قضاء
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
تعريف القضاء لغة: القضاء في اللغة مصدر الفعل قضى يقضي قضاءاً. قال ابن فارس في مادة (قضى): القاف، والضاد، والحرف المعتل _ أصل صحيح يدل على إحكام أمر، وإتقانه، وإنفاذه لجهته. قال الله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْن) [فصلت: 12] .
أي أحكم خلقهن، ثم قال أبو ذؤيب الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما *** داود أو نَسَجُ السوابغِ تُبَّعُ
[معجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/99) ] .
والقضاء: هو الحكم، والصنع، والحتم، والبيان. وأصله القطع، والفصل، وقضاء الشيء، وإحكامه، وإمضاؤه، والفراغ منه؛ فيكون بمعنى الخلق [انظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص441_442 وانظر المفردات لغريب القرآن للراغب الأصفهاني ص423، وانظر لسان العرب لابن منظور 15/186، والقاموس للفيروز بادي ص1708]، [مصطلحات في كتب العقائد 27- 10 ] .
والقضاء: انقضاء الشيء وإتمامه، والحكم بين الناس، والقاضي: الحاكم، وشرعاً: فصل الخصومات وقطع المنازعات [الدر المختار: 4 ص 309، الشرح الكبير للدردير: 4 ص 129] . وعرفه الشافعية بأنه فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى، أي إظهار حكم الشرع في الواقعة. وسمي القضاء حكماً: لما فيه من الحكمة التي توجب وضع الشيء في محله، لكونه يكف الظالم عن ظلمه، أو من إحكام الشيء [مغني المحتاج: 4 ص 372، وانظر فتح القدير: 5 ص 453]، [انظر الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ - أ.د. وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ] .
تعريف القضاء في اصطلاح الفقهاء: اختلفت فيه العبارات، فعند الحنفية كما في رد المحتار على الدر المختار المعروف باسم حاشية ابن عابدين هو: فصل الخصومات وقطع المنازعات.
وعند المالكية كما في الشرح الصغير على أقرب المسالك الى مذهب الإمام مالك للعلامة أبي البركات أحمد بن محمد الدردير هو: حكم حاكم أو محكم بأمر ثبت عنده.
وعند الشافعية كما في حاشيتي: قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين هو: إظهار حكم الشرع في الواقعة من قطاع الوقائع الخاصة بحكم الشرع لمعين أو غيره.
وعند الحنابلة كما في حاشية الروض المربع في شرح زاد المستقنع لابن قاسم النجدي الحنبلي هو: تبيين الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الحكومات .
من هذه التعريفات نجد أن الفقهاء اختلفوا في تعريف القضاء اصطلاحاً، فبعضهم جعل مجرد حكم المحكم نوعا من القضاء، وبعضهم جعله على سبيل الإلزام، وبعضهم أدخل فيه الصلح بين الخصمين
[انظر الخلاصة في فقه الأقليات 1-9 جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود (9/31) ] .
العناصر
1- تعريف القضاء لغة واصطلاحاً .
2- شروط القاضي .
3- حكم قبول القضاء .
4- صلاحيات القاضي .
5- واجبات القضاة .
6- آداب القضاة .
7- انتهاء ولاية القاضي .
8- عزل القاضي وانعزاله .
الايات
1- قال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) [ص: 26].
2- قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) [المائدة: 49]
. 3- قوله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة: 42] .
4- قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) [النساء:105] .
5- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء: 135] .
6- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6] .
الاحاديث
1- عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» [رواه البخاري (4425) ] .
2- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته » [رواه البخاري (2409) .
3- عن عمرو بن العاص عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا اجتهد الحاكم، فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» [متفق عليه بين البخاري ومسلم عن عمرو وأبي هريرة، ورواه الحاكم والدارقطني عن عقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر بلفظ: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله عشر أجور» .[راجع نصب الراية: 4 ص 63، شرح مسلم: 12 ص 13، سبل السلام: 4 ص 117، مجمع الزوائد: 4 ص 195، الإلمام: ص 514) ] .
4- عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «القضاة، ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق، فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار» [رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه. وقد علق عليه ابن تيمية بقوله: وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً (نيل الأوطار: 263/8 ومابعدها، سبل السلام: 115/4، نصب الراية: 65/4، مجمع الزوائد: 195/4) ] .
5- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من تولى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً، وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله ، وسنة رسوله، فقد خان الله ورسوله، وجماعة المسلمين» [رواه الطبراني في معجمه عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم وابن عدي وأحمد بن حنبل والعقيلي والخطيب البغدادي. وعن حذيفة بن اليمان أخرجه أبو يعلى الموصلي (نصب الراية: 62/4) ] .
