لين

2022-10-10 - 1444/03/14

التعريف

اللين لغة:

مصدر قولهم: لان يلين، وهو مأخوذ من مادّة (ل ي ن) الّتي تدلّ على خلاف الخشونة، يقال: هو في ليان من عيشه أي نعمة، وفلان ملينة أي ليّن الجانب [مقاييس اللغة لأحمد بن فارس 5/، 225] . ويقال أيضا: فلان ليّن، ولين مخفّف منه، وليّنت الشّيء: صيّرته ليّنا، ويقال فيه (كذلك) ألنته وألينته، واللّيان: الملاينة واللّطف وهو الاسم من اللّين، واستلان الشّيء: عدّه ليّنا  [الصحاح 6/، 2198]، أو رآه كذلك.

وقال ابن منظور: يقال في فعل الشّيء اللّيّن: لان الشّيء يلين لينا وليانا، [النهاية لابن الأثير 4/، 286]. وتقول العرب: فلان هيّن ليّن، وهين لين، بالتّثقيل والتّخفيف، وقولهم: أليناء إنّما هو جمع ليّن (بالتّشديد)، وليس جمعا ل «لين» بالتّخفيف، لأنّ فعلا لا يجمع على أفعلاء [لسان العرب (بتصرف يسير) 13/ 294-، 295 ] .

وقول اللّه عزّ وجلّ: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران: 159] معناه- كما يقول القرطبيّ: أنّه عليه الصّلاة والسّلام لمّا رفق بمن تولّى يوم أحد ولم يعنّفهم بيّن الرّبّ تعالى أنّه فعل ذلك بتوفيق اللّه تعالى إيّاه  [تفسير القرطبي 4/ 248]، والقول اللّيّن في قوله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) [طه: 44] يراد به: الكلام الرّقيق السّهل، قال ابن كثير: الحاصل من أقوالهم في هذه الآية: أنّ دعوة موسى وهارون (لفرعون) تكون بكلام رقيق ليّن سهل رفيق ليكون (ذلك) أوقع في النّفوس وأبلغ وأنجع [تفسير ابن كثير 3/ 161] .أمّا لين الجلود والقلوب في قوله عزّ وجلّ: (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 23] ففيه إشارة إلى إذعانهم للحقّ وقبولهم له بعد تأبّيهم منه وإنكارهم إيّاه [المفردات للراغب ص 457 ]، وقال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عندما يسمعون كلام الجبّار.

اللين اصطلاحا:

لم تذكر كتب المصطلحات- الّتي وقفنا عليها- اللّين مصطلحا، وقد اكتفى اللّغويّون والمفسّرون بذكر المعنى الاستعماليّ أو المعنى المراد، وقد ذكر الفيروزاباديّ اللّين- بحسب ما يتعلّق به- إمّا لين في الأجساد كلين الشّمع والحديد وغيرهما، وإمّا لين في المعاني، كلين الطّبع ولين القول [ بصائر ذوي التمييز 4/، 472 ] .

وقال الرّاغب: اللّين ضدّ الخشونة، ويستعمل ذلك في الأجسام ثمّ يستعار للخلق وغيره من المعاني، فيقال: فلان ليّن وفلان خشن، وكلّ واحد منهما يمدح به طورا، ويذمّ به طورا بحسب اختلاف المواقع [المفردات للراغب ص، 457] .

وفي ضوء ذلك يمكننا أن نستخلص للّين بمعناه الأخلاقيّ تعريفا اصطلاحيّا فنقول:

اللّين: هو سهولة الانقياد للحقّ، والتلطّف في معاملة النّاس وعند التّحدّث إليهم.

 

 

العناصر

1- الفرق بين اللين والرفق .

 

 

2- حث الإسلام على الرفق واللين .

 

 

3- أهمية الرفق و اللين في التعامل مع الناس وفي الدعوة إلى الله تعالى .

 

 

4- فضل اللين والرحمة .

 

 

5- صور من لين النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه وتواضعه مع أصحابه .

 

 

6- لين الرسول صلى الله عليه وسلم وتلطفه مع زوجاته .

 

 

7- أهمية الرفق واللين بالوالدين .

 

 

8- ذم الله تعالى القساة قلوبهم .

 

 

9- علاج قسوة القلب .

 

الايات

1- قوله تعالى: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159] .

