غرور
2022-10-10 - 1444/03/14التعريف
الغرور لغة:
مصدر قولهم: غرّه يغرّه، وهو مأخوذ من مادّة (غ ر ر)، الّتي تدلّ على النّقصان، والمراد نقصان الفطنة، ولهذه المادّة دلالتان أخريان هما: المثال الّذي يطبع عليه السّهام (حتّى تصير على نسق واحد) ومن ذلك: ولدت فلانة أولادها على غرار واحد (أي متشابهين)، والآخر: العتق والبياض والكرم، ومن ذلك الغرّة، إذ غرّة كلّ شيء أكرمه، والغرّة البياض، ويقال لثلاث ليال من الشّهر: غرّة ، قال ابن فارس، وممّا يقارب هذا (الأصل) الغرارة، وذلك أنّها من كرم الخلق، قد تكون في كلّ كريم، فأمّا (الغرور) المذموم فهو من الأصل الأوّل (أي النّقصان) لأنّه من نقصان الفطنة [مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 380- 382) ] . وذهب الرّاغب إلى أنّ الغرور مأخوذ من «غرّ الثّوب» وهو أثر كسره، يقال: اطو الثّوب على غرّه، قال: وغرّه كذا غرورا كأنّما طواه على غرّه، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار: 6] المراد: ما خدعك وسوّل لك؟، وقيل: كيف اجترأت عليه ولم تخفه فأضعت ما وجب عليك، وهذا توبيخ وتبكيت للعبد الّذي يأمن مكر اللّه تعالى [تفسير القرطبي 19/ 161، ولسان العرب (غرر) ص 3232 (ط: دار المعارف) بتصرف] . وقال الفيروزآباديّ: الغرّة: الغفلة، وغررته: أصبت غفلته ونلت منه ما أريد، والشّيطان أقوى الغارّين وأخبثهم [بصائر ذوي التمييز (4/ 129) ] . وقال الجوهريّ: الغرور (يستعمل جمعا) مفرده «غرّ»، ومن ذلك الغرور: مكاسر الجلد، قال أبو النّجم:
حتّى إذا طار من خبيرها *** عن جدد صفر وعن غرورها
قال: وغرّ الثّوب كسره الأوّل، قال الأصمعيّ:
حدّثني رجل عن رؤبة أنّه عرض عليه ثوب، فنظر إليه وقلّبه ثمّ قال: اطوه على غرّه؛ واغتررت يا رجل: غفلت، واغترّه أي أتاه على غرّة (أي غفلة) منه، واغترّ بالشّيء خدع به، وقال ابن السّكّيت: الغرور (بالفتح): الشّيطان، والغرور: ما يتغرغر به من الأدوية والغرور (بالضّمّ) ما اغترّ به من متاع الدّنيا، والغرار: النوم القليل، والغرار: نقصان لبن النّاقة، وفي الحديث: «لا غرار في الصّلاة» وهو ألّا يتمّ ركوعها وسجودها، والغرار (أيضا): الطّريقة، وقولهم: غرّة يغرّه غرورا: خدعه، يقال: ما غرّك بفلان؟ أي كيف اجترأت عليه؟، والتّغرير: حمل النّفس على الغرر، وقد غرّر بنفسه تغريرا وتغرّة، كما يقال: حلّل تحليلا وتحلّة، وعلّل تعليلا وتعلّة [الصحاح (2/ 767- 770) بتصرف واختصار] .
