فحش
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
الفحش لغة:
الفحش والفحشاء والفاحشة، القبح وفحش الشّيء فحشا مثل قبح وزنا ومعنى وفي لغة من باب قتل، وهو فاحش، وكلّ شيء جاوز الحدّ فهو فاحش [المصباح المنير (176) ] .
يقول ابن فارس: الفاء: والحاء والشّين كلمة تدلّ على قبح في شيء وشناعة، من ذلك الفحش والفحشاء والفاحشة ... وأفحش الرّجل .. قال الفحش، وفحش، وهو فحّاش، ويقولون الفاحش: البخيل، هذا على الاتّساع، والبخل: أقبح خصال المرء [المقاييس (4/ 478) ] .
وفحش فلان صار فاحشا. والمتفحّش، الّذي يأتي بالفحش [المفردات (373، 374) ] .
وقال الجوهريّ: الفحشاء: الفاحشة ... وقد فحش الأمر بالضّمّ فحشا، وتفاحش، وأفحش عليه في المنطق، أي قال الفحش، فهو فحّاش، وتفحّش في كلامه [الصحاح (3/ 1014) ] .
والفاحش: البخيل جدّا، ورجل فاحش، ذو فحش وخنا من قول أو فعل. وفحّاش كشدّاد: كثير الفحش.
وفحش الأمر ككرم فحشا بالضّمّ وتفاحش، وقد يكون الفحش بمعنى عدوان الجواب، أي التّعدّي فيه، وفي القول ومنه الحديث «لا تكوني فاحشة».
والمتفحّش الّذي يتكلّف سبّ النّاس ويتعمّده والّذي يأتي بالفاحشة المنهيّ عنها، وتفحّش في كلامه، وتفحّش عليهم بلسانه، إذا بذا، وتفحّش بالشّيء تفحّشا: شنّع، والفاحش السّيّء الخلق: وفحشت المرأة: قبحت وكبرت. والفحش كلّ ما يشتدّ قبحه من الذّنوب والمعاصي وقيل كلّ ما نهى اللّه- عزّ وجلّ- عنه، وقيل كلّ خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال، وقيل: كلّ أمر لا يكون موافقا للحقّ والقدر [التاج (9/ 157، 158) ] .
وقال ابن منظور: الفحش والفحشاء والفاحشة: والفحش الاسم. ورجل فاحش: ذو فحش. وفي الحديث: «إنّ اللّه يبغض الفاحش المتفحّش»، فالفاحش ذو الفحش والخنا من قول، أو فعل، والمتفحّش الّذي يتكلّف سبّ النّاس ويتعمّده، وقد تكرّر الفحش والفاحشة والفاحش في الحديث. وهو كلّ ما يشتدّ قبحه من الذّنوب والمعاصي، قال ابن الأثير: وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزّنا، ويسمّى الزّنا فاحشة. قال اللّه تعالى: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء: 19].
قيل: الفاحشة المبيّنة أن تزني فتخرج للحدّ، وقيل: الفاحشة خروجها من بيتها بغير إذن زوجها، وقال الشّافعيّ: أن تبذو على أحمائها بذرابة لسانها فتؤذيهم وتلوك ذلك، وكلّ خصلة قبيحة، فهي فاحشة من الأقوال والأفعال، وكلّ شيء جاوز قدره وحدّه فهو فاحش حتّى وإن لم تكن هذه المجاوزة فيما هو شرّ [لسان العرب (6/ 325- 326) ] .
واصطلاحا:
ما ينفر عنه الطّبع السّليم ويستنقصه العقل المستقيم [التعريفات للجرجانى (171) ] .
وقال الحراليّ: ما يكرهه الطّبع من رذائل الأعمال الظّاهرة، كما ينكره العقل ويستخبثه الشّرع فيتّفق في حكمه: آيات اللّه الثّلاث من الشّرع والعقل والطّبع [التوقيف (257) ] .
وقال الرّاغب: الفحش والفحشاء: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال [المفردات (373) ] .
وقال الكفويّ: الفاحش كلّ شيء تجاوز قدره فهو فاحش، وكلّ أمر لا يكون موافقا للحقّ فهو فاحش [الكليات (675) ] . وقال أيضا الفحش: هو عدوان الجواب وعليه قوله لعائشة: «لا تكوني فاحشة»[الكليات (697) ]. وقال: كلّ فحشاء ذكرت في القرآن فالمراد الزّنا إلّا في قوله تعالى: (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) [البقرة: 268] فإنّ المراد البخل في أداء الزّكاة [الكليات (674) ]..القبيح من القول والفعل، وجمعهما الفواحش، وأفحش عليه في المنطق، أي قال الفحش، والفحشاء اسم الفاحشة، وقد فحش وفحش، وأفحش وفحش علينا وأفحش إفحاشا وفحشا، والصّحيح أنّ الإفحاش.
