صدقة
2022-10-09 - 1444/03/13التعريف
الصدقة لغة:
اسم لما يتصدّق به وهو مأخوذ من مادّة (ص د ق) الّتي تدلّ على قوّة في الشّيء قولا أو غيره، ومن ذلك أخذ الصّدق لقوّته في نفسه، ومن الصّدق أخذت الصّدقة، لأنّها تدلّ على صدق العبوديّة للّه تعالى والصّدقة ما تصدّقت به على الفقراء (أو المساكين)، والمتصدّق هو الّذي يعطي الصّدقة، ولا يقال ذلك للّذي يسأل الصدقة ليأخذها، والعامّة تغلط في ذلك، وقال بعض أهل اللّغة: إنّ المتصدّق يقال للاثنين جميعا أي الّذي يعطي الصّدقة والّذي يسألها، والمصدّق يقال به على معنيين: الّذي يصدّقك في حديثك، والّذي يأخذ صدقات الغنم (ونحوها)، وقول اللّه تعالى: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) [الحديد: 18] بتشديد الصّاد أصله المتصدّقين فقلبت التّاء صادا وأدغمت في الصّاد، والصّدقة ما أعطيته في ذات اللّه للفقراء، يقال تصدّق عليه (أعطاه الصّدقة)، وفي الحديث لمّا قرأ القارأ قوله تعالى (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر: 18].
قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «تصدّق رجل من ديناره، ومن درهمه، ومن ثوبه»، أي ليتصدّق، لفظه الخبر، ومعناه الأمر كقولهم: أنجز حرّ ما وعد، أي لينجز. ويقال صدّق عليه في معنى تصدّق كما في قوله- عزّ وجلّ- (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) [القيامة: 31]، وفي حديث الزّكاة لا تؤخذ في الصّدقة هرمة ولا تيس إلّا أن يشاء المصدّق. رويت بفتح الصّاد مخفّفة وبفتح الدّال وكسرها، فعلى رواية فتح الدّال- وهي لأبي عبيد- صاحب الماشية وعلى رواية الكسر- وهي للجمهور- عامل الزّكاة، وقال أبو موسى (المدينيّ): الرّواية بتشديد الصّاد مفتوحة، وتشديد الدّال مكسورة وهو صاحب المال وأصله المتصدّق، والصّدقة في هذا الحديث هي المفروضة أو الواجبة، قال الرّاغب: وقد يسمّى الواجب صدقة إذا تحرّى صاحبها الصّدق في فعله، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) [التوبة: 60]، ويقال أيضا لما يتجافى عنه الإنسان من حقّه: تصدّق به، وذلك قوله عزّ وجلّ (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) [المائدة: 45]، وقوله عزّ من قائل (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 280]. أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصّدقة، وعلى هذا ما ورد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما تأكله العافية [العافية والعافي كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر.
وجمعها العوافي، انظر النهاية (3/ 266) ] فهو صدقة»، وقول اللّه عزّ وجلّ (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون: 10] ويحتمل أن يكون من الصّدق أو من الصّدقة [بتصرف يسير من المراجع الآتية: مقاييس اللغة، لابن فارس (3/ 339)، والصحاح للجوهري (4/ 1506)، ولسان العرب، لابن منظور (ص 2419) (ط. دار المعارف)، والمفردات، للراغب (ص 278) ] .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: هي العطيّة يبتغى بها المثوبة من اللّه تعالى وقال الرّاغب: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة، لكنّ الصّدقة في الأصل تقال للمتطوّع به، والزّكاة للواجب [التعريفات، للجرجاني 138)، والمفردات للراغب (278)، وقارن بالتوقيف على مهمات التعريف، للمناوي (214) ] . وقال التّهانويّ: الصّدقة: عطيّة يراد بها المثوبة لا التّكرمة؛ لأنّ بها يظهر الصّدق في العبوديّة، وهي أعمّ من الزّكاة، وقد تطلق عليها أيضا [كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي (4/ 260) ]، [انظر نضرة النعيم (6/2517) ] .
الايات
1- قال الله تعالى: ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [البقرة: 196] .
2- قوله تعالى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء: 92] .
3- قوله تعالى: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة: 45] .
4- قوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 271] .
5- قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 276] .
6- قوله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) [النساء: 114] .
7- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [المجادلة: 12- 13] .
8- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة: 278- 280] .
9- قوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35] .
10- قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون: 10] .
الاحاديث
1- عن عياض بن حمار المجاشعيّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذات يوم في خطبته ...الحديث وفيه: وأهل الجنّة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال» ... الحديث [مسلم (2865) ] .
2- عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنّ عمر ابن الخطّاب أصاب أرضا بخيبر فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يستأمره فيها، فقال: يا رسول اللّه إنّي أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قطّ أنفس عندي منه، فما تأمر به؟. قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدّقت بها». قال: فتصدّق بها عمر أنّه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدّق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرّقاب وفي سبيل اللّه وابن السّبيل، والضّيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم، غير متموّل. قال (الرّاوي): فحدّثت به ابن سيرين، فقال: غير متأثّل مالا [البخاري- الفتح 5 (2737) واللفظ له. ومسلم (1632). وقوله غير متأثل مالا: أي غير جامع مالا] .
