عزلة
2022-10-12 - 1444/03/16التعريف
العزلة في اللغة :
تَعَاَزَلَ القومُ انْعَزَلَ بَعْضُهم عن بَعَض والعُزْلةُ الانْعِزال نفسُه يقال العُزْلةُ عِبادة وكُنْتُ بمَعْزِلٍ عن كذا وكذا أَي كُنْتُ بموْضع عُزْلةٍ منه واعْتَزَلْتُ القومَ أَي فارَقْتهم وتَنَحَّيت عنهم [لسان العرب لابن منظور 11/440] .
وفي الاصطلاح:
هي الخروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع [التوقيف على مهمات التعاريف لعبد الرؤوف المناوي تحقيق: د. محمد رضوان الداية] .
العناصر
1- فضل العزلة .
2- مفهوم العزلة الشعورية .
3- العزلة الشرعية لا تحل إلا في ظرف مخصوص .
4- الخطر فى فهم العزلة المحبوبة للزهادة فى الدنيا .
5- فوائد العزلة في التربية الذاتية .
6- استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان .
7- أيـهما أفضل العزلة أم الخلطة .
8- ضوابط العزلة .
الايات
1- قَالَ الله تَعَالَى: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مبِينٌ) [الذاريات:50].
2- قوله تعالى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا) [مريم:49] .
3- قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ..) [سورة مريم :48 ] .
4- قال موسى عليه السلام: (وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) [الدخان :21] .
الاحاديث
1- عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: « إنَّ الله يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيّ الْخَفِيَّ » [رواه مسلم (6721) ] .
2- عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في سَبيلِ اللهِ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ» وفي رواية: «يَتَّقِي اللهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» [متفقٌ عَلَيْهِ] .
3- وعنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ، وَمَواقعَ الْقَطْر يَفِرُّ بِدينِهِ مِنَ الفِتَنِ» [رواه البخاري] .
4- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ» فَقَالَ أصْحَابُهُ: وأنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ» [رواه البخاري] .
5- وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه قَالَ: «مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لهم رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سَبيلِ الله، يَطيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزعَةً، طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي القَتْلَ، أَوْ المَوْتَ مَظَانَّه، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيمَةٍ في رَأسِ شَعَفَةٍ مِنْ هذِهِ الشَّعَفِ، أَوْ بَطنِ وَادٍ مِنْ هذِهِ الأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَيُؤتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يأتِيَهُ اليَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ فِي خَيْرٍ» [رواه مسلم] .
6- عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما النجاة قال «أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك» [أخرجه الترمذي 4 / 605 ، وقال : حديث حسن وقال الألباني صحيح ، الصحيحة 888 ] .
7- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم» [أحمد في المسند (5022) وقال شعيب الأرناؤوط إسناده صحيح] .
8- عن ابن عمر رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الفتن، ووصفها وقال: «إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا» وشبك بين أصابعه، فقمت إليه فقلت : كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ فقال : « الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة، نفسك ودع عنك أمر العامة » [صحيح، السلسلة الصحيحة 1/444 ] .
9- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم» [رواه أبو داود : 4/ 459 وصححه الألباني4262] .
الاثار
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا أيها الناس، أظلتكم فتن كأنها قطع الليل المظلم، أنجى الناس فيها، أو قال: منها صاحب شاء يأكل من رسل غنمه، أو رجل من وراء الدرب، آخذ بعنان فرسه، يأكل من سيفه [أخرجه الحاكم في مستدركه] .
2- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: خالطوا الناس وزايلوهم وصافحوهم، ودينكم لا تُكلمونه [أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه] .
3- قال الفضيل بن عياض: ما أجد لذة، ولا راحة، ولا قرة عين إلا حين أخلو في بيتي [تاريخ دمشق] .
4- كان الحسن رحمه الله يقول: كلمات أحفظهن من التوراة: قنع ابن آدم فاستغنى، اعتزل الناس فسلم، ترك الشهوات فصار حراً، ترك الحسد فظهرت مروءته، صبر قليلاً فتمتع طويلاً [إحياء علوم الدين] .