العناصر
1- توجيه الإسلام إلى مكارم الأخلاق .
2 - حكم الفحش .
3 – صور من الفحش في القول والفعل .
4- يدخل في فحش القول السبُّ، والشتم، واللعن .
5- ضرورة اجتناب أهل الفحش والبذاءة والجهل ومداراتهم .
6- الإعلام العربي بين فُحش المشهد وبذاءة العرض .
7- خشية السلف الصالح من فحش اللسان .
الايات
1- قوله تعالى: (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151 ] .
2- قوله تعالى: (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) [الأعراف: 28- 33 ] .
3- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى: 37 ] .
4- قوله تعالى: (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) [النجم: 31- 32 ] .
الاحاديث
1- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: «استأذن رجل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة»، فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول اللّه، قلت الّذي قلت ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه النّاس- اتّقاء فحشه» [البخاري- الفتح 10 (6054) واللفظ له، مسلم (2591) ] .
2- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم، فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم اللّه، وغضب اللّه عليكم. قال: «مهلا يا عائشة، عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش» قالت: أو لم تسمع ما قالوا. قال: «أو لم تسمعي ما قلت، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ» [البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له، مسلم (2593) ] .
3- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما أنّ أباه توفّي وعليه دين، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: إنّ أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلّا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه. فانطلق معي لكي لا يفحش عليّ الغرماء. فمشى حول بيدر من بيادر التّمر، فدعا ثمّ آخر ثمّ جلس عليه فقال: «انزعوه»، فأوفاهم الّذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم. [البخاري- الفتح 6 (3580) ] .
4- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فإنّ اللّه لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش، وإيّاكم والشّحّ، فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا ... الحديث.[أبو داود (1698)، وأحمد (2/ 159، 160) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (9/ 251) برقم (6487): إسناده صحيح. ورواه بنحوه باختصار مسلم رقم (2578) من حديث جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- ] .
5- عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- قال: قسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قسما، فقلت: واللّه يا رسول اللّه لغير هؤلاء كان أحقّ به منهم، قال: «إنّهم خيّروني أن يسألوني بالفحش أو يبخّلوني، فلست بباخل» [مسلم (1056) ] .
6- عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس أحد أحبّ إليه المدح من اللّه- عزّ وجلّ-، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من اللّه، من أجل ذلك حرّم الفواحش ... الحديث» [البخاري- الفتح 9 (5220)، مسلم (2760) واللفظ له ] .
7- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس المؤمن بالطّعّان، ولا اللّعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء » [أحمد في المسند (1/ 405)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح 5/ 322 برقم (3839)، والترمذي (1977) واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب ] .
8- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما كان الفحش في شيء إلّا شانه، وما كان الحياء في شيء إلّا زانه» [الترمذى (1974) واللفظ له وقال حديث حسن، وابن ماجة (4185) وقال محقق جامع الأصول إسناده حسن وصححه الألباني] .
9- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النّار» [الترمذي (2009) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصحح إسناده الشيخ الألباني، صحيح الجامع (3194) ] .
10- عن أمّ سلمة- رضي اللّه عنها- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا خرج من منزله قال: «اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ أو أزلّ، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل عليّ» [ابن ماجه (3884) واللفظ له، والنسائي (8/ 268)، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (5061) ] .
الاثار
1- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ألأم خلق المؤمن الفحش [رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (ص89) ] .
2- رأى أبو الدرداء رضي الله عنه امرأة سليطة اللسان، فقال: لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها [رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (ص184) ] .
3- عن إبراهيم بن ميسرة قال: يقال: الفاحش المتفحش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب [رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (ص185) ] .
4- عن عون بن عبد الله رحمه الله قال: ألا أن الفحش والبذاء من النفاق وهن مما يزدن في الدنيا وينقصن في الآخرة وما ينقصن في الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا [رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (ص186) ] .
5- وقال الأحنف بن قيس رحمه الله: أو لا أخبركم بأدوأ الداء: اللسان البذيء والخلق الدنيء [رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (ص186) ] .
