قناعة
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
القناعة لغة:
مصدر قنع يقنع قناعة. إذا رضي، ويدلّ أصل المادّة علي معنيين: الأوّل: الإقبال بالوجه على الشّيء، والآخر: المستدير من الرّمل، ومن المعنى الأوّل أخذت القناعة بمعنى الرّضا، وسمّيت بذلك لأنّ القانع يقبل على الشّيء الّذي له راضيا. قال ابن فارس: والإقناع مدّ البعير رأسه إلى الماء للشّرب، قال ابن السّكّيت: قنعت الإبل والغنم للمرتع، إذا مالت له، وفلان شاهد مقنع، وهذا من المعنى الأوّل وهو الرّضا بالشّيء وجمعه مقانع، تقول: إنّه رضى يقنع به. وقال الرّاغب: يقال: قنع يقنع قناعة وقنعانا إذا رضي، وقنع يقنع قنوعا إذا سأل .. وقال بعضهم أصل هذه الكلمة من القناع وهو غطاء الرّأس، فقنع أي لبس القناع ساترا لفقره، وقنع إذا رفع قناعه كاشفا رأسه بالسّؤال. وقال ابن منظور: يقال: رجل قانع من قوم قنّع، وقنع من قنعين، وقنيع من قنيعين وقنعاء. وامرأة قنيع وقنيعة من نسوة قنائع. قال الأزهريّ: رجال مقانع وقنعان إذا كانوا مرضيّين. ورجل قنعان: يرضى باليسير. وفي التّنزيل (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج: 36]. فالقانع الّذي يسأل، والمعترّ الّذي يتعرّض ولا يسأل، وقيل القانع: المتعفّف، وكلّ يصلح. وقال بعض أهل العلم: إنّ القنوع يكون بمعنى الرّضا والقانع بمعنى الرّاضي، قال وهو من الأضداد. وفي الحديث: «فأكل وأطعم القانع والمعترّ». هو من القنوع: الرّضا باليسير من العطاء [لسان العرب: (8/ 297 وما بعدها)، ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 33)؛ والمفردات للراغب (214) ] .
وقوله من الأضداد، قال الأصمعيّ: القانع الرّاضي بما قسم اللّه، ومصدره القناعة. والقانع السّائل ومصدره القنوع، ورأيت أعرابيّا يقول: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من القنوع والخنوع والخضوع وما يغضّ طرف المرء، ويغري به لئام النّاس. قال عديّ:
وما خنت ذا عهد وأبت بعهده *** ولم أحرم المضطرّ إذ جاء قانعا أي سائلا
[الأضداد للأصمعي (50)، وللسجستاني: (116)، وابن السكيت (202)،
وذيل الأضداد للصاغاني: (234) وانظر الأضداد للأنباري (66- 67) ] .
واصطلاحا:
قال ابن السّنّيّ: القناعة: الرّضا بالقسم [القناعة (40). والقسم- بفتح القاف وسكون السين- مصدر قسم الشيء يقسمه، والقسم- بكسر القاف وسكون السين- النصيب والحظ، وأشار إلى المعنيين ابن منظور في اللسان (قنع) ] . وقال الرّاغب: القناعة: الاجتزاء باليسير من الأغراض المحتاج إليها [المفردات للراغب (413) ] . وقال الجاحظ: القناعة هي: الاقتصار على ما سنح من العيش، والرّضا بما تسهّل من المعاش، وترك الحرص على اكتساب الأموال وطلب المراتب العالية مع الرّغبة في جميع ذلك وإيثاره والميل إليه وقهر النّفس على ذلك والتّقنّع باليسير منه [تهذيب الأخلاق للجاحظ (22) ] .
وقال المناويّ: القناعة عرفا: الاقتصار على الكفاف، وقيل: الاكتفاء بالبلغة، وقيل: سكون الجأش عند عدم المألوفات، وقيل: الوقوف عند الكفاية [التوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي (275) ] .
العناصر
1- فضل القناعة وأهميتها .
2- الدنيا دار ابتلاء .
3- مظاهر القناعة لاسيما عند الزوجة .
4- ذم الطمع .
5- الحكمة في تفضيل بعض الخلق على بعض في الرزق .
6- السبيل لتحقيق القناعة .
7- فهم السلف لحقيقة الدنيا .
8- حال الناس اليوم مع القناعة .
9- قصص في عفة المؤمن وأمانته .
10- التفكر في نعم الله تعالى .
الايات
1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا)[هود:6].
2- قال تَعَالَى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافاً) [البقرة:273].