متفرقات
1- .. للعلماء في تولي المرأة القضاء ثلاثة أقوال: القول الأول: المنع مطلقا وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة كما هو واضح في كتبهم مثل الشرح الصغير ومغني المحتاج والمغني لا بن قدامة. والقول الثاني: المنع مع تصحيح القضاء إن قضت في غير الحدود والقصاص وهو رأي الأحناف وهذا واضح في كتب الأحناف ومنها على سبيل المثال : بدائع الصنائع للكاساني 9 /،4079 البحر الرائق لابن نجيم 6/،433 رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 2/240. فإن الأحناف يصححون قضاء المرأة في غير الحدود والقصاص لأنهم يرون أن أهلية القضاء دائرة مع أهلية الشهادة كما سيأتي في أدلتهم ولكن مع هذا لا يجيزون تقليد المرأة منصب القضاء ويقولون إن منصب القضاء كان للأحناف فترات طويلة من الزمن ولم تول امرأة أبدا هذا المنصب، وقد رجعت إلى كتب الأحناف فرأيت في البحر الرائق: "وتقضي المرأة في غير حد وقود لأنها أهل للشهادة في غيرهما ، فكانت أهلا للقضاء". وجاء في رد المحتار على الدر المختار: "والمرأة تقضي في غير حد وقود". القول الثالث: السماح مطلقا وهو رأي الظاهرية المحلى لابن حزم، وينسب إلى ابن جرير الطبري [انظر الخلاصة في فقه الأقليات 1-9 جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود (9/31) ] .
2- قال أ.د. وهبة الحيلي: القضاء فريضة محكمة من فروض الكفايات باتفاق أئمة المذاهب، فيجب على الإمام تعيين قاض، ودليل الفرضية قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط) [النساء:135/4] ولأنه كما ذ ُكر طباع البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق، وقل من ينصف من نفسه، وبما أن الإمام لا يقدر عادة على فصل الخصومات بنفسه لكثرة مشاغلة العامة، فالحاجة تدعو إلى تولية القضاة [انظر الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ - أ.د. وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ] .
3- يشترط فيمن يتولى القضاء الشروط الآتية:
1 - أن يكون مسلماً؛ لأن الإسلام شرط للعدالة، والكافر ليس بعدل، كما أن تولي الكافر القضاء رفعة له، والمطلوب إذلاله .
2 - أن يكون مكلفاً - أي: بالغاً عاقلاً-؛ لأن الصبي والمجنون غير مكلفين، وتحت ولاية غيرهما .
3 - الحرية؛ لأن الرقيق مشغول بحقوق سيده وليس له ولاية، فليس أهلاً للقضاء، كالمرأة .
4 - الذكورة؛ فلا تتولى المرأة القضاء؛ لأنها ليست من أهل الولاية، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة» [رواه البخاري برقم (4425) ] .
5 - العدالة؛ فلا يولى الفاسق؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6]. فإذا كان لا يقبل خبره، فعدم قبول حكمه من باب أولى.
6 - السلامة من العاهات المزمنة كالصمم والعمى والخرس، لأنه لا يتمكن مع هذه العاهات من الفصل بين الخصوم، وفي اشتراط البصر نظر .
7 - أن يكون عالماً بالأحكام الشرعية التي ولي للقضاء بها ولو في مذهبه الذي يقلد فيه إماماً من الأئمة [الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة (1/418، 419) ] .
4- آداب القاضي وأخلاقه، وما ينبغي له ومالا ينبغي:
1 - ينبغي أن يكون القاضي قوياً ذا هيبة من غير تكبر ولا عنف، ليناً من غير ضعف؛ لئلا يطمع القوي في باطله، ويَيْئَس الضعيف مِنْ عدله .
2 - أن يكون حليما متأنياً؛ لئلا يغضب من كلام الخصم فيمنعه الحكم.
3 - أن يكون ذا فطنة ويقظة، لا يؤتى من غفلة ولا يخدع لغرة .
4 - ينبغي أن يكون القاضي عفيفاً ورعاً، نزيهاً عما حرم الله .
5 - أن يكون قنوعاً صدوقاً، ذا رأي ومشورة . قال علي - رضي الله عنه -: لا ينبغي أن يكون القاضي قاضياً حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في الله لومة لائم [انظر: المغني لابن قدامة (14/ 17). وقال الألباني: لم أره لعلي، وأخرج البيهقي (10/ 110) نحوه عن عمر بن عبد العزيز، انظر إرواء الغليل (8/ 239) ] .
6 - يحرم على القاضي أن يسارَّ أحد الخصمين، أو يحابي أحدهما، أو يلقنه حجته، أو يعلمه كيف يدّعي .
7 - يحرم على القاضي أن يقضي وهو غضبان غضباً شديداً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقضي حاكم بين اثنين وهو غضبان» [رواه البخاري برقم (7158)، ومسلم برقم (1717)] . ويقاس على الغضب كل ما يشوش على الفكر من المشكلات والهموم، والجوع والعطش والتعب، والمرض وغيرها.
8 - يحرم على القاضي قبول الرشوة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم» (3)؛ فالرشوة تمنعه من الحكم بالحق لصاحبه، أو تجعله يحكم بالباطل للمبطل، وكلاهما شر عظيم.
9 - يحرم على القاضي قبول الهدايا من الخصمين أو من أحدهما، ومن كانت له عادة بمهاداته قبل القضاء فلا بأس، بشرط ألا يكون لهذا المهدي خصومة يحكم له فيها. ولو تورع عن ذلك كله لكان أفضل له. فالقاضي ينبغي له أن ينزه نفسه عن جميع ما يؤثر في قضائه وسمعته، حتى البيع والشراء لا ينبغي له أن يبيع ويشتري بنفسه ممن يعرفه، خشية المحاباة؛ فإن المحاباة في البيع والشراء كالهدية. وإنما يتعاطى البيع والشراء بوكيل لا يعرف أنه له .
10 - لا يجوز للقاضي أن يقضي لنفسه ولا لقرابته، ممن لا تقبل شهادته له، ولا يحكم على عدوه، لقيام التهمة في هذه الأحوال .
11 - لا يحكم القاضي بعلمه؛ لأن ذلك يفضي إلى تهمته .
12 - يستحب للقاضي أن يتخذ كاتباً يكتب له الوقائع، وغيره ممن يحتاجه لمساعدته، كالحاجب والمزكي والمترجم وغيرهم، لكثرة انشغاله بأمور الناس فيحتاج من يساعده .
13 - يتعين على القاضي أن يحكم بما في كتاب الله وسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن لم يجد قضى بالإجماع، فإن لم يجد وكان من أهل الاجتهاد اجتهد، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فعليه أن يستفتي في ذلك فيأخذ بفتوى المفتي .
14 - يجب على القاضي العدل بين الخصمين في كل شيء، كتب عمر - رضي الله عنه - إلى أبي موسى - رضي الله عنه -: واس بين الناس في وجهك، ومجلسك، وعدلك؛ حتى لا ييئس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك [رواه الدارقطني (512) وهو صحيح، انظر: إرواء الغليل (8/ 241) ] .
5- قال الدكتور وهبة الزحيلي: اتفق الفقهاء على أنه إذا تعين للقضاء واحد يصلح له في بلد لزمه طلبه وقبوله، فإن امتنع عصى، كسائر فروض الأعيان، وللحاكم إجباره؛ لأن الناس مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه من عنده طعام منعه عن المضطر. فإن وجد في البلد عدد يصلح للقضاء، فيجوز القبول والترك. وهل القبول حينئذ أفضل أو الترك؟ قال جمهور العلماء في المذاهب الأربعة: الترك أفضل، لقوله صلّى الله عليه وسلم : «من جعل قاضياً بين الناس، فقد ذبح بغير سكين» [رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة، وأخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والدارقطني وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وله طرق منها ما رواه ابن عدي عن ابن عباس (نيل الأوطار: 259/8 وما بعدها، نصب الراية: 64/4، سبل السلام: 116/4، تلخيص الحبير: 184/4، الإلمام: ص 512)]
وقد امتنع بعض الصحابة كابن عمر وبعض كبار الفقهاء كأبي حنيفة من قبول القضاء، لما ورد فيه من التشديد والذم، ولما فيه من الخطورة ، بل إنه يكره طلبه لقوله صلّى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها» [رواه البخاري ومسلم وأحمد (نيل الأوطار: 256/8) ] أي صرفت إليها دون عون، وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «من سأل القضاء، وكل إلى نفسه، ومن أجبر عليه نزل إليه ملك فسدده» [أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد (نصب الراية: 69/4، مجمع الزوائد: 194/4، نيل الأوطار]
وعن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة» [رواه البخاري وأحمد والنسائي. وقوله: «ستحرصون» بكسر الراء، ويجوز فتحها، وقوله: «نعم المرضعة وبئست الفاطمة» أي نعمت المرضعة في الدنيا وبئست الفاطمة بعد الموت (نيل الأوطار: 257/8، سبل السلام: 116/4) ] . فيكون طلب القضاء مكروهاً إذا كان هناك مماثل أو أفضل منه. لكن يندب طلب القضاء لعالم غير مشهور يرجو به نشر علمه بين الناس لتحصل المنفعة بعلمه، كما يندب لمن كان محتاجاً إلى الرزق؛ لأن القضاء طاعة لما في إقامة العدل من جزيل الثواب. ويستحب أيضاً لمن يرجو بعمله إحقاق الحق ومنع ضياع الحقوق، وتدارك جورالقضاة أو عجزهم عن إيصال الحقوق لأهلها. ويكره قبول القضاء لمن يخاف العجز عنه،