أمّا قول اللّه تعالى: (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33] قيل: الغرور الشّيطان، قال الزّجّاج: ويجوز الغرور (بضمّ الغين)، وقال في تفسيره: الغرور: الأباطيل، ويجوز أن يكون الغرور جمع غارّ مثل شاهد وشهود، والغرور (أيضا) ما اغترّ به من متاع الدّنيا، وفي التّنزيل العزيز (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [لقمان: 33] المعنى: إن كان لكم حظّ ينقص من دينكم فلا تؤثروا ذلك الحظّ، والشّيطان غرور لأنّه يغرّ النّاس بالوعد الكاذب والتّمنية، والغرور (أيضا) الأباطيل كأنّها جمع غرّ (مصدر غررته)، وقيل: المراد بالغرور: زينة الأشياء في الدّنيا.[انظر النهاية لابن الأثير 3/ 355، ولسان العرب) (غرر) ص، 3233].قال ابن منظور: الغرارة من الغرّ، والغرّة من الغارّ، والتّغرّة من التّغرير، وفي حديث عمر رضي اللّه عنه- أيّما رجل بايع آخر على مشورة فإنّه لا يؤمّر واحد منهما تغرّة أن يقتلا» التغرّة هنا مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر، قال الأزهريّ: المعنى لا يبايع الرّجل إلّا بعد مشاورة الملإ من أشراف النّاس واتّفاقهم، ومن بايع غيره عن غير اتّفاق من الملإ لم يؤمّر واحد منهما تغرّة بمكر المؤمّر منهما لئلّا يقتلا أو أحدهما [لسان العرب (غرر) ص 3233، وقال ابن الأثير: معنى الحديث أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر فذلك تظاهر منهما بشق العصا واطراح الجماعة. انظر النهاية (3/ 356) ] .
الغرور اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الغرور: هو سكون النّفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطّبع [التعريفات للجرجاني ص 167، والتوقيف على مهمات التعاريف لابن المناوي ص 251] .
وقال المناويّ نقلا عن الحراليّ: الغرور: هو إخفاء الخدعة في صورة النّصيحة [التوقيف ص 252] .
وقال الكفويّ: الغرور: هو تزيين الخطإ بأنّه صواب، وقيل: الغرور (والغرر أيضا) ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا [الكليات للكفوي ص 672] .
أمّا الغرور فهو كلّ ما يغرّ الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وغير ذلك [المفردات للراغب ص 359 والتوقيف على مهمات التعاريف ص 251] . وقال الكفويّ: كلّ من غرّ شيئا فهو غرور (بالفتح)، والغرور (بالضّمّ): الباطل [الكليات (663) ] .
العناصر
1- الفرق بين الجهل والغرور .
2- الفرق بين الثّقة باللّه والغرور والعجز .
3-أنواع الغرور .
4- مظاهر الغرور .
5- الغرور بالنفس يولد الإعجاب بالرأي، والكبر على الخلق .
6- الحذر من الغرور والاستبداد والتعالي .
7- التحذير من الاغترار بالدنيا وزينتها.
8- التحذير من طول الأمل وتسويف التوبة.
9- التحذير من الغرور بالعمل.
10- أهمية محاسبة النفس.
الايات
1- قوله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ) [آل عمران: 185] .
2- قوله تعالى: ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) [الأنعام: 70] .
3- قوله تعالى: ( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ ) [الأنعام: 130] .
4- قوله تعالى: ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ) [الأعراف: 51] .
5- قوله تعالى: ( ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) [الجاثية: 35] .
6- قوله تعالى: ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ) [الحديد: 20] .
7- قوله تعالى: ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً * أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً ) [لقمان: 33] .
8- قوله تعالى: ( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ ) [فاطر: 5] .
9- قوله تعالى: ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [غافر: 4] .
10- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) [لقمان: 33] .
11- قوله تعالى: ( إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال: 49] .
12- قوله تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً ) [فاطر: 40] .
الاحاديث
1- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: لمّا أصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشا يوم بدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال: «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا». قالوا: يا محمّد لا يغرّنّك من نفسك أنّك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنّك لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن النّاس وإنّك لم تلق مثلنا، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- في ذلك ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ ) [آل عمران: 12]، [سنن أبي داود 3 (3001)، والطبري (6666) ورجاله ثقات غير محمد بن أبي محمد ووثقه ابن حبان والحديث ضعف سنده الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود ] .
2- عن ابن أبان- رضي اللّه عنه- قال: أتيت عثمان بن عفّان بطهور وهو جالس على المقاعد فتوضّأ فأحسن الوضوء ثمّ قال: رأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم توضّأ وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثمّ قال: من توضّأ مثل هذا الوضوء ثمّ أتى المسجد فركع ركعتين، ثمّ جلس غفر له ما تقدّم من ذنبه قال: وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم «لا تغترّوا» [البخاري- الفتح 11 (4633) ] .
3- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- يحدّث أنّه قال: «مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتّى خرج حاجّا فخرجت معه، فلمّا رجعت وكنّا ببعض الطّريق. عدل إلى الأراك لحاجة له، قال فوقفت له حتّى فرغ، ثمّ سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللّتان تظاهرتا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أزواجه، فقال: تلك حفصة وعائشة، قال فقلت: واللّه إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال فلا تفعل؛ ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبّرتك به، قال ثمّ قال عمر: واللّه إن كنّا في الجاهليّة ما نعدّ للنّساء أمرا، حتّى أنزل اللّه فيهنّ ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، قال فقلت لها: مالك ولما ها هنا، فيما تكلّفك في أمر أريده؟ فقالت لي عجبا لك يا ابن الخطّاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإنّ ابنتك لتراجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان. فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتّى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنيّة إنّك لتراجعين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة: واللّه إنّا لنراجعه. فقلت: تعلمين أنّي أحذّرك عقوبة اللّه وغضب رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم يا بنيّة لا يغرّنّك هذه الّتي أعجبها حسنها حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاها- يريد عائشة- قال ثمّ خرجت حتّى دخلت على أمّ سلمة لقرابتي منها فكلّمتها، فقالت أمّ سلمة: عجبا لك يابن الخطّاب دخلت في كلّ شيء حتّى تبتغي أن تدخل بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأزواجه فأخذتني واللّه أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوّف ملكا من ملوك غسّان ذكر لنا أنّه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاريّ يدقّ الباب، فقال افتح افتح فقلت جاء الغسّانيّ فقال: بل أشدّ من ذلك، اعتزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أزواجه. فقلت رغم أنف حفصة وعائشة. فأخذت ثوبي فأخرج حتّى جئت، فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مشربة له يرقى عليها بعجلة، وغلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسود على رأس الدّرجة، فقلت له: قل هذا عمر بن الخطّاب. فأذن لي. قال عمر: فقصصت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذا الحديث، فلمّا بلغت حديث أمّ سلمة تبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وإنّه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإنّ عند رجليه قرظا مصبورا ، وعند رأسه أهب معلّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول اللّه، إنّ كسرى وقيصر. فيما هما فيه، وأنت رسول اللّه، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدّنيا ولنا الآخرة؟» [البخاري- الفتح 8 (4913) ] .
4- عن شيخ من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسوق ذي المجاز يتخلّلها. يقول «يا أيّها النّاس قولوا لا إله إلّا اللّه تفلحوا» قال: وأبو جهل يحثي عليه التّراب، ويقول: أيّها النّاس لا يغرّنّكم هذا عن دينكم، فإنّما يريد لتتركوا آلهتكم، ولتتركوا اللّات والعزّى، قال: وما يلتفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ... الحديث. [المسند (5/ 376) برقم (23254)، وذكره الهيثمي في المجمع 6/ 22، وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وقال شعيب الأرناؤوط إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين] .
الاثار
1- عن عليّ- رضي اللّه عنه- قال: تقوى اللّه مفتاح سداد وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، فبادروا بالأعمال عمرا ناكسا ، أو مرضا حابسا ، أو موتا خالسا ، فإنّه هادم لذّاتكم، ومباعد طيّاتكم ، زائر غير محبوب، وواتر غير مطلوب، قد أعلقتكم حبائله، وتكنّفتكم غوائله، وأقصدتكم معابله ، فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، واحتدام علله، وحنادس غمراته، وغواشي سكراته، وأليم إرهاقه، ودجوّ إطباقه، وجشوبة مذاقه فأسكت نجيّكم ، وفرّق نديّكم، فلا تغرّنكم الدّنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية، الّذين احتلبوا درّتها ، وأصابوا غرّتها، وأفنوا عدّتها وأخلقوا جدّتها، أصبحت مساكنهم أجداثا، وأموالهم ميراثا، فإنّها غرّارة خدوع، معطية منوع، لا يدوم رخاؤها، ولا ينقضي عناؤها، ولا يركد بلاؤها. [منال الطالب لابن الأثير 364] .
