غم
2022-10-06 - 1444/03/10التعريف
قال ابن فارس: "الغين والميم أصلٌ واحد صحيح يدل على تغطية وإطباق. تقول: غممت الشيء أغمه، أي غطيته وغم الهلال، إذا لم ير. وفي الحديث: (فإن غم عليكم فاقدروا له). أي: غطي الهلال. ويقال: يومٌ غمٌ وليلة غمة، إذا كانا مظلمين. وغمه الأمر يغمه غمًا، وهو شيء يغشى القلب"(مقاييس اللغة، لابن فارس:٤-٣٧٧).
يقال: أمرٌ غمة، أي مبهمٌ ملتبسٌ (الصحاح، الجوهري:٥-١٩٩٨).
و"الغم: ضد الفرج، والغمة: الضيقة"(جمهرة اللغة، لابن دريد:١-١٦٠).
في الاصطلاح:
عرفه أبو هلال العسكري بقوله: "الغم معنىً ينقبض القلب معه، ويكون لوقوع ضرر قد كان، أو توقع ضرر يكون، أو يتوهمه. وقيل: الغم: ما لا يقدر الإنسان على إزالته كموت المحبوب"( انظر: الفروق اللغوية، لأبي هلال العسكري:٥٦٠).
وقال ابن حجر: "هو ما يضيق على القلب"(انظر: مختار الصحاح، للرازي:٢٥٤).
"قيل: إن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل. وقال المظهري: الغم الحزن الذي يغم الرجل؛ أي: يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه والحزن أسهل منه"(إرشاد الساري؛ القسطلاني:٨-٣٤٠).
العناصر
1- الفرق بين الهم والغم
2- الحياة مبناها على الابتلاء والتعب
3- كثرة مظاهر الغموم
4- وسائل دفع الغم ورفعه
الايات
1- قال الله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ...)[آل عمران:154].
2- قال تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[التوبة:117-118].
3- قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ)[يونس:71].
4- قال تعالى: (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى)[طه:40].
5- قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الأنبياء:87-88].
6- قال تعالى: (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)[الحج: 19-22].
الاحاديث
1- عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الفِتْنَةَ تَجِيءُ مِن هاهُنا وأَوْمَأَ بيَدِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ مِن حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنا الشَّيْطانِ وأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ، وإنَّما قَتَلَ مُوسى الذي قَتَلَ، مِن آلِ فِرْعَوْنَ، خَطَأً فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ له: (وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وفَتَنّاكَ فُتُونًا) (أخرجه مسلم:٢٩٠٥، وأخرجه البخاري:٣٥١١مختصراً).
2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بلَحْمٍ فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ، وكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ منها نَهْشَةً، ثُمَّ قالَ: أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القِيَامَةِ، وهلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذلكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ واحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي ويَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ ولَا يَحْتَمِلُونَ، فيَقولُ النَّاسُ: ألَا تَرَوْنَ ما قدْ بَلَغَكُمْ، ألَا تَنْظُرُونَ مَن يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ ... الحديث (أخرجه البخاري:٤٧١٢، ومسلم:١٩٤).
3- عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا نَزَلَ به هَمٌّ أوْ غَمٌّ قالَ: يا حيُّ يا قيُّومُ، برحمتِكَ أَستغيثُ (رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين:١٨٩٩، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:٤٧٩١).
4- عن أسماء بنت عميس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أصابَهُ هَمٌّ أوْ غَمٌّ، أوْ سُقْمٌ، أَوْ شِدَّةٌ، فقالَ: اللهُ رَبِّي، لا شريكَ لَهُ، كَشَفَ ذلِكَ عَنْهُ"(أخرجه أحمد:٢٧٠٨٢ باختلاف يسير مختصراً، وابن أبي الدنيا في «الفرج» (٤٨) باختلاف يسير، والطبراني:٢٤/١٥٤، (٣٩٦) واللفظ له، وحسنه الألباني).
5- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أصاب أحدَكم غمٌّ أو كَربٌ فليقُلِ: اللهُ، اللهُ ربِّي لا أُشرِكُ به شيئًا"(أخرجه ابن حبان:٨٦٤، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة:٢٧٥٥).
6- عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أَصابَ عبدًا قطُّ هَمٌّ ولا غمٌّ ولا حَزَنٌ فقال: اللهمَّ إنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ، أسألُكَ بكلِّ اسْمٍ هو لكَ سَمَّيْتَ بهِ نَفْسَكَ، أوْ أنْزَلْتُهُ في كتابِكَ، أوْ عَلَّمْتَهُ أحدًا من خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عندَكَ، أنْ تَجْعَلَ القرآنَ رَبيعَ قلبي، ونُورَ بَصَرِي، وجِلاءَ حُزْنِي، وذَهابَ هَمِّي وغمي، إلّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وغمَّهُ وأَبْدَلهُ مكانًا فرجًا"، قالوا: يا رسولَ اللهِ أَفلا نَتَعَلَّمُهنَّ؟ قال: "بلى يَنبغي لِمَنْ سمعَهُنَّ أنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ"(أخرجه أحمد:٣٧١٢، وابن حبان:٩٧٢ باختلاف يسير، وقال ابن تيمية: مشهور).
7- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلّا كَفَّرَ اللَّهُ بها مِن خَطاياهُ"(أخرجه البخاري:٥٦٤٢ واللفظ له، ومسلم:٢٥٧٣).
8- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لَمّا نَزَلَتْ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)[النساء: ١٢٣] بَلَغَتْ مِنَ المُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: قارِبُوا وَسَدِّدُوا؛ فَفِي كُلِّ ما يُصابُ به المُسْلِمُ كَفّارَةٌ، حتّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُها، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشاكُها"(أخرجه مسلم:٢٥٧٤).
9- عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال: قال أبو بَكْرٍ: يا رسولَ اللهِ، كيف الصَّلاحُ بعدَ هذه الآيةِ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)[النساء: ١٢٣]؟! فذكَرَ الحديثَ -أيْ حديثَ: فكلُّ سُوءٍ عَمِلْنا جُزِينا به؟!- فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "غفَرَ اللهُ لك يا أبا بَكْرٍ، ألستَ تَمرَضُ؟ ألستَ تَنصَبُ؟ ألستَ تَحزَنُ؟ ألستَ تُصيبُك اللَّأْواءُ؟"، قال: بلى. قال: "فهو ما تُجزَوْنَ به"(أخرجه أحمد:٧٠ واللفظ له، وصححه شعيب الأرنؤوط).
الاثار
عن ابن عباس قوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30]، قال: "يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الآخرة"(جامع البيان؛ للطبري:٢١-٥٣9).
القصص
1- قال أحمد عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: "اللهم أين ما وعدتني، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة (الجماعة) من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا"، قال: فما زال يستغيث ربه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردَّاه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا رسول الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)[الأنفال: 9]؛ فلما كان يومئذ والتقوا، فهزم الله المشركين، فقتل منهم سبعون رجلًا، وأسر منهم سبعون رجلًا؛ (حديث حسن؛ مسند أحمد ج1 - ص 334، حديث: 208).
2- قوله: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا)[التوبة: 118].
هم الثلاثة الذين أخر الله تعالى ذكر قبول توبتهم، وهم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك في جملةِ مَن قعد، كسلًا وميلًا إلى الدَّعة (أي الراحة) والحفظ، وطيب الثمار والظلال، لا شكًّا ونفاقًا، فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري، كما فعل أبو لبابة وأصحابه (إعلانًا عن توبتهم)، وطائفة لم يفعلوا ذلك، وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون، فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء، وأرجى هؤلاء عن التوبة حتى نزلت الآية الآتية، وهي قوله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:117] (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[التوبة: 118]؛ (تفسير ابن كثير ج4-210).
4- روى الشيخان عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "كان جريج رجلًا عابدًا، فاتخذ صومعةً، فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قال: فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج! فأتوه فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي، فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به، فقال: دعوني حتى أصلِّي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا"(رواه البخاري:2482، ومسلم:2550).
5- روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش (خباء) في المسجد، قالت: فكانت تأتينا فتحدث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا *** ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
فلما أكثرت قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟ قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي، وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطت عليه الحديا، وهي تحسبه لحمًا، فأخذته فاتهموني به فعذبوني، حتى بلغ من أمري أنهم طلبوا في قُبُلي، فبينا هم حولي وأنا في كربي، إذ أقبلت الحديَّا حتى وازت برؤوسنا، ثم ألقته، فأخذوه، فقلت لهم: هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئة؛ (رواه البخاري: 3835).
6- إن عبد الله بن جعفر، زوج ابنته فخلا بها، فقال: إذا نزل بك الموت، أو أمر من أمور الدنيا فظيع، فاستقبليه بأن تقولي: "لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين"، قال الحسن بن الحسن: فبعث إليَّ الحجاج، فقلتهن، فما قمت بين يديه، فقال: والله لقد أرسلت إليك، وأنا أريد أن أضرب عنقك، ولقد صرت وما من أهل بيت أحد أكرم عليَّ منك، سلني حاجتك؛ (مصنف ابن أبي شيبة ج6 - ص23، رقم: 29179).