3- قال تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان: 67].
4- قال تَعَالَى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات:56-57].
الاحاديث
1- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَيْسَ الغِنَى عَن كَثرَةِ العَرَض، وَلكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ) متفقٌ عَلَيْهِ.
(العَرَضُ) بفتح العين والراءِ: هُوَ المَالُ.
2- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ) رواه مسلم.
3- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قَالَ: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: (يَا حَكِيم، إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أخَذَهُ بإشرافِ نَفسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى) قَالَ حكيم: فقلتُ: يَا رسول الله، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أرْزَأُ أحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكيماً لِيُعْطِيَه العَطَاء، فَيَأبَى أنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَه فَأَبَى أنْ يَقْبَلَهُ. فقالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكيمٍ أنّي أعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللهُ لَهُ في هَذَا الفَيء فَيَأبَى أنْ يَأخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمٌ أحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّي. متفقٌ عَلَيْهِ.
(يَرْزَأُ) بِراءٍ ثُمَّ زايٍ ثُمَّ همزة؛ أيْ: لَمْ يَأخُذْ مِنْ أحَدٍ شَيْئاً، وَأصْلُ الرُّزءِ: النُّقْصَان، أيْ: لَمْ يَنقُص أحَداً شَيْئاً بالأخذِ مِنْهُ، وَ (إشْرَافُ النَّفْسِ): تَطَلُّعُهَا وَطَمَعُهَا بالشَّيْء. وَ (سَخَاوَةُ النَّفْسِ): هِيَ عَدَمُ الإشرَاف إِلَى الشَيء، وَالطَّمَع فِيهِ، وَالمُبَالاَةِ بِهِ وَالشَّرَهِ.
4- عن أَبي بردة، عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنقِبَت أقدَامُنَا وَنَقِبَت قَدَمِي، وسَقَطت أظْفَاري، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أرْجُلِنا الخِرَقَ، فَسُمِّيَت غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ عَلَى أرْجُلِنَا مِنَ الخِرَقِ، قَالَ أَبُو بُردَة: فَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِه ذَلِكَ، وقال: مَا كُنْتُ أصْنَعُ بِأنْ أذْكُرَهُ ! قَالَ: كأنَّهُ كَرِهَ أنْ يَكُونَ شَيْئاً مِنْ عَمَلِهِ أفْشَاهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
5- عن عمرو بن تَغْلِبَ – بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام – رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِي بِمالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَّمَهُ، فَأعْطَى رِجَالاً، وَتَرَكَ رِجَالاً، فَبَلغَهُ أنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ أثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (أمَّا بعْدُ، فَواللهِ إنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أدَعُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنِّي إنَّمَا أُعْطِي أقْوَاماً لِمَا أرَى في قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأكِلُ أقْوَاماً إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ في قُلُوبِهم مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ) قَالَ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ: فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِكَلِمَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَم. رواه البخاري.
(الهَلَعُ): هُوَ أشَدُّ الجَزَعِ، وقيل: الضَّجَرُ.
6- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنىً، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغنهِ الله) متفقٌ عَلَيْهِ.
وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر.
7- عن أَبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُلْحِفُوا في الْمَسْأَلَةِ، فَوَاللهِ لاَ يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأنَا لَهُ كَارهٌ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتُهُ) رواه مسلم.
8- عن أَبي عبدِ الرحمن عوف بن مالِك الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: (ألاَ تُبَايِعُونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) وَكُنَّا حَديثِي عَهْدٍ ببَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رسولَ اللهِ، ثمَّ قالَ: (ألا تُبَايِعُونَ رسولَ اللهِ) فَبَسَطْنا أيْدينا، وقلنا: قدْ بايعناكَ فَعَلامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ: (عَلَى أنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ وَتُطِيعُوا الله) وأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيفَةً (وَلاَ تَسْألُوا النَّاسَ شَيْئاً) فَلَقَدْ رَأيْتُ بَعْضَ أُولئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوطُ أحَدِهِمْ فَمَا يَسأَلُ أحَداً يُنَاوِلُهُ إيّاهُ. رواه مسلم.
9- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلةُ بأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَلَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) متفقٌ عَلَيْهِ.
(المُزْعَةُ) بضم الميم وإسكان الزايِ وبالعينِ المهملة: القِطْعَةُ.
10- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَاليَدُ العُلْيَا هِيَ المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ) متفقٌ عَلَيْهِ.
11- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّراً فإنَّمَا يَسْألُ جَمْراً؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ) رواه مسلم.
12- عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، إِلاَّ أنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطاناً أَوْ في أمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
(الكد): الْخَدْشُ وَنَحْوُهُ.
13- عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأنْزَلَهَا بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ أنْزَلَهَا باللهِ، فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ) رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
(يُوشِكُ) بكسر الشين: أيْ يُسْرعُ.
14- عن ثوبان رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَكَفَّلَ لِي أنْ لاَ يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً، وَأتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؟) فقلتُ: أنَا، فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أحَداً شَيْئاً. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
15- عن أَبي بِشْرٍ قَبيصَةَ بنِ المُخَارِقِ رضي الله عنه، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: (أقِمْ حَتَّى تَأتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأمُرَ لَكَ بِهَا) ثُمَّ قَالَ: (يَا قَبيصةُ، إنَّ المَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثلاثَةٍ: رَجُلٌ تحمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قواماً مِنْ عَيش - أَوْ قَالَ: سِدَاداً مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَقُولَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِه: لَقَدْ أصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ. فَحلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يصيب قواماً من عيش، أَوْ قَالَ: سداداً من عيشِ، فما سِوَاهُنَّ مِنَ المسألَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ، يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتاً) رواه مسلم.
(الحَمَالَةُ) بفتح الحاءِ: أنْ يَقَعَ قِتَالٌ وَنَحْوُهُ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ، فَيُصْلِحُ إنْسَانٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَالٍ يَتَحَمَّلُهُ وَيَلْتَزِمُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَ (الجَائحةُ) الآفَةُ تُصيبُ مَالَ الإنْسَانِ. وَ (القَوَامُ) بكسر القاف وفتحهَا: هُوَ مَا يَقُومُ بِهِ أمْرُ الإنسَان مِنْ مَال ونحوِهِ. وَ (السِّدَادُ) بكسر السين: مَا يَسُدُّ حَاجَةَ الْمَعْوِزِ وَيَكْفِيهِ، وَ (الفَاقَةُ): الفَقْرُ. وَ (الحِجَى): العَقْلُ.
16- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَيْسَ المسكينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلكِنَّ المِسكينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْألَ النَّاسَ) متفقٌ عَلَيْهِ.
الاثار
1- قال عمر بن عبد العزيز: " إن ابتلاك الله -عز وجل- بفقر فتعفف في فقرك، وأَخْبِت لقضاء ربك، واغتفر بما قسم لك من الإسلام ما زوى عنك من نعمة دنيا؛ فإن في الإسلام خلفاً من الذهب والفضة، والدنيا الفانية ".
2- قال الفضيل بن عياض: " خصلتان تقسيان القلب: كثرة النوم، وكثرة الأكل " سير أعلام النبلاء.
4- قال الداراني: " الورع أول الزهد، كما أن القناعة أول الرضا " مدارج السالكين.
5- من موعظة جعفر الصادق لابنه موسى: " يا بني من قنع بما قسم له استغني، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره، مات فقيراً " سير أعلام النبلاء.
6- قال الشافعي رحمه الله: " الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله " سير أعلام النبلاء.
7- قال أيضاً: " الشبع يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف عن العبادة " حلية الأولياء.
8- قال علي بن عبيدة الريحاني: " القناعة نعمة جسيمة، ورزق واسع، وحصن حصين، وألفة دائمة، وراحة عظيمة، وعيش صاف، ودعة للبدن، وعزة للنفس، وصيانة للعرض، وحياة طيبة، وسلامة وعافية فإن وفق صاحبها للصواب في التمييز، واختيار ما يستحق به الاصطفاء صفا من الشكوك وعصمة الله (والله لا يحب كل مختال فخور) " الآمل والمأمول للجاحظ.
9- قال أيضاً: " يا نفس لا تسلكي سبل الاستكثار من المال؛ فإن جمعه حسرة ووبال، واعتزي بالقناعة؛ فإنها أشرف قدراً، وأرفع ذكرا وخطراً، وأقرب إلى منزلة السعداء، وأكسب للشكر، وأزلف عند الخالق من الاستكثار؛ من الفتنة الذميمة، واحتمال أوزار المكاسب، ولهب الحرمان، وثبات حجة المقت، ولزوم سمت البخل " الآمل والمأمول للجاحظ.