ولا يأمن على نفسه الحيف فيه، حتى لا يكون سبباً لمباشرة القبيح. وقال بعض العلماء: قبول القضاء أفضل؛ لأن الأنبياء والمرسلين صلوات الله ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف ابن مالك بلفظ «أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل» . عليهم، والخلفاء الراشدين ما رسوا القضاء، ولنا فيهم قدوة، ولأن القضاء إذا أريد به وجه الله تعالى يكون عبادة خالصة، بل هو من أفضل العبادات، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة، وحد يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين يوماً» [رواه إسحاق بن راهويه والطبراني في الأوسط عن ابن عباس (نصب الراية: 67/4) ] .
وقوله عليه الصلاة و السلام: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما وَلُوا» [رواه مسلم وأحمد والنسائي عن عبد الله بن عمر (نصب الراية، المرجع نفسه: ص 68، نيل الأوطار: 260/8) ] قالوا: وأما الأحاديث التي فيها ذم القضاء فهي محمولة على القاضي الجاهل أو العالم الفاسق، أو الذي لا يأمن على نفسه الرشوة [راجع البدائع: 3/7 ومابعدها، فتح القدير: 458/5 ومابعدها، الدر المختار: 319/4، اللباب شرح الكتاب: 78/4، الشرح الكبير للدردير: 130/4 ومابعدها، مغني المحتاج: 373/4، المغني: 35/9] . قال القدوري الحنفي: ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه (أي يعلم من نفسه) أنه يؤدي فرضه: وهو الحكم على قاعدة الشرع. ويكره الدخول فيه لمن يخاف العجز عنه أي عن القيام به على الوجه المشروع، ولا يأمن على نفسه الحيف (أي الظلم). ولا ينبغي للإنسان أن يطلب الولاية بقلبه، ولا يسألها بلسانه ، لقوله صلّى الله عليه وسلم : «من طلب القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه نزل عليه ملك يسدده» [الفقه الإسلامي وأدلته (8/84) ]
الإحالات
1- مصطلحات في كتب العقائد 27- 10 .
2- الخلاصة في فقه الأقليات 1-9 جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود (9/31) .
3- الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها المؤلف : أ.د. وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة الناشر : دار الفكر - سوريَّة – دمشق الطبعة : الطَّبعة الرَّابعة المنقَّحة المعدَّلة (8/78) .
4- الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الناشر : مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف سنة الطبع : 1424هـ (1/417) .
5- النور الوضاء في بيان أحكام القضاء المؤلف: أحمد بن محمد الشعفي المعافا الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1993 م
6- ندوة القضاء الشرعي في العصر الحاضر الواقع والمأمول في الفترة الواقعة بين 12-13-14 ربيع الأول 1427هـ. الموافق 11-12-13/4/2006هـ. المؤلف: عدد من العلماء والباحثين. قام بجمعها وتنسيقها: أبو إبراهيم الذهبي.
7- الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى اشترك في تأليف هذه السلسلة: الدكتور مُصطفى الخِنْ، الدكتور مُصطفى البُغا، علي الشّرْبجي الناشر: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق الطبعة: الرابعة، 1413 هـ - 1992 م (8/171) .
8- شرح زاد المستقنع المؤلف : محمد بن محمد المختار الشنقيطي مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلاميةhttp://www.islamweb.net (405/3)
. 9- مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز في الأعلام والكتب والآراء والترجيحات المؤلف: مريم محمد صالح الظفيري الناشر: دار ابن حزم الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2002 م أصل الكتاب: رسالة ماجستير - جامعة الأزهر - كلية الدراسات الإسلامية والعربية (مصر) (1/437) .
10- فقه الإجراءات والمرافعات - عبد الله عزام فقه إلاجراءات والمرافعات في القضاء إلاسلامي بقلم:الدكتور عبد الله عزام .