6- قال أسماء بن خارجة: ما شتمت أحدا قط؛ لأن الذي يشتمني أحد رجلين كريم كانت منه ذلة وهفوة فأنا أحق من غفرها وأخذ الفضل فيها أو لئيم فلم أكن لأجعل عرضي. . .
وكان يتمثل: وأغفر عوراء الكريم ادخاره *** وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
[رواه ابن أبي الدنيا في الصمت (ص186) ] .
7- عن الأصمعي قال: جرى بين رجلين كلام، فقال أحدهما لصاحبه: لمثل هذا اليوم كنت أدع الفحش على الرجال. فقال له خصمه: فإني أدع الفحش عليك اليوم؛ لما تركت قبل اليوم [المجالسة وجواهر العلم لأحمد بن مروان المالكي (4/ 405) ] .
8- وعن ابن عائشة، عن أبيه؛ قال: قال بعض الحكماء: لا تضع معروفك عند فاحش ولا أحمق ولا لئيم؛ فإن الفاحش يرى ذلك ضعفا، والأحمق لا يعرف قدر ما أتيت إليه، واللئيم سبخة لا ينبت ولا يثمر، ولكن إذا أصبت المؤمن؛ فازرعه معروفك تحصد به شكرا [المجالسة وجواهر العلم لأحمد بن مروان المالكي (6/ 399) ] .
الاشعار
1- قال الشّاعر:
أحبّ مكارم الأخلاق جهدي *** وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب النّاس حلما *** وشرّ النّاس من يهوى السّبابا
[الترغيب والترهيب ص (469) ] .
متفرقات
1- قال الغزاليّ- رحمه اللّه تعالى-: إنّ السّبّ والفحش وبذاءة اللّسان مذمومة ومنهيّ عنها ومصدرها الخبث واللّؤم، والباعث عليها إمّا قصد الإيذاء وإمّا الاعتياد الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم لأنّ من عادتهم السّبّ. ومواضع ذلك متعدّدة ويمكن حصرها في كلّ حال تخفى ويستحيا منها، فإنّ التّصريح في مثل هذه الحال فحش وينبغي الكناية عنها. وأكثر ما يكون في ألفاظ الوقاع وما يتعلّق به، فإنّ لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها. وأمّا أهل الصّلاح فإنّهم يتحاشون عنها بل يكنون عنها ويدلّون عليها بالرّموز فيذكرون ما يقاربها ويتعلّق بها، ألم تر أنّ اللّه- عزّ وجلّ- كنى باللّمس عن الجماع، ولذلك فإنّه تستعمل ألفاظ مثل المسّ واللّمس والدّخول والصّحبة. كما يكون الفحش والبذاء أيضا في حال قضاء الحاجة، فإنّ استعمال البول والغائط أولى من لفظ التّغوّط والخراء. ويدخل الفحش أيضا والبذاء في ذكر النّساء والكلام عنهنّ، فلا يقال: قالت زوجتك كذا، بل يقال: قيل في الحجرة أو من وراء السّتر، أو قالت أمّ الأولاد فالتّلطّف في هذه الألفاظ محمود والتّصريح فيها يفضي إلى الفحش. وكذلك يدخل أيضا في ذكر العيوب الّتي يستحيا منها فلا ينبغي أن يعبّر عنها بصريح اللّفظ، فلا يقال فلان الأبرص والأقرع بل يقال مثلا فلان الّذي به العارض الّذي يشكوه، وهذا كلّه يختلف باختلاف البلاد. وأوائل هذه الأشياء مكروه، وآخرها محظور، وبينهما درجات يتردّد فيها [الإحياء (3/ 121- 122) بتصرف وفيه تقديم وتأخير] .
2- ذكر ابن حجر: أنّ ملازمة الشّرّ والفحش من الكبائر مستدلّا بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ شرّ النّاس عند اللّه منزلة يوم القيامة من ودعه (تركه) النّاس اتّقاء فحشه» [الحديث رقم 1]، وبما روي عن أحمد بن حنبل من أنّ الفحش والتّفحّش ليس من الإسلام في شيء، وأنّ أحسن النّاس إسلاما أحسنهم خلقا [الزواجر (152، 153) ] .
3- يقول الدكتور محمد يسري: فالولد حينما يسمع من أبويه كلمات الفحش والسباب وألفاظ الشتيمة والمنكر..فإن الولد- لاشك- سيحاكي كلماتهم،ويتعود ترداد ألفاظهم.فلا يصدر منه في النهاية إلا كلام فاحش،ولا يتلفظ إلا بمنكر القول وزوره [مدخل إلى علم العقيدة (1/163) ] .
?