10- قال أيضاً: " لقد سلك الأكياس سبيل الحظ في العاجل، وعظمت مراتب أقدارهم عند الناس، ورغبوا بأرض الدعة وعمروا أفنية السلامة، وأصابوا من الدنيا بلغة وكفاية قنعوا بها، وصرفوا ما لهم بما لا احتكام للآفات عليه، ولا تنظر عيون الدول في الزوال إليه من رضوانه ونعيم جنانه " الآمل والمأمول للجاحظ.
11- قال بزرجمهر: " إذا كان قاسم رزقي هو الله وما قد قسمه فليس يغيره أحد فلم أتحمل منة الخلائق؟! " الآمل والمأمول للجاحظ.
12- قال عبيد الله: " القناعة عز صاحبها، وميسرة فقره، ومسلاة عدوه، وتبجيل له في أعين العقلاء، وتجمل في الخاصة والعامة، وذهاب بالنفس عن مسألة البخيل، والتعريض لمعروف من جعل فقره في قلبه وغناءه في كسبه، وصيانة العرض، وإحياء السنة، والرضا باليسير، والتقليل للكثير، والرغبة عما في أيدي الناس " الآمل والمأمول للجاحظ.
13- قال الحسن: " يا ابن آدم إن كنت تطلب ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن لم يقنعك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك " الآمل والمأمول للجاحظ.
القصص
1- أُهْدِيَتْ إلى السيدة عائشة -رضي الله عنها- سلالا من عنب، فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين، وكانت جاريتها قد أخذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها، وفي المساء أحضرتها، فقالت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما هذا؟ فأجابت الجارية: ادخرتُه لنأكله. فقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: أما يكفي عنقود أو عنقودان؟
2- كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- واليا على إحدى المدن، وكان راتبه خمسة آلاف درهم يتصدق بها جميعًا، وكان يشتري خوصًا بدرهم، فيصنع به آنية فيبيعها بثلاثة دراهم؛ فيتصدق بدرهم، ويشتري طعامًا لأهله بدرهم، ودرهم يبقيه ليشتري به خوصًا جديدًا.
3- صلى عمر بن عبد العزيز الجمعة، وعليه قميص مرقوع الجيب، فلما انتهى من الصلاة قال له رجل: يا أمير المؤمنين: إن الله أعطاك، فلو لبست؛ فنكس عمر رأسه ملياً، ثم رفع رأسه، وقال: أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند المقدرة.
4- قال مسلمة: دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر؛ فلا يدخل عليه أحد، فجاءت جارية بطبق عليه تمر صبحاني، وكان يعجبه التمر، فرفع بكفه منه، فقال: يا مسلمة! أترى لو أن رجلاً أكل هذا ثم شرب عليه الماء فإن الماء على التمر طيب - أكان يجزيه إلى الليل؟
قلت: لا أدري، فرفع أكثر منه، قال: فهذا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين كان كافيه دون هذا حتى ما يبالي أن لا يذوق طعاماً غيره.
قال: فعلام نُدْخِل النارَ؟! -أي ندخلها في بيوتنا للطبخ-.
قال مسلمة: فما وقعت مني موعظة ما وقعت هذه.
5- جاء رجل إلى محمد بن سيرين، فقال له: " علمني العبادة، فقال له ابن سيرين: أخبرني عن نفسك كيف تأكل؟، قال: آكل حتى أشبع، فقال: ذاك أكل البهائم، قال: كيف تشرب الماء؟ قال أشرب حتى أروى، قال: ذاك شرب الأنعام، اذهب فتعلم الأكل والشرب ثم تعال أعلمك العبادة! ".
6- سئل ابن حازم: ما مالك؟ فقال:
للناس مال ولي مالان مالهما *** إذا تحادس أهل المال حراس
مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه *** ومالي اليأس مما يملك الناس
7- قال خالد بن صفوان: " نظرت في أمري فوجدت الذي منعنيه القدر لا سائق له، ووجدت الذي أعطانيه لا حابس له، فعلام أعني نفسي ".
الاشعار
أَذَلَّ الْحِـرْصُ والطَّمَـعُ الرِّقَابَـا *** وَقَـدْ يَعْفُـو الْكَـرِيمُ إِذَا اسْتَرَابَا
[أبو العتاهية]
وَمَا النَّفْـسُ إِلا حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى *** فَإِنْ أُطْعِمَتْ تَـاقَتْ وَإِلا تَسَلَّتِ
[............]
وَخَـارِجٍ أَخْرَجَـهُ حُبُّ الطَّمَـعْ *** فَـرَّ مِنَ الْمَوْتِ وَفِي المَوْتِ وَقَعْ
[أبو دُلامة]
أَطَعْـتُ مَطَـامِعِي فَـاسْتَعْبَدَتْنِي *** وَلَـو أَنِّي قَنِعْـتُ لَكُنْـتُ حُرَّا
[أبو العتاهية]
أيها الـطالب الكثـير ليغنى *** كل من يطلب الكثير فقير
وأقل الـقليل يغـني ويكفـي *** ليس يغني وليس يكفي الكثير
كيف تعمى عن الهدى كيف تعمى *** عجبا والهدى سراج منير
(أبو العتاهية)
وَمَـا زِلْـتُ أَسْمَـعُ أَنَّ النُّفُـوسَ *** مَصَـارِعُهَا بَيْنَ أَيْـدِي الطَّمَـعْ
[محمود الورَّاق]
إِنَّ الْمَطَـامِعَ مَـا عَلِمْتَ مَذَلَّـةٌ *** لِلطَّامِعِيـنَ وَأَيْـنَ مَنْ لا يَطْمَعُ
[أبو العتاهية]
لا خَيْرَ فِي طَمَعٍ يُدْنِـي لِمَنْقَصَـةٍ *** وَعُفَّةٌ مِنْ قِوَامِ الْعَيْـشِ تَكْفِينِـي
[ثابت الأزدي]
[بَابُ ذَمِّ الإِسْرَافِ وَحَمْدِ الاقْتِصَادِ]
دَبِّـرِ الْعَـيْـشَ بِالْقَليـلِ لَيَبْقَـى *** فَبَـقَـاءُ الْقَلـِيـلِ بِالتَّـدْبِيـرِ
لا تُبَـذِّرْ وَإِنْ مَلَـكْـتَ كَثِيـراً *** فَـزَوَالُ الْكَثـِيـرِ بِالتَّبْـذِيـرِ
[.........]
قَلِيـلُ الْمَـالِ تُصْلِحُـهُ فَيَبْـقَـى *** وَلا يَبْقَـى الْكَثِيرُ مَـعَ الْفَسَـادِ
[المتلمِّس]
إِنَّ فِي نَيْـلِ الْمُنَى وَشْـكُ الرَّدَى *** وَقِيَـاسُ الْقَصْـدِ عِنْدَ السَّـرَفِ
كَـسِـرَاجٍ دُهْنُـهُ قُـوتٌ لَـهُ *** فَـإِذَا غَـرَّفْتَـهُ فِيـهِ طَـفِـي
[ابْن طَبَاطَا]
ثَـلاثٌ هُـنَّ مُهْلِـكَـهُ الأَنَـامِ *** وَدَاعِيَـةُ الصَّحِيـحِ إِلَى السِّقَامِ
دَوَامُ مُــدَامَــةٍ وَدَوَامُ وَطْـئٍ *** وَإِدْخَـالُ الطَّعَـامِ عَلَى الطَّعَـامِ
[الشَّافِعِيّ]
اقْـتَـصِـدْ فِـي كُـلِّ حَـالٍ *** وَاجْـتَـنِـبْ شُـحًّا وَغُـرْمَا
لا تَـكُـنْ حُـلْـوًا فَـتُـؤْكَل *** لا وَلا مُــرًّا فَـتُــرْمَــى
[عَبْد الْعَزِيزِ الدّمَيْرِيّ]
ثَـلاثَـةٌ فِيهِـنَّ لِلْمُـلْكِ التَّلَـفْ *** الظُّلْـمُ وَالإِهْمَـالُ فيهِ والسَّرَفْ
[........]
عَلَيْـكَ بِأَوْسَـاطِ الأُمُـورِ فَإِنَّهَـا *** نَجَاةٌ وَلا تَرْكَبْ ذَلُولا وَلا صَعْبَا
[أبو عُيَيْنَةَ المهلبيّ]
[بابُ الْحَثِّ عَلَى لُزُومِ الْقَنَاعَةِ]
إِنَّ القَنَاعَـةَ مَـنْ يَحْلُلْ بِسَاحَتِهَـا *** لَمْ يَلْـقَ فِي ظِلِّهَا هَمًّـا يُؤَرِّقُـهُ
[.............]
