كرب

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

الكرب لغة:

الكرب مأخوذ من مادّة (ك ر ب) الّتي تدلّ على شدّة وقوّة، يقال: مفاصل مكربة، أي شديدة قويّة ... ومن الباب: الكرب وهو الضّمّ الشّديد، والكريبة الشّديدة من الشّدائد [المقاييس (5/ 174) ] .

وجعل الرّاغب أصل المادّة من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فقال: الكرب: الغمّ الشّديد قال اللّه تعالى: (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الأنبياء: 76] والكربة كالغمّة وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر، فالغّمّ يثير النّفس إثارة ذلك [المفردات (428) ] .

ويقول القرطبيّ في قوله تعالى: (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الصافات: 76] والكرب: الغّمّ الشّديد [القرطبي (11/ 306) ] .

وقال ابن منظور: الكرب: الحزن والغمّ الّذي يأخذ بالنّفس، وجمعه كروب، يقال: كربه الأمر، والغمّ يكربه كربا: اشتدّ عليه، فهو مكروب، وكريب، والاسم: الكربة. وإنّه لمكروب النّفس، وأمر كارب. واكترب لذلك: اغتمّ. والكرائب: الشّدائد، الواحدة كريبة.

 [لسان العرب (1/ 711- 712) ] .

الكرب اصطلاحا:

قال النّوويّ: الكرب: هو الغمّ الّذي يأخذ بالنّفس [صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 238) ] .

وقال المناويّ: الكرب: هو الغمّ والضّيق، وأصله من التّغطية [التوقيف (281) ] .

وقال الكفويّ: الكرب: هو الغمّ الّذي يأخذ بالنّفس [الكليات (114) ]، والكربة: الحزن الّذي يذيب القلب، أي يحيّره ويخرجه عن أعمال الأعضاء، وربّما أهلك النّفس، وهي (الكربة) أشدّ من الحزن والغمّ [الكليات (722) ] .

 

العناصر

1- فضل تفريج الكربات والسعي في قضاء الحاجات .

 

 

2- كرب الموت والاحتضار .

 

 

3- عبادات تعين على قضاء الحوائج وتفريج الكربات .

 

 

4- أسباب النجاة من كرب الموت و كرب يوم القيامة .

 

 

5- تقاعص كثير من المسلمين لمصائب وكوارث حلت بإخوانهم .

 

 

6- الحث على تعاهد الأيتام والمحاويج لاسيما في الأعياد .

 

 

7- نماذج مشرقة في الصدقة وتفريج الكربات .

 

 

8- انشراح الصدر من نعم الله وأفضاله .

 

 

9- أمور تشرح الصدر وتزيل الكرب .

 

 

10- دعوة لاغتنام ما بقي من الأعمار .

 

الايات

1- قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ) [الأنعام: 63- 64 ] .

 

 

2- قوله تعالى: (وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنبياء: 76- 77 ] .

 

 

3- قوله تعالى: (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ * وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات: 75- 81 ] .

 

 

4- قوله تعالى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ * وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ * وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات: 114- 122 ] .

 

الاحاديث

1- عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألا أعلّمك كلمات تقولينهنّ عند الكرب، أو في الكرب، اللّه اللّه ربّي لا أشرك به شيئا»[أبو داود (1525) واللفظ له، وابن ماجة (3882)، وأحمد (6/ 369)، والألباني (1/ 284)، وقال: صحيح ] .

 

 

2- عن عبد اللّه بن أبي قتادة، أنّ أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه، ثمّ وجده، فقال: إنّي معسر. فقال: آللّه؟. قال: آللّه. قال: فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من سرّه أن ينجيه اللّه من كرب  يوم القيامة، فلينفّس  عن معسر، أو يضع عنه»[مسلم (1563) ] .

 

 

3- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلّا اللّه العظيم الحليم، لا إله إلّا اللّه ربّ العرش العظيم، لا إله إلّا اللّه ربّ السّماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم»[البخاري- الفتح 11 (6346)، مسلم (2730) متفق عليه ] .

 

 

4- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يرقي يقول: «امسح البأس ربّ النّاس بيدك الشّفاء لا يكشف الكرب إلّا أنت»[البخاري- الفتح 10 (5744)، مسلم (2191)، وأحمد (6/ 50) واللفظ له] .

 

 

5- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «يا غلام أو يا غليّم. ألا أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بهنّ؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا، أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه، واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا» [أحمد (1/ 307) واللفظ له، والترمذي (2518) مختصرا، وقال محقق جامع الأصول (11/ 685، 686)، وهو حديث صحيح وكذا قال الشيخ أحمد شاكر (4/ 233، (2763)، 4/ 270، 4/ 286) رقم (2669) ] .

 

 

6- عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللّه في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة، فرّج اللّه عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره اللّه يوم القيامة» [البخاري- الفتح 5 (2442) واللفظ له، مسلم (2580) ] .