5- قال ابن إبراهيم: لو لم يكن في العزلة أكثر من أنك لا تجد أعواناً على الغيبة لكفى [العزلة لأبي سليمان البستي] .
6- قال السري: من أراد أن يسلم دينه ويستريح قلبه وبدنه ويقل غمه فليعتزل الناس لأن هذا زمان عزلة ووحدة [تاريخ دمشق] .
7- قال أيضاً: لولا الجمعة والجماعة لسددت على نفسي الباب، ولم أخرج [صفة الصفوة] .
8- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :خذوا حظكم من العزلة".وقال "العزلة راحة من خليط السوء [فتح الباري شرح صحيح البخاري 11/331] .
القصص
1- قال سفيان الثوري: دخلت على جعفر الصادق، فقلت له:يا بن عم رسول الله! ما لي أراك سكنت دارك ولا تخالط الناس؟ فقال: نعم يا ابن سعيد! في العزلة دعة، وفي الدعة راحة، وما قدر لك يأتيك. يا سفيان! فسد أهل الزمان، وتغير الأصدقاء، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد.
2- قال الأصمعي: سألني الرشيد عن أعراب البادية، وعن أخبارها، فحدثته: أني كنت في مكان يقال له: الطخفة، وهي قرية لبني كلاب، رأيت فيها أعرابياً في عنقه طوقٌ ملتوٍ من فضة، وبيده زكرة، ومعه قدح نبع، فتتبعت أثره فجاء إلى جذم حائط، فجمع رميلة، ثم اتكأ عليها، وجعل يصب من شكوته نباذة له في قدح النبع ويشربه، ويرجز عليه، فسلمت عليه ووقفت عنده فقال: إن فيه خلالاً ثلاثاً إن سمع مني حديثاً لم ينمه علي، وإن تفلت في وجهه احتمل، وإن عربدت عليه لم يغضب، قال الأصمعي: فقال الرشيد: زهدتني في الندماء.
3- قال إبراهيم البخاري: دخلت المسجد الحرام بعد المغرب، فإذا فضيل بن عياض جالس، فجئت فجلست إليه، فقال: من هذا؟ فقلت: إبراهيم، قال: ما جاء بك؟ قلت: رأيتك وحدك، فجلست إليك، قال: تحب أن تغتاب أو تتزين أو ترائي؟ قلت: لا، قال: قم عني.
4- قال عبد العزيز بن الخطاب: رؤي إلى جانب مالك بن دينار كلب عظيم ضخم أسود رابض، فقيل له: يا أبا يحيى! ألا ترى هذا الكلب إلى جانبك؟ قال: هذا خير من جليس السوء.
الاشعار
1- قال الحريريي:
مُخَالِطُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا عَلَى خَطَـرِ *** وَفِي بَلاءٍ وَصَفْوٍ شِيْبَ بِالْكَـدَرِ
كَرَاكِبِ الْبَحْرِ إِنْ تَسْلَمْ حُشَاشَتُـهُ *** فَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْ خَوفٍ وَمِنْ حَذَرِ
2- قال الشافعي:
إِذَا لَم أَجِدْ خِـلاًّ تَقِيًّـا فَوِحْدَتِـي *** أَلَـدُّ وَأَشْهَى مِـنْ غَوِيٍّ أُعَاشِرُهْ
وَأَجْلِـسُ وَحْـدِي لِلْعِبَـادَةِ آمِنًا *** أَقَرُّ لِعَيْنِـي مِـنْ جَلِيـسٍ أُحَاذِرُهْ
3- قال الحميدي:
لِقَاءُ النَّاسِ لَيْـسَ يُفِيـدُ شَيْـئـا *** سِـوَى الْهَذَيَـانِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ
فَأَقْلِـلْ مِـنْ لِقَـاءِ الـنَّـاسِ إِلاَّ *** لأَخْذِ العِلْـمِ أَوْ إِصْـلاحِ حَالِ
4- رحم الله من قال:
وَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ لا عَهْدَ عِنْدَهُـمْ *** صَدَفْتُ – وَبيتِ اللهِ- عَنْ صُحْبَةِ النَّاسِ
وَصِرْتُ جَلِيسَ الْكُتْبِ مَا عِشْتُ فِيهُمُ *** وَأَعْمَلْتُ حُسْنَ الصَّبْرِ عَنْهُمْ مَعَ اليَاسِ
رَأَيْتُ لَهُمْ كاسًا مِنَ الغَـدْرِ بَيْنَهُمْ *** تُدَارُ وَمَا بِالْقَومِ صَبْرٌ عَنِ الكَـاسِ