3- عن عائشة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها أنّ فاطمة- عليها السّلام ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سألت أبا بكر الصّدّيق بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا أفاء اللّه عليه، فقال لها أبو بكر: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، وعاشت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ستّة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة. فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركا شيئا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس، وأمّا خيبر وفدك، فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانتا لحقوقه الّتي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى وليّ الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم» [البخاري- الفتح 6 (3092- 3093) ] .
4- عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه أنّ ناسا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا رسول اللّه ذهب أهل الدّثور بالأجور يصلّون كما نصلّي ويصومون كما نصوم ويتصدّقون بفضول أموالهم. قال: «أو ليس قد جعل اللّه لكم ما تصدّقون؟ إنّ بكلّ تسبيحة صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول اللّه! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» [مسلم (1006) ] .
5- عن جابر رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل على أمّ مبشّر الأنصاريّة في نخل لها. فقال لها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من غرس هذا النّخل؟. أمسلم أم كافر؟» فقالت: بل مسلم. فقال: «لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان، ولا دابّة ولا شيء إلّا كانت له صدقة» [مسلم (1552) ] . 6- عن أبي مسعود البدريّ رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ المسلم إذا أنفق على أهله نفقة، وهو يحتسبها، كانت له صدقة» [مسلم (1002) ] . 7- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه! نبّئني، ما حقّ النّاس منّي بحسن الصّحبة؟ فقال: «نعم. وأبيك! لتنبّأنّ. أمّك؟». قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك» قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أمّك». قال: ثمّ من؟ قال: «ثمّ أبوك» قال: نبئّني يا رسول اللّه عن مالي، كيف أتصدّق فيه؟ قال: «نعم. واللّه! لتنبّأنّ. أن تصدّق وأنت صحيح شحيح. تأمل العيش وتخاف الفقر. ولا تمهل حتّى إذا بلغت نفسك هاهنا، قلت: مالي لفلان، ومالي لفلان. وهو لهم وإن كرهت» [ابن ماجة 2 (2706). والحديث أصله في الصحيحين] .
8- عن المنذر بن جرير عن أبيه؛ قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار أو العباء. متقلّدي السّيوف، عامّتهم من مضر بل كلّهم من مضر. فتمعّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثمّ خرج. فأمر بلالا فأذّن وأقام. فصلّى ثمّ خطب فقال: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) [النساء: 1] إلى آخر الآية. (إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، والآية الّتي في الحشر (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) [الحشر: 18] تصدّق رجل من ديناره من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال)، ولو بشقّ تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثمّ تتابع النّاس، حتّى رأيت كومين من طعام وثياب. حتّى رأيت وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتهلّل كأنّه مذهبة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» [مسلم (1017) ] .
9- عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الخازن المسلم الأمين الّذي ينفّذ- وربّما قال يعطي- ما أمر به كاملا موفّرا طيّبا به نفسه فيدفعه إلى الّذي أمر له به أحد المتصدّقين» [البخاري- الفتح 3 (1438) واللفظ له. ومسلم (1023)] .
10- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل. وشابّ نشأ بعبادة اللّه . ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في اللّه اجتمعا عليه وتفرّقا عليه . ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال . فقال: إنّي أخاف اللّه، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ورجل ذكر اللّه خاليا ففاضت عيناه» [البخاري- الفتح 3 (1423). ومسلم (1031) واللفظ له ] .
11- عن كعب بن عجرة رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعيذك باللّه يا كعب ابن عجرة من أمراء يكونون (من) بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة، الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة، والصّدقة تطفأ الخطيئة كما يطفأ الماء النّار يا كعب بن عجرة! إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النّار أولى به» [الترمذي (614) واللفظ له، وقال حديث حسن غريب. وصححه الألباني، صحيح الترمذي (1/ 189) برقم (501) ] .
12- عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال: قلت: يا رسول اللّه، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان باللّه، والجهاد في سبيله». قال: قلت: أيّ الرّقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا». قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا أو تصنع لأخرق» قال: قلت: يا رسول اللّه! أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفّ شرّك عن النّاس، فإنّها صدقة منك على نفسك» [مسلم (84) ] .
13- عن حذيفة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كلّ معروف صدقة» [البخاري- الفتح 10 (6021) واللفظ له. ومسلم (1005) ] .
14- عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلوا وتصدّقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» [النسائي (5/ 79) واللفظ له وحسنه الألباني (صحيح النسائي برقم 2399) ] .
15- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يتصدّق أحد بتمرة من كسب طيّب، إلّا أخذها اللّه بيمينه، فيربّيها كما يربّى أحدكم فلوّه أو قلوصه. حتّى تكون مثل الجبل أو أعظم» [البخاري- الفتح 3 (1410). ومسلم (1014) واللفظ له] .