 

 

2- قوله تعالى: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى * قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) [طه: 43- 45] .

 

 

3- قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) [الزمر: 23] .

 

الاحاديث

1- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: استأذن  رجل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة»، فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول اللّه، قلت الّذي قلت، ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه- اتّقاء فحشه» [البخاري- الفتح (6054) ] .

 

 

2- عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: « أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوبا وأرقّ أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية، رأس الكفر قبل المشرق » [البخاري- الفتح (4388)، ومسلم (52) واللفظ له] .

 

 

3- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- أنّ رجلا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي أرى اللّيلة في المنام ظلّة  تنطف  السّمن والعسل، فأرى النّاس يتكفّفون  منها بأيديهم. فالمستكثر والمستقلّ، وأرى سببا  واصلا  من السّماء إلى الأرض، فأراك أخذت فانقطع به. ثمّ أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فانقطع به ثمّ وصل له فعلا، قال أبو بكر: يا رسول اللّه! بأبي أنت، واللّه! لتدعنّي فلأعبرنّها. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اعبرها» قال أبو بكر: أمّا الظلّة فظلّة الإسلام، وأمّا الّذي ينطف من السّمن والعسل فالقرآن، حلاوته ولينه، وأمّا ما يتكفّف النّاس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقلّ، وأمّا السّبب الواصل من السّماء إلى الأرض فالحقّ الّذى أنت عليه، تأخذ به فيعليك اللّه به ثمّ يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثمّ يوصل له فيعلو به، فأخبرني، يا رسول اللّه! بأبي أنت! أصبت أم أخطأت؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» ، قال: فو اللّه! يا رسول اللّه! لتحدّثني ما الّذي أخطأت؟ قال: «لا تقسم»[ مسلم (2269) ] .

 

 

4- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه - بعث عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من اليمن بذهبة في أديم مقروظ  لم تحصّل من ترابها، قال: فقسّمها بين أربعة نفر، فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء ...الحديث، وفيه: فقام إليه عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- فقال: يا رسول اللّه، ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا»، فقال: «إنّه سيخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب اللّه ليّنا رطبا» [انظر الحديث كاملا في: مسلم (1064)، وله روايات عديدة) ] .

 

 

5- عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما - أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أقيموا الصّفوف، فإنّما تصفّون بصفوف الملائكة، وحازوا بين المناكب، وسدّوا الخلل، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشّيطان، ومن وصل صفّا وصله اللّه تبارك وتعالى، ومن قطع صفّا قطعه اللّه» [المسند (2/ 98)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (حديث رقم 5724)، وأبو داود (666)، وذكره الألباني في صحيح أبي داود 1/ 131 حديث (620) ] .

 

 

6- عن عبد اللّه بن عمرو - رضي اللّه عنهما - أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ في الجنّة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها»، فقال أبو موسى الأشعريّ: لمن هي يا رسول اللّه؟ قال: «لمن ألان الكلام، وأطعم الطّعام، وبات للّه قائما والنّاس نيام» [أحمد (2/ 173) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح] .

 

 

7- عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه - أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «حرّم على النّار كلّ هيّن ليّن سهل قريب من النّاس» [المسند (1/ 415)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، واللفظ له] .

 

 

8- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه - عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الكلمة اللّيّنة  صدقة، وكلّ خطوة يمشيها إلى الصّلاة- أو قال: إلى المسجد- صدقة» [المسند (2/ 213)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (حديث رقم 8096) ] .

 

 

9- عن العرباض بن سارية- رضي اللّهعنه- قال: وعظنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول اللّه، إنّ هذه لموعظة مودّع، فماذا تعهد إلينا؟ قال:«قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهتدين، عضّوا عليها بالنّواجذ، وعليكم بالطّاعة، وإن عبدا حبشيّا، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف  حيثما قيد انقاد»[ابن ماجه (43) وقال الألباني صحيح ] .

 

الاثار

1- قال عليّ- رضي اللّه عنه- في وصف العلماء الأتقياء: فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استخشن المترفون، واستوحشوا ممّا أنس منه الجاهلون.[لسان العرب لابن منظور (13/ 394) ] .

 

 

2- عن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- في قوله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) [طه: 44]، قال: كنّه. [تفسير ابن كثير (3/ 163)] .

 

 

3- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما-: خياركم ألاينكم مناكب في الصّلاة. [النهاية لابن الأثير (4/ 286) ] .

 

 

4- عن قتادة- رحمه اللّه تعالى- في قوله تعالى: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 23] هذا نعت أولياء اللّه، نعتهم اللّه عزّ وجلّ بأنّه تقشعرّ جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئنّ قلوبهم إلى ذكر اللّه، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنّما هذا في أهل البدع.[ تفسير ابن كثير (4/ 56) ] .

 

 

5- عن الحسن البصريّ- رحمه اللّه تعالى- في قوله تعالى: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) [طه: 44] أعذرا إليه ، فقولا له: إنّ لك ربّا ولك معادا، وإنّ بين يديك جنّة ونارا.[تفسير ابن كثير (3/ 161) ] .

 

 

6- وعن السّدّيّ- رحمه اللّه تعالى- في هذه الآية الكريمة، قال: ثُمَّ (تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ)، قال: إلى وعد اللّه.[ تفسير ابن كثير (4/ 56) ] .

 

الاشعار

1- ورد في شعر منسوب لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لأميّة بن أبي الصّلت ما يشبه أن يكون من القول اللّيّن:

 

فقلت له: فاذهب وهارون فادعوا *** إلى اللّه فرعون الّذي كان باغيا

 

 

فقولا له: هل أنت سوّيت هذه *** بلا وتد، حتّى استقلّت كما هيا

 

 

وقولا له: آأنت رفّعت هذه *** بلا عمد، أرفق إذن بك بانيا

 

 

قولا له: من يخرج الشّمس بكرة *** فيصبح ما مسّت من الأرض ضاحيا

 

 

وقولا له: من ينبت الحبّ في الثّرى *** فيصبح منه البقل يهتزّ رابيا

 

 

ويخرج منه حبّه في رءوسه *** ففي ذاك آيات لمن كان واعيا

 

[تفسير ابن كثير (3/ 161) ] .

 

2- وقال الكميت (في وصف آل البيت):

 

هينون لينون في بيوتهم *** سنخ التّقى والفضائل الرّتب

 

[شرح هاشميات الكميت ص، 121] .

 

3- قالت جدّة سفيان (لعلّه الثّوريّ) لسفيان:

 

بنيّ إنّ البّرّ شيء هيّن *** المفرش اللّيّن والطعيّم ومنطق إذا نطقت ليّن

 

[تفسير ابن كثير (4/ 56) ] .

 

متفرقات

1- قال ابن كثير- رحمه اللّه تعالى- في تفسير الآية الكريمة قوله تعالى: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 23]: (أي لين الجلود والقلوب) صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبّار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتّخويف والتّهديد، تقشعرّ منه أي من خوفه وخشيته جلودهم فتنقبض ثمّ تلين لما يرجون ويؤمّلون من رحمته ولطفه) [تفسير ابن كثير (4/ 56) ] .

 

2- يقول محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[المائدة: 54]: أخبر تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة أنهم إن ارتد بعضهم فإن الله يأتي عوضا عن ذلك المرتد بقوم من صفاتهم الذل للمؤمنين ، والتواضع لهم ، ولين الجانب ، والقسوة والشدة على الكافرين ، وهذا من كمال صفات المؤمنين ، وبهذا أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأمره بلين الجانب للمؤمنين ، بقوله : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر:88] ، وقوله : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ) [الشعراء : 215] ، وأمره بالقسوة على غيرهم بقوله : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة : 73] ، وأثنى تعالى على نبيه باللين للمؤمنين في قوله : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران : 159] ، وصرح بأن ذلك المذكور من اللين للمؤمنين ، والشدة على الكافرين ، من صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم ، بقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعا سُجَّدا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح : 29]... ويفهم من هذه الآيات أن المؤمن يجب عليه أن لا يلين إلا في الوقت المناسب للين ، وألا يشتد إلا في الوقت المناسب للشدة ، لأن اللين في محل الشدة ضعف ، وخور ، والشدة في محل اللين حمق [أضواء البيان (1/416) ] .

 

3- يقول الدكتور محمد علي الهاشمي : والمسلم الحق المتمثل أحكام دينه وقيمه لطيف المعشر مع إخوانه، رفيق بهم، آلف لهم، مألوف لديهم، وهو في ذلك كله يستقي من توجيهات الإسلام التي تحض على مكارم الأخلاق. فالله تبارك وتعالى يصف المؤمنين بقوله: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة: 54] . وفي ذلك من اللين والتواضع وحسن التعامل مع الأخوة المؤمنين ما يصل إلى درجة متناهية في اللطف، هي أشبه بالذلة [شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة (1/150) ] .

 

4- يقول أبو أسامة، محمود محمد الخزندار : إن التوازن في شخصية المسلم ليجمعُ الشدة والرحمة، وإن من الحكمة مراعاة كل ظرف بما يناسبه، والتعامل مع كل حالة بما تقتضيه؛ من الأخذ بقوة أو الرفق واللين، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرقة، ما لم يَقُمْ ما يقتضي خلاف ذلك. أما حين تنضُبُ ينابيع العاطفة، فلابد من تطهير القلب من عوامل القسوة؛ لتنعكس صور اللين على المعاملة والسلوك . إن طول الزمن قد يُخفِّف من رقة الشعور، وتطاول الأيام قد ينسي بعض القيم، وتقادم العهد قد يغير المشاعر القلبية، ما لم يتعهَّد المرء نفسه، ويجلو قلبه، ليبقى حاضرَ الفكر، واعيَ القلب، يقظَ الإحساس، ولأن الليِّن ظاهرة سلوكية تنبع عن قلب لين، فقد عاتب ربنا عز وجل الصحابة الكرام حين رأى منهم تغيرًا في القلوب: (أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16]، وحدَّث ابن مسعود فقال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ... إلا أربع سنين [صحيح مسلم - كتاب التفسير - باب 1 - الحديث 24/ 3027 (شرح النووي 9/ 368)] ، وزاد في رواية: فجعل ينظر إلى بعض ويقول: ما أحدثنا؟! [عن الجامع لأحكام القرآن 17/ 162 عند تفسير الآية 16 من سورة الحديد] ، فإذا كان الصحابة الكرام قد احتاجوا إلى تلك اللفتة القلبية بعد أربع سنوات من إسلامهم، فكم تحتاج قلوبنا إلى تعهُّد وتزكية ؟! وقسوة القلب قد تكون أحيانًا نتيجة المعاصي، ومظهرًا من مظاهر غضب الله على العبد، ولذلك يقول مالك بن دينار: ما ضُرِب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضِب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم [عن الجامع لأحكام القرآن 15/ 161 عند تفسير الآية 22 من سورة الزمر] ، [هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا (1/461) ] .

الإحالات

1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (8/3295) .

2- رياض الجنة بتخريج أصول السنة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأندلسي (ابن أبي زمنين) سنة الولادة / سنة الوفاة 399 هـ تحقيق عبد الله بن محمد عبد الرحيم بن حسين البخاري الناشر مكتبة الغرباء الأثرية سنة النشر 1415 هـ مكان النشر المدينة المنورة / السعودية (1/245) .

3- الشريعة المؤلف : أبو بكر محمد بن الحسين الآجري شهرته : الآجري المحقق : عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي دار النشر : دار الوطن البلد : الرياض(3/1520) .

4- بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار المؤلف : أبو بكر محمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري [ ت : 384 هـ] المحقق : محمد حسن محمد حسن إسماعيل - أحمد فريد المزيدي الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان الطبعة : الأولى ، 1420هـ - 1999م (1/30) .

5- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان عام النشر : 1415 هـ - 1995 مـ (1/416) .

6- الطريق إلى الولد الصالح المؤلف: وحيد بن عبد السلام بالي الناشر: دار الضياء للنشر والتوزيع – السعودية (1/57) .

7- موسوعة فقه القلوب المؤلف: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري الناشر: بيت الأفكار الدولية (1/322) .

8- شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة المؤلف: الدكتور محمد علي الهاشمي الناشر: دار البشائر الإسلامية الطبعة: العاشرة، 1423هـ - 2002م (1/150) .

9- الخُلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/75) .

10- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م (1/26) .

11- هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا المؤلف: أبو أسامة، محمود محمد الخزندار (المتوفى: 1422هـ) الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1417 هـ - 1997 م (1/461) .

12- موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net (2/448) .