2- عن عليّ- رضي اللّه عنه- أنّه صاح بغلام له مرّات، فلم يلبّه، فنظر، فإذا هو بالباب، فقال: مالك لم تجبني؟ قال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك، فاستحسن ذلك فأعتقه. [تفسير القرطبي (10/ 161) ] .
3- قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه-: كفى بخشية اللّه علما وكفى بالاغترار باللّه جهلا. [الإحياء (3/ 411) ] .
4- قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه- ما منكم من أحد إلّا وسيخلو اللّه به يوم القيامة، فيقول له: يابن آدم ماذا غرّك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟. [تفسير القرطبي (10/ 161) ] .
5- دخل أبو الدّرداء- رضي اللّه عنه- الشّام فقال: يا أهل الشّام، اسمعوا قول أخ ناصح فاجتمعوا عليه، فقال؛ مالي أراكم تبنون مالا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون؟ إنّ الّذين كانوا قبلكم بنوا مشيدا وأمّلوا بعيدا وجمعوا كثيرا، فأصبح أملهم غرورا وجمعهم ثبورا ومساكنهم قبورا. [أدب الدنيا والدين ص 128 ] .
6- قال مجاهد- رضي اللّه عنه- في قوله تعالى: ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر: 5] الغرور: الشّيطان. [البخاري- الفتح 11 (254) ] .
7- قال وهب بن منبّه- رحمه اللّه- قال اللّه لموسى انطلق برسالتي فإنّك بسمعي وعيني وإنّ معك يدي وبصري وإنّي قد ألبستك جنّة من سلطاني لتستكمل بها القوّة في أمري فأنت جند عظيم من جندي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر نعمتي وأمن مكري وغرّته الدّنيا عنّي، جحد حقّي وأنكر ربوبيّتي. [تفسير ابن كثير (3/ 146) ] .
8- عن أبي حازم قال: لمّا حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة، قال: ائتوني بكفني الّذي أكفّن فيه، أنظر إليه. فلمّا وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي كثير ما أخلف من الدّنيا إلّا هذا، ثمّ ولّى ظهره وبكى وقال: أفّ لك من دار إن كان كثيرك لقليل وإن كان قليلك لكثير وإن كنّا منك لفي غرور. [الدر المنثور (3/ 429) ] .
9- قال أبو بكر الورّاق: لو قال لي أحد: ما غرّك بربّك الكريم؟ لقلت غرّني كرم الكريم، وقال بعض أهل الإشارة: إنّما قال: بربّك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنّه لقّنه الإجابة؛ وهذا الّذي تخيّله هذا القائل ليس بطائل لأنّه إنّما أتى باسمه الكريم ينبّه على أنّه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور. [تفسير الطبري (19/ 161) ] .
10- قال عون بن عبد اللّه: إذا عصتك نفسك فيما كرهت فلا تطعها فيما أحببت، ولا يغرّنّك ثناء من جهل أمرك. [أدب الدنيا والدين ص 230 ] .
11- قيل للفضيل بن عياض: لو أقامك اللّه- تعالى- يوم القيامة بين يديه. فقال لك: ما غرّك بربّك الكريم؟ ماذا كنت تقول؟ قال: كنت أقول: غرّني ستورك المرخاة لأنّ الكريم هو السّتّار. نظمه ابن السّمّاك فقال:
يا كاتم الذّنب أما تستحي *** واللّه في الخلوة ثانيكا
غرّك من ربّك إمهاله *** وستره طول مساويكا
[تفسير القرطبي (10/ 161) ] .
12- قال مسعر: كم من مستقبل يوما وليس يستكمله ومنتظر غدا وليس من أجله ولو رأيتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره. [أدب الدنيا والدين للماوردي ص 123 ] .
الاشعار
1- قال ابن طاهر الأبهريّ:
يا من غلا في العجب والتّيه *** وغرّه طول تماديه
أملى لك اللّه فبارزته *** ولم تخف غبّ معاصيه
[تفسير القرطبي (10/ 161) ] .
2- ابن جُزي الكلبي صاحب التفسير المشهور:
لكل بني الدنيا مُرادٌ ومقصدٌ *** وإنَّ مرادي صحةٌ وفراغُ
لأبلُغ في علم الشريعة مبلغًا *** يكون به لي للجنان بلاغُ
ففي مثل هذا فليُنافس ذوو النُّهى *** وحسْبِيَ من دار الغُرور بلاغُ
متفرقات
1- روى الدّارميّ في سننه عن بعض الفقهاء أنّه قال: يا صاحب العلم اعمل بعلمك، وأعط فضل مالك، واحبس الفضل من قولك إلّا بشيء من الحديث ينفعك عند ربّك، يا صاحب العلم إنّ الّذي علمت ثمّ لم تعمل به قاطع حجّتك ومعذرتك عند ربّك إذا لقيته، يا صاحب العلم إنّ الّذي أمرت به من طاعة اللّه ليشغلك عمّا نهيت عنه من معصية اللّه، يا صاحب العلم لا تكوننّ قويّا في عمل غيرك ضعيفا في عمل نفسك، يا صاحب العلم لا يشغلنّك الّذي لغيرك عن الّذي لك، يا صاحب العلم عظّم العلماء، وزاحمهم، واستمع منهم، ودع منازعتهم، يا صاحب العلم عظّم العلماء لعلمهم، وصغّر الجهّال لجهلهم، ولا تباعدهم وقرّبهم وعلّمهم، يا صاحب العلم لا تحدّث بحديث في مجلس حتّى تفهمه، ولا تجب امرأ في قوله حتّى تعلم ما قال لك، يا صاحب العلم لا تغترّ باللّه، ولا تغترّ بالنّاس فإنّ الغرّة باللّه ترك أمره، والغرّة بالنّاس اتّباع هواهم، واحذر من اللّه ما حذّرك من نفسه، واحذر من النّاس فتنتهم، يا صاحب العلم إنّه لا يكمل ضوء النّهار إلّا بالشّمس كذلك لا تكمل الحكمة إلّا بطاعة اللّه، يا صاحب العلم إنّه لا يصلح الزّرع إلّا بالماء والتّراب، كذلك لا يصلح الإيمان إلّا بالعلم والعمل، يا صاحب العلم كلّ مسافر متزوّد وسيجد إذا احتاج إلى زاده ما تزّود، وكذلك سيجد كلّ عامل إذا احتاج إلى عمله في الآخرة ما عمل في الدّنيا، يا صاحب العلم إذا أراد اللّه أن يحضّك على عبادته فاعلم أنّه إنّما أراد أن يبيّن لك كرامتك عليه، فلا تحوّلنّ إلى غيره فترجع من كرامته إلى هوانه، يا صاحب العلم إنّك إن تنقل الحجارة والحديد أهون عليك من أن تحدّث من لا يقبل حديثك، ومثل الّذي يحدّث من لا يقبل حديثه كمثل الّذي ينادي الميّت ويضع المائدة لأهل القبور.[ سنن الدارمي ج 1 ص 158- 159 ] .
2- قال الغزاليّ- رحمه اللّه تعالى-: وكان أرباب البصائر إذا أقبلت عليهم الدّنيا حزنوا، وقالوا: ذنب عجّلت عقوبته، ورأوا ذلك علامة المقت والإهمال، وإذا أقبل عليهم الفقر قالوا: مرحبا بشعار الصّالحين، والمغرور إذا أقبلت عليه الدّنيا ظنّ أنّها كرامة من عند اللّه، وإذا احترفت عنه ظنّ أنّها هوان. [إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (3/ 404) ] .
3- يقول ابن كثير في الآية الكريمة: ( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار: 6] هذا تهديد، لا كما يتوهّمه بعض النّاس من أنّه إرشاد إلى الجواب حيث قال الكريم حتّى يقول قائلهم غرّه كرمه بل المعنى في هذه الآية: ما غرّك يابن آدم بربّك الكريم أي العظيم حتّى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء فى الحديث «يقول اللّه تعالى يوم القيامة: يا ابن آدم ما غرّك بي؟ يابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟» [تفسير ابن كثير (4/ 451) ] .
4- روى الماورديّ عن بعض البلغاء: الهوى مطيّة الفتنة، والدّنيا دار المحنة، فاترك الهوى تسلم، وأعرض عن الدّنيا تغنم، ولا يغرّنّك هواك بطيب الملاهي، ولا تفتننّك دنياك بحسن العواري، فمدّة اللّهو تنقطع وعاريّة الدّهر ترتجع ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم؛ وتكتسبه من المآثم. [أدب الدنيا والدين للماوردي ص 38، 39] .
5- نقل الماورديّ عن بعض الحكماء:
الدّنيا إمّا مصيبة موجعة، وإمّا منيّة مفجعة. وقال الشّاعر:
خلّ دنياك إنّها *** يعقب الخير شرّها
هي أمّ تعقّ من *** نسلها من يبرّها
كلّ نفس فإنّها *** تبتغي ما يسرّها
والمنايا تسوقها *** والأماني تغرّها
فإذا استحلت الجنى *** أعقب الحلو مرّها
يستوي في ضريحه *** عبد أرض وحرّها
فإذا رضت نفسك من هذه الحالة بما وصفت.
اعتضت منها بثلاث خلال إحداهنّ: أن تكفى إشفاق المحبّ وحذر الواثق فليس لمشفق ثقة ولا لحاذر راحة.
والثّانية: أن تأمن الاغترار بملاهيها. فتسلم من عادية دواهيها فإنّ اللّاهي بها مغرور والمغرور فيها مذعور.
الثّالثة: أن تستريح من تعب السّعي لها ووهن الكدّ فيها. [أدب الدنيا والدين ص 116، 117] .
6- روى الماورديّ عن بعض الحكماء قوله: إنّ للباقي بالماضي معتبرا وللآخر بالأوّل مزدجرا والسّعيد لا يركن إلى الخدع ولا يغترّ بالطّمع.[ أدب الدنيا والدين ص 123 ] .
7- قال ابن الجوزيّ: من النّاس من يغرّه تأخير العقوبة ومنهم من كان يقطع بالعفو، وأكثرهم متزلزل الإيمان فنسأل اللّه أن يميتنا مسلمين. [صيد الخاطر لابن الجوزي 484 ] .
8- قال ابن الجوزيّ: أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسّلامة وتأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منتهى ولا للاغترار حدّ.[ صيد الخاطر 393] .
9- قال ابن الجوزيّ في الاغترار بالظّواهر: كيف غرّك زخرف تعلم بعقلك باطنه، وترى بعين فكرك مآله؟ كيف آثرت فانيا على باق؟ كيف بعت بوكس؟ كيف اخترت لذّة رقدة على انتباه معاملة.[ صيد الخاطر 146] .
10- قال ابن الجوزيّ: من تفكّر في عواقب الدّنيا أخذ الحذر، ومن أيقن الطّريق تأهّب للسّفر، ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثمّ ينساه ويتحقّق ضرر حال ثمّ يغشاه (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ )[الأحزاب:37]، تغلبك نفسك على ما تظنّ ولا تغلبها على ما تستيقن، أعجب العجائب سرورك بغرورك، وسهوك فى لهوك عمّا قد خبّيء لك، تغترّ بصحّتك وتنسى دنوّ السّقم وتفرح بعافيتك غافلا عن قرب الألم، لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك- قبل الممات- مضجعك، وقد شغلك نيل لذّاتك عن ذكر خراب ذاتك. [صيد الخاطر ص 4] .
الإحالات
1- أخلاقنا الإجتماعية - مصطفى السباعي ص 10 المكتب الإسلامي الطبعة الثالثة 1397 .
2- صيد الخاطر - ابن الجوزي ص 113 , 135 .
3- مختصر منهاج القاصدين - ابن قدامة المقدسي تحقيق على عبد الحميد ص 302 دار الفيحاء- دار عمار الطبعة الأولى 1406 .
4- مفيد العلوم ومبيد الهموم - القزوينى تحقيق محمد عبد القادر عطا ص 279 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1405 .
5- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين القاسمي ص 383 دار النفائس الطبعة الرابعة 1405 .