7- قال محمد بن أبي حاتم: سمعت البخاري يقول: خرجت إلى آدم بن أبي إياس، فتخلفت عني نفقتي، حتى جعلت أتناول الحشيش، ولا أخبر بذلك أحدًا، فلما كان اليوم الثالث أتاني آت لم أعرفه، فناولني صرة دنانير، وقال: أنفق على نفسك؛ (سير أعلام النبلاء، للذهبي ج12 - ص448).
8- قال منذر بن سعيد: ذهبت إلى الحج مع قوم على أقدامنا، فانقطعنا واحتجنا إلى الماء في الحجاز، وتهنا في الصحراء، فأوينا إلى غار ننتظر الموت، فوضعت رأسي ملصقًا بالجبل، فإذا حجر كان في قبالته، فعالجته، فنزعته، فانبعث الماء، فشربنا وتزودنا؛ (سير أعلام النبلاء، للذهبي ج16 - ص175).
9- حاصر أمير المؤمنين هارون الرشيد حصنًا، فإذا سهم قد جاء ليس له نصل حتى وقع بين يديه، مكتوب عليه:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي *** وصار القار كاللبن الحليب
فقال أمير المؤمنين هارون الرشيد: اكتبوا عليه وردوه:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه *** يكون وراءه فرج قريب
قال: فافتتح الحصن بعد ذلك بيومين، أو ثلاثة، فكان الرجل صاحب السهم ممن تخلص، وكان مأسورًا محبوسًا فيه سنتين؛ (الفرج بعد الشدة، لابن أبي الدنيا، ص77).
10- قال جعفر بن زيد العبدي: خرجنا غزاةً إلى كابل (عاصمة أفغانستان)، وفي الجيش صلة بن أشيم، فلما دنونا من أرض العدو، قال الأمير: لا يشذن (أي يبتعد) من العسكر أحد، فذهبت بغلة صلة بثقلها، فأخذ يصلي فقيل: إن الناس قد ذهبوا، فقال: إنما هما خفيفتان، قال: فدعا، ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد عليَّ بغلتي وثقلها، قال: فجاءت حتى وقفت بين يديه؛ (مجابو الدعوة، لابن أبي الدنيا، ص49- رقم: 55).
متفرقات
1- قال ابن سعدي -رحمه الله- في قوله تعالى: "(فَأَثَابَكُمْ)؛ أي: جازاكم على فعلكم (غَمًّا بِغَمٍّ)؛ أي: غما يتبع غما، غم بفوات النصر وفوات الغنيمة، وغم بانهزامكم، وغم أنساكم كل غم، وهو سماعكم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- قد قتل. ولكن الله -بلطفه وحسن نظره لعباده- جعل اجتماع هذه الأمور لعباده المؤمنين خيرا لهم، فقال: (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ) من النصر والظفر، (وَلا مَا أَصَابَكُمْ) من الهزيمة والقتل والجراح، إذا تحققتم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل هانت عليكم تلك المصيبات، واغتبطتم بوجوده المسلي عن كل مصيبة ومحنة، فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الأسرار والحكم، وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته بأعمالكم، وظواهركم وبواطنكم، ولهذا قال: (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)"(تيسير الكريم الرحمن).
2- قال الرازي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ) "واعلم أن الغموم هناك كانت كثيرة:
أحدها: غمهم بما نالهم من العدو في الأنفس والأموال.
وثانيها: غمهم بما لحق سائر المؤمنين من ذلك.
وثالثها: غمهم بما وصل إلى الرسول من الشجة وكسر الرباعية.
ورابعها: ما أرجف به من قتل الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وخامسها: بما وقع منهم من المعصية وما يخافون من عقابها.
وسادسها: غمهم بسبب التوبة التي صارت واجبة عليهم، وذلك لأنهم إذا تابوا عن تلك المعصية لم تتم توبتهم إلا بترك الهزيمة والعود إلى المحاربة بعد الانهزام، وذلك من أشق الأشياء؛ لأن الإنسان بعد صيرورته منهزما يصير ضعيف القلب جبانا، فإذا أمر بالمعاودة، فإن فعل خاف القتل، وإن لم يفعل خاف الكفر أو عقاب الآخرة، وهذا الغم لا شك أنه أعظم الغموم والأحزان، وإذا عرفت هذه الجملة فكل واحد من المفسرين فسر هذه الآية بواحد من هذه الوجوه ونحن نعدها:
الوجه الأول: أن الغم الأول ما أصابهم عند الفشل والتنازع، والغم الثاني ما حصل عند الهزيمة.
الوجه الثاني: أن الغم الأول ما حصل بسبب فوت الغنائم، والغم الثاني ما حصل بسبب أن أبا سفيان وخالد بن الوليد اطلعا على المسلمين فحملوا عليهم وقتلوا منهم جمعا عظيما.
الوجه الثالث: أن الغم الأول ما كان عند توجه أبي سفيان وخالد بن الوليد عليهم بالقتل، والغم الثاني هو أن المشركين لما رجعوا خاف الباقون من المسلمين من أنهم لو رجعوا لقتلوا الكل فصار هذا الغم بحيث أذهلهم عن الغم الأول.
والوجه الرابع: أن الغم الأول ما وصل إليهم بسبب أنفسهم وأموالهم، والغم الثاني ما وصل إليهم بسبب الإرجاف بقتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي الآية قول ثالث اختاره القفال رحمه الله تعالى قال: وعندنا أن الله تعالى ما أراد بقوله: (غما بغم) اثنين، وإنما أراد مواصلة الغموم وطولها، أي أن الله عاقبكم بغموم كثيرة، مثل قتل إخوانكم وأقاربكم، ونزول المشركين من فوق الجبل عليكم بحيث لم تأمنوا أن يهلك أكثركم، ومثل إقدامكم على المعصية، فكأنه تعالى قال: أثابكم هذه الغموم المتعاقبة ليصير ذلك زاجرا لكم عن الإقدام على المعصية والاشتغال بما يخالف أمر الله تعالى"(تفسير الرازي).
3- قال صديق حسن خان: في قوله تعالى: ( ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) "أي خفياً، والغمة التغطية من قولهم غم الهلال إذا استتر أي ليكن أمركم ظاهراً منكشفاً قاله الزجاج، وقال الهيثم: معناه لا يكن أمركم مبهماً، وقيل أن الغمة ضيق الأمر، كذا روي عن أبي عبيدة.
والمعنى لا يكن أمركم عليكم بمصاحبتي والمجاملة لي ضيقاً شديداً بل ادفعوا هذا الضيق والشدة بما شئتم وقدرتم عليه، وعلى الوجهين الأولين يكون المراد بالأمر الثاني هو الأمر الأول، وعلى الثالث يكون المراد غيره، وإنما نسب عدم الستر الذي هو عدم الغمة إلى الأمر مبالغة"(فتح البيان للقنوجي).
4- قال الرازي رحمه الله في قوله تعالى: (وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ) "فالمراد به: وقتلت بعد كبرك نفسا، وهو الرجل الذي قتله خطأ بأن وكزه حيث استغاثه الإسرائيلي عليه وكان قبطيا فحصل له الغم من وجهين:
أحدهما: من عقاب الدنيا وهو اقتصاص فرعون منه ما حكى الله تعالى عنه: (فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ)[القصص:١٨] والآخر من عقاب الله تعالى حيث قتله لا بأمر الله فنجاه الله تعالى من الغمين، أما من فرعون فحين وفق له المهاجرة إلى مدين، وأما من عقاب الآخرة فلأنه -سبحانه وتعالى- غفر له ذلك"(تفسير الرازي).
5- قال الرازي رحمه الله في قوله تعالى: (ونَجَّيْناهُ مِنَ الغَمِّ) "أي من غمه بسبب كونه في بطن الحوت، وبسبب خطيئته، وكما أنجينا يونس عليه السلام من كرب الحبس إذ دعانا: (وكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ) من كربهم إذا استغاثوا بنا"(تفسير الرازي).
6- قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: (كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها مِن غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) "وقد ذكر أنهم يحاولون الخروج من النار حين تجيش جهنم فتلقي من فيها إلى أعلى أبوابها، فيريدون الخروج فتعيدهم الخزان فيها بالمقامع، ويقولون لهم إذا ضربوهم بالمقامع: (ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)"(تفسير ابن كثير).
7- قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث تعقب على الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث قال: ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور، وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب، والمصائب ليست منها، بل الأجر على الصبر والرضا.
ووجه التعقب أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة، وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة. قال القرافي المصائب كفارات جزما سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قل، -كذا قال- والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه. وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لتحصيل الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع -كذا قال-، وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له، وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر فيه على ذلك"(فتح الباري، ابن حجر:١٠-١٠٥).
8- قال القرطبي: "قال الجمهور: لفظ الآية عام، والكافر والمؤمن مجازى بعمله السوء، فأما مجازاة الكافر فالنار، لان كفره أو بقه، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: لما نزلت (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها".