَاحِ قَلْبِهِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَهَذِهِ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى انْفِرَادِهِ بِنَفْسِهِ ؛ إمَّا فِي بَيْتِهِ ، كَمَا قَالَ طاوس : نِعْمَ صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ بَيْتُهُ يَكُفُّ فِيهَا بَصَرَهُ وَلِسَانَهُ ، وَإِمَّا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ . فَاخْتِيَارُ الْمُخَالَطَةِ مُطْلَقًا خَطَأٌ وَاخْتِيَارُ الِانْفِرَادِ مُطْلَقًا خَطَأٌ . وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ هَذَا وَهَذَا وَمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَدَّمَ [مجموع الفتاوى (10/245) ] .
الإحالات
1- الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية المؤلف : محماس بن عبد الله بن محمد الجلعود (2/8) .
2- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (70/247)، (33/170) .
3- الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة المؤلف: أمين بن عبد الله الشقاوي الناشر: حقوق الطبع محفوظة للمؤلف الطبعة: جـ 1 / الثامنة جـ 2 / الثالثة جـ 3، 4 / الأولى عام النشر: 1434 هـ - 2013 م (8/244) .
4- العزلة أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي سنة الولادة 317هـ/ سنة الوفاة 388هـ الناشر المطبعة السلفية سنة النشر 1399هـ مكان النشر القاهرة .
5- العزلة والإنفراد أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد البغدادي (ابن أبي الدنيا) سنة الولادة / سنة الوفاة 281 هـ تحقيق مشهور حسن آل سلمان الناشر دار الوطن سنة النشر 1417 هـ - 1997م مكان النشر الرياض / السعودية .
6- مجموع الفتاوى المؤلف : أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني . المحقق : أنور الباز - عامر الجزار الناشر : دار الوفاء الطبعة : الثالثة ، 1426 هـ / 2005 م (10/425) .
7- العزلة والخلطة: أحكام وأحوال الدكتور سلمان بن فهد العودة .
8- ضوابط العزلة والخلطة موقع البيان . عصام خضر http://www.albayan.co.uk/article.aspx?id=646