4- قال الطاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 28) ]: والفاحشة في الأصل صفة لموصوف محذوف أي: فعلى فاحشة ثم نزل الوصف منزلة الاسم لكثرة دورانه، فصارت الفاحشة اسما للعمل الذميم، وهي مشتقة من الفحش بضم الفاء وهو الكثرة والقوة في الشيء المذموم والمكروه، وغلبت الفاحشة في الأفعال الشديدة القبح وهي التي تنفر منها الفطرة السليمة، أو ينشأ عنها ضر وفساد بحيث يأباها أهل العقول الراجحة، وينكرها أولو الأحلام، ويستحيي فاعلها من الناس، ويتستر من فعلها مثل البغاء والزنى والوأد والسرقة، ثم تنهى عنها الشرائع الحقة، فالفعل يوصف بأنه فاحشة قبل ورود الشرع، كأفعال أهل الجاهلية، مثل السجود للتماثيل والحجارة وطلب الشفاعة منها وهي جماد، ومثل العراء في الحج، وترك تسمية الله على الذبائح، وهي من خلق الله وتسخيره، والبغاء، واستحلال أموال اليتامى والضعفاء، وحرمان الأقارب من الميراث، واستشارة الأزلام في الإقدام على العمل أو تركه، وقتل غير القاتل لأنه من قبيلة القاتل، وتحريمهم على أنفسهم كثيرا من الطيبات التي أحلها الله وتحليلهم الخبائث مثل الميتة والدم. وقد روي عن ابن عباس أن المراد بالفاحشة في الآية التعري في الحج، وإنما محمل كلامه على أن التعري في الحج من أول ما أريد بالفاحشة لا قصرها عليه [التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور (8/64) ] .
5- بقول سعيد بن علي بن وهب القحطاني في كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم: أن يهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم. قال: «مهلا يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش » قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: «أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في»: الفحش : المقصود بالفحش في هذا الحديث: التعدي في القول والجواب. وقد يكون الفحش بمعنى: الزيادة والكثرة، كما يقال في دم البراغيث: إن لم يكن فاحشا فلا بأس: أي إن لم يكن كثيرا. و الفاحش: ذو الفحش في كلامه وفي فعاله. و المتفحش : الذي يتكلف ذلك ويتعمده. و الفحش والفاحشة والفواحش : كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة: من الأقوال والأفعال [فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري (1/511) ] .
6- قال أبو هلال العسكري: إن الفاحش الشديد القبح ويستعمل القبح في الصور فيقال القرد قبيح الصورة ولا يقال فاحش الصورة، ويقال هو فاحش القبح وهو فاحش الطول وكل شيء جاوز حد الاعتدال مجاوزة شديدة فهو فاحش وليس كذلك القبيح [الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (ص 367) ] .
7- قال السعدي في تفسيره لفوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]: أي: الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها، وذلك كالزنا واللواط ونحوهما. وقوله: مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ أي: الفواحش التي تتعلق بحركات البدن، والتي تتعلق بحركات القلوب، كالكبر والعجب والرياء والنفاق، ونحو ذلك [تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص 287) ] .
8- قال ابن بطال في قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء» [رواه الترمذي (1977)، وابن حبان (1/ 421) (192)، والحاكم (1/ 57). قال الترمذي: حسن غريب. وصحح إسناده العراقي في تخريج الإحياء (ص1010)، وصححه السيوطي في الجامع الصغير (7584) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 230)]: «ولا الفاحش» أي: فاعل الفحش أو قائله. وفي النهاية أي: من له الفحش في كلامه وفعاله قيل أي: الشاتم، والظاهر أن المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره. «ولا البذيء» ... وهو الذي لا حياء له كما قاله بعض الشراح. وفي النهاية: البذاء بالمد الفحش في القول وهو بذيء اللسان، وقد يقال بالهمز وليس بكثير. اهـ. فعلى هذا يخص الفاحش بالفعل لئلا يلزم التكرار، أو يحمل على العموم، والثاني يكون تخصيصا بعد تعميم بزيادة الاهتمام به لأنه متعد [موسوعة الأخلاق الإسلامية (2/439) ] .
9- قال الماوردي: ومما يجري مجرى فحش القول وهُجْره في وجوب اجتنابه، ولزوم تنكبه ما كان شنيع البديهة، مستنكر الظاهر، وإن كان عقب التأمل سليماً، وبعد الكشف والروية مستقيماً [أدب الدنيا والدين (ص 284)] .