النَّفْسُ تَكْلَفُ بِالدُّنْيَا وَقَـدْ عَلِمَـتْ *** أَنَّ السَّلامَةَ مِنْهَا تَـرْكُ مَا فِيهَـا
وَاللهِ مَـا قَنِعَتْ نَفْـسٌ بِمَا رُزِقَتْ *** مِنَ الْمَعِيشَةِ إِلا سَـوْفَ يَكْفِيهَـا
[سابق البربري]
هِيَ الْقَنَـاعَـةُ لا تَبْغِـي بِهَا بَـدَلاً *** فِيهَا النَّعِيمُ وَفِيهَا رَاحَـةُ الْبَـدَنِ
انْظُرْ لِمَـنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَـا *** هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الْقُطْنِ والْكَفَنِ
[............]
الْعَيْشُ لا عَيْـشَ إِلاَّ مَا قَنِعْتَ بِـهِ *** قَدْ يَكْثُرُ الْمَالُ وَالإِنْسَانُ مُفْتَقِـرُ
[أبو يعقوب الخريمي]
إِنَّ الْغَـنِـيَّ هُـوَ الْغَنِـيُّ بِنَفْسِـهِ *** وَلَـوْ أَنَّهُ عَارِي الْمَنَاكِبِ حَافِي
مَا كُـلُّ مَا فَـوْقَ الْبَسِيطَـةِ كَافِيًا *** وَإِذَا قَنِعْتَ فَبَعْـضُ شَيءٍ كَافِ
[أبو فِراس الحمداني]
يَا وَارِدًا سُـؤْرَ عَيْشٍ كُلُّـهُ كَـدَرٌ *** أَنْفَقْتَ صَفْـوَكَ فِي أَيَّامِكَ الأُوَلِ
فِيمَ اقْتِحَامُـكَ لُجَّ الْبَحْـرِ تَرْكَبُـهُ *** وَأَنْتَ يَكْفِيـكَ مِنْهُ مَصَّةُ الْوَشَلِ
مُلْكُ الْقَنَاعَـةِ لا يُخْشَى عَلَيْـهِ وَلا *** يُحْتَاجُ فِيـهِ إِلَى الأَنْصَارِ وَالْخَوَلِ
[الطغرائي]
وَفِي النَّاسِ مَنْ يَرْضَى بِمَيسُورِ عَيْشِهِ *** وَمَـرْكُوبُهُ رِجْلاهُ والثَّوبُ جِلْدُهُ
[المتنبي]
وَفِي الْقَنَاعَـةِ كَنْـزٌ لا نَفَـادَ لَـهُ *** وَكُلُّ مَا يَمْلِكُ الإِنْسَـانُ مَسْلُوبُ
[..........]
تَقَنَّـعْ بِمَا يَكْفِيكَ وَاسْتَعْمَلِ الرِّضَا *** فَإِنَّكَ لا تَـدْرِي أَتُصْبِحُ أَمْ تُمْسِي
فَلَيْـسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ إِنَّمَا *** يَكُونُ الْغِنَى وَالْفَقْرُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ
[..........]
مَـنْ شَـاءَ أَنْ يُكْثِـرَ أَوْ يُـقِـلاَّ *** يَكْفِيـهِ مَـا بَلَّـغَـهُ الْمَحِـلاَّ
[..........]
لا يَصْحَبُ الْمَرْءَ مِمَّا كَانَ يَمْلِكُـهُ *** فِي ظُلْمَةِ اللَّحْدِ إِلاَّ خِرْقَةُ الْكَفَـنِ
[أسامة بن مُنقذ]
نَصِيبُكَ مِمَّا تَجْمَعُ الدَّهْـرَ كُلَّـهُ *** رِدَاءانِ تُلْـوَى فِيهِمَا وَحَنُـوطُ
[...........]
النَّفْسُ تَجْـزَعُ أَنْ تَكُـونَ فَقِيـرَةً *** وَالْفَقْـرُ خَيْـرٌ مِنْ غِنًى يُطْغِيهَا
وَغِنَى النُّفُوسِ هُوَ الْكَفَافُ فَإِنْ أَبَتْ *** فَجَمِيـعُ مَا فِي الأَرْضِ لا يَكْفِيهَا
[...........]
وَرَأَيْتُ أَسْبَـابَ الْقَنَاعَـةِ أَكَّـدَتْ *** بِعُـرَى الغِنَى فَجَعَلْتُهَا لِي مَعْقِلا
[...........]