5- قال الشافعي:
لَيْتَ السِّبَـاعَ لَنَا كَانَتْ مُجَـاوِرَةً *** وَلَيْتَنَا لا نَـرَى مِمَّا نَـرَى أَحَدَا
إِنَّ السِّبَـاعَ لَتَهْـدا فِي مَرَابِضِهَـا *** وَالنَّاسُ لَيْسَ بِهَـادٍ شَرُّهُـمْ أَبَدَا
فَاهْرُبْ بِنَفْسِكَ واسْتَأْنِسْ بِوَحْدَتِهَا *** تَعِشْ سَلِيمًا إِذَا مَـا كُنْتَ مُنْفَرِدَا
6- قال أحمد بن النقيب البغدادي
: قَـدْ بَلَـوتُ الـنَّـاسَ حَـتَّـى *** لَمْ أَجِـدْ شَخْـصًـا أَ
مِيـنًـا وَانْتَـهَـتْ حَـالِــي إِلَـى أَنْ *** صِـرْتُ للـبَـيْـتِ خَدِيـنَـا
أَمْـدَحُ الْـوَحْــدَةَ حِـيـنَـا *** وَأَذُمُّ الْـجَـمْـعَ حِـيْـنَــا
إِنَّمَـا الـسَّـالِمُ مَــنْ لَــمْ *** يَتَّخِـذْ خَـلْـقًـا قَـرِيـنَـا
7- قال محمد بن حجر السعدي:
زمانك ذا زمان دخول بيت *** وحفظ لسان وخفض صوت
قد مرجت عهود الناس إلا *** أقلَّـهم فبـادر قبل الفـوت
فما يبقى على الناس شيء *** وما خـلق امرؤ إلا لـموت
8- قال أبو الحسن محمد بن العباس النحوي:
آنست نفسي بنفسي *** فهي في الوحدة أنسي
وإذا آنسـت غيري *** فأحـق الناس نفسـي
فسد الناس فأضحى *** جنسهم من شر جنس
فلزمت البيـت إلا *** عند تَأْدِيْتِيْ لخمسـي
متفرقات
1- قال أبو سليمان الخطابي البستي: لا يستوحش مع الله من عمر قلبه بحبه، وأنس بذكره، وألف مناجاته بسره، وشغل به عن غيره، فهو مستأنس بالوحدة، مغتبط بالخلوة [العزلة لأبي سليمان البستي] .
2- وقال: ومن مناقب العزلةِ السلامةُ من آفات النظر إلى زينة الدنيا وزهرتها، والاستحسان لما ذمه الله - تعالى - من زخرفها، وعابه من زِبْرِج غرورها، وفيها منع النفس من التطلع إليها والاستشراف لها، ومن محاكاة أهلها، ومنافستهم عليها، قال الله - تعالى -: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [طـه:131] ا[لعزلة لأبي سليمان البستي] .
3- وقال: وفي العزلة السلامة من التبذل لعوام الناس، وحواشيهم، والتصون عن ذلة الامتهان منهم، وأمان الملال عند الصديق، واستحداث الطراءة عند اللقاء؛ فإن كل موجود مملول، وكل ممنوع مطلوب [العزلة لأبي سليمان البستي]
4- وقال: وأما عزلة الأبدان، ومفارقة الجماعة التي هي العوام فإن من حكمها أن تكون تابعة للحاجة، وجارية مع المصلحة، وذلك أن عظم الفائدة في اجتماع الناس في المدن، وتجاورهم في الأمصار، إنما هو أن يتضافروا، فيتعاونوا على المصالح، ويتآزروا فيها، إذا كانت مصالحهم لا تكمل إلا به، ومعايشهم لا تزكو إلا عليه. فعلى الإنسان أن يتأمل حال نفسه، فينظر فى أي طبقة يقع منهم؟ وفي أي جنبة ينحاز من جملتهم؟ فإن كانت أحواله تقتضيه المقام بين ظهراني العامة لما يلزمه من إصلاح المهنة التي لا غنية له عنها، ولا يجد بدًّا من الاستعانة بهم فيها، ولا وجه لمفارقتهم في الدار، ومباعدتهم في السكن والجوار، فإنه إذا فعل ذلك تضرَّر بوحدته، وأضر بمن وراءه من أهله وأسرته. وإن كانت نفسه بكلها مستقلة، وحاله في ذاته وذويه متماسكة، فالاختيار له - في هذا الزمان - اعتزال الناس، ومفارقة عوامهم، فإن السلام في مجانبتهم، والراحة في التباعد منهم [العزلة لأبي سليمان البستي] .