10- قال القاسمي: كلام الإنسان بيان فضله، وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل، وإياك وما يستقبح من الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنك الكرام، ويُوَثِّب عليك اللئام [جوامع الآداب للقاسمي (ص 6) ] .
11- قال الماوردي: وما قدح في الأعراض من الكلام نوعان: أحدهما: ما قدح في عرض صاحبه ولم يتجاوزه إلى غيره، وذلك شيئان: الكذب وفحش القول. والثاني: ما تجاوزه إلى غيره، وذلك أربعة أشياء: الغيبة والنميمة والسعاية والسب بقذف أو شتم. وربما كان السب أنكاها للقلوب وأبلغها أثرا في النفوس. ولذلك زجر الله عنه بالحد تغليظا وبالتفسيق تشديدا وتصعيبا. وقد يكون ذلك لأحد شيئين: إما انتقام يصدر عن سفه أو بذاء يحدث عن لؤم [أدب الدنيا والدين (ص 323) ] .
12- قال النووي رحمه الله: ومما يُنهى عنه الفحشُ، وبذاءةُ اللسان؛ والأحاديثُ الصحيحة فيه كثيرة معروفة. ومعناه: التعبيرُ عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانتْ صحيحةً والمتكلّمُ بها صادق، ويقعُ ذلك كثيرًا في ألفاظ الوقاع ونحوها. وينبغي أن يستعملَ في ذلك الكنايات ويعبّر عنها بعبارة جميلة يُفهم بها الغرضُ، وبهذا جاءَ القرآن العزيز والسن الصحيحة المكرّمة، قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ) [البقرة:187] وقال تعالى: (وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ) [النساء:21] وقال تعالى: (وَإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ) [البقرة: 237] والآيات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة . قال العلماء: فينبغي أن يستعملَ في هذا وما أشبهَه من العبارات التي يُستحيى من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيُكنّي عن جماع المرأة بالإِفضاءِ والدخولِ والمعاشرةِ والوِقاع ونحوها، ولا يُصرّح بالنّيل والجماع ونحوهما، وكذلك يُكنّي عن البول والتغوّط بقضاء الحاجة والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرّحُ بالخِرَاءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكرُ العيوب كالبرص والبَخَر والصُّنان وغيرها، يعبّر عنها بعبارات جميلة يُفهم منها الغرض، ويُلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه. واعلم أن هذا كلَّه إذا لم تدعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعتْ حاجةٌ لغرض البيان والتعليم وخِيفَ أن المخاطَب لا يفهم المجاز، أو يفهمُ غيرَ المراد صرّح حينئذ باسمه الصريح ليحصلَ الإِفهامُ في هذا أولى من مراعاة مجرّد الأدب، وبالله التوفيق[الأذكار (1/578) ] .
الإحالات
1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (11/5231) .
2- الأسماء والصفات المؤلف : البيهقي أحمد بن الحسين أبو بكر 458 هجرية المحقق : عبد الله بن محمد الحاشدي الناشر : مكتبة السوادي – جدة الطبعة : الأولى (1/396) .
3- ما روي الحوض والكوثر المؤلف : بقي بن مخلد القرطبي الناشر : مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة الطبعة الأولى ، 1413 تحقيق : عبد القادر محمد عطا صوفي (1/105) .
4- أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المؤلف : جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري الناشر : مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة : الخامسة، 1424هـ/2003م (3/528) .
5- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م (2/530) .
6- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) حققه: مُحَمَّد أجمل الإصْلاَحي خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري الناشر: مجمع الفقه الإسلامي بجدة، ط دار عالم الفوائد بجدة الطبعة: الأولى، 1429 (1/382) .
7- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (51/237) .
8- فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري المؤلف: سعيد بن علي بن وهب القحطاني أصل الكتاب: رسالة دكتوراه، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الناشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الطبعة: الأولى، 1421هـ (1/511) .
9- موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت
dorar.net (2/436) . 10- موسوعة الرقائق والأدب المؤلف: ياسر بن أحمد بن محمود بن أحمد بن أبي الحمد الكويس الحمداني (1/358) .
11- الأذكار النووية أو حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) المحقق: محيي الدين مستو الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت الطبعة: الثانية،1410 هـ - 1990 م (1/578) .
12- مُخْتَصَرُ مِنْهَاجِ القَاصِدِينْ المؤلف: نجم الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي (المتوفى: 689هـ) قدم له: الأستاذ محمد أحمد دهمان الناشر: مكتَبَةُ دَارِ البَيَانْ، دمشق عام النشر: 1398 هـ - 1978 م (1/167) .