متفرقات
1- يقول مصطفى شيخ إبراهيم حقي: الصدقة هي إخراج المال تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى. وهي سد منيع بين المتصدق ودافعة لعظيم البلاء والشر وتدفع ميتة السوء. فإن الصدقات لها من الفوائد والفضائل ما لا يمكن حصره، ولو لم يكن فيها إلا أنها سبب في منع الشرور، وصد الأذى وتقفل سبعين بابًا من الضرر والهلاك والفقر والمرض، وغير ذلك من المصائب المؤلمة والمؤذية، لكان ذلك كافيًا لبيان ما تشتمل عليه الصدقة من فضائل [رد البلاء بالصدقة (ص 31) ] .
2- يقول أبو بكر بن العربي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 271]: فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْآيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ. الثَّانِي: أَنَّهَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى صَدَقَةَ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفْضُلُ صَدَقَةَ الْعَلَانِيَةِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَجَعَلَ صَدَقَةَ الْعَلَانِيَةِ فِي الْفَرْضِ تَفْضُلُ صَدَقَةَ السِّرِّ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَمَّا صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ إظْهَارَهَا أَفْضَلُ، كَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَسَائِرِ فَرَائِضِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ يُحْرِزُ بِهَا إسْلَامَهُ، وَيَعْصِمُ مَالَهُ. وَلَيْسَ فِي تَفْضِيلِ صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ عَلَى السِّرِّ وَلَا فِي تَفْضِيلِ صَدَقَةِ السِّرِّ عَلَى الْعَلَانِيَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ الْإِجْمَاعُ الثَّابِتُ. فَأَمَّا صَدَقَةُ النَّفْلِ فَالْقُرْآنُ صَرَّحَ بِأَنَّهَا فِي السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْجَهْرِ؛ بَيْدَ أَنَّ عُلَمَاءَنَا قَالُوا: إنَّ هَذَا عَلَى الْغَالِبِ مَخْرَجُهُ. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْحَالَ فِي الصَّدَقَةِ تَخْتَلِفُ بِحَالِ الْمُعْطِي لَهَا، وَالْمُعْطَى إيَّاهَا، وَالنَّاسِ الشَّاهِدِينَ لَهَا. أَمَّا الْمُعْطِي فَلَهُ فَائِدَةُ إظْهَارِ السُّنَّةِ وَثَوَابِ الْقُدْرَةِ، وَآفَتُهَا الرِّيَاءُ وَالْمَنُّ وَالْأَذَى. وَأَمَّا الْمُعْطَى إيَّاهَا فَإِنَّ السِّرَّ أَسْلَمُ لَهُ مِنْ احْتِقَارِ النَّاسِ لَهُ أَوْ نِسْبَتِهِ إلَى أَنَّهُ أَخَذَهَا مَعَ الْغِنَى عَنْهَا وَتَرَكَ التَّعَفُّفَ. وَأَمَّا حَالُ النَّاسِ فَالسِّرُّ عَنْهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ لَهُمْ، مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ رُبَّمَا طَعَنُوا عَلَى الْمُعْطِي لَهَا بِالرِّيَاءِ، وَعَلَى الْآخِذِ لَهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ؛ وَلَهُمْ فِيهَا تَحْرِيكُ الْقُلُوبِ إلَى الصَّدَقَةِ، لَكِنَّ هَذَا الْيَوْمَ قَلِيلٌ. [أحكام القرآن (1/314) ] .
الإحالات
1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (6/2517) .
2- رد البلاء بالصدقة مصطفى شيخ إبراهيم حقي .
3- البحر المديد المؤلف : أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الإدريسي الشاذلي الفاسي أبو العباس دار النشر / دار الكتب العلمية ـ بيروت الطبعة الثانية / 2002 م ـ 1423 هـ (1/353) .
4- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م (2/536) .
5- التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهج المؤلف : وهبة بن مصطفى الزحيلى الموضوع : فقهى و تحليلى القرن : الخامس عشر الناشر : دار الفكر المعاصر مكان الطبع : بيروت دمشق سنة الطبع : 1418 ق (3/67) .
6- أحكام القرآن المؤلف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ) راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م (1/314) .
7- الجامع الصحيح المختصر المؤلف : محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، 1407 – 1987 تحقيق : د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق – باب صدقة السر (2/515) .
8- المصنف في الأحاديث والآثار المؤلف : أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي الناشر : مكتبة الرشد – الرياض الطبعة الأولى ، 1409 تحقيق : كمال يوسف الحوت (2/72) .
9- الزهد ويليه الرقائق المؤلف : عبد الله بن المبارك بن واضح المرزوي أبو عبد الله الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي .
10- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف المؤلف : عبد العظيم بن عبد القوي المنذري أبو محمد الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1417 تحقيق : إبراهيم شمس الدين .
11- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (58/53) .
12- مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) المحقق: أبو مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر (2/435) .
13- مكفرات الذنوب والخطايا وأسباب المغفرة من الكتاب والسنة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/11) .
14- صدقة التطوع في الإسلام - مفهوم, وفضائل، وآداب، وأنواع في ضوء الكتاب والسنة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/15) .