5- وقال: ولسنا نريد -رحمك الله- بهذه العزلة التي تختارها مفارقة الناس في الجماعات والجمعات، وترك حقوقهم في العبادات، وإفشاء السلام، ورد التحيات، وما جرى مجراها من وظائف الحقوق الواجبة لهم، ووضائع السنن والعادات المستحسنة فيما بينهم؛ فإنها مستثناة بشرائطها، جارية على سبلها، ما لم يحل دونها حائل شغل، ولا يمنع عنها مانع عذر، إنما نريد بالعزلة ترك فضول الصحبة، ونبذ الزيادة منها، وحط العلاوة التي لا حاجة بك إليها؛ فإن من جرى في صحبة الناس، والاستكثار من معرفتهم، على ما يدعو إليه شغف النفوس وإلف العادات، وترك الاقتصاد فيها، والاقتصار الذي تدعوه الحاجة إليه - كان جديراً ألا يحمد غِبَّه، وأن يستوخم عاقبته، وكان سبيله في ذلك سبيل من يتناول الطعام في غير أوان جوعه، ويأخذ منه فوق قدر حاجته؛ فإن ذلك لا يلبث أن يقع في أمراض مدنفة، وأسقام متلفة، وليس من علم كمن جهل، ولا من جرب وامتحن كمن ماد وخاطر [العزلة لأبي سليمان البستي] .
6- قال النووي: باب فضل الاختلاط بالناس وحضور جُمَعِهم وجماعاتهم ، ومشاهد الخير ، ومجالس الذكر معهم ، وعيادة مريضهم ، وحضور جنائزهم ، ومواساة محتاجهم ، وإرشاد جاهلهم ، وغير ذلك من مصالحهم لمن قدر عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقمع نفسه عن الإيذاء وصبر عَلَى الأذى. اعْلم أنَّ الاختلاط بالنَّاسِ عَلَى الوجهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ المختارُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء صلواتُ اللهِ وسلامه عَلَيْهِمْ ، وكذلك الخُلفاءُ الرَّاشدون ، ومن بعدَهُم مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، ومن بَعدَهُم من عُلَماءِ المُسلمين وأَخْيَارِهم ، وَهُوَ مَذْهَبُ أكثَرِ التَّابِعينَ وَمَنْ بَعدَهُمْ ، وبه قَالَ الشافعيُّ وأحمدُ وأكثَرُ الفقهاءِ رضي اللهُ عنهم أجمعين. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ) [7 المائدة :20] [رياض الصالحين] .
7- قال ابن الجوزي: ما أعرف للعالم قط لذة ولا عزاً ولا شرفاً ولا راحة ولا سلامة أفضل من العزلة؛ فإنه ينال بها سلامة بدنه ودينه وجاهه عند الله عز وجل وعند الخلق؛ لأن الخلق يهون عليهم من يخالطهم، ولا يعظم عندهم قدر المخالط لهم، ولهذا عظم قدر الخلفاء لاحتجابهم [صيد الخاطر] .
8- فصّل الغزالي في الأمور التي يرجع إليها في تحديد المصلحة، فبعد أن ذكر اختلاف العلماء في العزلة والخلطة، وحجج المائلين إلى المخالطة، وحجج المائلين إلى العزلة، ثم ذكر فوائد العزلة وغوائلها، وفوائد الخلطة كذلك. بعد ذلك خلص بقوله: أن الحكم عليها -أي العزلة- مطلقًا بالتفضيل نفيًا وإثباتًا خطأ؛ بل ينبغي أن ينظر إلى الشخص وحاله، وإلى الخليط وحاله، وإلى الباعث على مخالطته، وإلى الفائت بسبب مخالطته من هذه الفوائد المذكورة، ويقاس الفائت بالحاصل، فعند ذلك يتبين الحق، ويتَّضح الأفضل [إحياء علوم الدين] .