 

 

7- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما أصاب أحدا همّ ولا حزن قطّ فقال: اللّهمّ إنّي عبدك، وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علّمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي. إلّا أذهب اللّه- عزّ وجلّ- همّه وأبدله مكان حزنه فرحا».قالوا: يا رسول اللّه ينبغي لنا أن نتعلّم هؤلاء الكلمات.قال:«أجل، ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ»[أحمد في المسند، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 136)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار إلا أنه قال: وذهاب غمي مكان همي، والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان  وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب صحيح ( 1822) ] .

 

 

8- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا، نفّس اللّه عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر اللّه عليه في الدّنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره اللّه في الدّنيا والآخرة، واللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل اللّه له به طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه، يتلون كتاب اللّه، ويتدارسونه بينهم، إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم اللّه- عزّ وجلّ- فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه»[مسلم (2699) ] .

 

 

9- عن أبي بكرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلمات المكروب: اللّهمّ رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين. وأصلح لي شأني كلّه لا إله إلا أنت» [رواه أبو داود (5090) وقال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 3388 في صحيح الجامع ] .

 

الاثار

1- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش  في المسجد، قالت: فكانت تأتينا فتحدّث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا ... ألا إنّه من بلدة الكفر نجّاني فلمّا أكثرت، قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟. قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطّت عليه الحديّا وهي تحسبه لحما، فأخذت، فاتّهموني به، فعذّبوني، حتّى بلغ من أمري أنّهم طلبوا في قبلي، فبينا هم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديّا حتّى وازت برءوسنا، ثمّ ألقته فأخذوه، فقلت لهم: هذا الّذي اتّهمتموني به وأنا منه بريئة.[البخاري- الفتح 7 (3835) ] .

 

 

2- عن عبد اللّه بن الزّبير- رضي اللّه عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من ما لنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع ما لنا، فاقض ديني، وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه- يعني عبد اللّه بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من ما لنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك، قال هشام: وكان بعض ولد عبد اللّه قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد اللّه: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شىء منه فاستعن عليه مولاى، قال: فو اللّه ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: اللّه، قال: فو اللّه ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي اللّه عنه- ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر ... إلى آخر الحديث .[البخاري- الفتح 6 (3129) ] .

 

متفرقات

1- قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين الحزن والكرب: أنّ الحزن تكاثف الغمّ وغلظه، مأخوذ من الأرض الحزن وهو ما غلظ منها وصلب، والكرب تكاثف الغمّ مع ضيق الصّدر. ولهذا يقال لليوم الحارّ: يوم كرب أي كرب من فيه، وكرب الرّجل إذا غمّه وضيّق صدره [الفروق اللغوية (262) ] .

 

2- إذا كان الكرب يمثّل أقصى درجات الغمّ، وهذا أمر قد لا يكون فيه دخل للإنسان فإنّ المطلوب من المسلم عند حدوث الكرب أن يسأل اللّه تعالى أن يفرّج كربه حتّى لا يستمريء الحزن ويعتاد عليه ممّا يضعف قواه، وعلى المسلمين أيضا أن يمدّوا يد العون للمكروب، حتّى يرجع إلى سابق عهده هاشّا باشّا منشرح الصّدر مستقبلا للحياة بما يرضاه اللّه له من عمل جادّ، ونفس راضية مطمئنّة . إنّ مجتمعا تسود فيه روح الأنانية ويترك المكروب نفسه أو يتركه إخوانه فريسة لهذه الحالة الّتي تنتابه رغما عنه، هو مجتمع مفكّك لا تعاون فيه على البرّ والتّقوى، من هنا كانت دعوة الإسلام صريحة للتّخلّص من هذا الدّاء العضال الّذي يفقد الفرد قدرته على العمل والإنتاج ويفقد المجتمع تماسكه وقوّته [نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم (11/5432) ] .

 

3- ومن صور التربية الربانية: تأخر كشف الكرب عن العبد، ولهذا الأمر فوائد عظيمة منها: أنها تكشف للعبد حقيقة ضعفه وفقره الماس إلى الله عز وجل، وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ومنها كذلك: أنها تسقط كل الدعاوى الزائفة حول الأسباب أو المواهب التي يظن المرء أنها لديه، وأن بإمكانها أن تسعفه في أي وقت. فالذي يدعو الله بكشف كربه عند اشتداد الريح وهو على ظهر سفينة، يختلف كثيرًا في تضرعه عمن يدعو الله وهو في البحر وقد تعلق بخشبة. والذي يدعو الله بعد أن تركته تلك الخشبة سيكون - بلا شك - أكثر تضرعًا وانكسارًا منه في الحالتين السابقتين [المدخل لابن الحاج بتصرف وانظر حطِّم صنمك وكن عند نفسك صغيرًا: مجدي الهلالي (1/69) ] .

 

4- من فوائد البلايا ولطائف أسرارها - كما يقول ابن رجب -: أنها توجب للعبد الرجوع إلى الله عز وجل، والوقوف ببابه، والتضرع والاستكانة له، وذلك من أعظم فوائد البلايا. وقد ذم سبحانه من لا يستكين له عند الشدائد (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون: 76] . ومنها: أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى مخلوق، ويوجب له الإقبال على الخالق وحده ... فالبلاء يجمع بين القلب وبين الله، والعافية تجمع بينك وبين نفسك . فكلما اشتد الكرب وعظم الخطب كان الفرج حينئذ قريبًا .. لماذا؟! لأن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهي وجد الإياس من كشفه من جهة المخلوق، ووقع التعلق بالخالق وحده، ومن انقطع عن التعلق بالخلائق، وتعلق بالخالق استجاب الله له، وكشف عنه . ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه، ولا سيما بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة: رجع إلى نفسه باللائمة ويقول لها: إنما أوتيتُ من قِبَلِك، ولو كان فيكِ خير لأجبت .. وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه، فلذلك يسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، وعلى قدر الكسر يكون الجبر . فمن تحقق بهذا وشاهده بقلبه، علم أن نعم الله على عبده المؤمن بالبلاء أعظم من نعمه عليه في الرخاء [نور الاقتباس ص 209 في مكشاة وصية النبى صلى الله عليه وسلم لابن عباس لابن رجب ص 209 - الجامع المنتخب لمجموع رسائل ابن رجب - دار المؤيد – جدة] .

 

5- يقول الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري: ... وأيوب - صلى الله عليه وسلم - حين ابتلاه الله ببلاء شديد، فقد سلط الشيطان على جسده ابتلاء من الله، فنفخ في جسده فتقرح قروحاً عظيمة، ومكث مدة طويلة، واشتد به البلاء، ومات أهله، وذهب ماله فوجده الله صابراً راضياً عن ربه. فدعا ربه، فكشف ضره، ومنحه مع العافية من الأهل والمال شيئاً كثيراً كما قال سبحانه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83، 84] . فمتى يستفيد المؤمنون من قدرة الله، بالتوجه إليه وحده في كشف الكربات والأمراض، ودعائه، وحسن الصبر على بلائه، والله سميع مجيب [موسوعة فقه القلوب (1/818)] .

 

6- ويقول أيضا: فحين تضيق الأسباب بالناس، وتغلق الدنيا أبوابها أمامهم، الكافر وغير المؤمن بالله يصيبه يأس قاتل ينتهي به إما إلى الجنون أو الانتحار. أما المؤمن بقضاء الله وقدره فيظل ثابتاً لا تزعزعه الأحداث، ويتوجه إلى ربه وهو مؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الله سيجعل له بعد العسر يسراً، ويجعل له بعد الكرب فرجاً ومخرجاً: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2، 3]، [المصدر السابق (1/966) ] .

الإحالات

1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (4/1050) .

2- رياض الصالحين المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) تعليق وتحقيق: الدكتور ماهر ياسين الفحل رئيس قسم الحديث - كلية العلوم الإسلامية - جامعة الأنبار (وقد جعل تحقيقه للكتاب مجانا فجزاه الله خيرا) الناشر: دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق – بيروت الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م (1/39) .

3- ففروا إلى الله المؤلف: أبو ذر القلموني، عبد المنعم بن حسين بن حنفي بن حسن بن الشاهد الناشر: مكتبة الصفا، القاهرة الطبعة: الخامسة، 1424 هـ (1/124) .

4- حطِّم صنمك وكن عند نفسك صغيرًا المؤلف: مجدي الهلالي الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة عام النشر: 1424 هـ - 2004 م (1/69) .

5- موسوعة فقه القلوب المؤلف: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري الناشر: بيت الأفكار الدولية (1/85) .

6- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (94/259) .

7- مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) المحقق: أبو مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر الطبعة: جـ 1، 2/ الثانية، 1424 هـ - 2003 م جـ 3/ الأولى، 1424 هـ - 2003 م جـ 4/ الأولى، 1425 هـ - 2004 (3/16) .

8- موسوعة الرقائق والأدب المؤلف: ياسر بن أحمد بن محمود بن أحمد بن أبي الحمد الكويس الحمداني (1/5925) .

9- فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة (6/1456) .

10- الأنس بذكر الله المؤلف: أبو العلاء محمد بن حسين بن يعقوب السلفي المصري الناشر: مكتبة سوق الآخرة، دار التقوى للنشر والتوزيع، جمهورية مصر العربية (1/233) .

11- هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا المؤلف: أبو أسامة، محمود محمد الخزندار (المتوفى: 1422هـ) الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1417 هـ - 1997 م (1/83) .

12- الأذكار النووية أو حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) المحقق: محيي الدين مستو الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت الطبعة: الثانية،1410 هـ - 1990 م (1/215) .

13- مُخْتَصَرُ مِنْهَاجِ القَاصِدِينْ المؤلف: نجم الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي (المتوفى: 689هـ) قدم له: الأستاذ محمد أحمد دهمان الناشر: مكتَبَةُ دَارِ البَيَانْ، دمشق عام النشر: 1398 هـ - 1978 م 01/387) .

14- شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة المؤلف: أبو مسلم مجدي بن عبد الوهاب الأحمد صححه وعلق عليه: مؤلف حصن المسلم، د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/213) .

15- العلاج بالرقى من الكتاب والسنة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض – علاج الكرب (1/65) .