وَاقْنَـعْ مِـنْ الْعَيْـشِ مَا أَتَاكَ بِـهِ *** مِـنْ قَـرَّ عَيْنًا بِعَيْشِـهِ نَفَعَـهْ
قَـدْ يَجْمَـعُ الْمَالَ غَيْـرُ آكِلِـهِ *** وَيَأْكُلُ الْمَالَ غَيْرُ مَـنْ جَمَعَـهْ
[الأضبط بن قريع السعدي]
وَلَــرُبَّ حَـتْـفٍ فَــوْقَـهُ *** ذَهَــبٌ وَيَـاقُـــوتٌ وَدُرُّ
فَـاقْـنَـعْ بِعَـيْـشِكَ يَا فَتَى *** وَامْـلُـكْ هَـوَاكَ وَأَنْتَ حُـرُّ
[أبو العتاهية]
حَـسْـبُ الْفَتَـى مِـنْ عَيْشِـهِ *** زَادٌ يُـبَـلِّـغُـهُ الْـمَـحِـلاّ
[.........]
أَفَادَتْنِي الْقَـنَـاعَـةُ كُـلَّ عِـزٍّ *** وَأَيُّ غِنَـى أَعَـزُّ مِـنَ الْقَنَاعَهْ
فَصَيِّرْهَا لِنَـفْـسِـكَ رَأْسَ مَـالٍ *** وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْـوَى بِضَاعَـهْ
[علي بن أبي طالب]
إِذَا أَظْمَـأَتْـكَ أَكُـفُّ اللِّـئَـامِ *** كَفَتْـكَ الْقَنَاعَـةُ شِبْعًـا وَرِيَّـا
فَكُنْ رَجُلاً رِجْـلُـهُ فِـي الثَّـرَى *** وَهَـامَـةُ هَمَّـتِـهِ فِي الثُّرَيَّـا
أَبِـيًّـا لِـنَـائِـلِ ذِي ثَــرْوَةٍ *** تَـرَاهُ بِمَـا فِـي يَـدَيْـهِ أَبِيَّـا
فَـإِنَّ إِرَاقَــةَ مَـاءِ الـحَـيَـاةِ *** دُونَ إِرَاقَـةِ مَـاءِ الْـمُـحَـيَّا
[أبو الحسن النعيمي]
الحر يدنس بين الحرص والطلب *** فاخلع لباسهم بالعلم والأدب
أقبح بوجه يسـارٍ كان قائـده *** وجهاً رعت كنفيه ذلة الطلب
ما كان قائـده ذلا وسائقـه *** منا فأكرم منه لوعة السغـب
[العطوي]
ما كان مال يفوت دون غدٍ *** فليس بي حاجة إلى أحد
إن غنى النفس رأس كل غنى *** فما افتقار إلا إلى الصمد
رب عديمٍ أعـز من أسـدٍ *** ورب مثرٍ أقل من نقـد
الناس صنفان في زمانك ذا *** لو تبتغي غير ذين لم تجـد
هذا بخيل وعنـده سعـة *** وذا جواد بغير ذات يـد
[محمد بن حازم الباهلي]
قل للزمان أصب من شئت بالعدم *** وللمنية من أحببت فاصطلم
فحسبي الله رباً قد رضيت به *** البر بالعود والعواد بالنعم
أعد خمسين حولاً ما عليّ يد *** لأجنبي ولا فضل لذي رحم
الحمد لله شكراً قد غنيت فلا *** أشكو لئيماً ولا أطري أخا كرم
[..........]
متفرقات
1- قال ابن القيّم: يكمل غنى القلب بغنى آخر، هو غنى النّفس. وآيته: سلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة [تهذيب مدارج السالكين (474) ] .
2- قال الإمام الغزاليّ: كان محمّد بن واسع يبلّ الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد [الإحياء (3/ 293) ] .
3- قال بعض الحكماء: «وجدت أطول النّاس غمّا الحسود، وأهنأهم عيشا القنوع، وأصبرهم على الأذى الحريص إذا طمع، وأخفضهم عيشا أرفضهم للدّنيا، وأعظمهم ندامة العالم المفرّط [القناعة لابن السني (58) ] .
4- قال بعضهم: ازهد بما عند النّاس يحبّك النّاس، وارغب فيما عند اللّه يحبّك اللّه [القناعة لابن السني (47) ] .
5- قال محمد نصر الدين محمد عويضة: القناعة متعلقة بالرضا، فإذا رضي العبد عن ربه قنع بما قسم الله له وقلبه مطمئن مرتاح لذلك. والقناعة تناقض التكالب على الدنيا سعيا وراء متاعها الزائل، سواء كان حلالا أم حراما. فالمؤمن يقنع بالحلال ولو كان قليلا، ويمقت الحرام ولو كان كثيرا. وقناعته لا تقعده عن الكسب ولا عن أخذ ما هو صالح من غيره، لكنها تناقض الحسد لمن آتاه الله رزقا وفيرا، وتناقض تكليف النفس فوق طاقتها طمعا في المزيد من متاع الدنيا، وتناقض الكسب مع التفريط بفرائض الله وعبادته [فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب (10/436)] .
6- قال الإمام المنذري رحمه الله تعالى: يا بن آدم تفرغ لعبادتي: أي فرغ قلبك وأقبل علي وحدي، فتكون في كل أحوالك ناظرا إلى ربك سبحانه، مراقبا له، خائفا منه، تعمل ما يرضيه سبحانه وتعالى، فهذا هو التفرغ لعبادة رب العالمين، فإذا فعلت هذا فالنتيجة هي ما جاء في الحديث حيث قال: أملأ صدرك غنى وأسد فقرك. فإذا امتلأ القلب غنى فلا يحتاج الإنسان إلى شيء بعد ذلك؛ لأن الغنى هو غنى القلب، فالإنسان إذا كان مفلسا لا شيء معه وقلبه غني فإنه سيشعر أنه ملك، وأنه أفضل من جميع من معه مال؛ لأن من معه مال يحتاج إلى أن يحرس ماله، أما هذا فلا يحتاج أن يحرس شيئا؛ لأن القلب ممتلئ غنى، أما إذا ملأ الله قلب الإنسان فقرا وحاجة، فإنه سيشعر أنه فقير ولو كان من أغنى الناس؛ لأنه يحس أن ماله سينفد، وأن هناك أمراضا يمكن أن تصيبه، فيظل يكنز ويكنز ولا يشبع أبدا. إذا: الغنى هو غنى القلب والفقر هو فقر القلب، وربنا يعدك أنك إذا تفرغت للعبادة وأحسنت فيها فإنه سوف يملأ قلبك غنى، ولم ينته الأمر عند غنى القلب فقط، بل وفوق ذلك قال: أملأ صدرك غنى وأسد فقرك. أي: سأملأ القلب واليدين. وإلا تفعل ملأت يديك شغلا: فالإنسان الذي يتباعد عن الله فيسمع المؤذن يؤذن فيقول: أنا لست فارغا، بل ورائي شغل .. أريد أن آكل .. أو أريد أن أشرب، كيف أترك العمل وأنا محتاج إليه؟ فمثل هذا سوف يظل محروما طول حياته. ولم أسد فقرك: أي ستحس أنك فقير دائما مهما كان معك من أموال كثيرة، سبحان الله! البعيد عن طاعة الله سبحانه وتعالى يحدث له عكس ما يحدث للمتفرغ لطاعة الله سبحانه، فتجده كثير العمل، يشتغل هنا وهناك، وفي النهاية لا يجد معه شيئا من الأموال؛ لأن الله يبتليه بالأمراض وبالإنفاق على العمال وغير ذلك، فلا يبقى معه شيء؛ لأنه ابتعد عن الله تبارك وتعالى [الترغيب والترهيب] .
7- قال ابن رجب الحنبلي: فالحرص على الدنيا معذبُ صاحبه، مشغول لا يسر ولا يلذ بجمعه لشغله؛ فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته؛ لالتفاته لما يفنى وغفلته عما يدوم ويبقى [ذم المال والجاه ص 20] .
الإحالات
1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (8/3167) .
2- فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة (10/436) .
3- موسوعة الرقائق والأدب المؤلف: ياسر بن أحمد بن محمود بن أحمد بن أبي الحمد الكويس الحمداني (1/2848) .
4- القناعة المؤلف : الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري الناشر : مكتبة الرشد – الرياض الطبعة الأولى ، 1409 تحقيق : عبد الله بن يوسف الجديع .
5- القناعة ، مفهومها .. منافعها .. الطريق إليها المؤلف : إبراهيم بن محمد الحقيل الطبعة : الأولى الناشر : وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية تاريخ النشر : 1422هـ .
6- القناعة - عبد الإله بن إبراهيم بن داود الرياض 7/7/1413هـ .
7- صحيح مسلم المؤلف : مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي باب في الكفاف والقناعة (2/729) .
8- أحكام الفقير والمسكين في القرآن العظيم والسنة النبوية إعداد: محمد بن عمر بن سالم بازمول جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين .
9- صحيح البخاري المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) الطبعة: الأولى، 1422هـ - بَابٌ: كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا (8/96) .
10- فتح الباري المؤلف : أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ) المحقق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها : محمد فؤاد عبد الباقي الناشر : دار الفكر - باب الغنى غنى النفس (11/271) .