9- قال ابن عبد البر: وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك وإن كنت بين ظهرانيهم ذكر ابن المبارك عن وهيب بن الورد قال جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال إن الناس قد وقعوا فيما فيه وقعوا وقد حدثت نفسي أن لا أخالطهم فقال لا تفعل إنه لا بد لك من الناس ولا بد لهم منك ولك إليهم حوائج ولهم إليك حوائج ولكن كن فيهم أصم سميعا أعمى بصيرا سكوتا نطوقا وقال ابن المبارك في تفسير العزلة أن تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت [التمهيد لابن عبد البر تحقيق مصطفى بن أحمد العلوى و محمد البكرى 17/446 وإحياء علوم الدين للغزالي 3/154] .
10- قال الكرماني: المختار في عصرنا تفضيل الانعزال لندرة خلو المحافل عن المعاصي [فتح الباري 13/42-43 ، وعمدة القارئ 1 / 163 ط . والقرطبي 10 / 360 ، 17 / 264 ] .
11- قال النووي: قوله صلى الله عليه و سلم ( ثم مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره ) فيه دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفى ذلك خلاف مشهور فمذهب الشافعى وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال فى زمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك..[ شرح النووي على مسلم 13/34 ] .
12- قال الخطابي: ولو لم يكن في العزلة إلا السلامة من آفة الرياء والتصنع للناس وما يدفع إليه الناس إذا كان فيهم من استعمال المداهنة معهم والخداع المواربة في رضاهم لكان في ذلك ما يرغب في العزلة ويحرك إليها[العزلة 1/61] .
الإحالات
1- الآداب – البيهقي تحقيق عبد القدوس نذير ص 123 مكتبة الرياض الطبعة الأولى 1407 .
2- الآداب الشرعية – ابن مفلح الحنبلي 2/27 مؤسسة قرطبة .
3- الأخلاق الإسلامية – عبد الرحمن الميداني 2/165، 218 دار القلم الطبعة الأولى 1399 .
4- الأمر بالعزلة – ابن الوزير في آخر الزمان .
5- بدائع الفوائد – ابن القيم 4/274 دار الفكر .
6- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف – المنذري تحقيق مصطفى عمارة 3/439 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .
7- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء – ابن حبان تحقيق محمد عبد الحميد ص 81 دار الكتب العلمية .
8- رياض الصالحين – النووي تحقيق الألباني ص 256 المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1404 .
9- صيد الخاطر – ابن الجوزي 41، 232، 81، 398، 412، 449 .
10- العزلة – الخطابي تحقيق ياسين السواس دار ابن كثير – دمشق .
11- العزلة – الخطابي تحقيق عبد الغفار البنداري دار الكتب العلمية .
12- غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب – السفاريني 2/458 مؤسسة قرطبة .
13- فتح الباري – ابن حجر 11/330 دار الفكر .
14- قطر الولي على حديث الولي –الشوكاني تحقيق إبراهيم هلال ص 417 دار الباز 1397 .
15- كتاب الورع – أحمد بن حنبل تحقيق زينب القاروط ص 20 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1403 .
16- كشاف تحليلي – مشهور سلمان، جمال الدسوقي ص 271 مكتبة الصديق الطبعة الأولى 1408 .
17- مجموع الفتاوى –ابن تيمية 36/195 الطبعة الأولى 1398 .
18- مختصر منهاج القاصدين – ابن قدامة المقدسي تحقيق علي عبد الحميد ص 141 دار الفيحاء ، دار عمار الطبعة ألولى 1406 .
19- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين – القاسمي ص 233 دار النفائس الطبعة الرابعة 1405 .
20- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء – محمد حسن موسى ص 1670 دار الأندلس جدة الطبعة الأولى 1411 .
21- الوصايا – المحاسبي ص 104 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .